الخميس 02-05-2024 10:09:10 ص : 23 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

السادس والعشرون من سبتمبر..ضرورة الثورة وميلاد الأمة

الأحد 25 سبتمبر-أيلول 2022 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت-خاص | توفيق السامعي

 

كان العالم أجمع يسمع ويقرأ عن حضارة الجزيرة العربية وتاريخها التليد التي أسستها أمة اسمها اليمن، فأثرت العالم بمعارفها وعلومها ونهضتها وتأثيرها في العالم القديم بلغ حداً أن دونته الكتب السماوية المختلفة، مما أثار المفكرين والعلماء المعاصرين وتمنوا زيارة اليمن للوقوف والتعرف على هذه الأمة العظيمة.
لكنها، ويا للدهشة العجيبة، أثناء زيارة بعض الشخصيات المحورية العربية منها تحديداً وعلى رأسهم الشخصية الفذة والمفكر التونسي عبدالعزيز الثعالبي وجد أمة متخلفة خيم عليها الجهل والفقر والمرض بسبب حكامها الأئمة وقد أقفل على اليمن واليمنيين في وجه الحياة حتى لكأنهم يعيشون في العصور الوسطى؛ عصور الظلام العالمية، مما عكسه في كثير من كتاباته، حتى أنه سخر من الواقع، ولماذا لم يتم احتلال اليمن من قبل الأجنبي، باعتبار أن الاستعمار الأجنبي كان عامل نهضة للدول التي احتلها وفرض التمدن على الشعوب التي احتلتها القوى الخارجية وإيجاد صبغة الدولة والتعليم على الأقل، ومستغرباً لم لم يثر الشعب اليمني حتى لحظة زيارته على جلاديه، وكان ذلك في منتصف عشرينيات القرن الماضي؛ أي قرابة مائة عام من اليوم.
لم تكن دواعي الثورة اليمنية على الإمامة مبعثها عوامل خارجية ولا تأثراً بالثورات العالمية؛ بل كانت ضرورة حياة كضرورة البحث عن الماء والزاد لبني الإنسان لتستمر حياته وتستقيم؛ فلقد بلغ الظلم والتخلف في الشعب اليمني مبلغه وهو الذي علم كثيراً من شعوب العالم معنى الحرية والنهضة والعلوم في عصوره المختلفة، ما جعل بعض الشخصيات العلمية تتطلع إلى إحياء الشعب من جديد وبعث حضارته المنيرة عبر العصور.

وبعد أن كانت مناسبة ثورة ال26 من سبتمبر عبارة عن ذكرى يتذكرها الناس دون الاحتفاء بها قبل الإنقلاب الحوثي فإنها اليوم تتحول إلى عقيدة يعتنقها كل أحرار اليمن، ويعيدونها ملحمة كبيرة في أوساط الشعب والوطن بشكل عام صغاراً وكباراً، ولئن كان الاحتفاء بها يتم في ميدان السبعين بصنعاء فإنها اليوم يتم الاحتفاء بها في عواصم المحافظات ومدارسها وبيوتها وحتى مع المواطنين في المهجر وفي الفعاليات الدولية، وتتزين بها كل وسائل الإعلام القديم والحديث ومواقع التواصل الاجتماعي.
ومع مراجعة شخصيات الثورة اليمنية فإنها تتكون من شقين؛ شق مدني تنويري احتك ببعض الشعوب المجاورة وعلم معنى الدولة والحرية والنهضة والعلم، وشق عسكري ولد من رحم نظام الإمامة ذاتها عرف خبايا ودهاليز القصر الإمامي وسطوته وتخلفه أحيا فيه الشق الأول نخوة اليمني وضرورة الثورة.

