الجمعة 26-04-2024 02:24:36 ص : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون وتصفيات مشايخ القبائل.. الثمن المر للتعايش مع مليشيات إرهابية

الخميس 18 مارس - آذار 2021 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص - محمد العربي

 

تواصل مليشيات الحوثيين الإرهابية التصفيات البشعة لمشايخ القبائل في مناطق سيطرتها، وتؤكد الإحصائيات تصفية المليشيات أكثر من 26 شيخا قبليا، خصوصا من تعاونوا معها وسهلوا لها السيطرة على مناطقهم ومهدوا لها الطريق إلى صنعاء مع بدء الانقلاب، فضلا عن رفدها بالمقاتلين القبليين، وفي نهاية المطاف، كانوا ذاتهم ضحية التعصب السلالي للمليشيات بعد أن استغنت عن خدماتهم، وبدأت خلال السنوات الأخيرة بتصفيتهم الواحد تلو الآخر، في نهج غريب، يؤكد أن المليشيات السلالية لا تتعايش حتى مع من قدموا لها خدمات كبيرة، فكيف ستتعايش مع مختلف مكونات الشعب اليمني السياسية والاجتماعية، خصوصا تلك التي تناصبها المليشيات العداء؟

- استمرار التصفيات

وفي أحدث مستجدات التصفيات التي طالت مشايخ قبائل موالين للحوثيين، حادثة اغتيال الشيخ محمد بن عسكر أبو شوارب في منزله بشارع المطار في صنعاء وإحراق جثته بمادة "الأسيد"، بتاريخ 13 مارس الجاري.

وفي 4 فبراير الماضي، تم اغتيال الشيخ مصلح الوروري، الذي ﻟﻘﻲ ﻣﺼﺮﻋﻪ ﺑﻜﻤﻴﻦ ﻧﻔﺬﻩ ﻣﺴﻠﺤﻮﻥ حوثيون ﻓﻲ ﻣﺴﻘﻂ ﺭﺃﺳﻪ ﺑﻤﻨﻄﻘﺔ "ﺫﻭ ﻏﻴﺜﺎﻥ" ﻓﻲ ﻣﺪﻳﺮﻳﺔ "ﻗﻔﻠﺔ ﻋﺬﺭ"، ﻭﻗﺘﻞ ﻣﻌﻪ ﻧﺠﻠﻪ "ﻳﻮﺳﻒ" ﻭﺃﺣﺪ ﻣﺮﺍﻓﻘﻴﻪ.

ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻮﺭﻭﻱ ﻣﻦ ﺃﺑﺮﺯ ﺍﻟﻮﺟﻬﺎﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻧﺎﺻﺮﻭﺍ ﻣﻠﻴﺸﻴﺎت ﺍﻟﺤﻮﺛﻲ ﻭﺳﻬﻠﻮﺍ ﺩﺧﻮﻟﻬﺎ ﺍﻟﻰ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻤﺮﺍﻥ ﻋﺎﻡ 2013، ﻛﻤﺎ ﺍﻧﻀﻢ ﻟﻠﻘﺘﺎﻝ ﻓﻲ ﺻﻔﻮﻑ ﺍﻟﻤﻠﻴﺸﻴﺎﺕ ﻭﻣﺜّﻠَﻬﺎ ﻓﻲ ﻋﺪﺓ اﺟﺘﻤﺎﻋﺎﺕ ﻟﺒﺤﺚ ﻭﻗﻒ إﻃﻼﻕ ﺍﻟﻨﺎﺭ أثناء ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻙ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﺮﻳﺘﻲ ﺍﻟﻌﺸﺔ ﻭﺍﻟﻘﻔﻠﺔ، وتتهم مصادر قبلية ما يسمى "جهاز الأمن الوقائي" التابع للمليشيات الحوثية ﺑﺎﻟﻮﻗﻮﻑ ﻭﺭﺍﺀ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ، ﻭﻫﻮ ﺟﻬﺎﺯ ﺃﻣﻦ ﺩﺍﺧﻠﻲ ﺍﺳﺘﺤﺪﺛﺘﻪ ﺍﻟﻤﻠﻴﺸﻴﺎت ﻟﻤﻼﺣﻘﺔ ﻋﻨﺎﺻﺮﻫﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﺸﻚ ﻓﻲ ﻭﻻﺋﻬﻢ.

