الثلاثاء 23-04-2024 19:18:45 م : 14 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

اسرائيل وبسط النفوذ على المقدسات الإسلامية (الحلقة الأولى)

الخميس 27 يوليو-تموز 2017 الساعة 10 مساءً / موقع الإصلاح – خاص – فهد سلطان

 

من الخطأ القول أن ما يجري في المسجد الاقصى في هذه الأثناء يعود الى استحداث بوابات كشف المعادن " البوابات الإلكترونية" وأنه بمجرد أن تراجع الكيان الاسرائيلي عن الخطوة انتهت القضية, في محاولة لفصل هذه الخطوات الخطرة عن خطوات سابقة, يعود تاريخ بعضها بعمر الاحتلال ذاته.!!


ولذلك "لم يكن العدوان الاخير على الأقصى -هذه المرة- الأول تاريخيا، إلا أنه اكتسب أهمية بالغة, وخطورة كبرى استنادا إلى جملة من الأسباب والمعطيات الداخلية والخارجية التي تجعل القلق على مصير الأقصى، والخشية من المخططات الرامية إلى تطوير وإتمام استهدافه؛ هاجسا مقلقا خلال المرحلة القادمة. (1)


سنحاول في هذه المقالة أن نعرج - على سبيل المثال للحصر - على تاريخ الاحتلال في استهدافه للمسجد الاقصى, وهو ما سيكشف لنا أن الخطوة أو التصعيد الاخير لم يكن مفصولاً عن رغبة إسرائيلية تعمل منذ عقود للسيطرة وبسط النفوذ على المقدسات الإسلامية, وعكس تماماً ما حاولت عدد من المؤسسات الإعلامية تسويقه الى جانب إعلام الكيان الاسرائيلي ذاته.؟!


بدأت الخطوة الاخيرة في يوم الجمعة 20 شوال 1438هـ الموافق 14 يوليو/ تموز 2017م، حيث قالت الشرطة الإسرائيلية إنها قررت منع صلاة الجمعة في المسجد الأقصى لهذا اليوم وإغلاق أبوابه حتى إشعار آخر، وذلك في أعقاب عملية إطلاق نار وقعت صباح نفس اليوم, أفضت إلى استشهاد ثلاثة شبان فلسطينيين وقتل ثلاثة من أفراد الشرطة الإسرائيلية بالقرب من باب الأسباط بالقدس على وجه التحديد.


مساء يوم الحادثة 14يوليو/ تموز 2017م نشر الاحتلال تصريح مكتوب قال فيه أن قائد الشرطة العام في القدس «يهورام هاليفي» قرر إغلاق أبواب المسجد الاقصى، وإعلانه منطقة عسكرية يُمنع - بموجبه - على المصلين دخوله, إضافة إلى البلدة القديمة في القدس الشريف.


الجديد في هذه الخطوة التصعيدية الاسرائيلية, أنها المرة الأولى التي تقفل فيها أبواب المسجد الاقصى أمام المصلين المسلمين منذ عام 1969م بشكل رسمي، وذلك في اليوم التالي لإقدام اليهودي المتطرف مايكل دينس على محاولة إحراق المسجد وحينها توقفت الصلاة لأيام.


تأكيدنا هنا على أن القضية ليست عابرة وأنها تأتي في سياق مخطط مرسوم ويسير الاحتلال ورائه منذ عقود, وهنا خرج نائب وزير الجيش الإسرائيلي الحاخام إيلي بن دهان، تعليقاً على اغلاق المسجد الاقصى أمام المصلين مؤخراً بقوله "إنه يجب على اليهود أن يعززوا قبضتهم على المسجد الأقصى، وضمان أن يصلي كل يهودي فيه بأمان وفي كل وقت".


وهنا يطرح السؤال هل هذا التصريح جاء عفوياً أم انه يأتي وفق مخطط ومسلسل استمر طويلاً ويسير نحو تحقيق هذا الهدف منذ عقود؟!, حيث انطلت أولى خطوته مع بداية التدشين الاولى للاحتلال قبل ستين عاماً, وهو ما سنعرج عليه في عدد من الحوادث والإشارات في هذه المقالة.

 


تاريخ بسط النفوذ على الأماكن المقدسة
قبل سرد عدد من الوقائع يمكن القول أن الاحتلال الاسرائيلي اعتمد "سياسة رد الفعل" من خلال اطلاق العنان لعدد من المتطرفين اليهود في استفزاز المسلمين, ويأتي الاحتلال بعد ذلك ليشرعن تلك الخطوات إما عبر سن قوانين أو اجراءات احترازية كما يسميها, بما يسير نحو المخطط الكبير في السيطرة الكاملة وبسط النفوذ على المقدسات الإسلامية بالدرجة الاساسية, ويعني ذلك هو إيجاد شرعية للاحتلال في بقائه محتلاً لدولة عربية وإسلامية.


صبيحة الخميس الموافق 22 أغسطس/آب 1969م تعرض المسجد الاقصى لإحراق هو الاول من نوعه من قبل يهودي أسترالي متطرف اسمه مايكل روهن, حيث اقدم على حرق الجامع القبلي الذي سقط سقف قسمه الشرقي بالكامل, وصل الحريق الى منبر القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي, وقال الإرهابي روهن تعقيبا على فعلته أنه كان يأمل إحراق المسجد الأقصى بالكامل!,


ورغم الادانات الواسعة التي خلفتها الحادثة, الى جانب الخوف والحذر الإسرائيلي حينها, إلا أن العملية كانت بمثابة جس نبض - لرد الفعل - من قبل العرب والمسلمين, بل والمجتمع الدولي ايضاً, وهو ما يمكن القول أنها مرت بسلام وأن المخاوف الاسرائيلية زالت مع الوقت, ترتب عليها خطوات قادمة.


