الخميس 25-04-2024 08:22:13 ص : 16 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

"المقاتلون مقابل الغذاء".. هكذا يستغل الحوثيون المساعدات الإنسانية لتعزيز سيطرتهم

الثلاثاء 16 مارس - آذار 2021 الساعة 08 صباحاً / الإصلاح نت - متابعات

 

 

يعمل أحمد هزاع مقابل أجر يومي في البناء في مدينة تعز المترامية الأطراف، والخاضعة لسلطة الحكومة المعترف بها دوليًا، بالكاد يكسب ما يكفي لإطعام زوجته وأطفاله الأربعة الذين يعيشون على بعد حوالي 25 كيلومترًا إلى الشمال في قرية تقع تحت سيطرة ميليشيا الحوثي.

حاول هزاع (البالغ من العمر 45 عامًا) مرارًا الحصول على سلال غذائية شهرية يوفرها برنامج الغذاء العالمي في قريته، لكن محاولاته باءت بالفشل لسببين. الأول هو أنه يعمل في الجزء الخاضع لسيطرة الحكومة من المدينة، والثاني أن منح المساعدة في قريته يخضع لاعتبارات سياسية أساسها الولاء للحوثيين.

قال "هزاع" ، وهو واحد من عشرات الفقراء في القرية، لـ"المصدر أونلاين" إنه تمكن من العمل خمسة أيام فقط في الشهر الأخير، وكسب ما يكفي لشراء كيس قمح لأسرته. وأوضح: "المساعدات الغذائية توزع في قريتي بطريقة غير عادلة ولأغراض سياسية ولا علاقة لها باحتياجات الناس".

أجرى "المصدر أونلاين" مقابلات مع عشرات السكان من نفس المنطقة الذين قالوا إن توزيع المساعدات مرهون بالولاء للحوثيين.

 

في حين أن الحوثيين ليسوا الجماعة المسلحة الوحيدة في اليمن التي قامت باستخدام المساعدات الغذائية كوسيلة لتعزيز النفوذ؛ فقد أضفى المتمردون الطابع المؤسسي على هذه الممارسة غير المشروعة. وسواءً استخدموها كوسيلة لفرض السيطرة وتعزيز النفوذ، أو لحشد المقاتلين إلى جبهات القتال، أو إثراء من هم في السلطة، فقد أدى استغلال المساعدات الغذائية إلى تفاقم الصراع وإطالة أمد الحرب.

يعيش أكثر من 60 في المائة من سكان اليمن البالغ عددهم أكثر من 30 مليون شخص في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث يتدفق نصيب الأسد من المساعدات الإنسانية إليها.

يسلط هذا التحقيق الضوء على كيفية تحويل الحوثيين المساعدات الإنسانية عن أولئك الذين يستحقونها من أجل تعزيز نفوذهم وتوطيد سيطرتهم في وسط وشمال اليمن. كما يسلط التحقيق الضوء على الدور الخفي للمساعدات الدولية في تشكيل اقتصاديات حرب اليمن، والتي بدأت في 21 سبتمبر 2014، عندما استولى الحوثيون على العاصمة صنعاء في انقلاب بمساعدة الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

أفاد تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في ديسمبر / كانون الأول أن معظم الأشخاص الذين قُتلوا في الحرب والذين يقدر عددهم بنحو 233 ألف شخص لقوا حتفهم نتيجة لأسباب غير مباشرة منها نقص الغذاء والرعاية الصحية والبنية التحتية.

تصف الأمم المتحدة الوضع بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم ومجاعة من صنع الإنسان. تسبب الصراع في نزوح ما يقرب من 4 ملايين يمني، وهناك حوالي ثلثا سكان البلاد الذين يقدر عددهم بأكثر من 30 مليون نسمة في حاجة ماسة إلى شكل من أشكال المساعدة. كما يعاني 14 مليون يمني من انعدام الأمن الغذائي الشديد، ويعتمد 12 مليونًا على المساعدات للبقاء على قيد الحياة، وفقًا للأمم المتحدة.

