الخميس 02-05-2024 07:50:48 ص : 23 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

النظرية السياسية في الإسلام.. أسس، مقومات، غايات، ضمانات (دراسة مقاصدية) (الحلقة الثالثة: غايات النظرية السياسية)

الثلاثاء 20 يونيو-حزيران 2023 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت-خاص | عبد العزيز العسالي

 

نافذة على خصائص النظرية السياسية الإسلامية:

أبرز خصائص ومميزات الشريعة الإسلامية:

- النصوص الكلية لها غايات كليّة.
- النصوص الجزئية لها غايات جزئية.

- إذا تغيرت الظروف الزمانية والمكانية واضطربت الأوضاع بسبب فساد الدولة أو غير ذلك، فالمنهج المقاصدي يقرر تقديم الكليات على الجزئيات - تقديم الأقوى على القوي.

- كثير من الغايات الكلية هي وسائل لتحقيق غايات أعلى.

- النظرية السياسية هي منظومة من الأسس والمقومات والغايات، وكل واحدة من الأسس أو المقومات أو الغايات أو الضمانات تعتبر منظومة بحد ذاتها.

- التداخل حاضر بقوة بين مكونات النظرية السياسية.

- كل واحدة من المكونات لها وظائف متعددة، متداخلة، يصعب إغفال أيٍّ منها.

ولكي يتمكن القارئ من سهولة فهم مكونات ووظائف النظرية السياسية الإسلامية، فإننا نذكّره بالخلاصة التالية:

قلنا في الحلقة الثانية إن عملية بناء المجتمع هي القيمة المحورية المركزية (الأولى).

استعرضنا عددا من المقومات المنبثقة عن القيمة المحورية. وعليه، يستطيع القارئ من خلال مرور عادي سيجد أنه أمام منظومة قيم لا يمكن الاستغناء عن واحدة منها.

إضافة إلى ما سبق سنذكر في هذه الحلقة بقية مقومات بناء المجتمع، مشيرين بإيجاز إلى التداخل الوظيفي بين مكونات النظرية وذلك فيما يلي:

 

أولا، الشورى غاية، ووسيلة، ومعيار:

1- الشورى هي الغاية من بناء المجتمع، ذلك أننا إذا قلنا للمجتمع إن الشورى هي أول حقوقك، ولكننا لم نقم بتربية المجتمع وتثقيفه عموما وحول مكانة الشورى ومقاصدها وفلسفتها وثمارها وأهدافها خصوصا، فإن المجتمع لم ولن يفهم القيمة السننية للشورى بل ستكون في خانة اللامبالاة، بل سيراها عبئا على كاهله والواقع شاخص بالأمثلة.

2- سيسعى الفرد والمجموع إلى التخلص من تكاليف الشورى بكل وسيلة، ذلك أنه لم يعلم معنى عقيدة التوحيد ولا معنى الكفر بالطاغوت ناهيك عن بقية قيم بناء المجتمع.

3- لقد رأينا وسمعنا شخصيات -نحسبها مثقفة- صدمتنا في مواسم الاستحقاق - الانتخابات.. تقول، بل وتعزز بالأيمان المغلظة أن الزعيم لو أصدر قرارا بتعيين أربع شخصيات/وجاهات -ذكروهم بالاسم- ممثلين لتعز، ومثلهم في كل المحافظات، ستكون خطوة ديمقراطية متقدمة، وعندما ناقشناهم حول دوافع هذا القول وجدناها قادمة من فذلكات جامدة، مثل: أهل الشوكة.. تصح البيعة برجلين.. بل برجل واحد.!!

وأسوأ من ذلك أن هؤلاء لم ينسوا الاستشهاد على كلامهم بروايات الخرافة المنوية - الأئمة من قريش، أو لعنة البطنين السلالية، بل أسوأ من ذلك أنهم لا يمانعون من توريث النظام الجمهوري، وأن الدستور ليس قرآنا، وأن مقولة رأس النظام أنه هو الدستور وهو القانون لا ضير فيها، ويصل الاستشهاد إلى ثالثة الأثافي: "وإن جلد ظهرك وأخذ مالك"، مؤكدين ضعف هذه الرواية أنها خير وإن كانت مؤمنة بالطاغوت - تحصن الطغيان وتخالف مقاصد القرآن.

بل أنّى للمجتمع، بل لخريجي الجامعات، أن يعطوا الشورى مكانتها اللائقة وهم يسمعون من رؤوس الأكاديميين المتخصصين في نظرية المعرفة الإسلامية يقولون إن الإنسان حيوان ناطق.. حديثنا في هذا المضمار ذو شجون.

