الجمعة 03-05-2024 01:54:28 ص : 24 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الركائز الدينية والمنطلقات السياسية عند الإمامة.. العنصرية الإمامية الحوثية (الحلقة التاسعة )

الإثنين 24 ديسمبر-كانون الأول 2018 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

في سلسلة حلقات عن الأيديولوجيا الحوثية الإمامية نستعرض أهم الركائز التي قامت عليها هذه الأيديولوجيا من لدن بذرتها وحتى اليوم وأثرها على وحدة المجتمع وكيف نخرت المجتمع اليمني أو المجتمعات الأخرى التي وجدت فيها، وأثر ذلك مستقبلاً.

أينما وجدت العنصريات وجد معها القتل والخراب والدمار وعدم الاستقرار في أي من بلاد العالم، فالعنصرية اليهودية قديماً ولدت الصراعات بينها وبين إمبراطوريات العالم القديم، والعنصرية الفارسية والإغريقية ولدت بينهما صراعاً لأكثر من ألف عام، والعنصرية الأوروبية ولدت الاستعمار والصراعات البينية التي أفضت إلى قتل أكثر من ستين مليون أوروبي في الحروب المختلفة، والعنصرية القرشية والهاشمية تجدد الصراعات الإسلامية - الإسلامية منذ ألف وأربعمئة سنة.

قبل ألفي عام كان اليهود قد أظهروا عنصريتهم القائلة بأنهم "شعب الله المختار"، ووجد منهم المنظرون والأحبار الذين يفلسفون لهم تلك النظرة ويعتبرونها مقدسة، وأنهم الأحق بملك العالم من غيرهم وما سواهم ليسوا إلا عامة وتابعين، وطوروا هذه الحالة مع جيرانهم العرب الذين أطلقوا عليهم صفة (الأمية) {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} آل عمران (75)، وقولهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}المائدة (18).

وقد تأثر الفرس بالنظرة العصبية اليهودية فادعى الفرس أن العرق الأخميني، وهو العرق الهندوأوروبي أفضل العروق مما جعلهم يجوبون الأرض شرقاً وغرباً توسعاً وقتلاً وتدميراً ونهباً ومعاملة الأرض المفتوحة من قبلهم كأتباع من السواد كما في حال عرب السواد وغيرهم، وولد ذلك الصراع بين الفرس والإغريق في القرن السادس والخامس قبل الميلاد بغزو ملك فارس قورش ومن بعده ابنه قمبيز اليونان في القرن السادس قبل الميلاد، فنقلت العدوى العنصرية والتمييز العرقي إلى الإغريق في القرون التي تلت ذلك القرن مما دفع بالإسكندر إلى تلك الحروب والتمدد بعد ذلك حتى على حساب الإمبراطورية الفارسية ذاتها وأعاد عليها الكرّة وهزمها وأسقط الإمبراطورية الفارسية الأخمينية عام 334 قبل الميلاد، ووصل حدود عاصمتهم بالقرب من العراق.

  

الخلفية التاريخية للعنصرية الشيعية

فعلت الفلسفة والثقافة اليهودية فعلتها في التأثير على فارس، فتأثر الفرس بهذه الثقافة وصدروها لغيرهم، ثم امتدت هذه الثقافة مع الفرس إلى أن تم إسقاط امبراطوريتهم في الإسلام في عهد عمر بن الخطاب الذي ظلوا يكرهونه كرههم للشيطان، ودخلت عندهم فكرة التشيع ونقلت إلى الثقافة الإسلامية والعربية وأظهرت "صفاء العرق" القرشي لدى جناحي المكون الإسلامي السني والشيعي، غير أنه أكثر في الجانب الشيعي من السني، وظهرت العصبية الهاشمية بتلاقح أفكار الفرس مع أفكار عبد الله بن سبأ في ذلك.

صحيح أن العصبية العربية بين القبائل موجودة منذ القدم من قبل الميلاد حتى وليس من قبل الإسلام فقط، لكن الإسلام جاء وقضى عليها بـمبدأ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}الحجرات13.

