الجمعة 29-03-2024 14:58:22 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الهوية الوطنية اليمنية.. مكوناتها والأخطار التي تهددها

الأربعاء 22 فبراير-شباط 2023 الساعة 12 صباحاً / الإصلاح نت - خاص
 

 

في زمن الحروب والصراعات، تبرز مسألة الهوية الوطنية كوعاء للتضامن الوطني بين ذوي الهوية الواحدة لمواجهة الأخطار التي تهددهم، بل فالهوية الوطنية قد تتعرض للحرب عليها من بعض الأطراف تجريفا وتشويها، كما يحصل من حرب تشنها مليشيا الحوثيين الإرهابية على الهوية الوطنية اليمنية بمختلف مرتكزاتها، وعداء الحوثيين للهوية اليمنية نابع من أن الهوية الوطنية تمثل أبرز سمات الدولة الحديثة التي لا مكان فيها لمليشيات عنصرية سلالية بدائية، كما أن الهوية الوطنية تمثل المظلة الجامعة لمواطني الدولة، وتكون أزمة الهوية أحد الأعراض الملازمة للحروب والصراعات الأهلية التي تفجرها مليشيات شاذة عن الهوية المشتركة لجميع مواطني الدولة.

كما أن غياب مفهوم الهوية الوطنية أو ضموره يعد من أهم أسباب تفجر الصراعات الأهلية، لاسيما في حال وجود سلالات عنصرية وافدة إلى بلد ما لا تشترك مع مواطنيه في مرتكزات هويتهم الخاصة بهم، وبدورها فإن الحروب والصراعات والانقسامات الأهلية تدمر بشكل مفزع مفهوم الهوية الوطنية في أذهان عامة المواطنين، بسبب ظهور مليشيات انقلابية تعمل على تجريف مفهوم الهوية الوطنية وضربه في الصميم من خلال ضرب فكرة المواطنة المتساوية، ومحاولة هدم التعددية السياسية والاعتداء على معالم التعددية الثقافية والديمقراطية والسياسية والمواطنة المتساوية، وخنق حيوية المجتمع من خلال تجريف هويته التي تشكلت وتراكمت عبر مسار زمني طويل، وصدمه بعناصر هوياتية وافدة تستهدف عقيدته وتاريخه وثقافته.

 

- مكونات الهوية الوطنية اليمنية

رغم ثبات مكونات الهوية الوطنية لأي شعب من الشعوب، لكن هذا الثبات لم يتشكل فجأة، ذلك أن مكونات وعناصر الهوية الوطنية تمثل نتاجا لرؤية وطنية تعليمية تربوية دينية اجتماعية وثقافية متكاملة، فالهوية الوطنية هي الأساس الذي قامت عليه الدولة الوطنية الحديثة، وبنفس الوقت فإن مراكمة وتعزيز فكرة الهوية الوطنية مرتبط بوجود الدولة وسيادتها على أراضيها، وإذا غابت الدولة فإن غيابها يشكل خطرا على الهوية الوطنية، لاسيما إذا كان البديل عن الدولة مليشيات بدائية عنصرية، فتبدأ تلك المليشيات حربها على الهوية الوطنية، فتزور التاريخ وتفرض على المواطنين عقيدتها وأفكارها الهدامة، وتغير المناهج الدراسية وتدمر الآثار أو تبيعها بعد تهريبها إلى خارج البلاد، وتسعى جاهدة لفرض هويتها المنبوذة على المواطنين بالقوة والإرهاب والعنف.

 

وفيما يلي المرتكزات والعناصر الأساسية للهوية الوطنية اليمنية:

• تاريخ وجغرافيا ووطن مشترك: لليمن تاريخ مشترك ومميز من الصعب تجزئته زمانيا أو مكانيا، والحضارة اليمنية القديمة كانت كتلة واحدة قامت على منطقة جغرافية واحدة تمثل الوطن المشترك لمختلف اليمنيين، ولم يكن ثمة أي هويات فرعية متميزة عن بعضها داخل الهوية اليمنية الواحدة، وحتى الصراعات التي كانت تنشب من حين لآخر بين الدويلات اليمنية القديمة فلم يكن لذلك أي مبرر هوياتي أو صراع بين هويات فرعية، ولم تكن طبيعة تلك الصراعات تهدد الهوية اليمنية، بل فقد كانت تعززها، لأنه كلما تضعف دولة معينة تبدأ دولة أخرى قوية بالظهور لحماية البلاد من مخاطر ضعف الدولة السابقة، وإذا كان من صراع ينشب من حين لآخر بين دولتين قائمتين، يكون دافع الصراع لكل منهما هو توحيد اليمن في دولة واحدة قوية قادرة على حماية أرضها ومجابهة أي غزو أجنبي محتمل.

