الخميس 25-04-2024 02:32:38 ص : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

تفكيك الخطاب الديني الحوثي(2)..مغالطات نصوصية وتوظيف سياسي

السبت 24 أكتوبر-تشرين الأول 2020 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت -خاص / أحمد أبو ماهر

  

في الحلقة الماضية تحدثنا عن مصطلح الولاية في الخطاب الحوثي والاحتفال بها، وفي هذه الحلقة سنتحدث عن مصطلحين مهمين يكرر دائماً في الخطاب الحوثي، وهما مصطلحا: الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..فماذا يعني بهما الحوثي؟ وهل ينزلهما منازلهما من مقاصد الشرع والخطاب الإسلامي؟
المتابع لسلوك وثقافة المليشيا الحوثية من حيث التدين والتثقيف الفكري لا يجد لهذه المليشيا أي أثر للتدين والتزام السلوك الديني المعروف لدى بقية الجماعات أو الكيانات المتدينة الأخرى بقدر ما يجد في هذه المليشيا محاولة تقمص للآثار الدينية واستلهام الخطاب الفكري التاريخي الحركي للإمامة كتوظيف له استدراراً لعواطف المواطنين كشعب محافظ ومتدين بالفطرة يجري وراء كل من استخدم هذا الخطاب استخداماً أمثل وأجاد توظيفه في استلهام المعارك الثقافية التاريخية والفكرية تأسيساً للصراع السياسي الطائفي، مستحدثاً لذلك مناسبات وأيام يسميها دينية بينما هي سياسية اجتماعية تاريخية صرفة لا علاقة لها بالدين ولا بالتدين، كمناسبات الغدير أو المولد أو غيرها من المناسبات، وإنما جعلها مناسبات لجمع المواطنين واستعراض حشوده في الميادين.
في تلك الخطابات يحاول الحوثي توظيف المصطلحات الدينية والفكرية وإسقاطها على أحداث ومواضع لا تتفق في سياقه لا فكراً ولا سلوكاً، فغالباً ما يردد مصطلحات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومقارعة الظلم والظالمين ونصرة المظلوم بينما يتحول لأكبر ظالم على الشعب اليمني كمن سبقه من أجداده صانعاً معهم مآسٍ يمنية لا تنتهي من تدمير للوطن وارتكاب المجازر بحق الشعب ونهب أموال المواطنين وتفجير منازلهم وتسريدهم وهتك أعراض النساء والزج بالأطفال إلى محارق المعارك.
يعمد الحوثي في خطابه الممل الذي يصل إلى ساعة أو أكثر إلى تشويه اليمنيين لتجييش عواطف أتباعه لاستحلال دمائهم ويعطي مبرراً لقطيعه بالاندفاع لسلوك القتل أو النهب أو التدمير دون تردد أو وجل، وقد رأينا مخرجات دوراته الفكرية تنعكس على سلوك بعض الجهلة الرعاع الذين تحولوا إلى قطعان لأذية آبائهم وأمهاتهم وأهليهم في أكثر من منطقة، ولطالما سمعنا عن ابن يقتل أباه أو يسحل أمه أو بعضهم يقضي على أسرة كاملة من أقاربه!
