الجمعة 29-03-2024 19:01:54 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون والتجسس.. إرهاب مخابراتي يطال الجميع

الثلاثاء 09 مارس - آذار 2021 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت- خاص - محمد العربي

 

تتزايد ظاهرة التجسس من قبل مليشيات الحوثيين، مستخدمة في ذلك وسائل متنوعة، وتتعدد الفئات المستهدفة بالتجسس، فمن التجسس على قيادات السلطة الشرعية، وتجسس أجنحة المليشيات الحوثية على بعضها، إلى التجسس على المواطنين من العامة، والتجسس أيضا على النساء، حيث تواصل المليشيات كتم الأنفاس وفرض قبضة بوليسية قوية غير مسبوقة في تاريخ البشرية، تحولت معها حياة المواطنين إلى جحيم، ويصل الأمر لدرجة اعتقال أي مواطن يبدي تذمره من الوضع المعيشي في مناطق سيطرة المليشيات، وأحيانا يتم الاعتقال والإخفاء القسري لمجرد وشاية كاذبة يقدمها جاسوس للمليشيات بحق شخص بريء لمجرد خلاف شخصي معه أو بسبب مشاكل أسرية.

ورثت مليشيات الحوثيين الأجهزة الأمنية للنظام السابق الذي سلمها كل شيء، بما في ذلك أجهزة المخابرات، التي كان معظم منتسبيها ينتمون لمحافظات شمال الشمال التي تعد حاضنة اجتماعية للحوثيين، وبدورهم أعاد الحوثيون هيكلة هذه الأجهزة بإشراف وتدريب خبراء إيرانيين ولبنانيين، وتحولت أجهزة المخابرات الحوثية إلى أكثر الوسائل سطوة وقمعا وإثارة للقلق والاضطراب الاجتماعي وتشكيك كل شخص بالعديد من المحيطين حوله من أن يكونوا يعملون كمخبرين لدى مليشيات الحوثيين.

- وسائل التجسس

تتعدد الوسائل التي تستخدمها مليشيات الحوثيين في التجسس، لعل أهمها سيطرتها على شركات الاتصالات الحكومية والخاصة التي تقع مقراتها في العاصمة صنعاء، كما أن إيران منحت الحوثيين أجهزة تنصت حديثة تمكنهم من تتبع مكالمات قيادات السلطة الشرعية وبعض قادة المليشيات عبر "بصمة الصوت" في حال غيروا أرقامهم أو اتصلوا من هواتف أخرى، يضاف إلى ذلك، أنهم غيّروا عُقال الحارات في مناطق سيطرتهم، واستبدلوهم بآخرين موالين لهم، وهؤلاء تم تكليفهم بمهام مخابراتية كل واحد منهم في نطاق حارته، وهؤلاء يتتبعون عامة الناس ويراقبونهم ما إذا كانوا موالين للمليشيات الحوثية أو معارضين لها.

كما أنشأت المليشيات جهازا أمنيا نسائيا سمته "الزينبيات"، تتمثل مهمته في اقتحام البيوت والبحث عن من تصفهم "مطلوبين"، كما أن المجندات الحوثيات يراقبن النساء في الأماكن العامة وفي المعاهد والجامعات، والإبلاغ عن أي فتاة تنتقد الحوثيين وسلوكهم الإرهابي، وبعضهن يذهبن إلى البيوت ويجتمعن بالنساء ويراقبن ما يبدر منهن من حديث ومواقف عن المليشيات الحوثية، ويحاولن استقطاب نساء للعمل مع الحوثيين كمجندات ومخبرات أيضا، كما يتم تجنيد نساء لاستدراج قيادات حوثية وتوريطها في قضايا أخلاقية بغرض الابتزاز، وأحيانا ترسل مجندات إلى المحافظات المحررة وتشكيل خلايا تجسس نسائية فيها تتولى خدمة مليشيات الحوثي.

- التجسس على قيادات الحكومة الشرعية وضباط الجيش

في أوائل ديسمبر 2020، كشف الجيش الوطني عن تحقيقات صادمة لجواسيس زرعتهم المخابرات الإيرانية والحوثية في محافظة مأرب لاستهداف قيادات الحكومة الشرعية وضباط الجيش الوطني.

وبث التلفزيون اليمني الرسمي تسجيلات مصورة تحت عنوان "خيوط العمالة" لأخطر خلايا مليشيات الحوثي المؤلفة من ضابط رفيع المستوى وجندي بالجيش، كانا يعملان كجواسيس، قبل أن ينجح الجيش في ضبطهما وهما متلبسين بالخيانة.