نعود إلى صلب الموضوع، وهو أن الشورى هي الغاية من بناء المجتمع بناء ثقافيا مرتبطا بمقاصد الشورى وأهدافها وغاياتها.

4- يجب، عقيدة وشرعا، أن يترسخ في ذهن ووجدان المجتمع أن الشورى هي التجسيد العملي لكرامة الفرد والمجتمع، وما لم تترسخ هذه المقاصد الثقافية الإسلامية، فالرجاء قراءة الفقرتين التاليتين:

- يقرر الفقيه رشيد رضا، رحمه الله، أن دولة عربية تتميز قبائلها بحفظ القرآن ومتون العلوم والشعر الجاهلي، بل إنها تتباهى في ختم القرآن كل ثلاث أيام، يعني يمرون على سورة الشورى كل ثلاث ليال، غير أن الرق - العبودية من الجنسين ضارب الجذور، تعج به أسواق عاصمتها ناهيك عن بقية مدنها وأريافها، فماذا استفاد هذا المجتمع؟

- أفظع وأسوأ مما سبق: أنه في دول عربية - ذات نظام جمهورية ظهر فيها مؤخرا شخصيات ذات عمائم تفاخر بحفظها كالسيديهات - يحفظ كل الروايات والآثار، وهذا يعني أن قوله هو السنة والشريعة وإن خالف كليات القرآن ومقاصده، فها هم يطلقون الفتاوى الفجة وبكل تبجح: "أن العبودية باقية إلى يوم القيامة".. والقول بخلاف هذا اعتداء على الشريعة!!

- معمم آخر، كل مؤهلاته أنه قرأ 19 مجلدا تتبع فيها أربع روايات في صحيح البخاري كان قد طعن فيها مشايخ البخاري، وأن المشايخ أقروا بصحة الروايات الأربع، ولكنه لم يذكر لنا متون تلك الروايات الأربع، وكل ما في الأمر أنه أصبح أهلا لإطلاق الفتوى التالية: إذا فتحنا الصين سيمتلك كل فرد 50 ألفا من الرقيق - عبيدا من الجنسين.. وبالتالي: سيطأ، ويمنح، ويبيع، ويعتق - إن هو أراد.

أخي القارئ الكريم، إذا لم تكن هذه هي القراءة الحمارية التي قال الله عنها: "كمثل الحمار يحمل أسفارا"... إلخ، فما هي القراءة الحمارية يا ترى؟ أعتذر للقارئ، فهذا الاستطراد بمثابة نفثة مصدور.

 

ثانيا، الشورى وسيلة لتحقيق غاية:

من هنا يبدأ حديثنا عن التداخل بين مكونات النظرية السياسية، فقد ذكرنا أعلاه أن الشورى هي غاية بناء المجتمع، لكن هنالك وظائف أخرى للشورى سنذكر أبرزها فيما يلي:

1- مكانة الشورى: الشورى ليست حكما فقهيا متعلقة بالشعائر التعبدية ولا بالسلم التكليفي في أصول الفقه، أي حكمها ليس واجبا، ولا مستحبا، ولا مندوبا، بل ولا تركها حراما، ولا مكروها، ولا هي "مُعْلِمَةٌ"، فهذا مصطلح غريب لا صلة له بالشرع الإسلامي لا من قريب ولا من بعيد، لكن ذلكم هو حصاد التقليد والجمود.

2- مكانة الشورى: الله هو الذي قرر المكانة الحقيقية لقيمة الشورى، حيث حدد مكانتها العتيدة بين السنن الكونية الحاكمة للاجتماع، وفي حدود علمي لم أجد فقيها أو مفكرا قرر هذه المكانة لقيمة الشورى.

وعليه، يجب أن يترسخ بالتفصيل في عقل المجتمع هذا المفهوم السنني لقيمة الشورى، فهذا "التسكين" لقيمة الشورى سيحسم الجدل الفارغ الذي لا يكاد ينتهي حتى يأتي جامد فيثير العبارة الفجة - مُعْلِمَةٌ، لا ملزمة، وينبري آخر فيقول: ملزمة، وهكذا نحن بين فذلكات قيلت منذ 1200 عام دون إحراز أي نتيجة تخدم الكتاب المعصوم الخالد الذي حدد مقصد الشورى أنها حماية للمجتمع من بغي السلطات الطاغوتية المتغولة المستبدة، قال تعالى: "والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون • والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون • وجزاء سيئة سيئة مثلها…" إلخ.

