الثلاثاء 23-04-2024 20:49:31 م : 14 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون وثقافة العنف.. انتهاكات بالجملة تطال مختلف فئات المجتمع اليمني

الأحد 24 فبراير-شباط 2019 الساعة 09 مساءً / الإصلاح نت- خاص

  

دفع كثير من المناوئين لمليشيا الحوثي وحتى الأبرياء منهم الثمن باهظا جراء رفضهم للانقلاب والممارسات غير الإنسانية التي يقوم بها الانقلابيون بحق المواطنين في اليمن، وذلك منذ بدء الحركة الحوثية بالظهور للعلن، وانقلابها على الدولة في سبتمبر 2014.

تعرض المناوئون للحوثيين، بينهم ناشطون وحقوقيون وإعلاميون وسياسيون، خاصة في صنعاء وتعز، لمختلف أنواع الانتهاكات، التي أدى غياب الدولة وعدم قيام الأجهزة الأمنية والقضائية بدورها إلى استمرارها حتى اليوم.

ومن نماذج آخر الانتهاكات، اختطاف الحوثيين للناشطة الحقوقية أوفى النعامي وزميلها الحسن القوطاري، اللذين يعملان في منظمة سيفرورلد الدولية، وهي الجريمة التي أدانتها وبشدة رابطة أمهات المختطفين التي قالت إنها تعد سابقة خطيرة في مجتمعنا القبلي والمحافظ الذي يعلي من شأن النساء ويجرم المساس بهن.

وأدانتها كذلك منظمة العفو الدولية، التي أكدت أن ما يحدث للنعامي هو جزء من سياسات ممنهجة يتبعها الحوثيون للتضييق والقمع والاضطهاد الذي يتعرض له النشطاء.

  

انتهاكات بالجملة

لم يستثنِ الحوثيون أحدا من مناوئيهم، سواء كانوا جنود مع الشرعية أو نشطاء أو صحفيين أو سياسيين، فلقد ظلوا هدفا بالنسبة لهم في مختلف مناطق سيطرتهم.

 

- الصحفيون
ما إن نفذ الحوثيون انقلاب 2014، حتى بدؤوا بحملات القمع وتكميم الأفواه، وركزوا بشكل كبير على الصحفيين الذين اعتقلوا الكثير منهم أو اختطفوهم وأخفوهم قسريا، ما أدى إلى رحيل الكثير منهم إلى محافظات خارج نطاق سيطرة الحوثيين أو إلى خارج البلاد.

تنوعت الانتهاكات بحق الصحفيين، ولا يزال في سجونهم عشرة صحفيين تم إحالتهم مؤخرا إلى النيابة الجزائية المتخصصة التابعة لجماعة الحوثي، بتهم كيدية منها إعانة ما وصفته بـ"العدوان"، في إشارة للتحالف العربي، وذلك بإذاعتهم أخبارا وبيانات كاذبة ومغرضة بقصد إضعاف قوة الدفاع عن الوطن، وإضعاف الروح المعنوية في الشعب، وتكدير الأمن العام.

وكيل أول نقابة الصحفيين سعيد ثابت، أكد أن كل ما يصدر عن هذه المليشيا من إجراءات ومحاكمات ضد الصحفيين باطلة وغير شرعية، لأنها صادرة عن عصابة انقلابية، داعيا للإفراج الفوري وغير المشروط عنهم.

منظمة صحفيات بلا قيود رصدت 200 حالة انتهاك بحق صحفيين يمنيين، بينها 12 حالة قتل، أربع منها برصاص الحوثيين منذ بداية 2018، الذي وصفته بالأكثر دموية مقارنة بالأعوام السابقة.

وبحسب المنظمة، فقد تعرض أكثر من ألف صحفي منذ عام 2014 لانتهاكات متنوعة، بينها: القتل، التهديد، التحريض، المحاكمات، وقصف مقرات مؤسسات إعلامية، داعية إلى تقديم الجهات التي ارتكبت تلك الجرائم للمحاكمة.

وفي تعز يتم التضييق على الصحفيين فيها بشكل كبير، فقد سقط برصاص قناصة المليشيا الحوثية الصحفي أحمد الشيباني في حي الحصب بجولة المرور بالمحافظة، ولم يكن الشيباني الأخير، فقد قتل كذلك آخرون بينهم أواب الزبير الذي دخل منزلا في أحد الأحياء التي انسحبت منها تلك الجماعة وكان مفخخا بالألغام.

