الخميس 02-05-2024 02:51:42 ص : 23 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

بين "الولاية" و "الولي الفقيه".. عن التقارب الفكري بين الحوثية (الجارودية) والاثنى عشرية في إيران

الإثنين 26 يونيو-حزيران 2023 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

ليست العلاقة الوثيقة بين مليشيا الحوثيين وإيران مجرد تحالف سياسي، وإنما ترتكز تلك العلاقة على خرافات مبنية على عقائد باطلة، تبتكر النصوص وتزيف الأدلة لأجل السلطة، وقد مكّن ذلك قيادات مليشيا الحوثيين من الجمع بين المذهبين الزيدي (الجارودي) والاثنى عشري، وبالتالي الدمج بين ما يسمى الولاية والاصطفاء وطريقة "الولي الفقيه" في الحكم، في محاولة للتحايل على شروط الإمامة في المذهب الزيدي، وتقوية العلاقة مع إيران والانخراط في مشروعها التخريبي في المنطقة لضمان استمرار دعمها لتلك المليشيا.

و"الجارودية" هي إحدى ثلاث فرق توزع بينها أتباع المذهب الزيدي، وتعد الجارودية أقواها، وهي تنسب إلى أبي الجارود زياد بن المنذر، الذي توفي عام 150 هـ، وقد اختزل الجاروديون المذهب الزيدي في الجارودية فقط، وهي أكثر فرق الزيدية تطرفا، وإذا كانت "الهادوية" قد جعلت "الإمامة" من أصول الدين في المذهب الزيدي، فإن الجارودية تقول بالوصية للإمام علي بن أبي طالب، وجعلوها إحدى عقائد المذهب الزيدي، وانتقلوا به إلى خانة التشيع.

 

- الحوثيون وعقائد شيعة إيران

رغم أن مليشيا الحوثيين، وقبلها الهاشمية السياسية، جعلت من الاتجاه الجارودي في المذهب الزيدي وكأنه هو الزيدية فقط، لكنها تلقفت كثيرا من عقائد الشيعة الاثنى عشرية في إيران، علما أن الجارودية هي الأكثر تطرفا من بين فرق المذهب الزيدي، وبنفس الوقت فهي الأكثر تناغما مع المذهب الاثنى عشري. وكان مؤسسو المليشيا الحوثية، بدر الدين الحوثي وأبناؤه، قد عاشوا لسنوات في إيران، تلقفوا خلالها بعض أفكار ومعتقدات الشيعة الاثنى عشرية، ولقنوها أتباعهم بعد عودتهم إلى اليمن، ومن بين تلك العقائد المغالاة في معاداة أهل السنة والجماعة، وسب الصحابة رضي الله عنهم.

وفي الواقع، فمليشيا الحوثيين لم تعد زيدية خالصة، وإنما خليط متطرف من الجارودية والاثنى عشرية، بل فهي تبدو أقرب إلى الاثنى عشرية في إيران، كونها تأثرت بالمد الشيعي الاثنى عشري، وأخذت من الجارودية أكثر الآراء شذوذا وتطرفا فيما يتعلق بالصحابة وعموم أهل السنة والجماعة، وتعمل على تجريف الزيدية بشكل عام والدفع بها إلى أقصى مدى من التطرف والغلو، لتبدو شبيهة بالاثنى عشرية في إيران ولمجاراتها، وخطب ود إيران طمعا في استمرار دعمها، ولا مشكلة لها في التطاول على كبار الصحابة ورموز الأمة طالما ذلك يرضي إيران.

 

- التقارب الفكري بين الحوثية الجارودية وإيران الاثنى عشرية

يعتقد الحوثيون أن الولاية تكون في البطنين، ويقصدون بذلك "الشرط النسلي"، أي أن يكون الحاكم من نسل فاطمة من ابنيها الحسن والحسين، بينما نظرية "الولي الفقيه" في إيران، الشيعة الاثنى عشرية، فهم يرون أن الولي الفقيه "ينوب عن الإمام الغائب في قيادة الأمة وإدارة شؤونها والقيام بمهام الحكومة الإسلامية وإقامة حكم الله على الأرض حتى يظهر الإمام الغائب الثاني عشر"، أو ما يطلقون عليه "المهدي المنتظر".

ورغم هذا التباين بشأن مسألة الحكم، لكن هناك جملة من المسائل التي تتوافق عليها الحوثية الجارودية والاثنى عشرية في إيران، منها:

• ادعاء النص على خلافة علي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، مع الطعن في خلافة الثلاثة قبله، وفي هذا يقول حسين الحوثي: "نحن متأكدون أن الإمام علي أُقصي.. أُبعد.. أُزيح عن المقام الذي اختصه به رسول الله، وحل مكانه أبو بكر ثم عمر ثم عثمان".

