السبت 20-04-2024 05:00:19 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الزبيري في ذكرى استشهاده.. إشعاع ثوري يبدد ظلام الإمامة

الإثنين 05 إبريل-نيسان 2021 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت - خاص - محمد العربي

 

أعادت الأوضاع التي تشهدها البلاد خلال السنوات الأخيرة إثر الانقلاب الحوثي وعودة الإمامة الكهنوتية بدعم من إيران، أعادت لذاكرة الشعب عظمة تضحيات الأبطال الأوائل الذين كان لهم شرف السبق في التحذير من خطر الإمامة وفسادها وإثارة الرأي العام ضدها، وبالتالي إشعال ثورة الـ26 من سبتمبر 1962 التي أطاحت بسلطة الإمامة الكهنوتية الفاسدة.

ويأتي في مقدمة هؤلاء الأستاذ والشاعر والمفكر والثائر الكبير محمد محمود الزبيري، الذي كان من السباقين في التحذير من خطر الإمامة والداعين لضرورة القضاء عليها، واستثارة الرأي العام ضدها، ولقيت أشعاره وأفكاره الثورية رواجا كبيرا، مما أسهم في تبلور الأفكار الثورية والتخطيط للثورة ضد الإمامة والإطاحة بها.

- محطة إلهام

تمثل ذكرى استشهاد محمد محمود الزبيري محطة إلهام للأجيال الجديدة للمضي في مقاومة المشروع الإمامي الحوثي المدعوم إيرانيا، كما أن مسيرته النضالية تعد بمثابة شعلة متوهجة يهتدي على نهجها السائرون في ركاب الحرية والرافضون لعودة الكهنوت وعهود الظلام والاستبداد والعنصرية السلالية المقيتة، خصوصا أن الثائر الزبيري يتميز بكونه من أهل العلم والفكر والثقافة، وعرف بصداقته وقربه من المثقفين والمفكرين من اليمن وخارجها، خصوصا الذين اختلطوا بأهل السياسة.

وكان الزبيري عالما وشاعرا وخطيبا مفوها وقاضيا ونموذجا نادرا من النوابغ في تلك الحقبة، فضلا عن كونه سياسي من طراز نادر لقدرته على استنهاض همة الأمة للثأر ضد الباطل والانتصار للحق، في وقت كان فيه الجهل هو السائد على نطاق واسع، وتنعدم وسائل التواصل بالجماهير، في حين تحكم الإمامة الكهنوتية قبضتها على كل مفاصل الحياة التي كانت بدائية ويسود فيها الجهل والتخلف والفقر والمرض.

لقد ولد الثائر محمد محمود الزبيري عالما وقاضيا بحكم نشأته في بيت علم وقضاء، حيث كانت أسرته التي نشأ فيها من الأسر الصنعانية العريقة التي نبغ فيها قضاة وعلماء وشعراء، فقد كان جده القاضي لطف الباري محمد محمود الزبيري شاعرا، وكان من أسرته أيضا لطف الله الزبيري الذي هو من علماء وشعراء اليمن المعروفين، كما اشتغل والده محمود محمد محمود الزبيري بالقضاء.

وتطور فكر الشهيد الزبيري السياسي والاجتماعي مع مرور الزمن، وكرس فكره وشعره وطموحاته لأجل الوطن من خلال إقناع الجماهير وتوجيه حركة القوى الاجتماعية حتى استشهد وهو لا يزال طموحا كرجل دولة فريد من نوعه، واستشهد في وقت مبكر قبل أن يتمكن من تحويل فكره إلى واقع ملموس في إرساء أسس الدولة اليمنية الحديثة والقضاء التام على الإمامة الظلامية.

- مسيرة حافلة بالنضال

بدأ الأستاذ محمد محمود الزبيري نضاله ضد الإمامة الطاغية بنشر الوعي والتحذير من خطرها على البلاد في أوساط النخب والطلاب اليمنيين في خارج البلاد، وتحديدا في مصر، التي أسس فيها كتيبة الشبان اليمنيين في سبتمبر 1940.

ثم عاد بعد ذلك إلى اليمن ليبدأ مسيرة عامرة بالنضال والتضحية ضد الإمامة العنصرية الفاسدة، وبدأ ذلك بأن قدم مذكرة للإمام يحيى تتضمن مشروعاً لإنشاء جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في صنعاء، وخطب لصلاة الجمعة في صنعاء خطبة حماسية أغضبت الإمام يحيى الذي أمر باقتياده إلى سجن الأهنوم مباشرة بسبب تلك الخطبة.

وبعد خروجه من السجن اتجه إلى تعز، وبدأ يفكر في أن يستعين بولي عهد الإمام على الإصلاح، ووافقه كثيرون من مثقفي اليمن على ذلك، لكنهم اكتشفوا قبل فوات الأوان عبثية مثل هذه الفكرة، ولذلك آثر الزبيري الانتقال بدعوته وأفكاره الثورية إلى عدن بعيدا عن بطش الإمام يحيى وحاشيته.

