الخميس 18-04-2024 20:54:19 م : 9 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

رمضان في محافظة إب.. بين تدهور الوضع المعيشي وسياسة التجويع الحوثية

الثلاثاء 28 مارس - آذار 2023 الساعة 12 صباحاً / الإصلاح نت-خاص

 

 

خلال السنوات الثمان الماضية، يكون شهر رمضان، بالنسبة للمواطنين الذين طحنتهم الحرب، مبعثا

للبؤس والحرمان والهموم والأحزان في ظل حكم الانقلاب الحوثي منذ أكثر من ثمانية أعوام، ما بين وضع اقتصادي بائس ونزوح وتهجير وتشريد وقلق أمني ومعاناة في السجون وانعدام الدخل وفرص العمل وارتفاع نسبة الفقر وتردي الوضع الصحي، وغيرها من مظاهر الفساد والفوضى نتيجة الانقلاب.

وعلى نفس المنوال يأتي رمضان هذا العام في وضع أكثر صعوبة يعيشه أبناء محافظة إب دون أدنى بوادر لانفراجة من هنا أو هناك، في ظل تفاقم للأزمات وتردي الوضع الاقتصادي وتدهور الحالة الأمنية وارتفاع منسوب الجريمة وغياب تام للقانون وحضور سطوة النافذين.

 

مناسبات للهموم

ومع ما يعانيه سكان محافظة إب منذ أكثر من ثماني سنوات في مختلف المجالات وعلى كافة الأصعدة من ضيق في الحال وصعوبة في العيش، فإن معاناة الكثير من الأسر تتضاعف مع حلول شهر رمضان في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، خصوصا الأسر محدودة الدخل أو تلك التي فقدت عائلها أو التي كانت تعتمد على الراتب الوظيفي والذي توقف منذ بداية الانقلاب، أو الأسر التي تعيش حياة النزوح أو غيرها من الأسر المنكوبة.

وتمثل المناسبات الدينية كرمضان والأعياد في اليمن، لاسيما في محافظة إب، محطات لنكء الجراح وإثارة الأوجاع لدى أرباب الأسر، سواء ما يتعلق بمتطلبات العيش أو تجاه أبنائهم الذين يشعرون بالحاجة التي تقتضيها المناسبة، مع عدم القدرة على القيام بتوفير ما يسد هذه الحاجة، الأمر الذي أدى إلى مشاكل اجتماعية وأسرية، وارتفاع نسبة الطلاق، وازدياد حالات الانتحار وجرائم القتل على هذا الأساس، وارتفاع نسبة الأمراض النفسية والعقلية نتيجة الأوضاع المتدهورة.

 

لمن استطاع إليه سبيلا

وقد دفعت الظروف الصعبة أبناء المحافظة إلى اللجوء لشراء مشتقات الألبان كالحقين والزبادي كبديل للحوم والدجاج التي كانت تمثل وجبات أساسية لأبناء المحافظة، أو الاستعاضة عن مرق اللحوم بمرق الطماطم لتوفير بعض الإدام لوجبة العشاء، بالإضافة إلى اعتماد الكثير من الأسر على ما بات يعرف بـ"المشكل" وهو عبارة عن وجبة من الخضروات تضم عينات محددة منها، أو لجوء بعض الأسر إلى شراء تلك العينات بعبوات صغيرة، سواء من الخضار أو البهارات أو غيرها، إذ صار التجار يبيعونها بعبوات صغيرة جداً، وهي تضم عينات من الطماطم أو البطاطس أو الثوم أو الباذنجان أو الكوسا أو البامية أو البهارات، حيث بات الباعة يجهزونها في أكياس بلاستيكية صغيرة، وتباع بأسعار تناسب القدرة الشرائية لبعض أبناء المحافظة لاسيما النازحين في المحافظة، في ظل عجزهم عن شرائها بالكيلوغرام، غير أن هذه العبوات تكفي ليوم واحد بل لطبق واحد، وهو وضع لم يكن سائدا قبل الحرب في المحافظة.

