الجمعة 29-03-2024 15:05:33 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الدعم الإيراني للحوثيين.. السلاح مقابل العمالة والارتزاق

الأربعاء 28 إبريل-نيسان 2021 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت-خاص / محمد العربي

 

وجهت إيران صفعة مدوية لحلفائها الحوثيين بعد أن أقرت قبل أيام بدعمها لهم بالأسلحة والخبراء، ولمحت إلى استخدامهم مجرد ورقة تفاوضية والمساومة بها بخصوص المحادثات حول برنامجها النووي، وهي بذلك أعادت توصيف الحوثيين أمام العالم أجمع بأنهم مجرد مرتزقة وعملاء بيدها ودمى تحركهم لتحقيق مصالحها الخاصة، وتدفعهم للتصعيد هنا وهناك وخوض معارك انتحارية تكبدهم خسائر مادية وبشرية فادحة، لتساوم بهم في تقوية موقفها التفاوضي بشأن برنامجها النووي، وفي نفس الوقت كشفت زيف مزاعمهم بقدرتهم على صناعة الأسلحة وتطويرها.

واعترفت إيران، في 21 أبريل الجاري، بدعم مليشيا الحوثي في اليمن بالمستشارين والمساعدة في إنتاج الأسلحة، وقال مساعد قائد فيلق القدس في ما يسمى الحرس الثوري الإيراني ووزير النفط الإيراني السابق رستم قاسمي، في لقاء مع قناة "روسيا اليوم"، إن إيران ساعدت الحوثيين في تكنولوجيا صناعة السلاح، مؤكدا أن "ما تمتلكه المليشيا من سلاح متطور" ناتج عن مساعدتهم بالاضافة إلى سيطرتهم على أسلحة الجيش اليمني سابقا.

وكانت إيران قد أقرت للمرة الأولى بدعمها للحوثيين في أكتوبر 2019، حيث ﻛﺸﻒ ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻷﺭﻛﺎﻥ ﺍﻹﻳﺮﺍﻧﻲ ﺍﻟﻠﻮﺍﺀ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺎﻗﺮﻱ، ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ مع محطة "ﻓﻮﻧﻴﻜﺲ" ﺍﻟﺼﻴﻨﻴﺔ، وﺗﻨﺎﻗﻠﺘﻬﺎ ﺍﻟﺼﺤﺎﻓﺔ ﺍﻹﻳﺮﺍﻧﻴﺔ، ﻋﻦ ﺩﻋﻢ ﺑﻼﺩﻩ ﻟﻠﺤﻮﺛﻴﻴﻦ، لكنه لم يعترف بدعمهم بالأسلحة والخبراء، وقال إن ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﺍﻹﻳﺮﺍﻧﻴﺔ لهم ﺗﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻮﺍﻧﺐ ﺍﻻﺳﺘﺸﺎﺭﻳﺔ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ، ﻭﻛﺸﻒ ﻷﻭﻝ ﻣﺮﺓ ﻋﻦ ﺃﻥ ما يسمى "اﻟﺤﺮﺱ ﺍﻟﺜﻮﺭﻱ" ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺧﺬ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﻪ.

- الحوثيون كورقة للمساومة

بعد ما يقارب سبع سنوات من الحرب التي أشعلها الحوثيون في اليمن، ساد خطابهم الإعلامي الحديث عن مفاهيم حديثة لا تعكس نهجهم الظلامي العنصري، وإنما يراد منها دغدغة عواطف البسطاء والعامة، من خلال حديثهم عن السيادة الوطنية، ووصفهم لجميع خصومهم السياسيين بأنهم مرتزقة وعملاء، لكن اعتراف إيران بدعمهم والمساومة بهم في مفاوضاتها النووية قزمهم وأظهرهم على حقيقتهم بأنهم أحقر مرتزقة وعملاء عبر التاريخ، كونه لأول مرة يستميت مرتزقة وعملاء في معارك عبثية ويقدمون عددا كبيرا من قادتهم ومقاتليهم ويحشدون المغرر بهم إلى معارك انتحارية لتعزيز موقف تفاضي لدولة أجنبية من أجل مصالحها، بينما هم لن يجنوا أي مكاسب من ذلك سوى الأرواح والدماء التي يسقون بها الصحاري والجبال ويدمرون بلدا ويمزقون نسيجه الاجتماعي خدمة لإيران.

