الجمعة 06-12-2024 11:35:52 ص : 5 - جمادي الثاني - 1446 هـ
آخر الاخبار

أم ثكلى تبكي طفلها الذي أعادوه إليها صورة وصرخة

الأحد 16 يوليو-تموز 2017 الساعة 08 صباحاً / الاصلاح نت/الصحوة نت

   

كانت تنظر إليه بنظرة زائغة، تتأمل تفاصيله، احتضنت يده بقوة واقتربت من جسده تضمه إليها.

 في كل مرة كان يبتسم لها يمتلئ وجهها بالفزع والقهر!

تحبس دموعها في عينيها.. سحبت كرسي طاولة الطعام لتجلس بجانبه، وبدأ يقطع لها الطعام ويأخذ لقيمات إلى شفتي أمه المرتجفة لتخنقها الغصة وتأخذ يده وتقبلها بشغف.

 

كان مشهداً مؤثراً رأيته بأحد المطاعم في أيام العيد لفتى لا يتعدى عمره الخامسة عشرة، نحيل الجسد، شاحب الملامح، بلباس عسكري يحمل بندقية توازي طوله وتشوه طفولته.

 

تناقضات غريبة قادتني لسؤال أمه العجوز على انفراد عن السبب وعن تلك الأحاسيس المتضاربة والفزع المحفور في ملامحها!

 

ضربت صدرها وتعالت شهقاتها: "تعرفين ما هذه الوليمة التي يقدمها إلي ابني؟! إنها وليمة موته ووداعه الأخير قبل ذهابه إلى جبهات الموت"، يودعها قبل دفن براءته وطفولته تحت التراب، وهو لا يعلم ما الموت وقسوته!

 

رأت علامات الاندهاش في وجهي، فتابعت باكية: "أنا أرملة وأم ثكلى.. مات زوجي واثنان من أبنائي.. عشت سنوات طويلة أتقلب بين الحزن والألم والكفاح.. أعول بناتي وولدي هذا الذي كنت جمعت أملى فيه ليعوضني سنوات الحزن والشقاء ويجبر قلبي المتعب بالحزن، لكن أخذته جماعة الحوثي بدورات تدريبية وغسيل دماغ وامتلأ عقله وقلبه بأوساخ أفكارهم ليستغلوا طفولته، ويأخذونه إلى الموت رغماً عن إرادتي".

 

 ضربت صدرها بقوة لتكسر قلبها المتألم: "واليوم عزمني لوليمة موته، قال لي إن زملاءه قد طبعوا صورته لتوزيعها وإلصاقها على الجدران باسم الشهيد "أبو المعارك".. تضحك بقهر وتقول: "يوصيني عندما يأتوا بنعشه أمام عيني أن أردد الصرخة وأرفع الزغاريد على جثته".

 

قاطعتها... "لماذا لا تمنعيه فما يزال طفلاً، أوقفيه قبل ذهابه للموت؟"!

 

ردت بحرقة: "لا أعرف ماذا صنع الحوثيون بعقل ابني الذي كان بالأمس يلعب على صدري، يطلب مني جعالته، يبكي إذا انجرح اصبعه، لا يسكت حتى ينام على كتفي".

 

وأضافت بوجع: "بالله عليك كيف يطلب طفلي اليوم الموت وينساني"؟!، تابعت: "انظرى لطفولته التي شاخت بين الرصاص، وتلاشت براءته بفعل ما يتعاطاه من سموم في الجبهات ودوراتهم الثقافية".

 

 لم تستطع مواصلة كلامها الذي اختلط بدموعها، وكان نحيبها يتعالى وهي ترى طفلها ذاهباً للموت وهي عاجزة عن إيقافه، وتوقف مسيرة الألم والحزن في حياتها.

 

 ودعتني وهي تتشبث بابنها كالطفل التائه التصقت به لعله يشفق على خفقات قلبها المفجوع ويرحم أمه العجوز ويهدئ من جزعها، ولكنه ترك يد أمه ليتشبث بسلاحه ويكتب نهاية حياته.

 

بالأمس اتصلت بالأم المفجوعة، جاءني صوتها كصدى القبور لا حياة فيها "قتل صغيري وحيدي.. أتوا ببقايا جثته يزفونها بالطبول وصراخ الموت، ولم يعرفوا أنهم أخذوا روحي إلى مثواه الأخير بعدما ودعني صغيري بوليمة الموت الأخير".