3- أبرز الدلالات: سورة الشورى مكية نزلت تقريبا في سنة ست أو سبع للبعثة، أي قبل التشريع التفصيلي لفرائض الإسلام - صلاة، زكاة، صوم، حج، أسرة، جهاد... إلخ، وهذا يعطينا أعظم الدلالات على المكانة البالغة الأهمية للشورى كما في البند التالي.

4- أن الشورى سنة كونية من السنن الحاكمة للاجتماع الإنساني الضابطة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم.

5- أن نزول سورة الشورى في العهد المكي دليل على أهمية بناء المجتمع كما أراده الله العليم الحكيم الخبير بما يصلح العباد دنيا وأخرى.

6- أن الشورى وسيلة ثقافية عملية متصلة بالوجه العقدي - الكفر بالطاغوت، وهي سلوك عملي غايتها تحصين المجتمع من طاغوتية السلطات المستبدة والطغيان أيا كان مصدره.

7- أن الكفر بالطاغوت - ذهنيا - على أهميته لا يكفي في حماية المجتمع وإنما يجب ضرورة وجود آلية إجرائية صادرة عن المجتمع، فهو صاحب المصلحة أولا وأخيرا، وهو الذي يحدد الوسيلة الأكثر فاعلية في حماية المجتمع حسب الزمان والمكان، قال تعالى: "والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون • وجزاء سيئة سيئة مثلها" (الشورى، 39).

8- في ذات السياق قال تعالى: "ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل • إنما السبيل على الذين يظلمون الناس في الأرض بغير الحق".. وهذا ما يوضحه البند التالي.

9- أن أخطر أنواع الظلم على الإطلاق هو الظلم الصادر عن المتسلطين الذين قال الله عنهم: "وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل".

10- جذور الفساد ومنابعه: السور المكية في 17 موضعا حددت جذور بلاء المجتمعات في شريحة "الملأ المترفين".. إنها الطبقية الخبيثة.. إنها السلالية العنصرية.. إنها ديكتاتورية الحزب الواحد الذي يدور حول الفردية الطاغوتية.. إنها تكتل ذوي المال، ووصول أهل النفاق والإعلام، والكهانة الدينية.. إنها أركان الطاغوت: "فتولى بركنه".. ثم ماذا؟.. "فاستخف قومه فأطاعوه".. استخف بأركان نظامه.

11- شريحة "الملأ" ذمها القرآن عموما إلّا في موطن واحد - نموذج ملكة سبأ فقط: "يا أيها الملأ أفتوني في أمري..." إلخ.

12- الله سبحانه هدانا "إلى الرشد"، و"للتي هي أقوم".. قائلا: إن الملأ مفسدون على مر التاريخ وإليكم الحل الرشيد تمليك المجتمع حق الشورى فهو صاحب المصلحة لا سواه.

13- إذن الشورى هي كبح جماح السلطات الباغية، وهي الانتصار العملي على الطاغوت والطغيان وبغي المستبدين على الشعوب.

14- قرر القرآن أن التشاور يكون في القرارات التنفيذية الإستراتيجية المصيرية - ملكة سبأ نموذجا: "أفتوني في أمري".

- القرآن أمر المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم: "وشاورهم في الأمر".. وهذا يعني تشاور في القرارات التنفيذية المصيرية. وعليه، ومن باب أولى التشاور التشريعي في مستجدات حياة المجتمع، قال تعالى: "وأمرهم شورى بينهم".. أمرهم - أمور دنياهم مطلقا.

الخلاصة، الشورى سنة كونية اجتماعية هدفها حماية المجتمع من بغي السلطات.

الشورى تجسيد لكرامة الإنسان فردا ومجموعا.

وهنا نكون قد وضحنا أن الشورى غاية لبناء المجتمع ولها وظيفة وسائلية هي حماية المجتمع.

 

ثالثا، الشورى معيار - ميزان عملي:

1- الشورى هي المعيار - الميزان الاجتماعي يقاس من خلاله مدى حضور القيم - إنسانيا وحضاريا، وذلك من خلال تطبيق الشورى تفاعلا مع العرف المتجدد والتزاما بأوامر القرآن: "وأمر بالعرف"، ذلك أن صور العدل والمصالح الدنيوية تتجدد حسب الزمان والمكان.. تجدد يدركه العقل والتجربة كما قال فقهاء المقاصد.

