الأربعاء 01-05-2024 18:28:36 م : 22 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الحوثيون وتجريف التعليم.. كيف حولت المليشيا المدارس للنهب والتجنيد والطائفية

السبت 21 أغسطس-آب 2021 الساعة 11 صباحاً / الإصلاح نت - خاص- زهور اليمني

 

 

بعد انقلاب الحوثيين على السلطة، زادت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لليمنيين سوءاً، ما جعلهم يكابدون معاناة حقيقية جراء الارتفاعات المطردة في الأسعار التي طالت كل شيء، بما في ذلك التعليم الذي يشهد تراجعا خطيرا نتج عنه تفشي الأمية في أوساط شرائح كثيرة من المجتمع وتدني المخرجات التعليمية، والفقر وقلة الدخل المعيشي للمعلم عموده الفقري، نتيجة انقطاع الرواتب منذ أكثر من 6 سنوات، ما ينذر بانقطاع العملية التربوية التعليمية خاصة في ظل تنامي وزيادة أعداد المنقطعين عن التعليم.

الأستاذ (ن. ف) يحدثنا عن معاناته في ظل استمرار انقطاع الرواتب قائلا: "معاناة المعلمين الماكثين في صنعاء وبقية المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثي مستمرة، لقد بلغت المعاناة أقصاها، ولم يعد بمقدورنا التحمل أكثر بعد ست سنوات من آخر راتب سلم لنا".

وأضاف: "هناك البعض من المعلمين اكتفوا بالفتات الذي يلقيه لصوص الحوثي، وهو نصف راتب كل 6 أشهر، بالنسبة لي حاولت البحث عن عمل حتى أستطيع تلبية أبسط متطلبات الحياة الأساسية لأسرتي، لذا أضطر أحيانا إلى التغيب عن المدرسة على الرغم من تهديد إدارة المدرسة بفصلي".

وتابع متسائلا: "بالله عليك كيف لنا أن نواصل التدريس، ونحن لا نستطيع توفير لقمة العيش لأسرنا؟ لقد عملت خلال السنوات الست الماضية كعامل بناء وسائق سيارة أجرة وفي مصنع للمياه المعدنية، وأعمال كثيرة أخرى، ومع ذلك بالكاد أستطيع توفير الغذاء لأسرتي جراء ارتفاع الأسعار".

وأردف: "أعرف مدرسين.. الرصيف وساحات الحدائق العامة كانت الملاذ الآمن لهم ومحطتهم الأولى، التي يمددون فيها أجسادهم المنهكة وينامون بعمق، ومطاعم العاصمة صنعاء كانت محطتهم الثانية التي يذهبون إليها فترتي الغداء والعشاء، حيث يجود عليهم الناس بما تبقى من موائدهم كي يسدوا جوعهم وجوع أولادهم".

واختتم حديثه بقوله: "كيف نتوقع من معلم أن ينتج أفكارا تعليمية، وأن يؤدي مهمته وهو وأسرته دون وجبة فطور؟ نريد راتبا كي نعيش".

 

حوثيون يستهدفون التعليم:

تتجدد معاناة الأسر اليمنية مع بداية كل عام دراسي بسبب ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية لتصبح كابوسا مرعبا، حيث شهدت الأدوات القرطاسية والزي المدرسي والحقائب وغيرها، خلال هذا العام، موجة ارتفاع للأسعار بنسبة تجاوزت 120%، لتشكل عبئا مجحفا بحق أولياء الأمور، تنعكس آثاره السلبية على الطالب وتؤدي أحيانا إلى حرمانه من التعليم.

"أبو يزن" أحد مالكي المكتبات في أمانة العاصمة تحدث عن الأسباب التي أدت إلى ارتفاع الأسعار في احتياجات الطلاب الدراسية، حيث قال: "يشهد هذا العام تدهورا في عملية الشراء لدى المواطنين بحدود 70%، قياساً بما كان عليه الوضع في السابق، حتى إن مفاصلة البيع والشراء مع بعض المواطنين تصل لأكثر من ساعة".

وأضاف: "هناك معاناة أشاهدها في تقاسيم أوجه الآباء ممن لا يستطيعون شراء متطلبات أبنائهم، وأتألم جراء ذلك ولم يكن بمقدوري عمل أي شيء إلا البيع بأقل الأرباح في أحيانا كثيرة، مراعاة لظروفهم المعيشية، والأكثر من ذلك فرحة الأبناء بالحصول على متطلباتهم".