 

فرض السيطرة

تعتبر القرية التي يقطنها "هزاع" في مديرية شرعب شمال تعز مثالاً واضحًا على كيفية استخدام الحوثيين السلال الغذائيةلفرض السيطرة وتعبئة المقاتلين من الريف إلى جبهات الحرب ضد القوات الحكومية.

شرعب هي موطن لحوالي 300 ألف ساكن موزعين على مساحة 500 كيلومتر مربع. في هذه المنطقة الشاسعة لا يوجد للحوثيين وجود مسلح كبير. وبالفعل لم تشهد المنطقة أي معارك ولم تسجل أي نازحين داخليًا. يحافظ الحوثيون على سيطرتهم على السكان من خلال شراء ولاء قادة المجتمع المحلي بالمساعدات الإنسانية.

وبحسب عدد من الأهالي الذين تحدثوا لـ"المصدر أونلاين" فإن الحوثيين يحكمون هذه المناطق من خلال منح شيوخ القرى المحلية صلاحيات السيطرة على توزيع المساعدات.

شيخ قرية يقطنها نحو ألفي شخص جنّد نحو 70 شاباً مقاتلا في جبهات قتال الحوثيين العام الماضي بينهم ابنه البالغ من العمر 15 عاما والذي قتل في اشتباكات مع القوات الحكومية نهاية نوفمبر تشرين الثاني.

وقد ترك هذا الترتيب آلاف القرى الفقيرة بدون مساعدات إنسانية.

قال أحد عمال الإغاثة في الأمم المتحدة إن الأساليب الحالية لتوزيع المساعدات في اليمن عرضة للفساد وتخدم أهداف الجماعات المسلحة. وقال موظف الأمم المتحدة، طلب عدم الكشف عن هويته، "يتم تسجيل المحتاجين في القرى من خلال ما يسمى بالمجالس المحلية وفي المدن من خلال لجان مجتمعية، وهي بالطبع ليست محايدة".

مديرة تنفيذية لإحدى منظمات الإغاثة المحلية تعمل في منطقة خاضعة لسيطرة الحوثيين قالت إن وكالات الأمم المتحدة لم تبتكر طريقة فعالة لتوزيع المساعدات، مضيفة إن ذلك أدى إلى تحويل معظم المساعدات إلى أولئك الذين لا يحتاجونها أو الذين يحتاجونها بشكل أقل من الفئة المستهدفة.

 

المقاتلون مقابل الغذاء

في مديرية "بني العوام" في محافظة حجة شمال غرب اليمن، يستدرج الحوثيون الشباب الذكور إلى جبهات الحرب باستخدام تكتيك تجنيد معروف بين السكان باسم "الغذاء مقابل المقاتلين".

وقال سكان في المديرية لـ''المصدر أونلاين'' إن منح أو حجب المساعدات الغذائية يتم بتوجيه من سلطات الحوثيين، بناءً على شروط معينة مثل توفير مقاتلين من العائلات المسجلة لتلقي المساعدات.

كشف أحد السكان أن شيخ المنطقة يُكافأ بمبالغ تصل إلى 200 ألف ريال (250 دولارًا) مقابل كل شخص يتم إحضاره إلى جبهات القتال.

قال محمد عبد الله، موظف في القطاع الخاص في حجة، إن السكان الفقراء في المحافظة يعانون من اليأس وهم يشاهدون المساعدات الغذائية تذهب لمن هم ليسوا في أمس الحاجة إليها. وقال إن العديد من العائلات في حجة تواجه خيارين: الموت جوعا أو الموت في ساحات القتال.

وقد روّج الحوثيون بنشاط لثقافة الاستشهاد التي تسهل تكتيك الطعام للمقاتلين.

في مايو الماضي ، في الأشهر الأولى لوباء كوفيد -19 ، قال مسؤول حوثي خلال مقابلة تلفزيونية إن "الموت على جبهات القتال أفضل من الموت مثل الأغنام داخل المنازل بسبب وباء كورونا". توفي المسؤول الذي كان يعمل مستشارًا لوزارة الخارجية التي يديرها الحوثيون، بعد شهرين، جراء فيروس كورونا.