وكشفت التسريبات الإعلامية بشأن المحادثات بين السعودية وإيران، التي جرت في العراق قبل أيام، جانبا مظلما من ارتزاق الحوثيين وارتهانهم لإيران، ذلك أن إيران طلبت من السعودية دعمها في ما يتعلق بالمحادثات حول برنامجها النووي، وفق وكالة رويترز، مقابل أنها ستطلب من الحوثيين الكف عن مهاجمة الأراضي السعودية، وهو ما يعني أن تصعيد الحوثيين هجماتهم على الأراضي السعودية كان بتوجيهات من طهران لأجل المساومة بذلك، وكذلك الأمر بالنسبة لتصعيدهم العسكري في أسوار محافظة مأرب، فهو يحمل رسائل ابتزاز للمجتمع الدولي بأن أذرع إيران في المنطقة قادرة على التصعيد وإقلاق أمن الإقليم في حال لم تحرز أي تقدم في المحادثات حول برنامجها النووي.

وتسبب الاعتراف الإيراني بدعم مليشيا الحوثي بردود فعل متشنجة من قِبَل مسؤولين إيرانيين وقيادات في مليشيا الحوثي، ففي حين نفت الخارجية الإيرانية تلك التصريحات وقالت إن مواقف إيران تعبر عنها الخارجية، فإن بعض قادة المليشيا الحوثية نفوا صحة تصريحات قاسمي وفسروها بأن الهدف منها إغاضة السعودية، وأنه ليس من حق السعودية وغيرها مساءلتهم بشأن علاقتهم بإيران.

أما رستم قاسمي، مساعد قائد فيلق القدس في ما يسمى الحرس الثوري الإيراني، والذي اعترف بدعم بلاده للحوثيين، فقد هاجم وزارة داخلية بلاده التي نفت تصريحاته، واتهمها بالدخول في مفاوضات سياسية غير مثمرة، وبأنهم نسوا "أساسيات الثورة التي قادها الخميني"، حسب وصفه.

وأرفق قاسمي، على تويتر، فيديو للواء محمد باقري، رئيس الأركان الإيرانية، يقول فيه: "نحن نقدم الدعم الاستشاري والفكري إلى اليمن (يقصد الحوثيين) والحرس الثوري هو المسؤول عن ذلك"، مشيرا إلى أن الحديث عن الوقوف مع مليشيا الحوثي ليس سيئا بالنسبة لإيران.

- سنوات تصدير العنف

تعود بداية علاقة إيران بالحوثيين ودعمهم إلى مطلع ثمانينات القرن الماضي عندما زار وفد من كبار علماء الإمامية(منهم بدر الدين الحوثي ومجد الدين المؤيدي) طهران سنة 1980 للحصول على دعمها للمشروع الإمامي الذي نشط آنذاك في استعادة دوره عقب انتهاء الحرب بين الجمهوريين والملكيين، ثم تعزز الدور الإيراني في تسعينيات القرن الماضي، حيث استغلت إيران تحسن علاقتها ببعض الدول العربية بعد انتهاء حربها مع العراق، فاتخذت من ذلك التحسن ستارا لمد نفوذها إلى اليمن وغيره بشكل تدريجي وغير ملفت للانتباه، حتى وصل الحال إلى ما هو عليه اليوم، وتوج ذلك بإرسال القائد في الحرس الثوري الإيراني المدعو حسن إيرلو كحاكم عسكري للحوثيين في صنعاء تحت لافتة "سفير".