رابعا، تربية المجتمع عمليا على تطبيق الشورى:

المجتمع إذا لم يتعلم كيفية إدارة مصالحه فلا شك أنه سيتفلت من تعاليم الإسلام - عدا ركعات أو صوم... إلخ. لكنه لا يعلم غايات عبادته، ولذلك فالله أمرنا أن نرسخ قيمة الشورى - تربية المجتمع عمليا كما في الأمثلة التالية:

1- فطام الرضيع: الله تعالى ألزم الزوجين بأن صاحب المصلحة هو الرضيع، وبالتالي فليس من حق أحد الأبوين أن ينفرد بالقرار وإنما عليهما التشاور فيما يخدم مصلحة الرضيع: "فإن أرادا فصالا عن تشاور..." - والفصال هو الفطام.

2- شقاق الزوجين: قال تعالى: "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا..." إلخ.

هنا يجب قيام حكومة عدل من طرفي الأسرتين للتشاور وفحص القضية والموازنة بين الخيارات والمآلات واختيار أقوى المصالح، ومن دون حكومة العدل فمجانفة الإثم هي سيد الموقف.

3- نشوز الزوج: قال تعالى: "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير".. إنها هداية القرآن "للتي هي أقوم".. هي هنا الشورى فيها الرشد.

4- جبر الضرر في أرض الحرم: قال تعالى: "ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم..." إلخ.

يلاحظ هنا حكومة عدل فيمن يقتل أرنبا، أو سنجابا، أو نعامة... إلخ. فهنا نص صريح أن لا كهنوتية وإنما عقليتان تنظران في حجم الصيد المقتول، وتحديد العقوبة العادلة فلا ضرر ولا ضرار.

5- الأمن القومي الحضاري الشامل - ونظام الغرفتين: قال تعالى: "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لا تبعتم الشيطان إلا قليلا" (النساء، 83).

اضطراب واقع الحياة جراء نزوات الطغاة المتربصين - البعد الخارجي - أو أزمات اقتصادية أو كوارث... إلخ.. أمور واردة ولكن العليم الحكيم علمنا أن نعطي القوس باريها - أهل التخصص- أولو الأمر - أولو التخصص، أولو التجارب، أولو الحُنْكة والاطلاع، فهؤلاء هم مجلس الأمن القومي الحضاري الذين يناقشون القضايا العميقة المتصلة بالأمن الحضاري الشامل للأمة - هوية، وطنيا، سياسيا، اقتصاديا، ثقافيا، اجتماعيا، تربويا، أمنيا، عسكريا، تسلحا، صناعيا... إلخ. فهذا غير المجلس التشريعي فهو يختص بتشريع القوانين، والمجلس الأول مهمته الدراسات الإستراتيجية بعيدة المدى، وليس مجلسا يختطف المواطنين، أن القرآن سبق الدول الكبرى ذات نظام الغرفتين - الشيوخ والكونجرس وما شابه.

باختصار، القرآن يرسخ في المجتمع الكفر بطاغوت الفردية، قائلا: لا للتكتلات الحامية لمصالحها الذاتية، لا للذين يحضرون لاستلام بدل السفر ثم يعودون من حيث جاءوا.!!

أنت أيها المجتمع إزاء أخطار محدقة بك فكن أنت صاحب قرار أمنك الحضاري الشامل.

6- مقارعة الطاغوت المستخف بالعقول: قال تعالى: "فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين".. مصطلح الفسق هنا لافت لمن ألقى السمع فهو يقول للمجتمع: انتبه، الله منحكم أجل النعم وهي نعمة العقول والعلم فإذا قبلتم أن يستخف بعقولكم الطاغوت فاعلموا أنكم قد كفرتم بأعظم نعم الله عليكم، وهذا عين الفسق الدنيوي ضد مصالحكم، والله وصف ذلك بالأسف: "فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين • فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين".. عبرة لكم، فاحذروا أن تلحقكم لعنة "دار البوار" بسبب الكفر بنعمة الله.

7- مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم: سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم تقول بالحرف إنه ما "تنامى" أي خبر من أعداء الإسلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بادر الرسول إلى عقد مجلس شوراه، بل تعددت صور التشاور منه صلى الله عليه وسلم بحسب الموقف، فها هو صلى الله عليه وسلم يشاور السعدين فقط لا غير، سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، يوم الخندق بشأن إعطاء قبيلتي أسد وغطفان ثلث تمر المدينة كي يكسر أعتى قوتين في الأحزاب، لكنه صلى الله عليه وسلم لم يشاور غير ذوي الاختصاص - القرار القبلي العشائري، رفضا رضي الله عنهما، فابتسم صلى الله عليه وسلم ولم يقل لهما: رددتما قراري؟

وموقف أقوى وأعجب يدل على بناء المجتمع بناء صحيحا، فها هو صلى الله عليه وسلم يتشفع به خادمه - المملوك مغيث لدى زوجته بريرة والتي اعتقتها عائشة رضي الله عنها فملكت أمر نفسها ورفضت البقاء مع زوجها الذي لا زال مملوكا، تقدم الرسول إلى بريرة شافعا فقالت: "أشفيع أم آمر يا رسول الله"؟ يا إلهي، يا لطيف، جارية مملوكة، كيف بلغت هذه المرتبة من الثقافة؟

أجاب صلى الله عليه وسلم: شفيع. أجابت: لا يا رسول الله. الله أكبر، سلوا جيش الجمهورية اليمنية، سلوا من أعاد الشعب اليمني إلى وهدة الإمامة بعد خمسة عقود.؟

8- الفاروق يشاور النساء: أراد الفاروق أن يحدد مدة زمنية لبقاء الجند في الجبهات فلم يتجه لمشاورة الرجال وإنما شاور الشريحة التي تكتوي حقا بنار الفراق - فقد شاور النساء - خولة بنت ثعلبة، وانتهت القصة بتحديد ستة أشهر لبقاء الجند في الجبهات، والقصة معروفة، والأمثلة كثيرة على بناء المجتمع.

 

خامسا، غاية الشورى بناء شخصية الأمة:
1- شخصية الأمة أولاها الإسلام عناية فائقة، ذلك أن القرآن يقول لنا: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله".

2- نلاحظ أن قيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مرتبطة بالإيمان بالله.

3- قيمة الأمر بالمعروف... إلخ، هي غاية الشورى في بناء شخصية أمة الإسلام، والأمثلة كثيرة.. نكتفي بالمثال التالي.

استمر الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل في مواسم الحج، والهدف إيجاد رقعة جغرافية يحتمي بها، ذلك أن الجغرافيا إحدى أسس قيام الدولة وبناء شخصية الأمة المستقلة.
بعد الهجرة، غزوة بدر بعام وأشهر، نجد القرآن وعد المسلمين بإحدى الطائفتين ولم يحدد واحدة بعينها.

كتب السيرة تقول إن الخروج كان لأجل القافلة بدلا عما تركه المهاجرون في مكة.. لعل هذا وارد ولكن ليس كل شيء، فهناك أمر أهم جدا بكثير إنه أمر "الاستقلال الجغرافي"، شخصية الأمة المسلمة التي بدأت تتكون، وأن طريق التجارة بين الشام باتت قريبة من سيطرة الدولة الفتية، وبالتالي قريش لا بد وأنها ستجالد في أُحُد والخندق، ثم وصلت إلى مرحلة إحلال السلام لطريق التجارة القريب من يثرب.

إذن، نحن أمام بناء شخصية الأمة المسلمة بناء يبدأ من الاستقلال الجغرافي وبورصة السوق في المدينة الموازية للبورصات اليهودية، ثم بإعداد الجيش - حراسة المدينة، ثم مواجهة الروم في مؤتة، وإن كانت المواجهة غير متكافئة، لكنها جعلت الروم يضربون أخماسا في أسداس للمواجهات القادمة.
لحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى والأهداف واضحة لدى الصحابة - بناء مجتمع، شورى، أمن المدينة، استقلالية حضارية حسب السياق الظرفي، شخصية الأمة، بناء الدولة الراشدية، فلا تصدقوا أن الصحابة ارتبكوا لوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى تلك الصورة التي رسمها الفرس لأهداف سلالية، ولا ارتد الصحابة ولا اليمن، فكل تلك دعاوى فارسية حاقدة فيها جبال من الأكاذيب.

باختصار، شخصية الأمة هي المعيار النهائي الحضاري الجذاب الذي جعل الأقاليم في فارس والروم تتهاوى ثقافيا قبل الحرب. شخصية الأمة هي التجسيد العملي للشهادة على الناس، والإسهام في رفع الظلم عن كاهل المظلومين من بني البشر.

نلتقي بعونه سبحانه مع الضمانات.

كلمات دالّة

#اليمن