إذن تعد الجغرافيا المشتركة والتاريخ المشترك والوطن المشترك من بين أهم مرتكزات الهوية الوطنية اليمنية، والهوية كحالة تميز لمجموع من المواطنين أو حقائق معبرة عنهم لا تظهر فجأة، وإنما هي عملية تراكمية تتخذ مسارا زمنيا ومكانيا غير منقطع، ولا يمكن الفصل بين مفهوم الهوية ومفهوم الدولة الوطنية الحديثة، فالهوية كانت رافدا مهما لقيام الدولة، والدولة تحمي كيانها باتكائها على هوية مشتركة لجميع مواطنيها، تسندها العديد من المرتكزات التي تعزز مفهوم الهوية الوطنية وتحصنه، وتجعل منه دافعا للمواطنين للالتفاف حول دولتهم وسيادتها والدفاع عن المواطنة المتساوية ضد محتكري السلطة والثروات سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو مليشيات.

• اللغة العربية: تعد اللغة من العناصر الأساسية للهوية، فهي ليست وسيلة للتخاطب فقط، وإنما أداة للثقافة والفكر والمعارف والفنون والارتقاء الحضاري وغير ذلك، فاللغة العربية من العناصر الأساسية للهوية الوطنية اليمنية، ويقول كثير من المؤرخين إن أول ظهور للغة العربية كان في اليمن، وكان اليمنيون الأقدمون من أوائل من اخترعوا الكتابة والحروف الأبجدية، ووجود النقوش المسندية القديمة في مناطق مختلفة من اليمن يعزز من مبدأ الهوية الواحدة لجميع اليمنيين وعناصرها المتراكمة منذ قرون عديدة.

كما أن اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، وانتشرت بانتشار الدين الإسلامي، تمثل هوية مشتركة بين جميع العرب والمسلمين، وعناصر الهوية المشتركة لا تقلل من عناصر الهوية الوطنية الخاصة بكل بلد، بل فهي تمثل رافدا لها، وبنفس الوقت فإنها تعزز علاقات الجوار والتعايش ومبدأ المصير المشترك، وتكون دافعا للتعاون ضد الأخطار المشتركة، فانتشار اللغة العربية خلق هوية جامعة بين العرب والمسلمين، فحتى البلدان الإسلامية التي لها لغات خاصة بها، لكنها تهتم باللغة العربية كونها لغة القرآن الكريم، وبعضها اتخذت من الحرف العربي وسيلة لكتابة لغتها، وبالتالي فتعلم اللغة العربية مهم جدا لفهم القرآن الكريم والعمل به، وبذلك تكون اللغة العربية أحد مرتكزات الهوية الوطنية والعربية والإسلامية لليمنيين.

• العامل السياسي: من الحقائق المعبرة عن الهوية الوطنية العامل السياسي، ويشمل الثقافة السياسية وطبيعة نظام الحكم ومسيرة النضال الوطني للتحرر من الاحتلال الأجنبي وأيضا التحرر من العوائق الداخلية التي تحول دون التطور الطبيعي للدولة، ومن هذا المنطلق فقد تبلورت الهوية الوطنية اليمنية، في جانبها السياسي، خلال العقود الخمسة الأخيرة، على إثر النضال والكفاح الوطني ضد الحكم الإمامي المستبد في شمال البلاد والاحتلال البريطاني في جنوبها، وكان النظام الجمهوري التعددي الديمقراطي العادل بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990 الملمح الأبرز للهوية الوطنية اليمنية، كإطار جامع لكل اليمنيين بمختلف مناطقهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية والثقافية والضامن للمساواة في الحقوق والواجبات.