لا يختلف الحوثي قيد أنملة عن آبائه وأجداده السابقين وخاصة مؤسس الإمامة يحيى الرسي في إحدى خطاباته لليمنيين والذي قال فيه: " ولم تكن هذه التصرفات والتبريرات من الحوثيين وليدة اليوم، إنهم يتبعون خطوات من قبلهم من الأئمة، منذ مجيء مؤسسهم الأول يحيى بن الحسين الرسي (الهادي)، الذي بدأ بشن حملة شعواء على العباسيين واتهمهم بكل نقيصة ورزية وعيب وصل حد التكفير والتفسيق لهم، وذلك عبر رسالة بعث بها إلى أحد العلويين يستحثه على مبايعته والقدوم إلى اليمن والثورة على العباسيين بالقول في رسالته:
"هلموا إلى جهاد الفسقة الظالمين من أهل قبلتكم من جبابرتهم..ألستم ترون عباد الله المخلصين والقائلين في الله بالتوحيد، المقرين بما ذكر الله في الوعد والوعيد، إلى دينكم مقتولا، وإلى الحق الذي أنزله على نبيكم مخذولا. حكم الكتاب معطلا بينكم، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معدوما..قد أمنوا تغييركم عليهم، ونسوا من يكاتبهم فيكم، وبسطوا أيديهم عليهم، وحكموا بحكم الشيطان فيهم، يذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم. حرموهم واصطفوا مع ذلك أموالهم، وأجاعوا بطونهم، وأعروا ظهورهم، وأضاعوا سبيلهم، وأخافوا على أنفسهم. يجتبون أموالهم، ويقتلون رجالهم، ويمنعونهم النصف، ويسومونهم الخسف، هتكاً للحريم، وتمرداً على الله العظيم".
استلهم الحوثي هذه المصطلحات وكررها كثيراً في خطاباته المعهودة، مع بعض الاستحداثات والتغييرات في بعض مصطلحاتها تماشياً مع الواقع الجديد، حتى أنه صار يجرف كل المؤسسات الدينية والثقافية ويصادر كافة المساجد في اليمن للتعبئة الفكرية الخاطئة التي نجت من تدميرهم وعبثهم، وتماشياً مع هذه الخطابات والتوجهات اتخذ عن عمد خطوة التدمير والتفجير الممنهج لدور القرآن والمعاهد العلمية والمدارس والمساجد الجامعة، وما تبقى منها عين لها خطباء بقوة السلاح تتعمد أن تؤذي اليمنيين في خطابات تحريضية مقيتة ضد كل تسامح ووصف بعض خطبائهم المصلين بالمنافقين القاعدين الجبناء الذين لا ينصرون سيدهم ومنهجهم الانقلابي التدميري.
لقد كان من مخرجات هذه الخطابات هو مصادرة أموال اليمنيين بحجة الخمس وغير الخمس، وأموال الموالد، وأموال المجهود الحربي، والزج بالمغرر بهم إلى جبهات القتال، ومواجهة أبناء الأسر بعضهم بعضاً، وانتشار جرائم القتل دون حسيب أو رقيب من قبل مشرفي المليشيا الحوثية وأفرادها ليقينهم بعدم تعرضهم للمساءلة والعقاب، فضلاً عن فرض الفكر الطائفي الإيراني بقوة الحديد والنار وخفوت واختفاء الخطاب الآخر المتسامح الباني للعلم والفكر والثقافة المجتمعية الأخرى.
يقول الكثير من الأسرى والمختطفين المحررين: "لقد كان أشد أنواع التعذيب الذي نواجهه هو تعمدهم بث خطابات زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي علينا في السجون والمعتقلات أكثر من التعذيب الجسدي".