ﻭجاءت عملية اغتيال الوروري إثر ﺧﻼﻓﺎﺕ ﻧﺸﺒﺖ بينه ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﻮﺛﻴﻴﻦ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻡ 2019، بسبب ﺭفضه المشاركة ﻓﻲ ﺍﻟﻬﺠﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺎﺋﻞ ﺣﺠﻮﺭ، ﻭﺩﻋﺎ ﺭﺟﺎﻝ ﻗﺒﻴﻠﺘﻪ إلى ﺍﻻﻧﺴﺤﺎﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﺒﻬﺎﺕ ﺁﻧﺬﺍﻙ، ﻭﻋﻘﺐ ﺫﻟﻚ ﺃﻗﺪﻣﺖ ﻣﻠﻴﺸﻴﺎت ﺍﻟﺤﻮﺛﻲ ﻋﻠﻰ ﻗﺘﻞ ﺃﺧﻴﻪ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻮﺭﻭﺭﻱ، ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻏﺎﺩﺭﺓ، ﺣﻴﺚ ﺯﺍﺭﻩ ﻣﺴﻠﺤﻮﻥ إلى ﻣﻨﺰﻟﻪ، وعندما خرج ﻟﻮﺩﺍﻋﻬﻢ ﻗﺘﻠﻮﻩ ﻓﻲ ﻭﺍﺩ ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ ﻭﺃﺧﺬﻭﺍ ﺳﻼﺣﻪ ﻭﺟﻨﺒﻴﺘﻪ.

وفي 23 فبراير الماضي، أقدمت مليشيات الحوثي على تصفية الشيخ القبلي مهلهل أحمد حسن ضبعان في شارع المطار بالعاصمة صنعاء، وهو ينحدر من منطقة بلاد الروس التابعة لمديرية سنحان.

وجاءت عملية اغتيال الشيخ "ضبعان" بعد 48 ساعة على عملية اغتيال الشيخ القبلي علي حزام أبو نشطان، وهو أحد مشايخ قبائل أرحب الموالين للمليشيات الحوثية. وأفادت مصادر قبلية أن عملية اغتيال "أبو نشطان" نفذها مسلحون حوثيون اقتحموا منزله وأطلقوا الرصاص عليه مما أسفر عن مقتله ومعه ثلاثة من أولاده وشقيقته.

- تصفيات واعتقالات

بدأت مليشيات الحوثيين بتقييم الشخصيات القبلية والاجتماعية في مناطق سيطرتها وتحديد من تشكك بولائهم، بعد أحداث ديسمبر 2017 في العاصمة صنعاء، والتي انتهت بقتل الحوثيين لحليفهم السابق علي عبد الله صالح، بعد تزايد الخلافات بين الطرفين.

ومنذ أبريل 2018، كثفت مليشيات الحوثيين من عملياتها السرية ونفذت تصفيات واعتقالات داخلية، ونقلت صحيفة الرياض -حينها- عن مصادر مطلعة قولها إن معظم العناصر المستهدفة بعمليات التصفيات السرية هم من رجال القبائل وبعض ضباط الجيش، وتتم التصفيات عن طريق ما يسمى "جهاز الأمن الوقائي" التابع للجماعة، وحدثت في أزمنة وأماكن مختلفة، وما زالت وتيرتها مستمرة، وأثارت الرعب في أوساط الكثير من منتسبي المليشيات الحوثية، وسط انعدام الثقة بكل قيادات الجماعة، وظهور أجنحة متصارعة داخلها.