يمكن القول هنا أن أولى تلك الخطوات في السيطرة وبسط النفوذ على الأماكن المقدسة في فلسطين أحدى مقدسات المسلمين من قبل الاحتلال الاسرائيلي والبداية من استهداف وتقسيم المسجد الإبراهيمي, والاستئثار بمساحات متعددة وتخصيصها لصلاة اليهود للمرة الاولى، وبدأ ذلك تحديداً يوم 12 يناير/ كانون الثاني 1972م حيثُ تم الاستيلاء على الحضرة الإبراهيمية واعتبراها كنيسًا يهوديًا حيث كان اليهود يصلّون فيها بشكل متقطع منذ عام 1969م.


وفي يوم 31 أكتوبر/ تشرين أول من نفس العام قرر الحاكم العسكري ضمّ اليعقوبية لتكونَ مكانًا للصلاة بالإضافة للإبراهيمية، كما سَقَف صحن المسجد وهو الساحة الواقعة بين الإبراهيمية واليعقوبية، ووضع أثاثًا في هذين المكانين، ورافق ذلك منع الزائرين من دخول هذه الأماكن أثناء تواجد اليهود فيها، كما قرر بالسماح لليهود باستخدام جميع أجزاء المسجد في أعياد اليهود الرسمية، وسمح لهم بدخول المسجد أيام الجُمَع من الساعة 4 – 5 مساءاً.


في ثمانينات القرن الماضي، تآمر بن شوشان ويهودا اتزيون وكلاهما عضو في منظمة غوش امونيم السرية، لتفجير المسجد الأقصى وقبة الصخرة معاً, أما اتزيون فقد كان يعتقد أن تفجير اثنين من المساجد سوف يتسبب بصحوة روحية في الكيان الصهيوني، وسوف يحل جميع مشاكل اليهود, وقالا أن أملهم هو في بناء المعبد الثالث في القدس وتحديداً في موقع المسجد الأقصى المبارك.


وفي 15 يناير/ كانون الثاني 1988م وخلال الانتفاضة الأولى، أطلقت القوات الصهيونية الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع على المتظاهرين خارج المسجد، مما أدى إلى إصابة 40 شخص من المصلين, وفي 8 أكتوبر 1990، قتل 22 فلسطينياً وأصيب أكثر من 100 آخرين من "شرطة الحدود الصهيونية" خلال الاحتجاجات التي تم تشغيلها بواسطة الإعلان عن "جبل الهيكل"، على يد مجموعة من اليهود المتدينين، الذين كانوا في طريقهم لوضع حجر الأساس للهيكل الثالث المزعوم.


في يوم الجُمعة 15 رمضان 1414 هـ والموافق 25 فبراير/ شباط 1994م دَخَل احد المستوطن اليهودي يدعى باروخ جولدشتاين المسجدَ الإبراهيمي بإذن القوات الإسرائيلية التي تقوم على حراسة المسجد، وكان المسلمون يصلّون صلاة الفجر، حاملاً معه بندقية آليّة وعددًا من الذخائر المُجهّزة، وفَتَح النّار على المُصلّين أثناء الصلاة فقَتَل على الفور 29 فلسطينيًا، وأصاب أكثر من 150 آخرين بجروح مختلفة.


من فوره قام الجنود الإسرائيليون الموجودون في الحرم بإغلاق أبواب المسجد لمنع المصلين من الهرب، كما منعوا القادمين من خارج الحرم من الوصول إلى ساحته لإنقاذ الجرحى. وقام ما بقي من المصلين من السيطرة على المستوطن وقتله.


وكردّ فعل على المجزرة، وفي نفس اليوم، اندلعت الاحتجاجات في مدن فلسطين عامّة والخليل خاصّة بسبب المجزرة، وبلغ عدد القتلى الذين سقطوا نتيجة المصادمات مع الشرطة الإسرائيلية 60 شهيداً. وأدانت الحكومة الإسرائيلية المجزرة، وتم إغلاق المسجد – الحرم الابراهيمي - والبلدة القديمة لستة أشهر بهدف التحقيق في المجزرة، وشَكّلت إسرائيل لجنةً لتقصّي الحقائق عُرفت باسم "لجنة شمغار"، والتي خرجت بتقريرها بعد 4 أشهر بإدانة عامّة للمجزرة واصفةً إيّاها «بالعمل الإجرامي الذي لا يُغتَفَر»، وبرّأت الحكومة والجيش.


وبالنظر الى ما جرى بعد ذلك سواء من نتائج التقرير المشار إليه أو من خلال الاجراءات التي ترتبت على ذلك الخطوة يتضح أن القصد الابرز هو السيطرة على الحرم الابراهيمي وبسط كامل النفوذ عليه, ومثل الإعلاق علامة فارقة على تلك السيطرة, حيث استخدمت القوة وفشل العالم الإسلامي في ردع الكيان الإسرائيلي عن تلك الاجراءات التي سوف تتوسع ليس على الحرم الإبراهيمي ولكن الى مناطق اخرى حيث سيكون المسجد الاقصى هو اخر تلك الاهداف.


يتبع ...
هوامش
..................
(1) مؤمن بسيسو كاتب فلسطيني
(2) "الاحتلال يقيد الوصول للأقصى " الجزيرة نت
(3) تاريخ الصراع الفلسطيني الاسرائيلي
(4) اسرائيل تبحث عن تاريخ في القدس