لم يبدأ الصراع الإسلامي - الإسلامي إلا منذ أن بعثت تلك النعرة العصبية التي قسمت المسلمين إلى قسمين؛ شيعي وسني، أو قرشي وغير قرشي مما ولد نظرية "الأحق بالحكم"، ثم انحسرت من القرشية إلى الهاشمية، ولما ظهر منافس جديد من الهاشمية وهم العباسيون، حصر الشيعة هذه العنصرية في الإمام علي وأبنائه من بعده، ولما وقعوا في مأزق من هذا الأمر نحّوا بقية أبناء علي وحصروها في البطنين (الحسن والحسين)، ولما تنازل الحسن، رضي الله عنه، بالخلافة لمعاوية، ظهر تيار آخر ينادي بعدم أهلية الحسن للحكم وحصرها في الحسين، رضي الله عنه. ولئن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد مات ولم يخلف ولداً من الذكور، قام الأدعياء بحق "الوصية" أو الحكم من جهة الانتساب لبناته الإناث، مع أنه في العرف والثقافة العربيين لا ينتسب الولد إلا لأبيه والأسرة للأب وليس للأم.

هيمنت هذه النظرة وكرست الحق الإلهي في الحكم لدى الشيعة عموماً وأشد تعصباً لها الشيعة الاثنى عشرية عموماً، ما أظهر معها لازمة من لوازم هذا الأمر وهو الخروج بالثورة بالسيف على من دونهم من الحكام، بينما كانت تظهر آراء مخالفة لهذه النظرة عند بعض المجتهدين من الفرق الأخرى كالزيدية ومنها المطرفية التي أبيدت في اليمن على أيدي الإمام عبدالله بن حمزة بسبب اجتهادهم في هذه المسألة وخالفت الهادوية والجارودية في اليمن.

ظلت الفرق الشيعية عموماً في العالم تتحكم بها مرجعية شيعية في مدينة قم الإيرانية منذ القدم، وظلت هذه المرجعية تغذي هذه الفكرة العنصرية على مر الزمن، وظل كل من ينتسب إلى هذه الفرق ويرجع لتلك المرجعية يتشبث بالفكرة حتى اليوم، ولذلك ظلت الحروب والصراعات والخروج المستمر بالسلاح من هذه الفرق على من دونهم من الحكام، وستظل في صراع إلى يوم القيامة طالما بقيت هذه الفكرة، وما استوقف منها في زمن إلا لتغلب فريق على آخر وإسكاته ريثما تسنح الفرصة ما تلبث أن تظهر مجدداً.

ومع هذه الفكرة فقد ظل كل شيء مخدوماً لفكرتهم ليس على مستوى الحكم فقط وإنما حتى في كل ألوان ومجالات الحياة تظل مرفوضة منهم طالما كانت لغيرهم، فلا يأخذون بحديث ولا يأخذون بتأويل ولا علم ولا اجتهاد إلا ما كان من طرفهم فقط مهما كانت صوابية نظرة الآخر أو فساد رأي جانبهم هم، ومن أهم مخاطر هذا التعصب أنه مبعث في الطعن في عقيدة المسلمين ومنها القرآن الكريم وطرق نقله وتواتره.

ويحصل أحياناً أن يختلف بعض أبناء جلدتهم، وحتى الإخوة منهم، فيدعو كل واحد منهم لنفسه بالإمامة، وتتحول هذه الدعوات إلى صراع مرير بين الإخوة في البيت الواحد يكون وقودها الأتباع من الطرفين، وتزهق أنفسٌ كثيرة بسبب هذه التبعية، لا بل أحياناً بين الابن وأبيه كما هو الحال مع المطهر بن شرف الدين الذي قاتل أباه على الإمامة وسهل للأتراك العثمانيين الدخول إلى اليمن نكاية بأبيه وإخوته.

  

العنصرية مصنع الصراع المستمر

ومثلما قسم اليهود الأمة إلى فئة راقية وهي عرقهم، وأميين وهم الأتباع، قسم الأئمة -ومنهم الحوثية اليوم- الأمة إلى طبقة السادة أو الأشراف والقضاة والعامة والدهماء وجزارين ومزاينة وأخدام وغيرهم، ويطلقون على الجميع لفظ العوام، مثلما أطلق اليهود على غيرهم "دونيم" وعلى العرب "الأميين".

ولا تأتي غزواتهم لعقول الناس بالأحقية لهم بكل شيء وأنهم ظل الله في أرضه إلا بما يزينون لهم من ظواهر الأشياء حتى ينخدع الناس بها ما يلبثوا أن ينقلبوا عليها وتظهر نواياهم الحقيقية بعد ذلك، ثم ما تلبث أن تأتيهم الثورات تلو الثورات سواء من الداخل أو من الخارج، وهكذا تستمر دورة الصراع.

