الخميس 28-03-2024 12:19:51 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

استهداف الصحافة في اليمن..طمس الحقيقة وتصفية الشهود

الإثنين 29 مايو 2017 الساعة 01 صباحاً / الاصلاح نت - خاص/ فهد سلطان
 

استهداف الصحافة في اليمن بدأ منذ فترة طويلة, فقد عمد النظام السابق إلى تدجين الإعلام وجعله يسبح بحمده تارة وإعلام يغرد في المناطق المسموح له فيها فقط تارة أخرى, وعندما حاول بعض الإعلاميين السباحة بعيداً عن أعين صالح وخارج سيطرته بدأ المعاناة, وتوالت الكوارث والنكبات على الصحافة والصحفيين!

سيطول الحديث لو تناولنا وقيمنا عهد صالح بالكامل في استهداف الصحافة والصحفيين والإعلام بشكل عام.. لا تبدأ من قانون الصحافة – المسخ – والذي بقي معطلاً لسنوات طويلة, وهو إلى جانب ذلك كان أقرب إلى قانون يعكس دولة قمعية منه إلى دولة ديمقراطية.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك فحسب، فقد سعى بكل قوته إلى إفراغ وسائل الإعلام الرسمية, إضافة الى استهداف ممنهج للإعلام الذي حاول أن يقترب من الناس ويتحرك في مساحة بعيدة عن السلطة ومحيطها. 

مع انطلاق الثورة الشبابية الشعبية في الـ 11 فبراير/ شباط 2011م، حاول الإعلام المعارض (المستقل) أن يواجه اسطول الإعلام التابع لنظام صالح, واستطاع على قلة إمكانياته بجدارة أن ينافس ويضع له اسماً ومكانة بين الناس, الأمر الذي شعر معه صالح أنه أمام وضع جديد لا تجدي وسائل القمع التقليدية حياله!

كانت أول خطوة قام بها نظام صالح مع اندلاع ثورة الشباب الشعبية هو استهداف عين الناس المتمثل في الصحفيين في المقام الأول, ومن يراقب الأحداث التي توالت بعد ذلك يدرك أن الأمر لم يكن مجرد استهداف لصحفي بقدر ما كان الأمر ينطلق من استهداف ممنهج لهذه الآلة، والعمل على تغيير مسارها والتأثير عليها بشتى الوسائل والطرق أو إزاحتها من الساحة بالكامل وبأي ثمن. 

ومثلت فترة 2012 وحتى منتصف 2014م الفترة الذهبية للصحافة والصحفيين في اليمن, وهي الفترة التي شهدت مساحة واسعة من الحرية الصحفية ونشاط غير مسبوق في الصحافة الرسمية والغير رسمية الورقية وعلى شبكة العنكبوت, إضافة إلى انتعاش الصحافة في ظل حرية لم تعشها اليمن من قبل.

يستطيع المتابع البسيط القول أن الإعلام المعارض قض مضاجع صالح وبدأ يكشف كثيراً من التفاصيل التي ارتبطت بنظامه, وقد كان حجر الزاوية في التغيير وعمل بصورة واضحة على إسقاط الزيف للنظام وكل ما يتصل به, وكانت الخطوة الأولى إسقاط هيبة النظام من عقول وقلوب الناس وهي التي كسرت ودشنت لسقوط صالح وانهياره بشكل كامل فيما بعد.

وسائل الإعلام في اليمن، كما هو معروف، تخضع لتأثير وزارة الإعلام الرسمية, ومع إعلان الوحدة كانت تملك محطة التلفزيون والراديو الوحيدة فقط, إلى أن ظهرت قنوات أخرى في العشر سنوات الماضية مثل قناة "سهيل" وقناة "السعيدة" و"آزال" و"يمن شباب" وقناة "بلقيس" و"اليمن اليوم"، وقبلها "العقيق" و"الساحات" و"المسيرة" و"معين"، وغيرها.

حسب إحصائيات غير رسمية توجد في اليمن 89 صحيفة ورقية, تسع منها حكومية وحوالي 30 ممثلة لأحزاب سياسية مختلفة, و50 صحيفة مستقلة نصف هذا العدد مفرخة من قبل النظام السابق تظهر لمواسم معينة ثم تختفي.

وتبدو حرية الصحافة في اليمن حتى أحداث ثورة الشباب أفضل من نظيرتها العربية باستثناء الكويت, حسب تقييم دولي لواقع الصحافة في اليمن والعالم العربي, ومع بروز الثورة بدأت المعاناة, فقد رصدت المنظمات الحقوقية محلية ودولية عمليات اعتقال لصحفيين وتصل إلى اعتداءات جسدية وحالة قتل متعمدة انطلقت شرارتها مع اغتيال الصحفي جمال الشرعبي في يوم جمعة الكرامة 18 مارس/ أذار 2011م.