بدأت هذه التصفيات بعد الانقلاب وسيطرة الانقلابيين على بعض المحافظات، لكنها كانت محدودة، ثم ازدادت وتيرتها منذ أبريل 2018. وفي أوائل يونيو 2018، قالت مصادر إعلامية إن اجتماعات مكثفة لقيادات حوثية خلصت إلى أن أسباب الانتكاسات والهزائم المتتالية والكبيرة للمليشيات الحوثية، خاصة في معقلها الرئيسي بمحافظة صعدة وفي الساحل الغربي للبلاد، تتلخص في الخيانة والسخط الشعبي من سلوك بعض المشرفين وفسادهم.

وأفادت مصادر إعلامية حينها بأن الاجتماعات وضعت لائحة بأسماء بعض قيادات المليشيات من أجل قتلهم بتهمة الخيانة، وتتضمن هذه اللائحة أسماء 204 من مشرفي المليشيات ورفعها إلى زعيمها عبد الملك الحوثي، مع تقارير باتهامات لكل قيادي منهم، بينها التواطؤ والخيانة والفساد وعدم حشد المسلحين.

- الثمن المر للتعايش مع الحوثيين

رغم تعدد أجنحة مليشيات الحوثي والصراعات فيما بينها، لكن الواضح هو أن العناصر المتحوثة من مشايخ قبائل ووجاهات اجتماعية هم الأكثر عرضة للتصفيات داخل المليشيات الحوثية.

وشهد شهر يوليو 2019، أكثر عمليات التصفيات دموية في محافظة عمران تحديدا، واستهدفت المليشيات من خدموها ومهدوا لها الطريق لانقلابها على الدولة.

ومن الشخصيات الاجتماعية التي اغتالتها المليشيات في محافظة عمران، القيادي الحوثي العميد محمد الشتوي، أحد أبرز قيادات المليشيات الحوثية في المحافظة، وأحد وجهاء قبيلة سفيان، الذي قتل خلال مواجهات مع قيادي حوثي آخر يدعى "مجاهد قشيرة"، وأسفرت عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة عشرة من الجانبين.

وفيما بعد تمت تصفية مجاهد قشيرة والتمثيل بجثته بصورة مرعبة، عكست مدى الوحشة والدموية التي وصل إليها الصراع والتناحر داخل المليشيات.

وقبل ذلك بأيام قليلة، قتل خالد جعمان من أبناء مديرية المدان، برصاص مسلح حوثي آخر من نفس الأسرة يدعى أمين جعمان، وذلك ضمن مسلسل تصفيات تنفذه الجماعة للتخلص من الأدوات التي ساعدتها في إسقاط عمران وصنعاء.

وعملية تصفية جعمان جاءت أيضا بعد أيام من مقتل الشيخ القبلي الحوثي سلطان الوروري، برصاص مسلحين حوثيين، والذي استضاف عناصر حوثية في منزله بإحدى قرى قفلة عذر، وبعد مغادرتهم منزله، أقدموا على قتله ونهب الطقم الذي كان يستقله، وسلاحه الشخصي، ورموا جثته على قارعة الطريق.

وفي مطلع أبريل 2019، أقدم المشرف الحوثي المدعو أبو ناجي الماربي على تصفية الشيخ القبلي أحمد سالم السكني، عضو المجلس المحلي بمديرية ريدة التابعة لمحافظة عمران، وعضو اللجنة الدائمة لحزب المؤتمر، في منطقة صرف شرق العاصمة صنعاء.

وانتقلت حمى التصفيات الداخلية داخل أحشاء الجماعة الحوثية إلى المحافظات الأخرى، من بينها محافظة إب، التي شهدت مواجهات بين مراكز نفوذ داخل الجماعة أسفرت عن تصفية القيادي الحوثي العميد عبد القادر سفيان، المعين من قبلهم وكيلا لمحافظة إب، في اشتباكات مع عناصر أمن وسط المدينة، وهو الذي مهد الطريق لسيطرة الانقلابيين على المحافظة نهاية 2014.

