الجمعة 29-03-2024 13:10:57 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

المحويت: مليشيات الانقلاب .. رصاصة أصابت التعليم في مقتل - تقرير  ( الحلقة الأولى )

الأربعاء 05 إبريل-نيسان 2017 الساعة 05 مساءً / الاصلاح نت - خاص

      

مُسرعًا كان يغذّ خطاه، تتسارع خطواته الى المدرسة، جسمه الغضّ ينوء بأحلامٍ كبار، يحترق شوقًا ليرى المعلم او الطبيب او المهندس الذي سيكونه في الغد.

منذ مطلع العام 2015م – عقب الانقلاب – بدأت أحلامه تذبل، يشعر التلميذ الصغير أنه يكتهل بسرعة مُفزعة، الى المدرسة ينقل هموم البيت؛ صورة الوالد الذي خسر وظيفته بعد الانقلاب، والأمّ التي تكاد دقات قلبها تتوقّف مع نفاد اسطوانة الغاز وكيس الطحين.

 

صورة المدرسة لم تعُد بذلك الوهَج، ومكانة المعلم أخذت تتحطّم في وجدانه، المكان الذي كان يشدّه كمعلْم تنويري واشعاع معرفي تبدَّل الى وكر للتعبئة وحقن الطلاب بجرعات من العنف والضيق من الحياة والآخر، والمعلِّم تحوّل في يد الميليشيات اداة للشحن والتحريض أو مُخبرًا يشي بزملائه، اما مدير المدرسة فمنهمكٌ في مهمَّته الجديدة كمتحصِّل تبرُّعات وصدقات يقوم بتسليمها للأخ الكبير (المشرف الحوثي) الذي تكفل بالقضاء على الجنجويد وبلاك ووتر.

 

لا يعرف التلميذ شيئًا عن قُوّات الجنجويد؛ لكنه يُدرك يقينا أن يدًا قد امتدَّت لتعبث بالتعليم وتُصادر أحلام ومستقبل الصغار والكبار، ووصلت حتى جيبه لتنتزع بالقوَّة مصروفه اليومي.

 

ليلة القبض على سلمان!

 

كان (سلمان هادي الوشاح) يجتاز آلاف الأمتار؛ هي المسافة التي تفصل مدرسة الأوائل بمنطقة أبلاس بشبام عن قريته بني العباس التي تتبع ثلاء بمحافظة عمران . وحدها الأحلام المجنّحة كانت تحيل وعورة الطريق وبُعْد المسافة الى رحلة مشوقة لسلمان الذي يقطع كل المسافة ليصل إلى مدرسته بشغَف.

 

ذات يوم كان سلمان بانتظار مفاجأة غير سارَّة على الاطلاق؛ كل احلامه تبخَّرت في لحظة، ومستقبله صار مهددًا بالضياع. عندما وصل المدرسة في أحد الأيام؛ تم استجوابه من الإدارة المدرسية؛ حيث سلّمه مدير المدرسة ( علي المقرانة ) ووكيل المدرسة ( قايد هويدة) مذكرة الى وليّ أمره بسرعة تغيير اسمه إلى (سليم)؛ ما لم فسيتم فصله من المدرسة بشكلٍ نهائي.

 

( سلمان الوشاح) من مواليد 2012م ؛ أي قبل عامين من تولِّي الملك (سلمان بن عبدالعزيز) مقاليد الحكم في المملكة، وقبل اندلاع عاصفة الحزم أيضاً.

 

لم يكُن يدر بخُلْد الطالب الصغير أن اسمه سيجرّ عليه متاعب شتى، فيُصنَّف في نظر الإدارة المدرسية والمدرسين والطلاب كحالة خطِرة أو داعشي محتمل، لم يرضخ ولي الأمر لهذا الطلب الغريب، والتفسير البدائي، ولذا كانت الميليشيا أسرَع الى انزال العقوبة وفصل الطالب نهائيًا.