الشخصيات المدنية في الثورة

من يقرأ عن شخصيات الثورة سيجد أن لها أبعاداً إصلاحية مدنية علمية بدأت من عصر الإمام الشوكاني - رحمة الله تغشاه- الذي كان يصطدم فكرياً مع كثير من الأئمة وأعوانهم في القصور وخرافاتهم، وقبله ابن الوزير وابن الأمير الصنعاني والمقبلي وغيرهم الذين بدأوا في إحياء الفكر وتنقيته من الخرافة الإمامية، وبعث العزة اليمنية في العلم والمعرفة والتطلع إلى الحرية، وصولاً إلى الزبيري والنعمان والحكيمي الذين نادوا بإصلاح النظام من داخله فيما عرف بعد ذلك بالإصلاح الدستوري المفضي إلى الثورة الدستورية عام 1948م بعد أن يئسوا من المناداة بالإصلاح الداخلي وسلكوا في سبيل ذلك كل مسلك، ولم يكونوا ينادون بعد بالثورة العسكرية على الإمامة.
حيث عمل النعمان والزبيري وناشر العريقي وغيرهم على محاولة استقطاب بعض أقطاب النظام الإمامي من الداخل لإصلاحه كولي العهد أحمد حميد الدين وأخيه "سيف الإسلام" (قبل أن يكون سيفاً للحق) إبراهيم بن يحيى حميد الدين الذي استقطبه الثائر والاقتصادي أحمد عبده ناشر العريقي في أسمرة، ثم أعدمه أخوه أحمد حميد الدين بعد ذلك..
حاول الزبيري مع أحمد حميد الدين تبني فكرة الإصلاح الدستوري ومدحه الزبيري بعصارة كبده من الشعر في سبيل ذلك، كما قال الزبيري نفسه في كتابه "ثورة الشعر"، لكن أحمد حميد الدين اتضح أنه ثعلب ماكر كان يريد معرفة الأشخاص الذين ينادون بتلك الإصلاحات حتى أنه تظاهر لأبيه أنه معهم، وقد كان يبدو حانقاً على أبيه لرفضه تلك الإصلاحات، ولما تولى الإمامة كان أول ما فعله أن زج بتلك الشخصيات في غياهيب السجون الإمامية.
ولما أخرج بعضهم من السجون الإمامية التحقوا بعدن واحتضنهم أحمد عبده ناشر العريقي الذي كان همزة وصل بين أحرار اليمن في الداخل وفي الخارج؛ إذ تبرع وجمع تبرعات كثير من المهاجرين لنصرة قضايا هذه الشعوب، ووثق اتصاله بكلا المرحومين الشيخ عبدالله الحكيمي والأستاذ عبدالله عبدالوهاب نعمان اللذين واصلا عبر إصدار صحيفتيهما (السلام) من كارديف و(الفضول) من عدن مسيرة حركة الأحرار بعد تشريد وسجن وإعدام قيادتها عام 1948م.
فبينما كان النعمان والزبيري والشيخ عبدالله الحكيمي وعبدالله عبدالوهاب نعمان وأبوه عبدالوهاب نعمان (لثورة 48) العقل المفكر للثورتين الدستورية عام 1948 وسبتمبر 1962 كان كثير من الشخصيات الاقتصادية تقف خلفهم وخلف الضباط الأحرار ممولين ومسهلين وداعمين لوجستيين ورعاة لهم ولغيرهم، أمثال أحمد عبده ناشر، وكذلك عمه الشيخ ناشر عبدالرحمن العريقي وعبدالغني مطهر وعبدالعزيز عبدالولي ناشر أنعم، وعبدالله الخامري، وعبدالعزيز بن عبدالله بن أحمد الحروي، وعلي محمد الأحمدي، وغيرهم ممن كانوا رفداً حقيقياً للثورة اليمنية السبتمبرية، كما كانوا كذلك رافداً قوياً لثورة 14 أكتوبر؛ حيث كان جيل الثورة الأوائل يعتبر النضال اليمني نضالاً واحداً آمنوا بواحدية الثورة والنضال، فكما كان لهم إسهاماتهم في ثورة 26 سبتمبر الأم التي اعتبروها رافعاً حقيقياً لانطلاقة ثورة 14 أكتوبر.

الشخصيات الثورية العسكرية

لم تكن الشخصيات العسكرية المنفذة للثورة من خارج النظام والقصر الإمامي بل كانت وولدت من رحم ذلك النظام البائس، بل ومن رأس السلطة العسكرية الإمامية أمثال العلفي واللقية والهندوانة والسلال وعلي عبدالمغني وأحمد الثلايا وغيرهم، بل حتى من أقارب الأسرة الإمامية المالكة المتحكمة برقاب الناس أمثال إخوته إبراهيم يحيى حميد الدين وعبدالله والعباس فقتل إبراهيم بالسم في قلعة حجة، وقتل أخويه الآخرين بالسيف في ميدان تعز.
إن احتمالية أن يخرج طامحون من عناصر المليشيا الحوثية اليوم هو أمر وارد جداً بعد أن علمتنا الثورات السابقة ذلك، وهو كذلك في كل سلطة يرى الأقرب منها ظلم وتخلف وعدوان وطغيان السلطة الغاشمة فيها، وهذا ما يبعث الأمل للثورة الحديثة.

كانت العناصر العسكرية هي اليد الضاربة والخشنة للثورة التي أطاحت بالطغيان الإمامي وواجهته عسكرياً وما كان لها أن تصمد وتستمر لولا ذلك الدعم والرعاية الاقتصادية التي يكون معها شراء السلاح والقوت الضروري للثوار لأولئك المناضلين الأبطال من اقتصاديين وجماهيريين وسياسيين، أو آباء روحيين ومفكرين صانعي الوعي الثوري وباعثي الإشراق الحضاري كالزبيري والنعمان والحكيمي.