وقد عزفت الكثير من الأسر عن شراء لحوم الأبقار، ولم يعد بإمكان أحد التجرؤ على اقتحام محال بيعها أو حتى مجرد التفكير بشراء تلك الأنواع من اللحوم، باستثناء القليل من الميسورين والتجار والمشايخ والنافذين، نتيجة لارتفاع أسعارها بشكل جنوني، إذ وصل ثمن الكيلوغرام الواحد من لحوم الأبقار إلى خمسة آلاف وستة آلاف ريال، أي ما يعادل 10 دولارات، في ظل انعدام الدخل لدى الكثير من الأسر وعدم توفر العملة في ظل هذه الظروف.

وبحسب أبو بسام، وهو رب أسرة (42 عاما)، فإن تلك اللحوم "باتت كفريضة الحج لمن استطاع إليه سبيلا، أصبحنا ننظر إليها على أنها وجبة الأغنياء، فأنت إذا أردت شراء تلك اللحوم يعني أن الأسرة المتوسطة تحتاج لشراء اثنين إلى أربعة كيلوجرمات منها ليسهل توزيعها بين أفراد الأسرة، ويكتفي الموزع بلعق الأصابع".

ويضيف أبو بسام: "وعلى الرغم أن لحوم الدجاج باتت تمثل حلا لمن يشتهي المرق أو النزر اليسير من اللحم، إلا أنها هي الأخرى باتت بأسعار مكلفة ومرهقة، فقد اكتفت الكثير من الأسر بشراء نصف دجاجة فقط وأحيانا بشراء الربع منها".

أما المواطن (محمد أ. ش) يعمل جنديا في أحد النقاط الأمنية، فيتحدث عن وضعه بحسرة تسكن فؤاده جراء الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها أبناء المحافظة، فيقول: "تخيل أن الكثير من الناس لم يعد يفطر بتمر لأنه لم يعد يعتبر التمر ضروريا، أصبح الوضع الاقتصادي هو الهم الوحيد الذي يقض مضجع المواطن، بالكاد يستطيع توفير قيمة نصف حبة دجاج ويقسمها نصفين".

ويضيف محمد: "كسوة العيد للأولاد غير مؤمنة.. لا توجد محلبية أو شعيرية أو مكرونة مثل رمضان السابق.. طبعاً الكبار كسوة العيد مستبعدة تماما بالنسبة لهم.. الكيس الدقيق لا أحد يشتريه كاملا.. نصف كيس بالكاد يكفي لعشرة أيام للأسرة المتوسطة".

المواطن "علي ش. ص" (مدرس)، هو الآخر يتحدث بنفس الحسرة، ويضيف إلى ما سبق متحدثا عن وضعه الشخصي، فيقول: "الهموم تنغص القلوب، وتجعل الإنسان مشغولا في مطعمه ومشربه، ومن أين يأتي غدا بمتطلبات اليوم التالي، وهكذا يكون بعيدا عن الجو الروحاني المعتاد سابقا في ظل الأوضاع الصعبة والحالة المعيشية الموجودة، وبإيجاز فالحالة الاقتصادية المتعثرة تؤثر سلبا على الحياة الرمضانية الروحانية".

 

أزمة متجددة

ويمثل غاز الطبخ بالنسبة لأبناء المحافظة مشكلة حقيقية أخرى، إذ بات توفير أسطوانة الغاز الواحدة يمثل إنجازا مهما وشوطا طويلا قطعته الأسرة، في ظل انعدام الغاز المنزلي وتواجده بنسب قليلة وفي أوقات محدودة.

كما أن أزمة الحصول على أسطوانة الغاز المنزلي ما زالت مشكلة متفاقمة منذ أكثر من سبعة أعوام، حيث تعمدت المليشيا افتعال تلك الأزمة، واعتماد سعر خيالي لأسطوانة الغاز الواحدة لتصل إلى 7000 ريال، وتتعمد المليشيا إخفاءه وعدم توفيره للمحطات عدا مرة واحدة كل شهر وبمعدل أسطوانة لكل أسرة، مما تسبب في إيجاد أسواق سوداء ارتفعت فيها أسعار الأسطوانة إلى 12 ألف ريال، خصوصا مع حاجة الناس الماسة في هذه المناسبة، حيث تتضاعف هذه الأزمة مع اقتراب شهر رمضان الذي تزداد فيه الحاجة لغاز الطهي، والذي بالكاد يتوفر في بقية أشهر السنة.