وأقرت الخلية بالتورط بتعقب القيادات الرفيعة بوزارة الدفاع في الحكومة الشرعية، وعلى رأسهم وزير الدفاع الفريق الركن محمد على المقدشي، ورئيس هيئة الأركان العامة قائد العمليات المشتركة الفريق ركن صغير بن عزيز.

وجُندت خلية التجسس من قبل رئيس ما يسمى بـ"جهاز الأمن والمخابرات التابع للمليشيات الانقلابية الحوثية"، المدعو عبد الحكيم الخيواني، وثلاثة ضباط آخرين من مليشيات الحرس الثوري الإيراني وما يسمى فيلق القدس ويشرفان على ما يسمى بـ"القوة الصاروخية"، حيث يحمل اثنان الجنسية الإيرانية وثالث العراقية، وفقا لاعترافات أعضاء الخلية.

كما تمكن الجيش الوطني والأجهزة الأمنية في محافظة مأرب من كشف وتعقب عدة خلايا تجسس تعمل لصالح مليشيات الحوثي، من بينها الخلية المعروفة بـ"خلية سبيعيان"، وآخر خلايا التجسس التي تم القبض عليها في مأرب، خلية مكونة من ثماني نساء، في أواخر فبراير الماضي.

وقالت مصادر أمنية إنه عثر بحوزة الخلية النسائية على لواصق ألغام فردية وأجهزة تحديد مواقع، وأودعت النساء المقبوض عليهن معتقلا تابعا للمخابرات، وكشفت التحقيقات الأولية عن ارتباطهن بعدد من الأشخاص المتواجدين في مأرب، وعُثر في هواتفهن على رسائل بأشخاص يتم اغتيالهم.

- التجسس الإلكتروني

مثلت شركات الاتصالات العمود الفقري لتجسس الحوثيين على قيادات السلطة الشرعية وضباط الجيش الوطني، والتجسس على بعض قادة المليشيات ذاتها، وظل ملف الاتصالات من أكثر الملفات الشائكة في اليمن، وسط دعوات موجهة للسلطة الشرعية والتحالف العربي بتجريد الحوثيين من الهيمنة على شركات الاتصالات الحكومية والخاصة في البلاد، ونقلها إلى إحدى المحافظات المحررة.

قبل أشهر، نشر موقع "إندبندنت عربية" تحقيقا صحفيا سلط فيه الضوء على استخدام الحوثيين شركات الاتصالات للتجسس على قيادات السلطة الشرعية وكل من يشككون بعدم ولائه لهم، وذكر التحقيق أن زعيم المليشيات، عبد الملك الحوثي، وقف على تشكيل لجنة لـ"تنظيم التجسس على اليمنيين" في 2016 مكونة من جهاز الأمن القومي اليمني الذي أسسه وبحضور ممثلين شخصيين للحوثي شخصيا نظرا لحساسية الموضوع، وهما ضيف الله زبارة، وعبادي العويري، جميعهم وقفوا على تعيين 7 قيادات على رأس وزارة الاتصال، بينهم 3 ضباط، عقيدان ورائد، قال الموقع إنه يحتفظ بأسمائهم.

ووفقا للتحقيق، فإنه فور تكوين اللجنة، قامت من جهتها بإنشاء وحدات من خبراء، تم تأهيلهم في إيران والعراق ولبنان، توزعت مهامهم على كل قطاعات الاتصالات. بعد ذلك عملت اللجنة الرئيسة بحسب مصدرين أمنيين تحدثا إلى "إندبندنت عربية"، في سياق "غرفة عمليات مشتركة بين وزارة الدفاع والداخلية في صنعاء، مهمتها البحث والتحري عن كل قيادات وضباط الحكومة الشرعية، ومعرفة أرقامهم التي لم تكن مسجلة بأسمائهم، وكذلك رصد أرقام الأشخاص المناوئين للجماعة من الوجهاء والتربويين ومشايخ القبائل وذوي النفوذ، وذلك باستخدام سجلات شركات الاتصالات السرية للشركات اليمنية، مثل "يمن موبايل" و"سبافون" و"أم تي أن"، والبدء في مراقبة نشاط المستهدفين".

إحدى الفرق التي انبثقت من لجنة التجسس، تولت مهمة اختراق حسابات في منصات التواصل الاجتماعي، أبرزها "فيسبوك" و"واتساب" و"تليغرام"، بعضها ينشط من خلالها ضباط وقيادات النظام اليمني الجمهوري ممن كانوا مع الحكومة الشرعية أو الذين التزموا الحياد في منازلهم.