الشخصيات الجنوبية

مثلت عدن حاضنة مكانية كبيرة للثوار الشماليين؛ فكان لاحتضانهم الأثر البالغ في إنضاج الثورة تخطيطاً وتمهيداً وتعبئة ورعاية وتهيئة واستقطاباً وبثاً للوعي الثوري عبر الصحف والمطابع والمنابر والتواصل بين الشخصيات المختلفة شمالية وجنوبية.
ومن هنا نجد أن أهم الشخصيات الثورية السياسية والعسكرية والوطنية الجنوبية أمثال غالب راجح لبوزة وقحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف وغيرهم توجهوا مساندين لثورة 26 سبتمبر، وكان الشيخ غالب راجح لبوزة يحشد المتطوعين الجنوبيين من ردفان وغيرها إلى المحابشة في حجة وبعض المناطق ليتم تعزيز جبهة الثوار في مواجهة العناصر الإمامية، ولما عادت تلك الشخصيات من شمال الوطن إلى جنوبه وتهيأت لانطلاق ثورة الرابع عشر من أكتوبر كانت محافظة تعز ساحة تدريب وانطلاقة وإمداد بالسلاح والعناصر الثورية إلى جنوب الوطن المحتل.
كون راجح لبوزة مع آخرين من أبناء منطقته مجموعة من الشباب المتبرعين للقتال في صف ثورة 26 سبتمبر للدفاع عنها فكونوا مجموعة كبيرة من أبناء ردفان إلى قعطبة وكانوا حوالي «150» شخصاً، وتم ترحيلهم إلى إب ثم إلى الحديدة، وهناك سلمت لهم أسلحة شخصية وذخيرة.
واصل لبوزة المسير من الحديدة إلى منطقتي عبس برفقة قائد لواء إب الشهيد المقدم أحمد الكبسي، وكان في استقبالهم هناك قائد القوات المصرية المرابطة في عبس والمحابشة، وتم تمركز القوة التي كان يقودها الشهيد لبوزة في المحابشة في منطقة الوعلية والمفتاح.
وكما شاركت شخصيات جنوبية في ثورة الشمال شاركت شخصيات ومتطوعون شماليون في ثورة 14 أكتوبر كذلك منهم عبود الشرعبي الذي كان مهندس العمل الفدائي ضد الاحتلال البريطاني الذين غيروا وجه اليمن في النضال ضد ذلك الاحتلال، وكذلك علي محمد الأحمدي وعبدالولي ناشر العريقي ولم تكن تعرف تلك الشخصيات مرضاً مناطقياً أو نفساً عنصرياً ولا تعصباً فكرياً؛ فقد كان الجميع يعتبر النضال واحداً والضرورة واحدة والانعتاق من ربقة الإمامة والاحتلال هدفاً وغاية واحدة.
لم يكن الاحتلال الأجنبي كله شراً محضاً؛ فقد عمل الاحتلال على تكوين دولة ومؤسسات في جنوب الوطن، ونشر التعليم والقانون والتمدن، ومد الجنوب بوسائل عصرية جعلته أرقى مدن الجزيرة العربية؛ فعرف الناس الكهرباء والتلفاز والمدرسة والطب والمعهد والصناعة والنفط والطاقة والسيارة ووسائل الاتصال واللباس الأنيق وغيرها، بعكس التسلط الإمامي الذي كان شراً محضاً؛ إذ نشر الفقر والجهل والمرض والتخلف والخرافة والحشرات وأقفل على اليمنيين مناطقهم بالقفل الغثيمي فلا عرفوا وسيلة مواصلات ولا اتصالات ولا مذياع ولا تلفزيون ولا كهرباء ولا تعليم ولا مدرسة ولا زياً أنيقاً، مما جعل كل زائر لليمن يستغرب من حالة التردي والتخلف التي يعيشها اليمنيون في ظل سلالة كهنوتية ثيوقراطية تحكم باسم الله وتتسلط على اليمنيين باسم السلالة والتمييز العنصري السلالي والطبقي وتجبي إليها ثمرات الناس وعرقهم وخيراتهم وتنشر المجاعات والأوبئة في كل مكان؛ حتى أن الثعالبي قال إنهم أولى شعب بالثورة من غيرهم.
لذلك فقد كانت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر بحق ميلاد أمة وحدثاً عظيماً في جزيرة العرب منذ حادثة النبوة وظهور الإسلام، وهي بحق ثورة الألف عام.

كلمات دالّة

#اليمن