وقد ضاعفت أزمة الغاز المنزلي من ارتفاع أسعار الوجبات الغذائية في المطاعم التي تعتمد عليها الكثير من الأسر لتوفير وجبة العشاء، بسبب اعتمادها على السوق السوداء في الحصول على حاجتها من الغاز، كما دفعت الأسر إلى الاعتماد على نظام قاس للترشيد في استخدام الغاز في المنزل، الذي يتم تخصيصه لطهو الأكثر أهمية وضرورية حفاظًا على عدم نفاد الأسطوانة.

 

ارتفاع نسبة الانتحار

وقد أدى تفاقم الأزمة وصعوبة العيش إلى ارتفاع ملحوظ لمعدل حالات الانتحار في المجتمع، حيث تصدرت محافظة إب بقية المحافظات اليمنية الواقعة تحت سيطرة الانقلابيين في عدد حالات الانتحار.

وكشفت تقارير محلية صدرت في وقت سابق عن انتحار مواطن يمني كل يومين في مدن عدة، معظمها واقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي، نتيجة أعمال القمع وسياسات التجويع والإفقار الحوثية الممنهجة، ورصدت التقارير وقوع 21 حادثة انتحار خلال 36 يوماً.

ويأتي أغلب تلك الحالات المسجلة - بحسب التقارير - نتيجة لتدهور الأوضاع المعيشية وجرائم القمع والتنكيل وفرض المليشيا للإتاوات على السكان في ظل معاناتهم المتكررة وانعدام فرص العمل أمام الآلاف منهم بمن فيهم الذين فقدوا رواتبهم.

ووفقا لتقرير لوحدة رصد يمنية تابعة لـ"يمن مونيتور"، صدر في تقرير منتصف العام الماضي 2022، فإن يمنياً ينتحر كل يومين نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية في بلد لا يزال يعيش غالبية سكانه على حافة المجاعة.

وتقول الوحدة إنها رصدت في الفترة من 24 أبريل وحتى 30 مايو من العام الماضي، حالات انتحار لأكثر من 21 شخصاً بعدد من المدن اليمنية، مؤكدة أن غالبية الحالات أقدموا على الانتحار شنقاً.

وقد شملت بعض الحوادث - وفقا للتقرير - تسجيل نحو 7 حالات في إب، و3 في صنعاء العاصمة، وحالتين في تعز، ومثلها في الجوف، في حين توزعت ثلاث حالات أخرى بواقع حالة واحدة على محافظات ذمار وعمران والضالع، مبينا وقوع حوادث انتحار عدة لم يعلن عنها أو تتطرق لها وسائل الإعلام في قرى ومناطق نائية بمحافظة إب.

ويقول مراقبون إن الزيادة الملحوظة لحالات الانتحار ناتجة عن الأوضاع المعيشية الصعبة التي لا يزال يعانيها ملايين السكان في المدن تحت سيطرة المليشيا الحوثية.

 

سخط شعبي

وتشهد محافظة إب منذ سيطرة المليشيا الحوثية عليها حالة من الانفلات الأمني وازدياد الجريمة وارتفاع نسبة الفقر والبطالة وارتفاع معدل السرقة وغياب الرقابة الأمنية، وسط حالة سائدة من الخوف والقلق جراء ارتفاع نسبة الجريمة والنشل واقتحام المحال التجارية وفرض الإتاوات والجبايات على الباعة والتجار.

وقد شهدت مدينة إب الأسبوع الفائت توترا أمنيا غير مسبوق عقب مقتل أحد أبنائها على يد المليشيا الحوثية في أحد سجونها بعد أن عثر عليه ميتا بعد قيامها باعتقاله على خلفية نشره لفيديوهات عبر قناته على اليوتيوب قالت المليشيا إنها مواد تحريضية ضدها في محافظة إب.