وفي سبتمبر 2019، عادت التصفيات الداخلية بين أطراف ومراكز النفوذ داخل مليشيات الحوثي في المناطق التي تسيطر عليها، ومن أبرز الشخصيات التي اغتيلت حينها، الشيخ أحمد الشعملي، أحد مشايخ سفيان، أثناء تناوله طعام الغداء بأحد المطاعم أمام ملعب الثورة بحي التلفزيون شمال العاصمة صنعاء.

ويعد الشيخ الشعملي من القيادات القبلية الحوثية في مديرية حرف سفيان ولا يقل تأثيرا عن الشيخ الشتوي الذي قتل في مدينة ريدة على يد مجاهد قشيرة، وكان قد خسر اثنين من أولاده في معارك الحوثيين ضد القوات الحكومية، كما أنه يصنف على جناح أبو علي الحاكم في الجماعة.

- تصفية المشايخ.. البقاء للسلالة

اتخذت الصراعات بين أجنحة المليشيات من مشايخ القبائل -الذين قدموا لها خدمات كبيرة في بداية الانقلاب- وقودا لها، وذلك بعد أن شكلت المليشيات ما يسمى "جهاز الأمن الوقائي" كحارس على نفوذ عائلة آل الحوثي داخل المليشيات، والذي أقدم على تصفية العديد من قيادات الجماعة المعروفين بـ"المشرفين"، علما بأنه تم تصفية العديد من القادة والضباط ممن كانوا ينتمون لما كان يعرف بالحرس الجمهوري في بعض جبهات القتال، والادعاء بأنهم قتلوا في المعارك.

لم تتورع مليشيات الحوثيين عن ممارسة أبشع أساليب القتل والسحل والتنكيل بحق حلفائها القبليين وقادتها السابقين ممن قدموا لها خدمات كبيرة منذ بدء الانقلاب، ففي حين يقوم ما يسمى "جهاز الأمن الوقائي" باعتقالات وتصفيات ميدانية ومحاكمات بحق عدد ممن يطلق عليهم "المشرفين"، فإن أي مشرف أو شيخ قبلي أو ضابط عسكري يقاوم مثل تلك الإجراءات فإن مصيره القتل والسحل والتشويه والتمثيل بجثته وتصوير ذلك فيديو ونشره أمام الرأي العام، في مسعى لبث الرعب وإثارة المخاوف في أوساط أتباع وقادة المليشيات الذين يدعي البعض أنهم يسعون لتحقيق مكاسب خاصة وجناية الأموال بدون أن يحشدوا مقاتلين في صفوف المليشيات، ويطلق عليهم صفة "منافقين".

كما أن العديد من المشايخ والشخصيات الاجتماعية في محافظة عمران، خاصة ممن تعاونوا مع الحوثيين في السيطرة على محافظة عمران واقتحام اللواء 310، ثم الحشد لصالح الحوثيين قبيل دخولهم العاصمة صنعاء، كان مصيرهم القتل أو الوفاة الغامضة أو الاعتداء والإهانات. وهناك مشايخ إما اعتقلوا أو وضعوا تحت الإقامة الجبرية، وبعضهم تعرضوا للصفع والإهانات والتهديد بالقتل وتفجير منازلهم.

وهناك مشايخ تم تهميشهم وتجريدهم من أي دور، وهكذا تواصل مليشيات الحوثيين مسلسل القمع والاضطهاد والقتل بحق كل من ساندوها في بداية الانقلاب وسلموها مناطقهم، بحثا عن مكاسب وامتيازات خاصة، وكان مصير الجميع القتل والإهانات والإقامة الجبرية والتهميش، وتتهمهم المليشيات الحوثية بـ"النفاق"، وتصفهم بـ"الطابور الخامس"، والحقيقة هي أنها تسعى لتصفية المشايخ وتهميش القبائل، لتبقى السلالة العنصرية هي المتصدرة للمشهد السياسي والاجتماعي في مناطق سيطرتها.