الإعلام اليمني بات اليوم مضطرباً وخاصة في السنوات الأخيرة, بسبب تأزم الوضع وعدم الاستقرار السياسي الذي تعيشه اليمن خاصة شبح التوريث الذي بدأت تداعياته مع 2002م، وكانت إحدى نتائجه مسرحية الحروب الست بصعدة عام 2004 والتي استمرت حتى عام 2009م.

 

واقع جديد للصحافة اليمنية

مع سقوط العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014م من قبل جماعة الحوثيين وبتواطؤ بارز وواضح من قبل النظام السابق المتمثل في المؤتمر الشعبي العام وعلي عبدالله صالح, فتحت صفحة جديدة هي الأسوأ في تاريخ عن الصحافة في اليمن, ازداد سوءاً مع الأيام. 

حتى الآن لا يزال 18 صحفيًا يمنياً مختطفين لدى جماعة الحوثي المسلحة, يقاسون أشد أنواع التعذيب النفسي والجسدي, يضاف الى أن الجماعة بدأت بالحكم على أحدهم بالإعدام وهي الخطوة التي واجهت استهجاناً محلياً ودولياً واسعاً، ما دفع الجماعة إلى التوقف عن التنفيذ.

إذ أنه بعد عام كامل من الاختطاف والتعذيب الذي تعرض أصدرت "محكمة أمن الدولة" الخاضعة للحوثيين يوم 12 أبريل/نيسان 2017 حكماً بالإعدام على الجبيحي في صنعاء، وذلك خلال محاكمته بتهمة "التخابر مع دولة أجنبية"، في إشارة إلى السعودية.

ويرى مراقبون أنَّ أعوام 2015 – 2017م, تعد الأسوأ في تاريخ الصحافة اليمنية على الإطلاق, حيث يقبع عشرات الصحفيين في السجون دون تهم، كما يتم تعذيبهم نفسياً وجسدياً، إضافة للظروف الصحية السيئة التي يعاني منها أغلبهم منهم الصحفي عبدالخالق عمران وصلاح القاعدي، وهناك العديد من الصحفيين المختطفين في اليمن ولا يعلم أحد عن مصيرهم شيئاً حتى اللحظة ومنهم في مناطق الجنوب المحررة.

لم يكتف نظام صالح الذي يسير نحو التحلل على حساب تقوية جماعة الحوثيين باستهداف الصحفيين وسجنهم وتعذيبهم فقد كان له خطوات أخرى وخاصة مع بعض الصحفيين الذين بقوا داخل البلاد, كما حصل للصحفي "محمد العبسي"، والذي تؤكد التقارير الطبية وتقارير حقوقية أنه قتل بالسم، وهي القضية التي لم تأخذ حقها من النقاش فقد طوَّي ملف القضية، ودخل دائرة النسيان.

وفي تقارير الحريات الصحفية لعام 2016م فقد احتلت اليمن المرتبة الـ 70 بعد المائة في البلدان الأكثر انتهاكاً لحرية الصحافة، بحسب التقرير السنوي لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، وهو ما انعكس على واقع الحريات الصحفية بشكل كبير.

ومنذُ العام "2011" وحتى اليوم قتل ما لا يقل عن 25 صحفيًا ومصوراً وإعلامياً يمنيًا دفعوا ثمنًا للحقيقة التي دافعوا عنها, وكانوا عيون الناس على حقيقة ما يحدث, وهو ما يؤكد بصورة قاطعة أن الجماعة تسير على نفس الطريق الذي سار عليه صالح في اغتيال الشهود وطمس الحقيقة والسير نحو الاستبداد. وكان أبرز الإعلاميين الذين قتلوا منذ عام 2011 جمال الشرعبي، مصور قناة الحرة حسن الوظاف، ثم محمد اليمني، وأحمد الشيباني، وأواب الزبيري، وآخرون.

ويوم الجمعة الماضية قتل ثلاثة مصورين وهم تقي الدين الحذيفي، ووائل العبسي، وسعد النظاري جراء استهدافهم من قبل المسلّحين الحوثيين بقذيفة أودت بحياتهم، وأدّت إلى إصابة اثنين آخرين هما وليد القدسي، وصلاح الدين الوهباني, وكانت بحق مجزرة مروعة تركت أثراً كبيراً وأليماً في نفوس سكان المدينة بالكامل.