السبت 20-04-2024 06:41:13 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

اليمن إلى أين؟!

نشأة المحنة.. الحلقة (2)

الثلاثاء 18 إبريل-نيسان 2017 الساعة 10 مساءً / التجمع اليمني للاصلاح - خاص

بقلم / عبدالعزيز العسالي

 حاولنا في الحلقة الأولى تحديد أساس المحنة التي تدمر اليمن وتفتته وتمزق نسيجه الاجتماعي، وتوصلنا إلى أن المحنة (عقائدية دينية منهجية) مختلة من الأساس. وفي هذه الحلقة سنحاول الاقتراب من فكرة (النشأة) لفكرة العفاشية الحوثية الرامية إلى تدمير اليمن كلياً تحت شعار "أحكمك أو اقتلك"!

سنحاول الاختصار قدر المستطاع فنقول: بعد الاتفاق الذي وصلت إليه الجمهورية العربية اليمنية برئاسة القاضي عبدالرحمن الإرياني -رحمه الله-، هذا الرجل العظيم هو صانع البذرة الأولى للدولة المدنية والتعايش, حيث تم الاتفاق على عودة كل من حارب في صفوف الملكية إلى اليمن - وطن الجميع – (عدا بيت حميد الدين).

لقد عادت السلالية، ولكن بذكاء خبيث في غاية الخبث, وفي تخطيط ماكر تمثل في (لباس قميص الباطنية)، فهذا المجال تمت التهيئة له (اجتماعياً) - انتشار في الأوساط وتناسب وتزاوج وتجارة، وسياسة. كان العزف في غاية الذكاء حيث ركز الخطاب السلالي على تصرفات المصريين في اليمن وموقف ناصر معه القبيلة، والاشتراكية والقومية، ثم توظيف الوعظ الديني وتوظيف الفراغ الحزبي - الإصلاح واليسار - وكاد أن يتماهى الأمر، وانطمست المعالم الفكرية والثقافية، وتناسى الكثير السلالية بل تعاطفوا معها أحياناً.

تم التخطيط (أمنياً) ومالياً وذلك بإيصال العناصر السلالية تحت القميص السني الطاهر الباطني في الحقيقة، ووصلت العناصر الباطنية على مفاصلة المخابرات -الدولة العميقة، وهنا حصلوا على المال (رسمياً).


لقد وظفوه لصالح السلالية، كما أنهم توصلوا إلى تمكين عناصرهم من مقاليد التجارة وكل ما يعزز الجانب المالي، كما تسلموا مناصب عليا في الجيش والأمن وغيرهما من أروقة الدولة.


ثالثاً: العوامل
عوامل التغذية السلالية ونموها:
دخل الشطران في صراع جراء الاستقطاب القطبي أيام الحرب الباردة بين السوفييت وأوروبا وأمريكا، وغير خافٍ أن الملكيين -حتى اليوم- مقيمون في الخليج والسعودية، وهنا تم توظيف الوضع إعلامياً وثقافياً وسياسياً - صراع مع الشيوعية وهنا استطاعت السلالية بقميص الباطنيين أن تكسب المزيد من التمكين في أعماق الدولة وعلى مستوى الحضور الفكري والثقافي والاجتماعي والقبلي والديني.

ربيع السلالية
الثورة الإيرانية
في عام (١٩٧٩) قامت الثورة في إيران، وتم إعلان جمهورية إيران الإسلامية، شعار استهوى أفئدة الكثير يساريين وإسلاميين؛ فاليسار صفق لجمهورية إيران ليس حباً في الفكرة ولكن نكاية بالغرب وعملية (الشاه) المطرود، والذي استقر في مصر السادات حتى وافته المنية. فاليسار القومي صفق لأن هذه الثورة لطمت الغرب عدو المشروع القومي العربي.
والإسلاميون- طبعاً فرحوا لأن اسم الإسلام جزء من اسم الدولة, والمفكرون- وبالذات الإسلاميين تملكهم الإعجاب بحسن تنظيم وإدارة الخميني، عامة الجماهير المسلمة سمعت بطرد سفير إسرائيل من طهران وتأزم العلاقة بين إيران والغرب.


صدام يحارب بالوكالة:
لم يمر على الجمهورية الإيرانية سوى أشهر، وربما عام، يزيد قليلاً أو ينقص، حتى أعلن صدام حسين الحرب على إيران بحجة استعادة ارضٍ عراقية تحت حكم إيران.
كانت السلالية تسير بحذر شديد؛ لأن معظم عناصرها في دول النفط الداعمة لصدام، كما أن اليمن الشمالي أعلنت وقوفها بطبيعة الحال مع صدام. هذان العاملان انتفعت بهما السلالية فلم يستخفها زخم الثورة الإيرانية, وإنما استطاعت تحريك ودفع عناصر إلى (قم) ولبنان وسوريا والعراق أيضاً.
كان الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح (عفاش) يرسل جنوداً يمنيين إلى العراق ومتطوعين ويستلم بالمقابل من صدام، وبتكتيك مخابرات عالي المستوى دولياً ذهبت عناصر سلالية تحت نظر عفاش، وبدأت مكونات (البذور الأولى) للشباب المؤمن. كان المستشارون لعفاش في الدولة العميقة - يسوغون له التعرف تجاه العراق وإيران في آن انه توازن ضروري كما أن لهذا التوازن له ما بعده.