 

- الناشطون
لعب الناشطون اليمنيون دورا بارزا في مناهضة الانقلابيين برصدهم للجرائم والانتهاكات، وأوصلوا جرائم تلك المليشيات إلى العالم عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام، وجعلهم ذلك هدفا للحوثيين الذين اعتقلوا وقتلوا العديد منهم.

كما طالت تلك الانتهاكات كذلك كثير من المنظمات الحقوقية، إذ تم إغلاقها في مناطق سيطرة الحوثيين أو نهبها، والتضييق على ما تبقى منها وذلك عبر أخذ تصريحات لكل نشاط تقوم به، وحتى قراءة محتوى ما سيتم تقديمه.

بدأت تلك الانتهاكات بشدة مع بداية الانقلاب، ثم تراجعت بشكل طفيف بعد أن غادر أغلب الناشطين مناطقهم، لكنها زادت بوتيرة عالية عقب مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح على يد حلفائه الحوثيين، وطالت الناشطين التابعين لحزب المؤتمر الشعبي العام، وهو ما أدى إلى مغادرة الكثير منهم البلاد.

وبالنظر إلى كم الانتهاكات التي يعاني منها الناشطون، فإن ما يثير الدهشة خبر إهدار الحوثيين دم الناشط إبراهيم القيدلة بمحافظة حجة في سبتمبر 2017، على خلفية رفضه للانتهاكات التي تقوم بها المليشيات في مختلف المحافظات.

وفي أواخر 2015 كشفت منظمة العفو الدولية في تقرير عن اليمن، عن تلقي ناشطين في مجال حقوق الإنسان تهديدات من قبل الحوثيين بالاعتداء على أسرهم، بسبب نشاطهم المناهض للانقلاب.

وفي تعز دفع الناشطون ثمنا باهظا، فقد قتل واعتقل بعضهم من قِبل الحوثيين، من بينهم الناشطة ريهام البدر التي كانت تقوم برصد انتهاكات جماعة الحوثيين في أحياء شرقي المحافظة.

  

استهداف السياسيين

مارست مليشيا الحوثي انتهاكات ممنهجة ضد القيادات السياسية المناوئة لها باليمن وتحديدا التي تنتمي لحزب التجمع اليمني للإصلاح بسبب مواقفهم الوطنية، بطريقة بشعة كشفت وحشية تلك الجماعة التي لا تؤمن بأعراف ولا تراع أي اعتبارات قانونية أو إنسانية أو حتى دينية.

فمع الأيام الأولى لانقلاب 2014، قام الحوثيون بنهب مقار حزب الإصلاح واحتلالها وتفجير عدد منها، وقاموا كذلك باعتقال الناشطين بالحزب والقيادات المختلفة والتضييق عليهم، مما اضطر الكثير منهم للرحيل خارج اليمن أو الذهاب لمناطق لا تخضع لسيطرة الجماعة الانقلابية.

ولا يزال حتى اليوم القيادي في حزب الإصلاح محمد قحطان معتقلا لدى الحوثيين منذ أبريل 2015، ويتعرض للتعذيب وحالته الصحية تتدهور بسبب إصابته بمرض السكر، وفقا لمنظمات حقوقية.

وتعرض أولئك السياسيون لتفجير منازلهم واغتيالهم بالرصاص أو الكمائن لمجرد أنهم أعضاء بالحزب، وقام الحوثيون بمطاردتهم ومداهمة منازلهم، وتفجير سياراتهم بعبوات ناسفة، وقتل بعضهم بطريقة وحشية كما حصل مع خطيب أحد جوامع إب بشير شحرة، واتخاذهم كدروع بشرية.

وبرغم أن الحوثيين ركزوا بشكل كبير على استهداف الإصلاح، إلا أنهم بعد قتلهم للرئيس السابق صالح الذي كان حليفا لهم، ضيقوا الخناق على قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام، الرافضة للانقلاب، في مختلف مناطق سيطرتهم وبدؤوا بممارسة الانتهاكات المختلفة بحقهم نتيجة لمواقفهم المناوئة لهم.

  

أسباب عديدة للعنف

تحرص مليشيات الحوثي -بلجوئها إلى العنف- على تشكيل صورة ذهنية جماعية بأنها جماعة لا تقبل أن يناهضها أحد ولا تتساهل معهم، فتعاملت بعنف شديد مع مختلف خصومها.

حاولت تلك الجماعة من خلال استهداف النشطاء والصحفيين والسياسيين أن تخرس أي أصوات وتكمم الأفواه لتستطيع أن تواصل جرائمها، بعيدا عن عدسات الكاميرات وأقلام الراصدين والمواقف السياسية، وفشلت بذلك، فهناك الكثير ممن استمروا بعملهم انتصارا لقضية اليمن التي ضحى الكثير من اليمنيين بحياتهم لأجلها.

