السبت 20-04-2024 02:40:18 ص : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

من مقاصد القرآن: فقه منظومة سنن الواقع.. مؤهلات الأمة الوسط.. الوعي بوظيفة الواقع وآثارها(الحلقة4)

الأحد 29 يناير-كانون الثاني 2023 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت - خاص | عبد العزيز العسالي
 


أولا، مفهوم وظيفة الواقع:

1- هناك فارق كبير بين وعي منظومة سنن الواقع وعيا ذهنيا تجريديا، وبين الوعي بوظيفة سنن الواقع - آثارها القريبة ومآلاتها البعيدة.

فالأخير هو وعي ناتج عن احتكاك عملي - ممارسة تطبيقية متصلة بواقع الاجتماع وسنن الله فيه على المستوى الداخلي للأمة والمستوى الخارجي المحيط بالأمة.

2- أبعاد مفهوم وظيفة الواقع: مفهوم الوعي بوظيفة الواقع السنني يعني:
- الوعي العميق الذكي الشامل العملي - تشخيصا لحال المجتمع دينيا، اجتماعيا، تربويا، قيميا، ثقافيا، فكريا، اقتصاديا، سياسيا.

- وضع أولويات وأهداف توعية المجتمع من خلال معايير المنهج المقاصدي - جلب أفضل المصالح أو تكميلها، دفع أقوى المفاسد أو تقليلها، فالواقع يساعدنا بقوة على ترتيب سُلّم القيم، وتحديد الخطوات العملية الأهم فالمهم.

بكلمتين، الوعي بوظيفة الواقع يعني:

أ - امتلاك محركات التغيير ذات الفاعلية المجتمعية.

ب- استحقاق التأييد الرباني -تظافر منظومة سنن الواقع- "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين".. هذا التأييد هو ثمار الجهاد الفكري.

ج- أكبر مظاهر التأييد هو التمكن من استشراف المستقبل - فقه المآلات - اجتهاد استباقي.

د- يرسخ الثقة بالمنهج - فكريا وإجرائيا لدى النخبة والمجتمع.

ومن خلال الممارسة المتصلة بالواقع تترسخ لدى المجتمع الثقافة المقاصدية وهي أقوى وسائل التأييد السنني - المحركة للتغيير المستقبلي.

خلاصة ما سبق، يعطينا دلالات في غاية الوضوح على مكانة المنهج المقاصدي وفاعليته المجتمعية.

 

ثانيا، ثمار فقه وظيفة سنن الواقع:

- كثيرة هي ثمار الوعي بسنن وظيفة الواقع، وعلى المثقف والفقيه والمفكر ألا يستغربوا كثرة الثمار، فهذه إحدى الدلالات البارزة على خصوبة المنهج المقاصدي، وعلاقاته السننية وأبعاد فاعليته الحيوية في كل المجالات.

وهنا يمكننا القول إنه يجب على الشريحة الدعوية والفقهية والثقافية والفكرية أن ترسخ في الوعي المجتمعي أهمية الوعي الثقافي بوظيفة فقه سنن الواقع وثماره القريبة ومآلاته على المستوى المتوسط والبعيد.

نعم، إن إعادة تكوين العقل الفقهي على أساس المنهج المقاصدي - فقه وظيفة منظومة سنن الواقع لها أهميتها القصوى*.

بدورنا سنسلط الضوء على أبرز الثمار فيما يلي:

1- ضرورة إصلاح التصور الفكري الفقهي لكي يمتلك الفقيه رؤية "متسقة" غير متجزأة، وهذا الاتساق سينعكس على ضبط وإتقان إخراج الفتوى وإحكام تنزيلها على الواقع.

2- بناء الشخصية الفقهية وتكوينها تكوينا فقهيا عميقا يدرك بوعي شرعي مكانة الوسائل والآليات في حماية مقاصد الدين.

3- تمكين العقل الفقهي من وعي الواقع، وبالتالي يستطيع فتح الذرائع لاجتراح الوسائل والآليات الحامية لكرامة الإنسان وحقوقه - فردا وشعبا.