إن من أخطر عناصر هذه العنصرية هو إلغاء حق الآخر في الحياة إلا أن يعيش عبداً ذليلاً تابعاً هيناً، فضلاً عن أن هذا الأمر يكون قطعاً للطريق أمام أي متطلع للحكم ليظل يتمتع به "آل البيت" إلى قيام الساعة لا يجوز لغيرهم منازعتهم إياه.

ولم تكن أكثر الصور المُنزّلة على واقع الناس اليوم وادعاء الحركة الحوثية الحق الإلهي في الحكم إلا هذه الصورة التي رسمها الزبيري لآبائهم القدامى بالقول: "من أحبنا أهل البيت فليستعد للبلاء جلباباً حسب الواحد منهم أن يتربع على العرش ثم يقول للناس إن الله هو الذي ولاه وأن الله هو الذي ميزه وهو الذي أمر الناس أن يطيعوه وأن يخدموه وأن يقدسوه وأن يموتوا في سبيل نصرته، إن حكمه ليس مستمداً من الشعب ولا من فضل الشعب بل هو منحة من السماء، إنه ظل الله ونائب الله وخليفته".

عملت الإمامة حتى على إنكار هاشمية المكون السني الهاشمي في اليمن وخاصة اليمن الأسفل ولا يعدون الأسر الهاشمية من محافظات تعز وإب والحديدة أو عدن وحضرموت ضمن الهاشمية، فقد روى الكاتب الأستاذ أحمد الأهدل وهو من مؤسسي البنك اليمني للإنشاء والتعمير أنهم كانوا ينكرون عليه أنه من الهاشميين، وظلت هذه النظرة حتى بعد ثورة سبتمبر، وكثير من الكتاب الحوثيين في كتاباتهم يميزون بين هاشمية المناطق اليمنية السفلى ومناطقهم، وتجددت هذه النظرة العنصرية اليوم ولا يقبلون بهاشمية أحد منهم حتى يتحوث، ولهذا السبب وأسباب أخرى تحولت الكثير من هذه الأسر إلى الحوثية ومنها على سبيل المثال بعض بني الأهدل في ريمة والحديدة وزبيد، وبعض بني النهاري والجنيد في تعز (حتى وإن كان في الجنيدة مقال في أمر هذا الانتساب)، وكذلك في بعض حضرموت.

  

التشبه بالثقافة المالية المسيحية

لقد كان أرباب المسيحية من الكهان والبابوات خاصة قبل الثورة الإصلاحية التي قادها مارتن لوثر في أوروبا على الكنيسة الكاثوليكية، وما يزالون إلى اليوم، يعملون على جمع واستصفاء أموال المواطنين المسيحيين تحت لافتات متعددة منها التقرب إلى الله بالمال، ومنها "الغفران" ببيع صكوك الغفران للمذنبين منهم وغيرها من اللافتات الكثيرة.

وعملت الشيعة عموماً بهذا التقليد وقام أئمتهم ورؤساؤهم ومنظروهم بجمع هذه الأموال من الأتباع بحجج مختلفة منها: دعم المهدي المنتظر وتهيئة الدولة لمجيئه، ومنها الخمس في المال، ومنها الزكوات لآل البيت مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إن الصدقة لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس"، قال الشوكاني رحمه الله: "وإنما سميت أوساخاً لأنها تطهرة لأموال الناس ونفوسهم، قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) [التوبة: من الآية103]"، ومنها لافتة الجهاد بالمال، وغيرها من اللافتات، كنهب وسلب كل أموال الخصوم واستصفائها، ونهب بلدان وقرى الطوائف الأخرى بحجة استصفاء أموالهم وأنها أرض خراج لهم وأموالهم مستباحة وغنيمة لآل البيت؛ فالآخر عندهم مجرد أجير ومحلب من محالب المال لهم.

وقد ثبت أن الحسينيات العراقية واللبنانية تجمع أموالاً ضخمة، وأن أئمة الشيعة من أغنى أغنياء العالم ويقومون بهذه الأموال بدعم الثورات الشيعية والتخريبية في كل الأقطار الإسلامية، ويبذلون منها بذلاً سخياً لشراء الولاءات والذمم.