 

تكشف هذه الحكاية التراجيكوميدية التي حدثت قبل عام - والتي انتهت بفصل سلمان - سلوك الميليشيات المسكونة بالعقلية الاقصائية التي تضيق بالآخر، وكم أنها مسكونة بالفرز المذهبي والسياسي وصولاً الى التنقيب في مدلولات الأسماء وتأويلها سياسيًا وطائفيًا. وتُلخِّص هذه الواقعة المآلات السوداء التي تنتظر العملية التعليمية في ظل حكم الميليشيا.

 

مشروع لصّ كبير

 

كانت المحويت إحدى المحافظات التي سقطت في ايدي الانقلابيين دون عناء، ووجد الناس أن ما حدث كان انقلاب على كل شيءٍ جميل؛ الخطى الإصلاحية التدريجية التي كان قد بدأ ينتهجها وزير التربية والتعليم في حكومة الوفاق، والتي كانت ستؤتي أُكلها كل حين؛ وُئدت تحت حوافر الانقلاب.

 

هذه المرة جاء الانقلابيون الى مؤسسات التعليم بالمحافظة محمولين بأحقاد التاريخ ومكايد السياسة، عقدوا العزم على تصفية الحسابات مع كل المناوئين والشرفاء؛ كان المعلمون هم الخطر المحتمل في نظر الميليشيا، ولذا اطلقت يد البطش والتنكيل. منذ الأيام الأولى لسكرة الانقلاب حرَّكت الميليشيات عدداً من الأطقم العسكرية تقل على متنها أصحاب سوابق؛ بهدف القبض على عددٍ من المناوئين، وكان غالبية المطلوبين لدى الميليشيا هم المعلمون.

 

لم تشعر بالحرج أن المعلمين الذين تطاردهم وتلاحقهم هم خيرة الناس في نظر المجتمع، وهم النقطة البيضاء في جبين العملية التعليمية الملطخ بالسواد طيلة (حكم علي عبدالله صالح)، ولم تكترث أن هذا السلوك العصابي من شأنه أن يلقي بظِلال كئيبة على العملية التعليمية سيدفع للسير بها من السيئ إلى الأسوأ.

 

علاوة على محاولة الميليشيا من اجل اخلاء الملعب لها لتسرح وتمرح أنَّى شاءت؛ فإن عقلية العصابة الانكشارية؛ كانت تدفعها الى ملاحقة الموظفين والتربويين وصولاً الى طردهم وتشريدهم بهدف وضع اليد على حقوقهم ورواتبهم .

 

شرَّدت الميليشيا عشرات الأكفْاء من المعلمين والتربويين من جميع المديريات، الذين تركوا فراغاً يصعُب ملؤه، ووضعت أيديها على مرتبات المعلمين المُشرَّدين؛ التي تصل الى عشرات الملايين من الريالات. ولأنه يصعب على الميليشيا أن تفرّغ كل المناوئين من ابناء المحافظة؛ فقد لجأت الى طرق أخرى؛ فمن نجا من التشريد لم يسلم من الابتزاز، وطيلة الفترة التي استمرت خلالها عملية صرف المرتبات كان المعلمون يجدون رواتبهم عُرضة للاستقطاعات والجبايات غير القانونية؛ تحت اعذار ومبررات واهية (المجهود الحربي، صدّ العدوان، دعم احتفال المولد، دعم البنك المركزي، وغيرها من المسمّيات) .

 

وفي أحد الأشهر من العام الماضي فوجئ معلّمو مديرية ملحان بخصميات مالية متفاوتة من مرتباتهم؛ بمبرِّر دفع دية إمرأة من إحدى قرى ملحان، لقت حتفها على يد أحد أفراد الميليشيات.