وإن كان من اختلالات برزت في هذا السياق، كارتداد البعض عن الوحدة اليمنية أو النظام الجمهوري ومحاولة إعادة الإمامة، فهذا لا يعكس خللا في العامل السياسي للهوية الوطنية اليمنية، وإنما يعكس فشل الأنظمة الحاكمة في حماية الهوية الوطنية، وعدم الحسم المبكر ضد الفئات الشاذة التي ترى في الهوية الوطنية اليمنية خطرا يهدد نزعتها العنصرية السلالية البدائية المثقلة بحمولة تاريخية سوداء لا مكان لها في الدولة الوطنية الحديثة القائمة على مبدأ العدالة والمواطنة المتساوية، وحق الجميع في المشاركة السياسية، وتساوي المواطنين في الحقوق والواجبات.

• العامل الثقافي: الثقافة هي الطابع العام لأي شعب من الشعوب، والمجتمع اليمني لديه هويته الثقافية المميزة والمشتركة بين جميع مكوناته، والتعددية الثقافية لا تنافي الطابع العام الذي يتطبع عليه الشعب، ذلك لأنها تعكس الوجوه المميزة لمقومات الشعب التي يتميز بها عن غيره من الشعوب، ويشمل ذلك العقائد والمبادئ والقيم واللغة والسلوك والعادات والتقاليد والقوانين والتراث والأزياء والآداب والفنون، ولا توجد في أوساط المجتمع اليمني اختلافات ثقافية عميقة تهدد نسيجه الاجتماعي، فكل ما يتصل بالهوية الثقافية لليمنيين يشكل كتلة متناسقة تعزز الهوية الوطنية وتحافظ عليها من المخاطر التي تهددها، سواء كان مصدرها محلي أو أجنبي، ويأتي في مقدمة ذلك الخطر الذي تشكله مليشيا الحوثيين وراعيتها إيران على الهوية اليمنية بمختلف مرتكزاتها.

• الدين الإسلامي كأساس قوي للهوية الوطنية: الدين من أهم مكونات الهوية الوطنية، ويمثل الجانب الأبرز في الشق الثقافي للهوية، وهو الموجه والمرشد لجميع مكونات الهوية الوطنية الأخرى، والهوية الإسلامية هي القاسم المشترك بين جميع الشعوب العربية والإسلامية، وتمثل المحفز الرئيسي للتعاون بين الدول الإسلامية. وبما أن جميع اليمنيين يعتنقون الدين الإسلامي، باستثناءات محدودة لا تكاد تُذكر، فإن ذلك يلبي حاجة المواطنين لقيم وقوانين مشتركة تحكم ما يحتاجون إليه من نظام سياسي واقتصادي واجتماعي، كما أن الدين الإسلامي يمثل المحدد الرئيسي للاتجاهات والقيم والعادات والتقاليد التي تشكل الخصائص والسمات للهوية الوطنية اليمنية، وهو ما يمكن وصفه بالهوية الإسلامية للدولة.

• الاقتصاد المشترك: للاقتصاد دور كبير ومؤثر في مناعة الهوية الوطنية من عدمها، فإذا كان الفقر والبطالة يهددان هوية المجتمع، فإن التنمية والازدهار والاستقرار الاقتصادي يكون سببا في جعل الهوية الوطنية قوية ومستقرة، لأن الهوية ترتبط بنمط التنمية، وفي حال كان نمط التنمية غير مستقر، فإنه يتسبب في خلق مناخ سياسي متوتر ومضطرب، مما يؤثر على ثبات الهوية الوطنية واستقرارها، كما أن بعض المليشيات والجماعات الشاذة تتخذ من التوتر السياسي وتراجع التنمية سببا لإشعال الحروب والانقلابات وتجريف هوية المجتمع لتكون السيطرة عليه سهلة ويسيرة.

• الانتماء المشترك: إن شعور المواطنين بانتمائهم المشترك لوطن واحد يعد غريزة فطرية من شأنها تعزيز الهوية الوطنية وتحصينها، فالانتماء للوطن لا يأتي بقرار سياسي ولا يحتاج لتوجيهات عليا لتمتينه وديمومته، وإنما هو غريزة فطرية عابرة للأحزاب والقبائل والمناطق والمدن والقرى وجميع مكونات المجتمع وفئاته، وتنمو مشاعر الانتماء للوطن الواحد بتحسين العلاقة بين الفرد وبيئته وعمله وخلق منظومة مشتركة من الحقوق والواجبات التي تحكم العلاقة بين أفراد المجتمع.