• الطعن في صحابة رسول الله وفي السيدة عائشة، والتصريح بتكفيرهم تارة، والتعريض بذلك تارة أخرى. يقول بدر الدين الحوثي، وهو الأب الروحي للمليشيا الحوثية: "أنا عن نفسي أؤمن بتكفيرهم -أي الصحابة رضوان الله عليهم- كونهم خالفوا رسول الله". ويقول حسين الحوثي أيضا: "كل أولئك الذين حكموا المسلمين، بدءا من أبي بكر، أولئك الذين حكموا المسلمين من غير الإمام علي، ومن غير أهل البيت، ومن كانوا في حكمهم أيضا، خارجين عن مقتضى الإيمان، هم من أضاعوا إيمان الأمة".

• القول بأن القرآن الكريم الذي بين أيدينا اليوم تعرض لمحاولات التحريف والتغيير على أيدي الصحابة. يقول حسين الحوثي: "اقرؤوا كتاب علوم القرآن للقطان، لتعرفوا كيف تعرض القرآن الكريم لهزات، لولا أنه محفوظ من قبل الله لكانت فيه سور أخرى: واحدة لمعاوية، وواحدة لعائشة، وواحدة لأبي بكر، وواحدة لعمر، وواحدة لعثمان، لكن الله حفظه من أجل من؟ حفظه حتى ممن رؤوا النبي.. أعتقد أنه حفظه حتى ممن كانوا في زمن الرسول، لأنهم بعد موته كانوا يشكلون خطورة عليه".

• إحياء الحوثيين المناسبات الدينية الخاصة بالاثنى عشرية، مثل "عيد الغدير"، و"ذكرى كربلاء"، و"المولد النبوي"، و"عاشوراء".

• فرقة الجارودية أُسست في الكوفة، وهي منبع الاثنى عشرية، ومؤسسها أبو الجارود كان من أتباع الاثنى عشرية، ووصمه أهل الحديث بالغلو في الرفض.

• تبرؤ الجارودية من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وهذه طريقة الاثنى عشرية بلا خلاف.

• ادعاء الجارودية أن إمامة الحسن والحسين بالنص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا قائل بهذا إلا الاثنى عشرية، ومعلوم أنه لا يوجد نص على إمامة علي.

• قول بعض الجارودية بالرجعة، أي: رجعة أئمتهم، وهذا القول من ترهات الاثنى عشرية.

• مليشيا الحوثيين ترفع شعارات تشبه شعارات الثورة الإيرانية، مثل الموت لأمريكا وإسرائيل.

• مليشيا الحوثيين استحدثت مظاهر الندب واللطم وطقوس وعادات شيعية حسينية، كتلك التي يمارسها أتباع المذهب الاثنى عشري في إيران والعراق ولبنان، وإن كان ذلك على نحو محدود داخل قاعات مغلقة، ويتداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

- معالم التشيع الإيراني لدى الحوثيين

منذ انقلابها على السلطة الشرعية، بدأت مليشيا الحوثيين بنشر معالم التشيع الإيراني في مناطق سيطرتها عبر المناسبات والاحتفالات الطائفية الشيعية التي تقيمها سنويا، على غرار الاحتفالات التي تقيمها الحركات الشيعية في إيران والعراق ولبنان، من بينها الاحتفال بعاشوراء، ويوم الغدير، والمولد النبوي.

أيضا، شرعت المليشيا الحوثية في إنشاء حسينيات خاصة بمسميات مختلفة، مثل المراكز الثقافية، والهدف منها نشر المذهب الشيعي الاثنى عشري تدريجيا في المحافظات التي تسيطر عليها، والتضييق على المذهب الشافعي من خلال السيطرة على جميع المساجد وتطييفها، ومنع إقامة مراكز لتحفيظ القرآن الكريم، ومنع الدعاة الشوافع من الخطابة في المساجد ومنعهم من إلقاء المواعظ والمحاضرات التربوية في المساجد، وغير ذلك من وسائل التضييق.

كما أن مليشيا الحوثيين تستغل المناسبات الطائفية والحسينيات لجرجرة أتباعها من الزيدية الجارودية والهادوية وغيرهم إلى المذهب الشيعي الاثنى عشري الذي تموله إيران، دون الحديث عن ذلك صراحة، ولذا فإن المسافة الدينية والمذهبية بين الحوثيين والشيعة الاثنى عشرية قد تضاءلت، والحوثيون اليوم أقرب للشيعة الاثنى عشرية منهم للزيدية التقليدية.

كلمات دالّة

#اليمن