الخميس 28-03-2024 13:05:26 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

صعود وسقوط المشروع العائلي في اليمن

السبت 15 يوليو-تموز 2017 الساعة 06 مساءً / الاصلاح نت - خاص/ فهد سلطان (الحلقة الأولى)

   

لم يعد الحاكم العربي يكتفي بثلاثين أو أربعين عاماً من البقاء على رأس هرم السلطة متمتعاً بالمال والنفوذ، بل والتركة المظلمة من فساد وعبث طيلة فترة حكمه، بل أنه يسعى بعد ذلك الى توريث الحكم، وخاصة في الدول الجمهورية التي يقوم نظامها السياسي على العمل الحزبي واعتماد الديمقراطية آلية سلمية للوصول إلى السلطة.

أقسم الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح اليمين الدستورية، أمام البرلمان في أول انتخابات رئاسية أجريت في البلاد في ابريل/ نيسان 99م، بأن يحترم دستور البلاد، وأن يحافظ على استقلاله وسلامة أراضيه، علماً أنه لا يجوز لرئيس الدولة -كما هو معروف- ممارسة مهامه وصلاحياته قبل أدائه لليمين الدستورية، ويسمى في هذه الحال "رئيس منتخب"، ويبدأ احتساب مدة ولاية من تاريخ أدائه لهذا اليمين.

وبالعودة إلى الدستور اليمني الذي يحدد نظام الحكم في البلاد بصورة واضحة، بأنه نظام حزبي ديموقراطي، حيث تم الاستفتاء عليه في 15/16 مايو/ أيار عام 1991م، وهو يُعرف اليمن كدولة عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة، وأن الإسلام دين الدولة ومصدر جميع التشريعات، إلا أنه جرى عليه تعديلات في فبراير/ شباط 2001م لتمديد فترة رئيس الجمهورية إلى سبع سنوات، وتمديد فترة مجلس النواب إلى 6 سنوات، وزيادة وتوسيع سلطة مجلس الشورى، وكانت هذه هي الخطوات الرسمية في عملية توريث الحكم في البلاد. 

يذهب الدكتور صلاح زرنوقة، وهو مفكر مصري، للحديث عن هذه الأزمة باكراً، حيث تعود كتاباته عن مخاطر التوريث وأثرها على السلطة والمجتمع إلى مطلع القرن الحالي(1) في التأكيد بأن "انتقال السلطة العليا في العالم العربي يتمثل في أشكال متعددة من التوريث‏، وأخطرها توريث السلطة في النظم الجمهورية، وكانت عبر تدجين الديموقراطية وإضفائها على اختيارات التعيين التي كانت محسومة سلفاً بعد كل انتخابات شكلية تجري في البلاد العربية".

وبالتالي لم تكن الانتخابات الرئاسية في اليمن كمثال تنافسية ولا حرة بالمعني الحقيقي باستثناء انتخابات 2006م والتي كانت على شدة التنافس بين الرئيس المخلوع وفيصل بن شملان، فقد كان هناك فارق كبير بين المرشحين وأدواتهما، إلا أن تلك الانتخابات على أهميتها في استهداف التوريث فقد دفعت النظام إلى تغيير أدوات المواجهة في سيره الحثيث نحو التوريث.

عمد صالح إلى إفراغ كل مؤسسات الدولة من الوطنيين الشرفاء، وبدأ في تعزيز التوريث بشكل عملي على مستوي الحكومة والبرلمان‏، ‏ فقد باتت كل النظم الإدارية في جهاز الدولة‏، ‏ على مستوي القيادات التنفيذية في كل المواقع تسير في هذا الاتجاه، جميعها تتشكل وفق رؤية تتناغم مع نجل الرئيس المخلوع أحمد علي، والذي كان يجري الإعداد له على قدم وساق.

وبعد استقرار السلطة نسبياً عقب انتخابات 2006م لعلي عبد الله صالح، فقد كان يسير على وتيرة من شقين؛ الأول: الحديث المستمر عن الديموقراطية في كل خطاباته، والشق الثاني إفراغ تلك الديموقراطية على أرض الواقع، وكأن تلك الخطابات كانت عبارة عن غطاء لما يتم عمله داخل أجهزة الدولة، ويمكن تتبع تلك الخطوات في السير نحو التوريث.

 

أولاً: تعديلات 2001م الدستورية

تعد التعديلات الدستورية التي أقرت في 20 فبراير/ شباط 2001م الخطوة الأهم في إطار إعادة صياغة بعض المواد لتتوافق مع حقيقة السير نحو التوريث، لاسيما ما يتعلق باختصاصات رئيس الجمهورية.