في البدء، تمكنت إيران من اختراق المذهب الزيدي الشيعي في اليمن، واستقطاب عدد من أتباعه الذين تحولوا إلى المذهب الإثنى عشري، المذهب الرسمي للدولة الإيرانية، بعد حصولهم على بعثات دراسية إلى هناك تمت بموافقة السلطات اليمنية.

بعد ذلك، عمدت إيران إلى دعم ما يمكن وصفه بـ"الإحياء الزيدي" ومحاولة حرف أتباع هذا المذهب إلى المذهب الجعفري، الاثنى عشري، وجعلت هذا الإحياء موجها بدرجة رئيسية ضد الفكر السلفي الذي اعتبره علماء الزيدية تهديدا لمذهبهم.

ثم أخذ الدعم الإيراني للحوثيين يتزايد أثناء حروب صعدة الست، خلال السنوات الأخيرة من حكم علي صالح، بعد أن كان خلال السنوات الماضية يتم تحت ستار التجارة والأعمال الخيرية والبعثات التعليمية.

وبعد أن بدأ الحوثيون تمردهم الثاني على السلطة اليمنية الشرعية، بعد التوقيع على المبادرة الخليجية وتسلم عبد ربه منصور هادي رئاسة البلاد، قدمت إيران دعما كبيرا لهم، خاصة تهريب السلاح، وتم خلال تلك الفترة القبض على عدة سفن وزوارق إيرانية كانت في طريقها لتهريب السلاح للحوثيين، كما تم إلقاء القبض على عدة خلايا تجسسية تعمل لصالح إيران في اليمن، بلغ عددها ست خلايا.

وخلال تلك المدة، مولت إيران إنشاء وتأسيس أحزاب طائفية ومذهبية موالية لها، مثل حزب الأمة والحزب اليمني الديمقراطي، كما مولت إنشاء قنوات فضائية ناطقة باسم الحوثيين أو تروج لمشروعهم، وأنشأت معسكرات تدريب للحوثيين في أرتيريا.

وكانت وسائل إعلامية غربية قد أفادت بأن إيران كانت تدعم ظاهرة القرصنة بالقرب من مضيق باب المندب، بغية الإضرار بصادرات النفط الخليجية. كما أنها كانت تمول بعض فصائل الحراك الجنوبي الانفصالي، بالتوازي مع تقديم الدعم للحوثيين، وكل ذلك بغية الإضرار باليمن ودول الخليج وعلى رأسها السعودية.

وبعد الانقلاب وسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء بالتحالف مع الرئيس السابق علي صالح أقدمت إيران على تقديم الدعم للحوثيين بشكل كبير، من خلال تسيير 14 رحلة طيران في الأسبوع بين طهران وصنعاء، ووجهت الحوثيين باستفزاز السعودية من خلال تصريحات عدائية والتهديد بغزوها ثم القيام بمناورات عسكرية بالقرب من حدودها مع اليمن، رغم أنه لم يصدر من السعودية حينها أي سلوك عدائي ضد الحوثيين، وهو ما يعني أن الحوثيين تحركهم الأجندة الإيرانية في المنطقة، وهو ما كشفت عنه طهران مؤخرا من خلال اعترافها بدعهم واتخاذهم ورقة تفاوضية في محادثاتها النووية، بعد أن عينت حاكما عسكريا عليهم في صنعاء يأتمرون بأمره، تحت لافتة "سفير".

- حصاد المكاسب

بدأت إيران في الآونة الأخيرة بحصاد مكاسب دعمها لمليشيا الحوثي بتحويلها إلى مجرد ورقة للمساومة وخدمة المشروع الفارسي التخريبي، ولعل اعترافها بدعم الحوثيين يمثل رسالة لهم بأن يبقوا منصاعين للأجندة الإيرانية حتى لا ينقطع عنهم الدعم، خصوصا أن الحروب الطائفية العنيفة لا تكلف إيران الكثير من الأموال والمقاتلين، حيث تكتفي بإرسال عدد محدود من الخبراء والمقاتلين، وتزويد المليشيات الطائفية الموالية لها بالمال والسلاح، وتوجيهها بالتصعيد العسكري هنا وهناك.