وقد قوبل مقتل المواطن "حمدي عبد الرزاق الخولاني" المكنى بـ"المكحل"، بسخط كبير وغضب غير مسبوق، حيث حضر تشييع جنازته الآلاف من المواطنين وسط ترديد لهتافات غاضبة استنكارا لمقتل "المكحل" وتنديدا بسياسة القمع الحوثية بحق أبناء المحافظة.

وقد طالبت منظمة رايتس رادار لحقوق الإنسان، بفتح تحقيق مستقل لكشف ملابسات مقتل الناشط المكحل الذي لقي حتفه داخل سجن المليشيا.

ودعت رايتس رادار في بيان لها، مليشيا الحوثي إلى إعلان ملابسات وأسباب مقتل الناشط حمدي عبدالرزاق الخولاني (المُكَحل) المعروف بمناهضته لممارسات مليشيا الحوثي في محافظة إب.

وطالبت المنظمة بتحقيق شفاف في حادثة مقتل "المكحل" يستند لتقرير طبيب شرعي محايد متحرر من أي ضغوط، مشيرة إلى أن المعلومات التي حصلت عليها تفيد بأن الناشط حمدي عبدالرزاق اختطف من منزله بحارة الميدان في مديرية المشنة، بعد انتقاده لسياسة المليشيا الحوثية، وإيداعه سجناً يتبع إدارة أمن محافظة إب قبل أن يفاجأ الجميع بخبر وفاته في ظروف غامضة.

وبحسب المركز الأمريكي للعدالة فإن مقتل الناشط حمدي عبد الرزاق "يشير إلى ظاهرة باتت ملاحظة بشكل واضح منذ سيطرة مليشيا الحوثي حيث يتوفى الكثير من المختطفين والمحتجزين في سجون المليشيا نتيجة للتعذيب وسوء المعاملة أو الإهمال الطبي".

ويشير المركز الأمريكي إلى أن "واقعة مقتل الشاب المكحل تشبه إلى حد كبير وقائع أخرى لمختطفين آخرين مع اختلاف في بعض التفاصيل حيث توفي العشرات منهم داخل السجون، أو جرى تسليمهم إلى أقاربهم وهم في حالة ما قبل الوفاة، أو مصابين بإعاقات دائمة".

 

قلق حوثي

ونتيجة للحضور الكبير في تشييع جنازة "المكحل" والاحتجاجات الواسعة المنددة بالحادثة فقد عمدت المليشيا إلى شن حملة واسعة من الاختطافات والاعتقالات للعشرات من الشباب على خلفية تلك الاحتجاجات.

ووفقا لمصادر محلية فقد واصلت مليشيا الحوثي عمليات القمع والمطاردة بحق ناشطين وشباب في محافظة إب وسط البلاد.

وتقول المصادر إن مليشيا الحوثي اختطفت العشرات من الناشطين والشبان خلال اليومين الماضيين في مدينة إب عاصمة المحافظة، على خلفية مشاركتهم في عملية التشييع الكبيرة لجنازة الشاب "حمدي عبد الرزاق".

وتضيف المصادر أن المليشيا نشرت العشرات من العربات العسكرية التابعة لها، بمختلف مداخل وأحياء مدينة إب القديمة بمديرية المشنة، في مهمة استعادة هيبتها المهتزة في المدينة، مؤكدة أن المليشيا الحوثية قدمت بعناصر تابعة للأمن "الوقائي" التابع للمليشيا استقدمتهم من صنعاء، عقب الحراك الشعبي الكبير الذي تفجر أثناء جنازة الشاب المكحل، مشيرة إلى أن المليشيا نقلت المختطفين إلى سجونها بمقر "المخابرات" الأمن السياسي، القريب من أحياء المدينة القديمة، في الوقت الذي نشرت عشرات المسلحين من عناصرها بمختلف أحياء المدينة.