 فعلى الرغم من أن دستور البلاد عام 1990م، والتعديلات عليه عام 1994م، تضمنا صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية جعلت النظام اليمني من الناحية الدستورية أقرب إلى النظام الرئاسي، إلا أن صلاحيات الرئيس في الجوانب العملية كانت أكبر بكثير مما هي عليه في الصياغة الدستورية وهي الإشكالية التي دفعت الكثير إلى القول إن النظام في اليمن عبارة عن هجين بين نظام جمهورية وملكي وقبلي وعشائري في نفس الوقت.

لقد رغب علي عبد الله صالح في إجراء تعديل جوهري في الدستور ليحدث تقارب بين ما هو محدد في الدستور، وما هو قائم في الواقع العملي، وقضت بعض تلك التعديلات بتمديد فترة رئيس الجمهورية إلى سبع سنوات، وتمديد فترة مجلس النواب إلى 6 سنوات، وعلى إثر ذلك يمر مشروع التوريث بسلام حسب الرغبة الجامحة لديه.

تضمنت تلك التعديلات (2) لعام 2001م ما يلي:

  • تعديل صيغ المواد 10، 13، 61، 64 ،86 ،91،92 ،100، 107 ،111 ،143 ،156،159 من الدستور.
  • استبدال نص المادة 125 بثلاث مواد تتعلق بمجلس الشورى.
  • إلغاء المادتين 119-158 من الدستور.
  • إضافة ثلاثة مواد جديدة تتعلق الأولى بحماية البيئة، والثانية بتمديد مدة الرئاسة إلى سبع سنوات، والمادة الثالثة بتمديد مدة مجلس النواب إلى ست سنوات.
 

ثانياً: التعيينات الإدارية في أجهزة الدولة السيادية

تعد التعيينات الإدارية في أجهزة الدولة واحدة من أهم الركائز في السير نحو عملية التوريث من قبل نظام صالح, فقد تم اختيار شخصيات في مناصب رفيعة داخل أروقة أجهزة الدولة لا تتمتع بالخبرة والمهارة الكافية في إدارة تلك المواقع بقدر ما كان الولاء هو العامل الأساسي في التعيين, وكانت الوزارات السيادية للبلاد –كمثال- هي الأكثر استهدافاً, فقد مثلت وزارة الدفاع والخارجية والنفط والمالية تأكيد واضح على تلك الخطوات, إلى جانب وزارات رديفة كانت مغلقة لجهات إلا أنه تم تدجينها لذات الهدف، كما هو الحال في وزارة العدل كمثال لا الحصر.

 

ثالثاً: موقع نائب الرئيس شاغراً

كانت واحدة من الإشكالات الدستورية التي لم يحسمها صالح فترة بقائه في السلطة، وتحديداً بعد تجديد الانتخابات له عام 2006م هو إعادة تعيين موقع "نائب الرئيس"، فقد عمد على إبقاء عبده ربه منصور هادي في موقعه نائباً ولكن دون تجديد للتعيين، كما يحدد ذلك القانون، وهي الثغرة التي كانت تشكل هاجساً كبيراً ومقلقاً لصالح، وأن هذا الموقع يظل محل خطر عليه وعلى مشروعه الذي يسير نحوه بوتيرة عالية.

 

 خطوات التوريث

عرف أحمد علي فور ظهوره إلى مسرح الحياة السياسية بشركاته الكبيرة وعماراته ومؤسساته التجارية صادرت إيرادات الدولة منذ أصبح عقيداً في الجيش، فقد عمد صالح على توليته مهام غير معلنة، منها الإشراف على الأمن السياسي (المخابرات)، وأمن المطارات وأمن السفارات، وتوطين العلاقة بينه وبين رؤوس الأموال في البلد.

وفور إعلان أحمد علي قائداً في الحرس الجمهوري عام 2004م, الأمر الذي دفع صحفاً تابعة للمعارضة وعدد من الصحفيين إلى شن حملة ضد هذا التعيين الذي يعد تدشيناً مباشراً نحو التوريث, قابلها صالح بصرامة ابتداءً من شن حملة في خطاباته ضد المعترضين، كما جرى في أول خطاب له في كلمة ألقاها أمام مناورة عسكرية في مدينة الحديدة غرب البلاد في الحديث عن الأصوات النشاز التي تستهدف الجيش - حسب قوله- وأنها تنخر في الوحدة والوطنية، وتمس المؤسسة الوطنية الجيش.