4- بناء تدين المجتمع على بصيرة.

5- ترسيخ "الثقة الإيمانية" بعقيدة الإسلام وشريعته لدى الواعظ والفقيه والمثقف... إلخ، وبالتالي ستنزوي تلك الرغبات المريضة بالتقليد للوافد إلى حد كبير.

6- بناء اتجاهات المجتمع بناء متكاملا متسقا متوازنا يستطيع المجتمع من خلالها إدراك الأهداف بوضوح والوعي بأهمية التدرج.

7- تنمية بعد النظر وحسن التخطيط لدى الفقيه والمثقف وتنمية الوعي المجتمعي بهذا الخصوص.

8- إبطال كيد الخصوم وتفويت الفرصة عليهم بإبطال خططهم وفي مقدمتها اتهام الإسلام بأنه ضد المصالح الإنسانية والوطنية.

9- التغلب على المعوقات، ولا تغلّب على المعوقات إلا من خلال الشعور بالمسؤولية تجاه إصلاح المجتمع.

10- رفع مستوى الأمة ثقافيا وسياسيا.

11- الاعتدال والتوازن في البناء والتلقي والتنزيل وفوق ذلك وسطية تدين المجتمع.

12- تجنب المزالق الناجمة عن إطلاق الفتاوى تجاه قضايا سبق للصحابة في عهد الراشدين أن أشبعوها بحثا ودراسة - تصورا وتنزيلا ومآلات.

نموذج قرار الفاروق بشأن أرض سواد العراق، ومع ذلك، فقد ظهر من يفتي بتسليم الخمس للمليشيا الإرهابية.

13- مواكبة التطور - متغيرات الواقع وتنزيل الفتوى والدعوة انطلاقا من فقه الاستطاعة المستند إلى أكثر من 40 دليلا - كتابا وسنة.

14- الإحاطة العميقة بأبعاد المشكلات - مصادرها، أسبابها المباشرة، العوامل الثانوية ونتائجها.

15- التفريق بين الوسائل والأهداف والمقاصد: لست مبالغا إن قلت إن غالبية العقلية الفقهية والوعظية تعاني فقرا مدقعا في هذا الصدد، وفقرا آخر أسوأ فقر قاتل يخلط العقيدة والشعائر مع قضايا المتغيرات في ميدان الحياة.

وكم سمعنا ولا زلنا نسمع مقولات فجة تنم عن جهل بأصول المنهج وكليات الشرع، حيث يقول أصحابها: دين الله لا يعترف ولا يقبل بشيء اسمه "فقه الواقع".

فإذا قيل له وماذا عن نزول القرآن منجما - مكي، مدني؟ يغمغم بكلام باهت في غاية العجب، غير أن الأكثر غرابة أن تلكم العقليات لا تقبل بالمنهج المقاصدي الأصولي عبر التاريخ، بل تتهم كبار الفقهاء بالزيغ والفسق والانحراف والعمالة، فإذا قيل لأولئك: لماذا لا تطالبوا الزعماء بتطبيق الإسلام كله؟ يأتي الجواب: يسع ولي الأمر ما لا يسع غيره.

باختصار، الفقيه المنهجي المتبحر في شتى العلوم زائغ ضال مبتدع، بل إن تلك الفتاوى الفجة تطال الجاهل فقط، كونه لا تسعه عقلية أصحاب ذيل بغلة السلطان.

16- وليس أخيرا، استيعاب العرف المتجدد فهو من أقوى موجبات تغيير الفتوى.

نكتفي بهذا القدر على أمل اللقاء بعونه سبحانه مع الحلقة الخامسة: صناعة السلام الداخلي للأمة.. الوعي بكبائر الإثم السياسي ووسائل الحماية.

.....................

* الأهمية الكبرى لتكوين العقل الفقهي المقاصدي، ستتضح جيدا في الحلقة الخامسة بعونه سبحانه.

كلمات دالّة

#اليمن