الجمعة 26-04-2024 01:02:43 ص : 17 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الأعراف والتقاليد اليمنية الأصيلة.. في مقصلة ثقافة الحوثيين الدخيلة

الثلاثاء 19 يناير-كانون الثاني 2021 الساعة 12 صباحاً / الإصلاح نت – خاص/ عبد الرحمن أمين

 

 

ليس ثمة ما يخشاه الحوثيون أكثر من النظام والقانون وأعراف المجتمع وعاداته وتقاليده الأصيلة، النابعة من هويته الإسلامية، والمستمدة من قيم الدين الحنيف وتعاليمه النبيلة وأخلاقه الفاضلة، أعراف وتقاليد وعادات توارثها الشعب اليمني العظيم عن آبائه وأجداده، والضاربة جذورها في أعماق التاريخ.

فما تمارسه المليشيا الحوثية منذ انقلابها على الشرعية المنتخبة والدستور لم يعد يقتصر على مخالفة القانون والدستور فحسب، بل تعدى ذلك ليشمل حتى عادات وتقاليد المجتمع المحترمة المتعارف عليها منذ قديم الزمان، والتي أقصيت واستبيحت منذ سيطرة الحوثيين على عدة مناطق في اليمن، محاولة تجاوزها والاستهانة بها والاستهتار بأبناء القبائل في المجتمع اليمني، والذين تمثلهم تلك العادات والأعراف، حيث ظلت الأعراف والتقاليد القبلية مصدر فخر لكل القبائل اليمنية جيلاً بعد آخر، ورفعوا من شأن أحكامها وجعلوها رديفًا للتشريعات والقوانين، ليأتي انقلاب الحوثيين على السلطة واغتصابهم لها بقلب المعادلة وتغيير تلك النظرة، فارتكبوا الجرائم واستباحوا كل محظور.

 

امتهان القبيلة

ومنذ بدء تنفيذ الحوثيين مخططهم للسيطرة على اليمن، تعمدوا إهانة القبائل من خلال استهداف رموزها وشيوخها، وعملوا على تفكيك بنية القبائل وزرع الثارات بينها وإثارة النعرات، عاملين بكل ما لديهم من أساليب على تحاشي توحدها، لضمان الهيمنة والنفوذ، كما شهدت المناطق التي سيطر عليها الحوثيون شمال اليمن تصفيات جسدية لعدد من المشايخ والوجهاء القبليين.

وقد أقدمت المليشيات على قتل الشيخ خالد جمعان، والشيخ سلطان الوروري، الذي وجدت جثته ملقاة على قارعة الطريق في محافظة عمران، وبعدها بأيام قُتل محمد الشتوي أحد شيوخ المحافظة، وكذلك الشيخ أحمد السكني، وفي محافظة إب قتل الحوثيون الشيخ عبد القادر سفيان، وفي محافظة حجة قتل الحوثيون رئيس فرع المؤتمر الشعبي العام بمديرية كشر الشيخ محمد حمود العمري ونجله داخل بيته، وغيرهم من المشايخ الذين تمت تصفيتهم والقضاء عليهم.

 

العيب الأسود

وتتنوع انتهاكات الحوثيين للأعراف والتقاليد القبلية في اليمن بكافة مستوياتها، بدءاً من إقامة نقاط تفتيش غير قانونية، والتي تندرج ضمن التقطعات والحرابة، وانتهاء باختطاف النساء وتغييبهن في السجون ومنع الزيارة عنهن وانقطاع أخبارهن، إذ عادة ما كانت مثل هذه التصرفات ينظر إليها أبناء المجتمع كعيب أسود نادرا ما تحدث من سفلة القوم، ناهيك عن وقوعها من قبل جهات رسمية كما هو حاصل الآن.

ويعتبر "العيب الأسود" أعلى مراتب العيوب في العرف اليمني، ويتمثل بالاعتداء على فئات المجتمع المحترمة والضعيفة كالنساء والأطفال والمسنين، حيث يقوم الناس بمقاطعة مرتكبه أيا كان مقامه، ومعاقبته قبليا بإنزال عقوبة مغلظة تتضمن 11 ضعفاً على عقوبة المرتكب لنفس الاعتداء ضد رجل، وفقا للأعراف المتعارف عليها لدى قبائل اليمن البارزة.

 

إهانة النساء

وبقدر ما كانت تحظى المرأة من مكانة مرموقة في المجتمع اليمني، إلا أن تلك المكانة فقدت رونقها لتصبح جزءا من الماضي، إذ تبدو ظاهرة الاعتداء على النساء غريبة على المجتمع في اليمن والذي تحكمه أعراف وعادات وتقاليد أصيلة تمنح المرأة حرمة تصل إلى حد القداسة، ولا يمكن تجاوزها أو انتهاك هذه الحُرمة المقدسة، غير أن ما يحدث الآن هو النقيض من ذلك تماما، إذ لم تُكسر هذه الأعراف والتقاليد بتعرّض المرأة للضرب فحسب، بل تعدّى ذلك إلى الاعتقال والإخفاء القسري، ليصل الأمر إلى قتل النساء في الشوارع، وبطريقة مستفزة للمجتمع برمته.

وتقول الشبكة اليمنية للحقوق والحريات إن مليشيا الحوثي ارتكبت (4282) انتهاكا بحق النساء في اليمن خلال الفترة من 21 سبتمبر 2014 وحتى 25 أكتوبر 2020، موضحة أن تلك الإحصاءات التي وثقتها موزعة على 17 محافظة يمنية.

وذكرت الشبكة في تقريرها الذي أصدرته نهاية العام الماضي أن فريقها وثق 1456 عملية قتل و2379 إصابة جراء القصف المدفعي وانفجار الألغام والعبوات الناسفة وأعمال القنص والإطلاق العشوائي للرصاص الحي، بالإضافة إلى 447 عملية اختطاف وإخفاء وتعذيب.