تذكر إحدى وثائق ويكيليكس المسربة (3) برقم (07SANAA1954) - حسب عدد من المراكز الاستخباراتية التابعة للسفارة الأمريكية، أن أحمد علي يجرى تهيئته ليكون الرئيس القادم خلفاً لوالده علي عبد الله صالح.

وهنا سار علي عبدالله صالح نحو التوريث لنجله بعدد من الخطوات؛ منها توطين الفساد في مؤسسات الدولة، ودفع الناس إلى الانشغال بها, فيما هو يمرر قضايا أخرى كالتعيينات لأقاربه, وخلال أقل من خمس سنوات فقط كان صالح قد أكمل التعيينات في قيادات الجيش والأمن من أقرباء له وأصهار وأنساب وأصدقاء وأبناء القبيلة التابعة له بعيداً عن الكفاءة أو المؤهلات.

وتمثلت الخطوة الثانية مع بقية المسؤولين (وزراء، ومحافظين ووكلاء وزارات ….. الخ) من نفس القبيلة ومن الموالين لأحمد علي عبدالله صالح والشبكة الأسرية التي باتت تمسك بمفاصل البلد.

الخطوة الثالثة: أن التعيينات في الوظائف القيادية في الوزارات أو في الشركات النفطية بدأ التوريث فيها بشكل مباشر للمسؤولين وتوريث أولادهم في كثيرمن المؤسسات، وهو ما يعزز فكرة التوريث ويضمن الولاء وتقدمت هذه الخطوة بشكل كبير ووصل إلى مستويات قياسية.

الخطوة الرابعة: استهداف أغلب الشخصيات الوطنية لا تبدأ من سياسة الإبعاد والإقصاء ولا تنتهي بالتصفية الجسدية.

الخطوة الخامسة: السير نحو السيطرة الفعلية على المؤسسات الثلاث داخل الدولة؛ فبعد السيطرة على الجيش عبر تأسيس وحدات الحرس الجمهوري تتعبه مباشرة ويشرفه عليه نجله وأقرباؤه في باقي الوحدات الأمنية، جاءت فكرة السيطرة على السلطة التشريعية – مجلس النواب والشورى.

الخطوة السادسة: أن الترقيات والاستحقاقات في الوظيفة العامة باتت مرتبطة بالولاء المباشر لعلي عبدالله صالح ولأولاده وأقربائه، وظهرت في السنوات الأخيرة بعد انتخابات 2006م أوصاف الانفصالي والإرهابي وغيرها من الأوصاف.

الخطوة السابعة: السيطرة الشاملة على الإعلام وربطها بشبكة مرتبطة بأحمد علي عبدالله صالح، واستهداف وسائل إعلام المعارضة والتي كانت في تلك الفترة مقتصرة على الصحف والمواقع الالكترونية، وهنا بدأ مسلسل التفريخ والاستهداف وتعزيز وسائل إعلام الدولة في التمجيد والتحضير لكل ما يتصل بالتوريث.

الخطوة الثامنة: إفراغ العمل الحزبي والديمقراطي من محتواه وبدأ مسلسل من شقين الأول تمجيد صالح في وسائل الإعلام والشق الثاني تحريم استهدافه ونقده ومعارضته وكل ما يتصل به وتحديداً أقربائه الممسكين بمفاصل الدولة.

الخطوة التاسعة: الحديث عن الانجازات العملاقة، حتى غدت الدولة بكل مؤسساتها تتحدث عن مشاريع وافتتاحها ومع أن اغلب تلك المشاريع كانت شكلية ومتواضعة وتدخل في دائرة البنى التحتية العادية إلا أن النظام حولها إلى منجزات وهي تذكير مباشر للرأي العام وخاصة العامة بأن هذا النظام يصنع لهم منجزات وغيره يعني توقف هذه المشاريع.

الخطوة العاشرة: عزل اليمن عن المحيط الإقليمي والدولي وهي الخطوة التي ستجعل من اليمن دولة فقيرة وفاشلة ومنشغلة بقضاياها اليومية على حساب القضايا الوطنية، وهو ما كان بالضبط.

..........................................

الهوامش

1-    مقال للكاتب في جريدة الأهرام المصرية بعنوان (أزمة تجدد القيادة في العالم العربي) نشر في ديسمبر/ كانون أول 2001م.

2-            نص التعديلات منشورة في موقع المؤتمر نت

3-    الوثيقة مرفوعة من السفارة الأمريكية بصنعاء ومسربة في موقع ويكيليكس