السبت 04-05-2024 02:26:37 ص : 25 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

حرب الحوثيين على الإعلام.. انتهاكات بالجملة وإرهاب بلا حدود

الأحد 07 يناير-كانون الثاني 2024 الساعة 09 مساءً / الاصلاح نت - خاص
 

 

منذ اللحظة الأولى لانقلابها على الحكومة الشرعية لم يغب على ذهن مليشيا الحوثي الانقلابية خطورة الإعلام على مسيرتها الانقلابية وأفكارها الطائفية ومشروعها السلالي، فقد مضت المليشيا في استهداف الإعلام ومنتسبي الصحافة، ومطاردة الصحفيين، والسيطرة على المؤسسات الإعلامية، وفرض القيود على الصحفيين لمزاولة المهنة وكثير من الإملاءات لإخراج خطاب منسجم مع سياستها الطائفية.

فقد أدركت مليشيا الحوثي في وقت مبكر أن السماح بوجود صحافة مستنيرة وإعلام حر في مناطق سيطرتها سيكون له انعكاسات إيجابية على المجتمع وسيسهم في تعزيز الوعي لدى أبنائه، وهو الأمر الذي تخشاه مليشيا الحوثي، والذي من شأنه أن يخلق جيلا متحررا من العبودية ومتحليا بروح الثورة والوطنية.

إجراءات قمعية

انقلاب مليشيا الحوثي على الحكومة أدى إلى انتكاسة كبيرة للإعلام اليمني الذي شهد تطورا نسبيا قبل عام 2014، بعد قيام المليشيا بتنفيذ إجراءات قمعية وانتهاكات واسعة في قطاع الإعلام، من خلال سيطرتها على وسائل إعلامية مختلفة حكومية ومعارضة، وملاحقة الصحفيين والإعلاميين، وفرض قيود على حرية الصحافة، وسن قوانين قمعية، واختطاف العديد من الناشطين والصحفيين، واستصدار أحكام قضائية جائرة بحق الإعلاميين والصحفيين.

وقد شهد الإعلام اليمني عقب ثورة 2011 تحسنا ملحوظا وارتفاعا في عدد وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، فطبقًا لتقرير أعده "مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي" في يونيو 2015، فقد وصل عدد القنوات الفضائية إلى 16 قناة و13 إذاعة تبث من الداخل اليمني، إضافة إلى انطلاق أكثر من 300 موقع إلكتروني.

بيد أن هذا التحسن الكمي لم يستمر ولم يلبث أن تلاشى عقب التمرد الحوثي، واجتياحهم للعاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر 2014، وما تلا ذلك من صراعات بين المليشيا والقوات الحكومية اليمنية، مما أسفر عن توقف 14 قناة لجأ بعضها إلى العمل من خارج اليمن، كما توقفت 10 إذاعات محلية عن العمل، وتم حجب أغلب المواقع الإلكترونية المستقلة والحزبية.

وقد نجحت مليشيا الحوثي في فرض سيطرتها على معظم وسائل الإعلام في صنعاء، وعدد من المدن اليمنية التي تم اجتياحها، من خلال مهاجمة المقرات الإعلامية ومكاتب القنوات المحلية، والاستيلاء عليها، مثل قنوات "سبأ" و"عدن" و"الإيمان" وسهيل واليمن اليوم، بالإضافة إلى التضييقً المتعمد الذي مارسته المليشيا على العاملين في مجال الإعلام، ومُنع بعض العاملين من دخول مقرات عملهم، كصحيفة "المصدر" التي قدمت اعتذارًا لقرائها عن مواصلة الإصدار في مارس 2015، فضلا عن نجاح المليشيا في فرض سيطرتها على مؤسسة الاتصالات اليمنية "يمن نت" المزود الرئيسي لخدمة الإنترنت لعموم اليمن، والتي من خلالها استطاع الحوثيون تعطيل عدد من المواقع الإلكترونية المخالفة لسياسة المليشيا، علاوة على حجب مواقع التواصل الاجتماعي في بداية التمرد، لتصبح القنوات والصحف والإذاعات المسيطر عليها من قبل الحوثيين هي المنابر الإعلامية الوحيدة لبث خطب زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي بشكل شبه يومي، لا سيما عقب بدء عمليات "عاصفة الحزم" على مقرات الحركة ومراكز تواجدها في مختلف المدن اليمنية.

أسوأ مرحلة

وقد وصف أمين عام نقابة الصحفيين اليمنيين مروان دماج وضع الصحافة اليمنية بأنها "تمر بأسوأ مرحلة في تاريخها، في ظل النهج المليشياوي للحوثيين، وتزايد الجرائم والانتهاكات المنظمة تجاه الصحفيين والمؤسسات الإعلامية بشكل تصاعدي، وبصورة أكثر عدوانية".