الجهاد في نظر الحوثي
أما الجهاد والمجاهدون في نظر الحوثي فهو ذلك البغي والعدوان من قبله ومليشياته تجاه الشعب اليمني، وليس الجهاد المعروف في الفكر والسلوك الإسلامي الذي قعد له الإسلام تقعيدات مختلفة وأصل له تأصيلاً وحصره في مقاومة الكفر والعدوان على الأرض والعرض والمال والنفس.
يتكرر مصطلح الجهاد والمجاهدين في الخطابات الحوثية، وفي هذا المصطلح تمييز وتحريض في نفس الوقت؛ حيث إن الجهاد لا يكون إلا في المعارك الدائرة بين دار الإسلام ودار الكفر لصد عدوان العدو واسترداد حق مغصوب، لكن الحوثي –كما أجداده الأئمة السابقين- جعلوها في أتباعهم الذين يقاتلون ويعتدون على اليمنيين فيقتلون الشعب وينهبون أمواله ويشردون ضعفاءه ويدمرون منازله، يعطونهم الحق في قتالهم دون تردد أو تهيب حتى ليدرك المعتدي منهم أنه على حق، وهذا يعطي مقاتليهم دفعة معنوية كبيرة في العدوان والقتال حتى ليحسب المقاتل منهم إن قتل أنه شهيد في سبيل الله، وهذا ما جعل دورة الصراع والحرب بينهم وبين الشعب اليمني تستمر لمئات السنين وستظل قائمة إلى ما لا نهاية لاعتناق هؤلاء مثل هذا الفكر الضال المضل.
وبمثل هذه الخطابات كان الأئمة يهدمون الدول اليمنية حتى أنهم لا يجدون غضاضة في الاستنصار بالغزاة من خارج الوطن، كما فعل الإمام شرف الدين مع قانصوه الغوري وتحالفه معه لهدم الدولة الطاهرية كما في الرسالة التالية التي وجهها شرف الدين إلى سلطان المماليك قانصوه يصف الطاهريين بالكفر ووجوب جهادهم كما تقول رسالته:
" كتابنا هذا لتعريف خاطر الأمير، وفقه الله الملك القدير، بأنا لم نزل إلى الله مبتهلين، ولما لديه من الفرج منتظرين، وبالتجرد لما بدت من عدو الله الجائر عامر( )، والقيام بالدعاء إلى دفاعه وجهاده، امتثالاً لأوامر الله الملك القادر، ولكن مع ذلك عدم المعين والناصر، وخذلان من أهل الزمان المشؤوم القاصر، وميل الناس إلى الأطماع الحقيرة، والانخداع من الخلف بزخارف الأباطيل الفاضحة المبيرة، حتى تمكن منهم هذا الظالم الغشوم، وأوقعهم من الخزي والوبال والهون في أقصى التخوم، وشمل بشره البريء والغوي، والضعيف والقوي، والشجي والخلي، وتتبع بمعظم جيشه ومكره أهل بيت النبي، ولم يبق في سلطانه لأهل البيت باقية، ولا أجيبت لهم بإجابة نافعة واعية حتى بددهم الظالم في البلاد، وفرق منهم بين الآباء والأولاد، والأكثر منهم في تخوم اليمن مطرودين متبددين يتمنى الولد أن يحضر موت أبيه، والوالد أن يشاهد أحوال بنيه، وفعل في آل المصطفى ما حرمه الله في سيئ الكفار الخارجين عن الدين، وأعانه على ذلك رجل من أهل البيت ادعى ما ليس له بحق، فأنكر عليه الإمام الوشلي، ولم يعذرنا أهل زماننا عن القيام في مقامه الجلي، ولقد هم –أخزاه الله- بقصد الحرمين، وإخراج من فيه من ولد الحسين، فرجعنا مع بذل ما بقي معنا من جهد في دفاع مجهود المذاكرة له في كثير من الحدود إلى الله سبحانه وتعالى، وسألناه تعجيل الفرج وإطفاء وهج المهج، على يد من هو أهل للمحامد المبرورة والمقاصد المشهورة في حياطة هذا الدين والرعاية لحق رسول رب العالمين، وما ذاك إلا لسريرة صالحة وتجارة رابحة مع السلطان الأكرم، والنور المستطيل الأعظم (قانصوه)( ) أطال الله توفيقه، وأوضح إلى كل مقصود مبرور طريقه".
عمد الحوثيون على السيطرة على المساجد بعد الانقلاب وحولوها إلى منابر تحريضية على القتل المباشر دون خجل، وقد كانوا في حملاتهم الإعلامية يتهمون غيرهم بالسيطرة على المساجد وخطاباتها دون أن حتى أن يلمح غيرهم إلى كلمة من تبعية الأحزاب أو الجماعات، وقد كان حتى للحوثيين قبل الانقلاب مساجد يسيطرون عليها في صنعاء مثلاً كجامع "عثرب" في حي الكويت، وجامع "عدل" في حي القاع، والجامع الكبير بصنعاء القديمة وغيرها من المساجد في المدينة القديمة، وجامع "التيسير" في حي الزراعة، وجامع الروضة في حي الروضة، وغيرها، وكانوا يستخدمونها في التحريض على الدولة وعلى بقية القوى الوطنية.

كلمات دالّة

#اليمن