في اليمن عمم الحوثيون اليوم هذا التقليد الشيعي في البلاد التي احتلوها كصعدة وعمران وبني مطر وبعض قرى حجة، كما فعل أئمتهم من قبل في اليمن عبر التاريخ، فقاموا بفرض عدة بوابات للجباية المالية منها دعم "المجاهدين" (مليشياتهم المسلحة)، ومنها الخمس، ومنها الزكاة، ومنها الضرائب، ومنها العيدية، ومنها سفرة الوالي، وغيرها من هذه البوابات.

فقد بثت عدة تقارير تلفزيونية من عمران وصعدة تفيد بأن الحوثي فرض على كل محل تجاري صغير ما بين خمسة آلاف إلى عشرة آلاف ريال، وعلى المحلات الكبرى مئة ألف ريال، وعلى المؤسسات مليون ريال، وهكذا حتى إنه أعلن أنه مستعد لرفد خزينة الدولة بمليار ونصف المليار دولار لمدة ستة أشهر مقابل إلغاء الجرعة وعاد لينفي ذلك مجدداً.

وهكذا عمل الأئمة من قبل ثورة 26 سبتمبر كما يروي النعمان في مذكراته.
يقول الأستاذ النعمان الابن: "كان القبيلي المجند الذي قدم من شمال صنعاء إلى سهول تهامة وإب وتعز والبيضاء لا يسمى جندياً بل مجاهداً في سبيل الله، وعلى هذا الأساس أبيح له أن يسكن في مساكن الأهالي بالقوة حتى لو أدى الأمر -وكثيراً ما كان يؤدي- إلى خروج رب المسكن ليسكنه المجاهد في سبيل الله ويفرض على الزوجة أن تتولى خدمته وإطعامه ما يختار من طعام، وكم أكواخ وبيوت هدمت وأحرقت لأن فلاحاً أو فلاحة اعتذرت بالفقر عن تلبية الرغبات المسعورة للجنود"، والكلام مازال للأستاذ النعمان الذي يؤكد بقوله: "لقد وجه الإمام يحيى قبائل الشمال التي حاربت تحت قيادته الأتراك نحو الجنوب (تعز وإب) وتهامة بدعوى المحافظة على الراية المحمدية في بلاد (كفار التأويل) و(إخوان النصارى)".

لقد دجلت الإمامة على الشعب ردحاً طويلاً من الزمن، كما فعلت الكنيسة الأوروبية من قبل على أتباعها، ووصل الحال بهذا الدجل كما ذكر الزبيري بالقول: "عندما تمطر السماء يقال هذه بركات الإمام، وعندما تُمحِل يقال له هذه دعوة الإمام ضد العصاة المتمردين.. الزكاة لا تعطى إلا للإمام والصلوات لا تؤدى إلا بوجود الإمام، ثم يجيء الرخاء فيكون بفضل الإمام، ويحل الفقر والبؤس والموت فيُحال البائسون المقتولون التعساء إلى رمان الإمام وعنبه ونعيمه في الجنة".

ولئن كان في بعض الثقافات المسيحية الأوروبية أن تكون مجالس الحكم في أسر بعينها كما هو الحال مجلس اللوردات البريطاني يكون للطبقة الراقية المتحدرة من بعض سلالات البابوات البريطانية، فقد ظل القضاء في العهد الإمامي وعهد صالح وما بينهما حكراً على الأسر الهاشمية فقط، وهاشمية شمال الشمال فقط وليس كل الهاشمية اليمنية، حتى عام الوحدة عام 1990 عندما تم دمج القضاء الجنوبي بالشمالي مع محدودية الجنوبي إلى الشمالي فتم كسر هذه القاعدة إلى حد ما وطُعِّم القضاء اليمني من مختلف محافظات الجمهورية إلا أن الغالبية العظمى تظل لهذه الهاشمية.

   

من صور العنصرية الإمامية والحوثية

إن الفكر الإمامي يعود لنا اليوم بأسوأ صوره في القرن الحادي والعشرين تكراراً للصورة السابقة القاتمة، فقد ذكر الزبيري في كتابه "خطر الإمامة على الوحدة اليمنية" بعضا من تلك الصور بالقول: "تكاد تنحصر الأعباء الإمامية في استصفاء ثروة الشعب باسم الزكاة، وقمع الانتفاضات الشعبية باسم الجهاد وقتال البغاة، ثم بناء مسجد باسم الإمام تضاف إلى جواره غالباً قبة الضريح لهذا الإمام تمد نفوذه الروح حتى وهو في القبر، ثم يخلف تركة ضخمة من الأرض لأولاده وأحفاده بعد أن يبتزها من الشعب".