مقبل الوادعي في صعدة
في العام (١٩٨1) وصل الشيخ المحدث مقبل الوادعي إلى صعدة، واحتفى به فقهاء وطلاب وغيرهم، غير أن مفردات الخطاب السلفي قادمة من (لغة) الجرح والتعديل، فقد اشتبك خطاب الشيخ مع الجميع فلم يترك أحداً, ابتداءً من عمائم على بهائم -حد قوله- ولم يترك (ضم اليدين) والتأمين - قول آمين بعد الفاتحة، حيث ألّف كتاباً قرابة (٤٠٠) صفحة حول ضم اليدين وقول آمين، وليس هذا عمل مشين إنما لغة الكتاب كانت - قال الزيدوي، قالت الشيعة, سيل من المفردات القاسية والتي تضرب ذات اليمين وذات الشمال.


كانت المعاهد العلمية متواجدة في صعدة، وكانت لغتها مختلفة تماماً عن لغة (الشيخ مقبل)، ورغم لغة المعاهد، ورغم المهادنة فإن السلالية ظلت محتفظة بحقدها, رغم صدور كتاب للشيخ مقبل بعنوان المخرج من الفتنه، ورغم تجريح الشيخ لكثر من مشايخ وعلماء الإصلاح، والذين كانوا بدورهم يبتلعون تصرفات الشيخ بمرارة، بل صدر من بعضهم مقولة تمجيد للشيخ بأنه (تجاري زمن) فكانت مخابرات عفاش السلالية تنشر في الأوساط: أن مقبل متفق مع الإصلاح- توزيع أدوار؟!


كان هذا أحد العوامل المغذية للسلالية, ثم وضعت البذور الأولى للشباب المؤمن، وهنا جاء الدعم الرسمي ومن الدول العميقة ومن التجار بسخاء وصرح المخلوع صالح أنه كان يدعم ب ـ (٤) مليون، وبعد هذا صرح انه كان يقدم (٤٠٠) ألف ريال شهرياً.

عاملان آخران متضافران:
حصلنا على معلومات شبه مؤكده خلاصتها أنه لا يوجد في صعدة - مساجدها ولا في بيوت الفقهاء أي كتاب مطبوع وإنما كلها مخطوطات.


وهذا يعني أن الأمية الحرفية ضاربة الأطناب خارج عاصمة صعدة. على المستوى العام فالمدارس كانت إلى صف ٩ فقط, وهنا استغل مؤسسو الشباب المؤمن هذا الضياع وبدؤوا بالتكوين التنظيمي حرباً فيما يسمى على الأمية, وكان هذا كافياً لكن عاملاً آخر كان له جاذبيته وهو إخراج (منهج مطبوع) بالحاسوب في كتيبات صغيرة - لغة عربية، فقه، تفسير وأصول فقه, كان هذا فتحاً وتجديداً جاذباً.


وحسب المعلومات أن الكتيبات لكل مادة تصل إلى (١٥٠٠) كتيب، والأجمل في نظر الشباب المتعطش أن الكتيبات تحمل أسماء مؤلفيها الشباب وتحت إقرار الشيوخ الكبار، والذين كانوا يوافقون على مضض؛ كون الشباب المؤسسين اشتهروا في الأوساط وأنهم لديهم قدرات, فشعر كبار الشيوخ أن هذا صناعة لهم لكنهم ابتلعوها.


لقد كان التركيز على المراكز الصيفية ودعمها الكبار والصغار بأعداد هائلة، وزاد الدعم العيني والنقدي. وحسب المعلومات أيضاً فإن مدخلات التعليم في هذه الحلقات والمراكز كان متعقلاً إلى حدٍ ما، وكانت المدخلات تقدم سنيين من الفقه المقارن والاختلاف دون تشنيع على الرأي المخالف.


الخلاصة:
إن هذين العاملين - الأمية الحرفية + النقلة التعليمية وبالوسيلة الجديدة – الكتيبات- أعطيا زخماً غير عادي أشبه بالمثل الشعبي [صحراء فيها سفرة] ذلك لو أن التعليم الرسمي انتشر لم ولن يكون هذا الزخم له أية قيمةً.


يتبع في الحلقة الثالثة والأخيرة..