ويقول الناشط الحقوقي محمد الأحمدي إن هناك العشرات من الناشطين في سجون الحوثيين وهم يتعرضون لشتى أنواع التعذيب وسوء المعاملة، كون الحوثيين يلجؤون للعنف بدافع التعبئة على الكراهية التي تتلقاها عناصرهم، والتي تشمل التعبئة الفكرية على مفاهيم التكفير والاستحقار لكل الذين يرفضون أفكار الجماعة وسياستها وسلوكها الدموي.

وأكد أن العنف جزء من تركيبة المليشيات وأدبياتها وتاريخها الممتد المليء بالعنف والقمع لكل مخالف لها، أو لمن لا يستجيب لسلطتها القمعية القهرية، لافتا إلى أن المليشيات ورثت عددا من أدوات القمع التي كان يستخدمها نظام الرئيس السابق ضد معارضيه، بمن فيهم حتى أولئك الذين كانوا حلفاءها من أتباع علي صالح.

ويضيف الأحمدي: "الحوثيون كأي جماعة عنف تبسط سيطرتها على رقعة جغرافية معينة بالقوة، تفرض قوانينها على المجتمع وتحكمه بالحديد والنار، وتنجح في قمع وترهيب أي أًصوات مناوئة لها، وتحاول أن تبني حالة من الأمن الهش لها ولكيانها وأدواتها في المجتمع، لكنها سرعان ما تنهار بمجرد حضور الدولة والقانون وعندما ينتفض الشعب ويضيق ذرعا من قمعها".

وذكر أن هناك أصواتا حقوقية تتحدث عن جرائم المليشيات، لكنها أصوات على استحياء، ولا ترقى إلى مستوى المسؤولية في فضح جرائم الحوثيين، مشيرا إلى وجود خلط لدى الغرب بشأن ما يجري في اليمن وحقيقة أن الحوثيين يمارسون مختلف الجرائم بحق اليمنيين، موضحا أن بعض المنظمات تعكس رغبة الفاعلين الدوليين في إدامة الصراع ودعم الحوثيين.

  

إفرازات الانقلاب

يرى الناشط الحقوقي توفيق الحميدي -في حوار صحفي- أن الملف الحقوقي في اليمن هو إحدى إفرازات انقلاب 2014، مؤكدا أن سقوط الدولة ومؤسساتها أغرى الجماعات المسلحة والتشكيلات المقاتلة بالتعدي على حقوق الإنسان.

وأفاد بأن جميع الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية انتهكت في اليمن، وشملت جميع أفراد فئات الشعب اليمني دون استثناء، لافتا إلى أن جماعة الحوثي تأتي في مقدمة منتهكي الحقوق.

وقال إن الوضع داخل تلك الجماعة يزداد تعقيدا بسبب انعدام ثقافة حقوق الإنسان داخل بنية الحوثيين، الذين جاؤوا بقوة السلاح، فضلا عن أنهم قاموا بتربية أفرادهم وقياداتهم على ثقافة الإقصاء والاصطفاء منذ بداية ظهورهم.

وتمنى الحميدي أن يتم فصل الملف السياسي عن الحقوقي قدر الإمكان، كون تسييس هذا الملف يضر به كثيرا، ويؤثر على الضحايا، ويساهم في إفلات المنتهكين من العقاب، مطالبا بالإسراع بتحريك مؤسسات القانون، وإخضاعها بصورة كاملة لوزارة الداخلية، وتفعيل المؤسسات القضائية للقيام بواجبها، وتوفير أجواء مناسبة لعملها واحترام قراراتها.

واتهمت منظمة سام الحقوقية الحوثيين بتسخير الأجهزة العسكرية والأمنية الخاضعة لسيطرتهم لإرهاب حرية الكلمة في اليمن، وممارسة التضييق الممنهج ضد حرية الرأي بشكل عام، والصحافة على وجه الخصوص، دون اكتراث بقواعد القانون الدولي والمعاهدات الخاصة بحماية الصحفيين.

ويثير غضب اليمنيين صمت المنظمات الدولية أمام الجرائم التي ترتكبها تلك المليشيات بحق المواطنين، فالكثير منها جرائم حرب تنتهك بشكل سافر كل الأعراف والمواثيق الدولية، مطالبين بإطلاق سراح كل المعتقلين لدى المليشيا حتى اليوم والذين يتعرضون للتعذيب وسوء المعاملة والحرمان من أبسط حقوقهم الإنسانية.