لقد وقف الأئمة ضد تطور اليمن حتى في المجالات الزراعية التي عمل الأحباش وهم أحباش مستعمرون على إعادة بناء سد مارب في حين وقف الأئمة ضد إمكانية تطور الزراعة اليمنية، ووقفوا ضد الاجتهاد وتعدد المذاهب وكفروا الأشاعرة وغيرهم، وقاموا بحرب إبادة ضد الطائفة الإسماعيلية والمطرفية الزيدية، ومسائل الفقه في الجانب الشرعي لا بد أن تكون رؤى ومذاهب الإمام هي السائدة، فوقفوا حتى ضد أقربائهم في بعض الاجتهادات الشرعية كما هو الحال مع ابن الأمير الصنعاني في عهد المتوكل على الله القاسم بن الحسين. كما حرموا كتب السنة كما روى الشوكاني بالقول: "ومن محن الدنيا أن يدخل الألوف من هؤلاء المتعصبين إلى صنعاء فيهددون كل من يقرأ كتب السنة وليس الذنب ذنبهم إنما هو ذنب المحرضين لهم".

لقد قالوا بمبدأ الخروج على الظلمة بالثورات لكنهم حرموا على غيرهم الثورة على ظلمهم ومن فعل منهم فإنه في نظرهم مارقاً باغياً عدواً لله سواء في نظر الدولة أو في نظر العلماء المستبدين.

ومن صور العنصرية وعدم القبول بالمخالفة عليهم حتى من أبناء جلدتهم وملتهم ما رواه الإمام الشوكاني بالقول: "وقد اتفق أن انتشرت شائعات ضد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير بأنه يخالف آل البيت، وبثها المغرضون في بعض أوساط المتعصبين فاحتشدوا للثورة على الإمام بسبب ممالأته لمحمد بن إسماعيل الأمير وحاول الإمام إقناعهم فلم يقتنعوا إلا بعد أن قرر لهم عشرين ألف ريال سنوياً".

ومن تلك الصور أيضاً ما كتبه الأكوع في مقدمة كتاب الإكليل ص44/ج1: "ونقل ابن أبي الرجال في كتابه "مطالع البدور" عن بعض مؤرخي الزيدية: أعتقل لشأن في دينه، قيل بصنعاء، وقيل بصعدة أيام الناصر أحمد وأيام أسعد بن أبي يعفر، إلى أن قال: لهج ابن الحائك بتفضيل قبيلة قحطان على عدنان، وحقَّر ما عظَّم الله وتجاسر على انتقاص من اصطفاه الله"، وانظروا إلى هذه الكلمات الأخيرة "حَقَّر ما عظَّم الله وتجاسر على انتقاص من اصطفاه الله"، وهذه الكلمات مقصدهم سلالتهم واستعلاءهم على الآخرين.

أما الحوثيون ما إن كسبوا تعاطف الناس المخدوعين بشعاراتهم وتضليلاتهم واستخدامهم التقية حتى بدؤوا بإظهار الوجه الحقيقي لهم، أول ما تنكروا لمن وقف معهم وساندهم حتى في جبهات القتال، وصاروا يفرقون بين مؤيديهم ومناصريهم إلى "زنابيل" و"قناديل"، ويقصدون بالزنابيل القبائل المناصرة لهم من غير سلالتهم، والقناديل من ينتسبون لسلالتهم، حتى قتلاهم في المعارك لا يكرمونهم بالدفن، وإن دفنوهم فهناك مقبرة خاصة للزنابيل ولا يقبرونهم في مقبرة القناديل.

لقد أوصى الدكتور عبد الكريم جدبان، وهو أحد قياداتهم السياسيين والثقافيين، بدفنه في مقبرة الأشراف في صعدة بعد موته، وبعد استشهاده في صنعاء ذهب بعض أقاربه إلى صعدة يستأذنون الحوثي في أن يقبر جدبان حسب وصيته إلا أن الحوثي رفض ذلك رفضاً قاطعاً رغم ما قدمه الرجل للحركة الحوثية من خدمات جليلة، وإذا كان هذا فعلهم مع من ساندهم فكيف بمن خالفهم؟!