وتابع: "لا يد لنا في هذا الارتفاع الكبير، فلهجة تجار الجملة تتغير مع بداية العام الدراسي، ويزداد طمعهم مع زيادة الطلب، إذ تتجاوز الزيادة في الكرتون الدفاتر 4 آلاف ريال من أسبوع لآخر".

وحسب قوله، فهم يرجعون ذلك إلى ما سموه زيادة الضرائب والجمارك المفروضة على بضائعهم، بالإضافة إلى كلفة نقل البضائع، التي كانت في السابق لا تتجاوز 250 ألف ريال للناقلة، والتي وصلت في الوقت الراهن أكثر من مليونين و400 ألف ريال، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الحقائب المدرسية والأدوات القرطاسية من الدفاتر هذا العام بنسبة 120% مقارنة بالعام الماضي".

واختتم حديثه بقوله: "الجهات المعنية والمسؤولة لا تستخدم سلطتها الرقابية على كبار التجار، فالأغلبية منهم حوثيون يستهدفون التعليم، بالإضافة إلى طمعهم وجشعهم في تحقيق أرباح خيالية دون أي وازع ديني أو أخلاقي تجاه ما تتجرعه الأسر من القهر أمام أبنائها، التي تصل في أحيانا كثيرة إلى حرمانهم من الالتحاق بالتعليم كما ذكرت".

 

تغيير نسيج المجتمع اليمني:

على وقع مسلسل التدمير الحوثي الممنهج بحق قطاع التعليم، كشفت مجلة أمريكية في تقرير حديث عن أن الحوثيين يكثفون حملتهم الأيديولوجية والطائفية والعنصرية من أجل إحياء الإمامة التي طوى صفحتها اليمنيون، حتى لو كان ذلك على حساب إفقار الشعب الذي عانى ويلاتهم.

وقالت مجلة "إنسايد أرابيا" الأمريكية للدراسات التحليلية: "كثف الحوثيون حملتهم القاسية ضد الحريات التعليمية والمجتمعية في اليمن، حتى إنهم غيروا المناهج الدراسية لتمجيد الإمام الهادي يحيى، رأس الإمامة في البلاد".

وبينت أن المليشيات "سعت منذ سنوات إلى تغيير نسيج المجتمع اليمني بتحويله إلى المذهب الطائفي المتشدد الذي تتبناه".

 وقالت إن "الحوثيين يعتقدون بشكل قطعي أنه لا يجوز لأحد أن يحكم سواهم".

ونقلت المجلة عن سكان في مناطق سيطرة الحوثيين قولهم إن "الجماعة أسست مدارس ومؤسسات جديدة لنشر أيديولوجيتها بين الطلبة والمجتمع بشكل عام طوال فترة توسعها، مع تعزيز الفكر الأيديولوجي الإيراني".

وأوضحت أن الحوثيين "يستخدمون الآن القنوات التلفزيونية والإذاعية وجميع أشكال الإعلام، بينما يتحكمون بالمدارس والمساجد والمناسبات الاجتماعية، ويستبدلون مؤيديهم بواسطة مديري المدارس والكليات والجامعات ورؤسائها، لفرض أيديولوجيتهم العنصرية في المناطق القابعة تحت سيطرتهم".

 

هذا ما دفعني لتسجيل أبنائي في المدارس الأهلية:

رغم أن تجربة التعليم الأهلي في اليمن حديثة نسبياً إلا أنها شهدت تنامياً متسارعاً في السنوات الأخيرة، حيث يوجد في أمانة العاصمة وحدها ما يفوق 600 مدرسة، تحول معظمها إلى مشاريع استثمارية الغرض منها جني الأموال كما أخبرنا أولياء الأمور، حيث فوجئوا مع بداية العام الدراسي الجديد بقيام المدارس الأهلية برفع الرسوم الدراسية، إضافة إلى مبالغ أخرى كأجور نقل (باصات) وأنشطة وحفلات ورحلات، مستغلة رغبتهم في تدريس أبنائهم في مؤسسات التعليم الأهلي، دون مراعاة للظروف المعيشية السيئة التي تثقل كاهلهم.

يحدثنا "أبو أحمد" عن الأسباب التي دفعته إلى تحمل المشقة وتسجيل أبنائه في المدارس الأهلية، رغم الحالة المادية المتردية التي يعاني منها، قائلا: "الارتفاعات السنوية المطردة للرسوم الدراسية في المدارس الأهلية تمثل عبئاً كبيراً يثقل كاهلنا في ظل الأوضاع المعيشية الراهنة، ورغم يقيني أن أغلب المدراس الأهلية ليست سوى مشاريع استثمارية هدفها الأساسي هو الربح المادي، ولا تأبه للمسألة التربوية والتعليمية، إلا أن هناك عدة أسباب جعلتني أسجل أبنائي في مدارس أهلية، أهمها الخوف على أبنائي من غسل أدمغتهم من قبل الحوثيين كما يحدث في المدارس الحكومية.