 

لم تشبع بطن الميليشيات من كل الأموال التي صادرتها من المعلمين؛ فاتجهت الى فرض مبالغ مالية على الطلاب بين الفينة والأخرى تحت مسميات متعددة ولم يعُد يهمها الطالب إلا كحصّاَلة نقود، وفي كل المديريات قامت الميليشيا بفرض مبلغ مائة ريال على كل طالب إما لدعم المجهود الحربي او دعم البنك المركزي أو توفير رواتب للمُعلِّمين.

 

حوثنة التعليم

 

لا يحتاج المرء كثير عناء ليرى العقلية الإقصائية الشمولية التي وسَمَت سياسة الميليشيات في محاولة فرض الرأي الواحد واللون الواحد في مؤسسات التعليم وادارات التربية وصولاً الى الإدارات المدرسية.

 

عهدت الميليشيا بكل المناصب الإدارية والمواقع المرموقة في مفاصل التربية الى تربويين حوثيين مؤدلجين أو مُتحوّثين رضوا بأن يكونوا أشبه بكلاب حراسة للميليشيات، وادوات طيِّعة لتمرير كل ما تريد الميليشيا تمريره، وأصبح المعيار الأوحد للتعيين؛ هو مدى ولاء الفرد للميليشيا وقابليته لأن يكون حوثيًا اكثر من الحوثي نفسه.

 

ومن لم يكن حوثيًا عقائديًا، وكان مجرد مصلحي او انتهازي مؤيد للانقلاب ولكل ممارسات الميليشيا على طول الخط ؛ عمدت الميليشيا الى اخضاعهم لعدد من الدورات الفكرية العقدية؛ كانت تقيمها في محافظات (المحويت، ذمار، صنعاء، صعدة’ الحديدة). والاستثناءات الضئيلة التي كانت موجودة في موقع هام في ادارات التربية تم استئصالها.

 

لم تُطِق الميليشيات صبرًا بوجود فرد على رأس إدارة التربية بمدينة المحويت من خارج الدائرة الانقلابية؛ ولذا لجأت الى اقصائه واستبعاده، رغم أن استبعاده سيُمثل خسارة للعملية التعليمية في المنطقة؛ كون المذكور الذي يحظى بحبّ واحترام الجميع، معروفٌ بكفاءته واخلاصه وتفانيه، وقد أحلَّت مكانه أحد المتحوثين !

 

وبالمقابل فإن المعيار الوحيد لتعيين مدير تربية ملحان (عادل الناشري) كمثال؛ هو كونه أثبت أنه حوثياً وأداة في يد الميليشيا، حيث نشط في العمل مع الحوثيين، وعمل مشرفاً تربوياً للميليشيا بالمديرية، وقد باشر عمله الجديد بفرض اللون الواحد على مستوى الادارات المدرسية بكافة عُزَل المديرية، وتحويل المدارس الى أوكار للتعبئة والتحريض والزام المدارس بترديد الشعارات الحوثية والصرخة الخمينية والأنشطة التي تروج للمشروع الانقلابي على الشرعية .

 

وبالإمكان المرور سريعاً على أهم المواقع في التربية بالمحافظة :

 

- شرف عبدالرحمن شرف الدين * (حوثي) تم تعيينه نائباً لمدير مكتب التربية بالمحافظة

- عبدالكريم الأخرم * (متحوِّث) تم تعيينه مؤخرًا مديرًا للتربية بمدينة المحويت

- - عادل الناشري * (حوثي) تم تعيينه مديرًا للتربية بمديرية ملحان

- أحمد علي العصيمي * (متحوِّث) مدير تربية الخبت

- محمد علي الناخوذة * (متحوِّث) مدير تربية بني سعد

- أحمد الزين * (حوثي، رئيس اللجنة الثورية) مدير تربية حفاش

- محمد احمد جعيل * (متحوِّث) مدير تربية الرجم

- عبدالله محمد سعد * (متحوِّث) مدير تربية الطويلة

- عبدالله محمد القاسمي * (حوثي) مدير تربية شبام