عمل الحوثيون بكل وسيلة وقوة على تدمير ونهب كل ما يخالف فكرهم في الأرض التي احتلوها من مساجد ومدارس تحفيظ القرآن ومدارس عامة نظامية ودور المواطنين المخالفين لتشيعهم في صورة عنصرية مقيتة، فقد أثارت سياسة تفجير المساجد ودور القرآن الكريم التي قام بها الحوثيون انتقادات وعلامات استفهام كبيرة حول حقيقة النوايا الحوثية من كل هذه الأعمال العنصرية الصدامية التي لا تقبل بالآخر ولا بحق التعايش السلمي بين اليمنيين.

فحينما غزا الحوثيون مديرية همدان من محافظة صنعاء الأحد 9/3/2014 قامت مليشياتهم المسماة "أنصار الله" بتفجير دار القرآن الكريم ومدرسة طارق بن زياد في همدان وبيوت مواطنين وسوتها جميعها بالأرض، مما أثار سخط كثير من المواطنين.

وقد نشرت إحصائية بسيطة لناشطين إعلاميين وحقوقيين وسياسيين أن الحوثيين فجروا وخربوا أكثر من 450 مسجدًا ناهيك عن تخريب وتدمير أكثر من 2700 مدرسة في اليمن، منذ انقلابهم على الدولة.

  

سر التعنت الحوثي في رفض اتفاقيات السلام مع الدولة

من خلال العديد من الأبحاث والدراسات والمقارنات الواقعية والسياسية لتاريخ الشيعة في اليمن الذي يعد العمق الأصيل للحركة الحوثية، فضلاً عن الإملاءات الإيرانية للحركة الحوثية، ومن خلال الكثير من الخطابات وما يجري خلف الكواليس من تحركات، نجد أن التعنت الحوثي لرفض كل الأيادي الممدودة إليه بالسلام وتجنيب البلد الصراعات يرجع إلى سبب عنصري وطائفي وحيد صرح عنه الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وهو أن الحكم اليمني خرج من الزيدية إلى السنة لأول مرة منذ أكثر من أربعمئة عام.

في الثقافة المناطقية العنصرية لشمال الشمال وما لمسناه في الوحدات العسكرية، كان التمييز واضحاً والتمكين لم يكن فيها إلا لمناطق شمال الشمال بما فيها حتى بعد الوحدة عام 1990، وكان كثيراً ما يروج داخل المعسكرات أنه لن يحكم اليمن أحد من المناطق السفلى مهما كلف الأمر.

في بداية ثورة فبراير 2011، وأثناء عمليات الشد والجذب في التفاوض على المبادرة الخليجية، أشهر صالح ورقته الكبرى التي ظنها المربحة الوحيدة وهي الطائفية؛ فاجتمع بأكابر الزيدية وعلى رأسهم الحوثية، وقال لهم بالحرف الواحد: "إن سقط حكم علي عبد الله صالح فمعنى ذلك أن الحكم خرج من يد الزيدية إلى الأبد"، الأمر الذي بدأ الانقلاب عليه باكراً بتراجع الحركة الحوثية من تأييد ثورة الشباب وعملت على تمثيل الثورة المضادة من داخل ساحة التغيير نفسها.

بعد انتخاب الرئيس هادي وخلع صالح بدأت المشاكل تتوالى على الدولة من كل مكان بفعل تحريك الورقة الطائفية العنصرية من قبل صالح والحوثي واقتضام المحافظات الواحدة تلو الأخرى، وظهر التعنت الحوثي في عدم التساهل أو التنازل عن أي من أوراقه وعدم زحزحة مواقفه المتمثلة في إسقاط الدولة ظاهرها مطالبات متعددة وباطنها إعادة الحكم للزيدية من يد السنة، حتى تسنى لهم الانقلاب على الدولة في 21 سبتمبر 2014 ولن تجدي التنازلات لهم مهما كانت إلا أن يحكموا اليمن ويظلون متسلطين على رقاب اليمنيين بحكم نظرتهم الأيديولوجية العنصرية الاستعلائية على الآخر.

يتبع.. الحلقة القادمة قضية الاصطفاء كتطور لهذه العنصرية المقيتة.

كلمات دالّة

#العنصرية #الحوثية