ونظرًا للتضييق الشديد الذي يتعرض له الصحفيون اليمنيون ومراسلو القنوات العربية في الداخل اليمني، اضطر الصحفيون للنزوح إلى مناطق لا تخضع لسيطرة الحوثيين هربًا من حملات الاعتقال والتهديد بالقتل، وبصفة خاصة بعد "عاصفة الحزم"، حيث فقد أكثر من 350 صحفيًّا وعاملا في مجال الإعلام عملهم حتى العام 2015 فقط، إما بسبب توقيفهم عن العمل، أو مصادرة الصحف، أو غلق المقار، ووقف البث التلفزيوني والإذاعي، بالإضافة إلى التضييق والمطاردة وحملات الاختطافات التي تنفذها مليشيا المليشيا بشكل واسع.

وخلال السنوات الماضية حلت المليشيا الحوثية لمرات عدة في المرتبة الثانية بعد تنظيم "داعش" من حيث عدد الجرائم بحق الصحفيين وممارسة الانتهاكات ضدهم، والاعتداء على الحريات الصحافية، وفق تقييم منظمات صحافية دولية معنية بحرية الصحافة، حيث أدت تلك الانتهاكات والممارسات إلى تجريف العمل الصحفي والإعلامي في مناطق سيطرتها، ونزوح جماعي للصحفيين.

تأثير سلبي

وكشفت دراسة حديثة أن نحو نصف وسائل الإعلام في اليمن توقفت نتيجة للحرب المستمرة في البلاد منذ أكثر من تسع سنوات، وتأثيراتها السلبية على حرية الإعلام وتصاعد الاستقطابات السياسية.

وتقول دراسة مسحية حديثة نفذتها نقابة الصحفيين اليمنيين بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين منتصف العام الماضي 2023، أن 165 وسيلة إعلامية في اليمن، تنوعت بين قنوات تلفزيونية وإذاعات وصحف ومجلات ومواقع إلكترونية، تسببت مليشيا الحوثي والجماعات المتمردة الأخرى بتوقفها عن العمل خلال سنوات الحرب.

وطبقا للدراسة فقد شكل عدد الوسائل التي توقفت ما نسبته 45.2 في المئة من إجمالي الوسائل الإعلامية التي كانت متواجدة قبل اندلاع الحرب في عام 2015، والبالغ عددها 365 وسيلة، الأمر الذي يؤكد "التأثير السلبي للحرب على وسائل الإعلام في جوانب مهنية عديدة أبرزها الاستقلالية والتمويل، وحقوق الصحفيين".

وقد وثقت منظمة حقوقية دولية مقتل 40 صحفياً وعاملاً بوسائل الإعلام في اليمن على يد مليشيا الحوثي خلال سنوات الحرب المتواصلة منذ نحو تسع سنوات.

وتقول منظمة "رايتس رادار" لحقوق الإنسان في بيان نشرته في مايو من العام 2022 بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، إنها رصدت 1500 انتهاك من الحوثيين وبقية الأطراف المتمردة على القانون في اليمن ضد حرية الصحافة، موضحة أن الانتهاكات تنوعت بين القتل والإصابة والاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب، إضافة إلى التدمير الجزئي أو الكلي للمؤسسات الإعلامية والاستيلاء على الممتلكات العامة والخاصة.

ووفقاً للبيان فقد تصدرت مليشيا الحوثي رأس قائمة مرتكبي الانتهاكات بحق المؤسسات الصحافية والإعلامية، بارتكابها 211 واقعة، طالت 20 مؤسسة صحفية وإعلامية، و27 قناة فضائية، و26 صحيفة ورقية، و93 موقعاً إخبارياً إلكترونياً، و35 محطة إذاعية.

ويشير بيان المنظمة إلى أن مليشيا الحوثي مسؤولة عن مقتل 40 من الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام، متصدرة قائمة الجهات المسؤولة عن هذا النوع من الانتهاكات، تليها مجموعات مسلحة مجهولة بالمسؤولية عن 17 انتهاكاً، وجاءت في المرتبة الخامسة تنظيمات متطرفة بارتكابها حالتي قتل، كما يشير البيان أيضا إلى أن المليشيا مسؤولة عن ارتكاب 467 حالة اختطاف واحتجاز ضد صحفيين، تليها جهات أخرى بارتكاب هذا النوع من الانتهاكات.

طوفان مدمر

ومنذ العام الأول من انقلابها ارتكبت مليشيا الحوثي العديد من الجرائم والانتهاكات التي وثقتها منظمات حقوقية وصحفية بحق الإعلاميين والصحفيين والمؤسسات الإعلامية في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات التي تسيطر عليها، بداية بمبنى التلفزيون الحكومي الذي يعتبر أول ضحايا هذه الانتهاكات، والذي يضم محطات "اليمن" و"سبأ" و"الإيمان"، حيث تعرض لقصف مدفعي بنيران الحوثيين وحصار لطاقم عمله، قبل السيطرة عليه ونهبه من قبل مليشيا الحوثيين.