وتؤكد منظمة "مكافحة الإتجار بالبشر" اليمنية، أن عدد المختفيات وفقاً للبلاغات التي تلقتها يصل إلى 120 امرأة من أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء فقط، وأن أغلبهن معتقلات في البحث الجنائي بصنعاء.

ولم تجد عدد من النساء المختطفات في معتقلات الحوثي السرية وسيلة أجدى من الانتحار كخيار وحيد للخروج من حالة المعاناة والمأساة التي يلقينها، والتخلص من جحيم عذاب جسدي ونفسي وجدن أنفسهن محاصرات به لدى مليشيا إجرامية لا تراعي دينا ولا قيَما ولا عرفا، وتضرب بكل العادات والتقاليد اليمنية الأصيلة والمحافظة عرض الحائط.

وتتنوع حالات امتهان الحوثيين للمرأة اليمنية في أشكال شتى، إذ شرعت في استغلال النساء والزج بهن في أنشطة عسكرية وتدريبات شاقة وعنيفة في مناطق غير مأهولة على أيدي أشخاص غرباء وربما من جنسيات مختلفة، في خطوة مخالفة لتقاليد وأعراف اليمنيين، رغم أن هؤلاء النسوة أصبحن أرامل وأمهات أيتام، فضلاً عن معاناتهن قساوة الحياة وويلات نيران الحرب.

 

اقتحام البيوت

احترام خصوصيات الآخرين والحفاظ على حرمات بيوتهم واحد من الأعراف التي توارثها المجتمع اليمني وأولوها اهتماما بالغا، حيث يعد انتهاك حرمات البيوت من العيوب الكبيرة والمخالفات الجسيمة، إذ تترتب عليها عقوبات مالية كبيرة تسلم لمن وقع بحقه هذا الانتهاك واعتذار علني أمام حشد كبير من الناس وفق عادات وتقاليد قبلية معروفة تسمى بـ"الهَجَر".

غير أن هذا العرف كان ضمن بقية الأعراف التي داستها أقدام المليشيا الحوثية في إطار دوامة الفوضى التي افتعلتها.

ورغم ما يحظى منزل الشيخ الأحمر من احترام ومكانة مرموقة ومهابة لدى مختلف القبائل اليمنية بمختلف انتماءاتها القبلية والسياسية، باعتباره قامة وطنية سامقة وهامة نضالية عالية، وباعتبار نجله الشيخ صادق الأحمر شيخ مشايخ حاشد، فقد تعرض المنزل للإهانة عندما حاصره مسلحو الحوثي ثم اقتحموه رغم وعودهم وتعهدهم له بعدم القيام بذلك، تلا ذلك التقاط صور مهينة للشيخ صادق الأحمر ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم تعهدهم والتزامهم أيضا بعدم فعل ذلك.

تلا ذلك اعتداء الحوثيين على الشيخ محسن المقداد، شيخ قبائل آنس في محافظة ذمار، وصادروا أراضيه وفرضوا عليه حصاراً مسلحاً وهددوه بالقتل والتصفية.

كما اقتحم القيادي الحوثي أبو علي الحاكم منزل الشيخ مجاهد القهالي واعتدى عليه وهدده بالقتل وتفجير بيته بمحافظة عمران.

 

التلاعب بالأعراض

وفي سابقة أخرى لم تحدث في المجتمع اليمني من قبل، فقد أكدت مصادر إعلامية إقدام بعض قيادات المليشيا الحوثية وبعضهم من قيادات الصف الأول على التزوج من أرامل قتلاها بالإكراه قبل اكتمال العدة، إذ لم تمضِ على عدة بعضهن أكثر من شهر واحد، ليصل الحال بهم إلى زواج قيادي مقرب من زعيم الجماعة "عبد الملك الحوثي" بامرأة زوجها في أحد السجون الحوثية بصعدة، حيث أبلغت أسرته بأنه قتل قبل زمن في إحدى الجبهات بينما الرجل يعذب داخل السجن ولا يزال حيًا باعتراف أحد الحراس.

وإمعانا منهم في امتهان الأعراف المحترمة والتقاليد المعتبرة، فقد مارس الحوثيون لونا آخر من التصرفات المستفزة.

ففي العام 2016، أحرقت أمهات المختطفين ضفائرهن وبعض أغطيتهن أمام قصر الرئاسة كتعبير للاستنجاد وطلب النصرة، وفق العرف المتعارف عليه في اليمن، للمطالبة بالإفراج عن أبنائهن المختطفين، حيث عادة ما تقابل هذه الخطوة بالاستجابة والنفير العام ممن تشملهم الدعوة إبرازا للمروءة والنخوة، غير أن تلك الخطوة قوبلت بالاستهتار واللامبالاة، بل ووصل الأمر إلى أن يطأ أحد أفراد مليشياتهم الضفيرة بقدمه تعبيرا عن استهتارهم بكرامة اليمنيين وتقاليدهم وأعرافهم.

وقد تقلّص وانحسر دور القبيلة السياسي بشكل غير مسبوق مع استيلاء الحوثيين على الدولة ومؤسساتها منذ العام 2014، حيث تلقت القبيلة ورموزها السياسية وقواها التقليدية وعاداتها وتقاليدها أكبر صفعة في تاريخ اليمن المعاصر، إذ برز الحوثيون كقوى معادية للمجتمع اليمني وثقافته وهويته ومورثه الشعبي والحضاري، عبر إشاعة الفوضى ونشر الفساد وإحلال ثقافتهم الدخيلة بديلا عن ثقافة أصيلة هي ثقافة يمن الإيمان والحكمة.