وبعد وصوله عدن، بدأ الزبيري يؤسس الكيانات الثورية ضد الإمامة، وأسس مع رفيق كفاحه الأستاذ أحمد محمد النعمان (1909 ـ 1996) حزب الأحرار في عدن في يونيو 1944، وأصدر صحيفة "صوت اليمن" لتكون ناطقة بلسان المعارضة ضد الإمام يحيى وداعية للثورة ضده.

وفي يناير 1946، أسس "الجمعية اليمنية الكبرى"، وهي الجمعية التي اشتركت في القيام بأولى ثورات اليمن في 1948 على الإمام يحيى حميد الدين (1869 ـ 1948)، وهي الثورة التي أصبح الزبيري بعدها من رجال الدولة ووزيرا للمعارف.

وظل الأستاذ أحمد محمد النعمان شريكا للزبيري في كفاحه، فالزبيري كان رئيسا للجمعية اليمنية الكبرى، وكان الأستاذ النعمان أمينها العام، وتضمن برنامج تلك الجمعية الدستور والحياة النيابية والحريات والمساواة وكل ما من شأنه أن تقوم به حياة سياسية قويمة على أرض اليمن بما يمهد لقيام دولة حديثة.

غير أنه إثر فشل ثورة 1948 بعد مدة زمنية قصيرة جدا، اضطر الزبيري لمغادرة اليمن، وسافر إلى باكستان. وبعد اندلاع ثورة 1952 في مصر، عاد الزبيري إلى القاهرة هو والأستاذ النعمان واستأنفا نشاطهما فيها وأصبحا ملاذا ومرجعا لأحرار اليمن الذين يخططون للثورة على الإمامة الكهنوتية الطاغية، وأسسا الاتحاد اليمني 1953- 1962.

وفي عام 1955، حدثت محاولة انقلاب الضابط أحمد الثلايا ضد الإِمام أحمد بن يحيى بن حميد الدين ولكنها فشلت وأُعدم الثلايا.

اندلعت بعد ذلك ثورة 26 سبتمبر 1962 على الإمام أحمد، وعاد محمد محمود الزبيري إلى صنعاء، وفيها استقبل استقبالا أسطوريا، وعُين مرة أخرى وزيرا للمعارف، ثم نائبا لرئيس الوزراء وعضوا في مجلس قيادة الثورة.

- الخلاف مع نظام عبد الناصر

وفي العام 1963، حدث خلاف بين الزبيري ونظام جمال عبد الناصر بسبب رفضه التدخل في عمل السلطات اليمنية، ولم يتفهم النظام الناصري خصوصية الوضع في اليمن وتأثير بعض مواقف عبد الناصر على مسار الثورة اليمنية، وهذه الخلافات جعلت نظام عبد الناصر ينظر للزبيري وأتباعه من الأعداء.

ونظرا لحساسية المرحلة، وخشية من تأثير الصراعات الجانبية التي تسبب بها نظام عبد الناصر على مسار الثورة اليمنية، آثر محمد محمود الزبيري الاستقالة في عام 1964، واستأنف نضاله على صعيد كان يتطلب شخصية من طرازه بصفاته ومكانته وهو ميدان الإصلاح بين القبائل، واشترك في مؤتمرات الصلح في "كرش" و"عمران" وغيرها، لكن جهوده كانت تواجه بالعراقيل.

- تأسيس "حزب الله"

وبعد أن رأى الزبيري أن الأوضاع المرتبكة والخلافات التي بدأت تنشب بين الجمهوريين قد تؤثر سلبا في معركة الدفاع عن الثورة، لم يقف موقف المتفرج، وإنما بدأ يفكر في تأسيس حزب يتجرد للدفاع عن الثورة والقضية الوطنية تحت راية الإسلام، وأسس "حزب الله"، عام 1963، وضم إليه الأستاذ عبد الملك الطيب والشيخ عبد المجيد الزنداني، ودعا الجميع إلى الانضمام إليه، كما أعاد إصدار صحيفته القديمة "صوت اليمن" لتكون لسان الحزب، وكان الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر فيما بعد من أبرز معاونيه في الحزب، وقال فيه مقولته المشهورة "لولا أن الله ساق لنا هذا الشاب ما استطعنا أن نأمر بمعروف أو ننهى عن منكر".

بدأ حزب الزبيري يكتسب شعبية أقلقت الملكيين وبعض الجمهوريين على حد سواء، ولم يكن هناك من خيار لمعارضيه سوى التخلص منه، ولم يدم الأمر طويلا، فقد استشهد في أول أبريل 1965 برصاصة اخترقت قلبه، وكان يوم استشهاده فاجعة كبيرة حلت باليمنيين المؤيدين للثورة والرافضين للحكم الإمامي السلالي الفاسد، وتمثل سيرته الحافلة بالنضال أيقونة تتناقلها الأجيال وإشعاعا يسير على نهجه الأحرار، خصوصا بعد انقلاب الحوثيين، أحفاد الأئمة، على السلطة الشرعية، ومحاولتهم إعادة عجلة التاريخ إلى الخلف.

وكان الشهيد محمد محمود الزبيري، رحمه الله، قد قال قبل استشهاده:
بحثت عن هبة أحبوك يا وطني
فلم أجد لك إلا قلبي الدامي

كلمات دالّة

#اليمن #الزبيري