كما هاجمت المليشيا الحوثية قناة "سهيل" الخاصة قبل اقتحامها ونهب أدواتها ومعداتها، ومحاصرة العاملين فيها، والسيطرة على مقرها، وتوقف بث المحطة لأكثر من شهر ونصف الشهر.

أيضا اقتحمت المليشيا إذاعة "حياة أف أم" التي يملكها رجال أعمال في العاصمة، ونهبت معداتها وأجهزتها، بالإضافة إلى اعتدائها على إذاعة إب، حيث تعرّضت الإذاعة الحكومية في المحافظة للقصف المدفعي وتوقف بثها لأيام، إضافة إلى مداهمة مقار قناة السعيدة، ومعين، ويمن شباب، وقناة بلقيس الفضائية التي صادروا كل محتويات وتجهيزات مكتبها، كما تعرضت وسائل إعلام دولية وطواقمها العاملة في اليمن للتحريض والتشهير والاعتداء على طواقمها، كقناة "الجزيرة"، و"العربية"، و"بي بي سي"، و"سكاي نيوز عربية"، وموقع "سي أن أن عربي"، وصحيفة "القدس العربي".

كما شملت عملية الاقتحام المكتب الإعلامي لـ"الحزب الاشتراكي اليمني"، الذي يدير موقع "الاشتراكي نت" وصحيفة "الثوري" الورقية، واختطاف أحد العاملين في الصحيفة، واقتحام وإغلاق ونهب صحف يومية أبرزها صحيفة "المصدر"، والسيطرة على مؤسسة الشموع الإعلامية، وإيقاف صحيفة "أخبار اليوم" اليومية، والسيطرة على صحيفة "الثورة" الحكومية، وفرض أحد الموالين لهم مسؤولاً مالياً وتحريرياً.

وفرضت المليشيا نفوذها وتحكمها بالتغطية الإخبارية لوسائل إعلام حكومية، من بينها وكالة "سبأ"، وموقع "سبتمبر نت" الناطق باسم الجيش، وإذاعة صنعاء، بالإضافة الى حجب أكثر من عشرين موقعا إلكترونيا يمنيا ومواقع إخبارية عربية، وشمل الحجب موقع إكس للتواصل الاجتماعي (تويتر سابقا) عن الجمهور.

وبعد سيطرة مليشيا الحوثي على كافة الوسائل الإعلامية الحكومية والأهلية بمقراتها ومؤسساتها وأجهزتها، أصبح للحوثيين جهاز إعلاميّ ضخم يشمل وسائل إعلام متنوّعة، بالإضافة إلى الدعم المالي والفني الذي تلقته المليشيا من إيران وحزب الله اللبناني، حيث وصلت إلى أكثر من 11 قناة فضائية، و28 إذاعة محلية تصل إلى كل أرجاء الوطن، بالإضافة إلى عشرات الصحف والمجلات الورقية والإلكترونية وعشرات المواقع، كما ساندتها وسائل الإعلام المؤيدة لإيران في العراق ولبنان، وإيران نفسها.

القاضي غريما

وقد تصاعدت مؤخرا قضية الاعتداء على أحد الصحفيين اليمنيين في العاصمة صنعاء على أيدي عناصر تابعين للمليشيا الحوثية، في استمرار لجرائم الحوثيين ضد الصحفيين ومؤسساتهم الإعلامية، حيث تعرض مالك إذاعة "صوت اليمن" الصحفي "مجلي الصمدي" لثاني اعتداء من قبل مسلحين حوثيين وذلك بعد يوم من إصدار محكمة استئناف المليشيا حكماً بإلغاء أحكام سابقة لصالح الإذاعة ومصادرة أجهزتها.

ونشر الصمدي على حسابه في منصة "إكس" صوراً لأثار الاعتداء وكتب على المنصة: "تعرضت اليوم لاعتداء جديد من قبل ثلاثة أشخاص أمام منزلي في صنعاء"، مضيفاً: "المعتدون قاموا أيضا بتكسير سيارتي".

وكانت محكمة استئناف حوثية ألغت حكماً ابتدائياً يؤيد فتح الإذاعة التي يملكها الصمدي ومنحه تصريحا لمزاولة عمله، وبحسب حقوقيين وصحفيين حضروا جلسة المحاكمة فقد وجه قاضي محكمة الاستئناف إهانة للصحفي مجلي وتعامل معه بعنصرية مقيتة وطلب منه أن يعود للعمل في الزراعة وليس صحفيا، في إشارة إلى أنه مواطن من الدرجة الدنيئة وفق تصنيف المليشيا العنصري، مضيفين أن القاضي قال من يكون الصمدي حتى يفتح إذاعة، في إشارة إلى أن إنشاء الإذاعات مرتبط بعلية الناس فقط ولا يجب أن يملكها مواطن لا ينتمي للسلالة العنصرية.

                              

كلمات دالّة

#اليمن