أما فقد الانتماء للوطن فإنه ينتج تصرفات شاذة وغير حضارية، مثل مليشيا الحوثيين السلالية العنصرية القادمة من خارج البيئة اليمنية، فهي لا تتورع عن إشعال الحروب وسفك الدماء والإرهاب، وهذا ناتج عن فقدها الانتماء لليمن، ذلك أن مشاعر الانتماء تراعي المودة في القربى وتخلق فضيلة التراحم والتعاطف والإيثار وتغليب الصلح عند بروز خلافات. كما أن فقدان مليشيا الحوثيين الانتماء للوطن جعلها تعمل جاهدة لطمس حضارته وموروثه الثقافي وتاريخه وآثاره ومعالمه ورموزه وهويته بشكل عام، وهو ما لا يمكن أن يقدم عليه أي يمني ينتمي لهذه الأرض.

 

- الأخطار وسبل المواجهة

هناك أخطار كثيرة تهدد الهوية الوطنية اليمنية، يتمثل أبرزها في انقلاب مليشيا الحوثيين الإرهابية على السلطة الشرعية والنظام الجمهوري والتعددية السياسية والثقافية وعلى العملية السياسية وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والانقلاب الحوثي يتجاوز المفهوم السائد للانقلابات العسكرية عبر التاريخ، فالانقلابات تقتصر على السيطرة على السلطة دون أي تغيير في طبيعة نظام الحكم أو استعداء مكونات سياسية واجتماعية.

كما أن انقلاب المليشيا الحوثية يشمل الانقلاب على المشروع الوطني برمته، ويهدد الهوية الوطنية اليمنية بمختلف مرتكزاتها، وهو ما يتجلى في ممارسات المليشيا الحوثية طوال السنوات الماضية، وسعيها الدؤوب لتجريف الهوية اليمنية ومحوها تماما، من خلال تغيير المناهج الدراسية، ومحاولة فرض عقيدة باطلة على المجتمع اليمني مستوردة من إيران، وإلغاء النظام الجمهوري والتعددية السياسية، وتحريف التاريخ اليمني وتدمير الآثار، واستحداث عادات وتقاليد مناقضة لعادات اليمنيين وتقاليدهم، وإلغاء الآخر المختلف مع المليشيا تماما، وغير ذلك من أساليب تجريف الهوية الوطنية اليمنية.

يضاف إلى ذلك أخطار وتحديات أخرى تهدد الهوية الوطنية اليمنية، مثل نكران "يمنية" بعض المحافظات، وتزوير بعض الحقائق التاريخية، والتنكر لبعض مرتكزات الهوية الوطنية، مثل المزاعم التي يطلقها البعض بوجود تمايز ثقافي أو اجتماعي بين أبناء الوطن الواحد، وإطلاق توصيفات عنصرية مناطقية بهدف إحداث شروخ وتصدعات في النسيج الوطني خدمة لأجندة مليشيات وجماعات عنصرية مناطقية أو طائفية.

أما سبل مواجهة الأخطار التي تهدد الهوية الوطنية اليمنية، فتنحصر في استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب والوضع المليشياوي في البلاد، واستكمال المشروع الوطني المنطلق من ثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963، ومن النظام الجمهوري الديمقراطي التعددي الذي كان العنوان الأبرز لإعادة تحقيق الوحدة الوطنية عام 1990، وصولا إلى استكمال العملية السياسية وفقا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والإثراء المبدع والخلاق للتعددية السياسية والثقافية، وحماية المكتسبات الوطنية.

يضاف إلى ذلك إفساح المجال ليستمر التطور الطبيعي للدولة والتنمية الاقتصادية، ووضع حد لأي عوائق محتملة قادمة من موروثات عهود التخلف والجهل والظلام الممثلة بالحكم الإمامي السلالي العنصري البغيض، الذي خنق التراكم الحضاري لليمنيين منذ قدومه إلى البلاد في غفلة من أهلها، وما زال يهدد الكيان الواحد للمجتمع اليمني، ويجرف الهوية الوطنية اليمنية، وتشمل أخطاره جميع المجالات، وهو ما يتطلب مشروعا وطنيا جامعا وشاملا يضع حدا لأسوأ كابوس أسود جثم على اليمن ردحا طويلا من الزمن، محاولا إحياء ذاته واستعادة مشروعه الأسود من جديد.

كلمات دالّة

#اليمن