ففي العام الماضي ذهبوا بابن أخي إلى الجبهة بعد أن تم غسل دماغه في دورات طائفية أقامتها المدرسة تحت غطاء أنشطة ثقافية، أما بالنسبة للمدارس الخاصة فإنني مطمئن أن هذا لن يتم إلا بموافقتي".

وأضاف: "رغم أن هناك أعباء كثيرة سوف أتكبدها بسبب تسجيل أبنائي في مدارس أهلية، إلا أن مستقبل أبنائي وتحصيلهم العلمي فوق كل شيء، فازدحام المدارس الحكومية أيضا ونقص المدرسين لا شك يؤثر بشكل سلبي على الطالب الذي بحاجة إلى أجواء هادئة للتحصيل وأنا كأب أتمنى أن يكون ابني إنسانا ناجحا، وأن يكون الأفضل بين أقرانه".

 

الحوثيون وراء رفعنا رسوم التسجيل:

رغم أن قانون تنظيم التعليم الأهلي والخاص يمنح الحق لوزارة التربية الانقلابية في اعتماد مقدار الرسوم المدرسية، إلا أنها تظهر وكأنها غير معنية بكبح جماح ارتفاعها المهول لرسوم التسجيل، وهو ما أطلق العنان للمدارس الأهلية لتفرض ما تشاء من رسوم دون مراعاة أي معايير أو ظروف معيشية أو غيرها.

التقينا الأستاذ (ع. ر) وهو مدير لإحدى المدارس الأهلية، وسألناه عن السبب الذي أدى بهم إلى رفع الرسوم الدراسية لهذا العام فأجاب قائلا: "لم يسلم التعليم الأهلي والخاص من السيطرة الحوثية التي أصبحت شريكة في أغلب المدارس، حيث قامت بداية العام الدراسي بتطبيق حزمة من القيود التعسفية بحق جميع المدارس الأهلية، ووزعت مدارس كل مديرية لمجموعة من أتباعها، من أجل الجبايات الشهرية التي يتم تقاسمها فيما بينهم".

وأضاف: "لقد أدخلت أتباعها في مجالس الإدارة، وقامت بتعيين مشرف حوثي في كل مدرسة، والذي يقوم بسحب المبلغ الذي يحدده في أي وقت على مدار السنة، واذا رفضت الإدارة إعطائه المال هدد بأنه سيغلق المدرسة ويقوم بتشويه سمعتها.

بالإضافة إلى تسجيل أبنائه وكل أقاربه ومعارفه مجانا، والذين يصل عددهم إلى أكثر من ثلاثين طالبا، كما ألزمت كل مدرسة بتسجيل أبناء القتلى الحوثيين، مع العلم أن الكثير منهم ليسوا أبناء قتلى، وعددهم كبير جدا هذه السنة".

وتابع: "الكتاب المدرسي أيضا لم يسلم من الجباية الحوثية، حيث قمنا بشراء الكتب المدرسية المعتمدة من العام الماضي بملايين الريالات، وبعدها نفاجأ باستبدال الكتب من قبل الحوثيين بكتب أخرى وألزمنا بشرائها بالملايين أيضا".

ووفق تعبيره، فإن المليشيات اشترطت عمل سور مع مساحة من الأرض واسعه تفصل بين مدارس البنين والبنات، رغم أن المدرستين مفصولتان تماما، وهذا اضطرنا لنقل فرع البنين إلى مكان آخر، "ولك أن تتخيلين مقدار الخسائر التي تكبدتها الإدارة نتيجة هذه القرارات التعسفية، والتي بسببها تم رفع رسوم التسجيل".

وقال: "لقد ألزمونا بتسليمهم كشوفات بأسماء الطلاب وعناوين بيوتهم وأرقام الهواتف لتسجيلهم بالصيف، والذي يتخلف يحرم من الدراسة العام المقبل أو سيضطرون لأخذه بالقوة، كما أخبرنا المشرف".

وأكمل حديثه بقوله: "بالإضافة لذلك ومن ضمن برامجهم وأنشطتهمض المدرسية ألزمونا بالموافقة على قيامهم بدورات توعوية أسبوعية للطلاب عن الجهاد، والاحتفال بكل المناسبات المعتمدة لديهم من ضمنها ما يسمونه يوم الشهيد، والتي ستدفع المدرسة لأبناء القتلى مبالغ مالية في تلك الفعالية".