وذكر التحقيق أن إفادات المصدرين الأمنيين اللذين تحتفظ "إندبندنت عربية" باسميهما، أكدت أن العناصر التابعة للجماعة قامت ما استطاعت بالسيطرة على الحسابات والتجسس على شرائح الجوال ما أمكنها ذلك، وطورت تقنية استطاعت بفضلها رصد كل تحركات المطلوب مراقبتهم عبر تتبع "الشريحة" من دون توقف ما بقيت متصلة بالبطارية.

ووفقا للمعلومات التي حصل عليها الموقع من المصدرين الأمنيين، فإن عام 2018 شهد تطورا لافتا حين بدأت العناصر التي تم تدريبها في إيران ولبنان والعراق، بربط الأجهزة التي في حوزتهم، بأجهزة تنصت حديثة أكثر تطورا تتصل مباشرة بغرفة العمليات الحربية والصواريخ والطيران المسير من أجل استهداف قيادة الجيش وعناصر المقاومة الشرعية بواسطتها.

وأوضحا أنه من الأجهزة الجديدة التي تم ربطها بالاتصالات وغرفة العمليات العسكرية، أجهزة ترصد حركة طيران التحالف، هذه الأجهزة لها رادارات خاصة بها، تم توزيعها في مختلف المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة، وهذا -بحسب المصدرين- ربما يكون أحد أسباب عدم إصابة بعض ضربات الطيران التابع لقوات التحالف العربي أهدافها، إذ ترد إلى الحوثيين البلاغات عن الهجوم قبل عمليات الاستهداف بحوالى عشر دقائق.

- تجسس الحوثيين على بعضهم

تسبب تجسس الحوثيين على بعضهم بنشوب خلافات حادة بين أجنحة الجماعة وصراعها على قطاع الاتصالات، نظرا لما يدره هذا القطاع من أموال طائلة، واشتدت وتيرة الصراع بين كبار قادة الجماعة على العائدات من هذا القطاع، بالتزامن مع تقديم استقالات واتهامات بينية بالفساد والتجسس على آلاف المشتركين في الخدمة.

ونقلت وسائل إعلامية عن مصادر مطلعة، في أغسطس 2020، تأكيدها تصاعد حدة الصراع بين فصائل الجماعة على المناصب والأموال المنهوبة من عائدات وزارة الاتصالات والهيئات والمؤسسات التابعة لها في صنعاء، واتهامات بالتجسس على قادة في المليشيات.

وكشفت وثيقة حوثية عن جانب من صراع قادة ومشرفي الجماعة في وزارة الاتصالات الخاضعة لسيطرتها، حيث دفعت قضايا فساد وخلافات على أموال إلى استقالة القيادي الحوثي المدعو هاشم الوشلي المعين وكيلا للوزارة في حكومة الانقلاب غير المعترف بها دوليا.

وجاء في مذكرة الاستقالة التي قدمها الوشلي اعترافه بأن قطاع الاتصالات تحول إلى "بيئة للصراع المقيت" قبل أن يقوم وزير الجماعة مسفر النمير هو أيضا بتقديم استقالته على خلفية الصراع نفسه بين أجنحة المليشيات.

وأتت استقالة وزير المليشيات على خلفية الاتهامات والتخوين التي طالته بعد تسريب معلومات عن قيامه بتنصيب أجهزة تجسس على أكثر من ثلاثة آلاف مستخدم للاتصالات، من بينهم قادة في الجماعة، إلى جانب مسؤولين موالين للحكومة الشرعية.

ومن ضمن الأسباب التي دفعت النمير للاستقالة -وهو من المقربين من زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي وسبق له أن تولى إدارة مكتبه- تسرب وثائق حصلت عليها أطراف محلية ودولية، تدين الأول بالتجسس على قيادات قبلية وعسكرية في مناطق سيطرة الجماعة، وفي المناطق المحررة على حد سواء.

وكانت مصادر يمنية محلية قد كشفت عن أن أطرافا دولية ومحلية حصلت على وثائق تشير إلى قيام فريق حوثي بالتجسس على مكالمات الاتصالات لمئات الشخصيات اليمنية، وتفريغ اتصالاتها، ورفعها لقيادات عسكرية في الجماعة موالية للجناح الذي يتزعمه محمد علي الحوثي، الحاكم الفعلي لمجلس حكم الانقلاب في صنعاء.

ومنذ انقلاب الجماعة وبسط نفوذها وسيطرتها الكاملة على كافة مؤسسات الدولة، بما فيها قطاع الاتصالات الحكومي والخاص، أجبرت المليشيات ذاتها جميع شركات الاتصالات على تسهيل عمليات تجسسها على مشتركيها، لاستخدام تلك المعلومات في تنفيذ حملات قمع واعتقال وتنكيل وتعسف وقرصنة إلكترونية.