 

الفتات للنازحين

قال مشردون في مخيم "بني حسن" للنازحين في منطقة عبس بحجة لـ"المصدرأونلاين" إن المسؤولين المحليين يسرقون المساعدات الغذائية ويتركون الفتات لمن هم في المخيم.

وقال محمد بادي، أحد النازحين في المخيم، "المساعدات الغذائية لا تصل إلى عشرات العائلات النازحة، والظروف السيئة تظهر في نحول أجساد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد".

لا يختلف الوضع في مخيم بني قيس للنازحين في حجة، حيث ازدادت المعاناة من الحرمان والجوع مع فصل الشتاء. وقال إبراهيم، رب أسرة نازحة، "لا نعرف ما هي المعايير المعتمدة لتوزيع المساعدات التي نراها تذهب لمسؤولي المنطقة أو تسرق من قبل بعض المشرفين في المخيم".

وفي نهاية سبتمبر الماضي، تقدم مجموعة من النازحين في مخيم "المهربة" بمدينة عبس بشكوى، تطالب بالقبض على المتلاعبين بقوائم توزيع المساعدات.

واضاف إبراهيم "بعد شكاوينا عن استبعاد بعض النازحين من الحصص الإغاثية، أعلن المسؤولون عن قائمة جديدة استبعدت جميع النازحين من هذا القسم من المخيم وحرمتهم تماما".

 

شراكة الأمم المتحدة مع الحوثيين

تدير وكالات الإغاثة الدولية المدعومة من الأمم المتحدة ما يوصف بأنه أكبر عملية إنسانية في العالم من خلال شراكات مع منظمات غير حكومية محلية ودولية، والعديد منها تابع أو يديره الموالون للحوثيين.

تقدم بعض هذه المنظمات مساعدات مباشرة للمقاتلين الحوثيين كمستفيدين، بينما تتمتع عائلات القتلى والجرحى بامتيازات.

في حالات أخرى، يتم بيع جزء من المساعدات في السوق السوداء لصالح الجماعة وقادتها.

على سبيل المثال ، يعمل برنامج الأغذية العالمي مع شركاء محليين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون مثل مشروع التغذية المدرسية والإغاثة الإنسانية التابع لوزارة التربية والتعليم في صنعاء والذي يوزع 60 بالمائة من المساعدات الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي للمحتاجين.

اتُهم مشروع التغذية المدرسية، الذي يشرف عليه يحيى الحوثي، شقيق زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، بحرف مسار المساعدات عن مستحقيها حيث تُحول المساعدات الغذائية لدعم الجبهات أو إلى السوق السوداء، بحسب بيان صادر عن نفس المنظمة، وشهادة موظف في المشروع ، وعشرات المستفيدين.

بعد أن نشرت وكالة أسوشيتد برس تحقيقًا نهاية عام 2018 حول المساعدات الإنسانية التي تم تحويلها من أفواه الجياع، اعترف برنامج الأغذية العالمي لأول مرة أن الحوثيين كانوا يسرقون المساعدات عبر منظمة محلية واحدة على الأقل مرتبطة بوزارة التعليم في صنعاء.

وفي توبيخ علني نادر ، قال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي في بيان إن هذا "السلوك الإجرامي يجب أن يتوقف على الفور".

لكن الإدارة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي كانت على دراية بتسرب المساعدات منذ بداية الصراع. يتضح هذا في المراجعة الداخلية لعمليات برنامج الأغذية العالمي بين مايو 2016 وسبتمبر 2017، والتي اعتبرت وزارة التربية والتعليم المصدر الرئيسي لتحويل المساعدات من المستفيدين في اليمن.

قال مدرس في مدرسة حكومية في صنعاء لـ "المصدر أونلاين" إنه تلقى في عام 2018 سلة طعام كاملة وبعد ذلك تلقى ثلاثة أنصاف سلال في الأشهر اللاحقة قبل إخباره بأن اسمه قد تم حذفه من قائمة المستلمين المسجلين.

في نوفمبر من نفس العام، تلقى المعلم مكالمة هاتفية من أحد العاملين في برنامج الأغذية العالمي الذي أراد التحقق من أنه كان يتلقى سلال طعامه. اتضح أنه لا يزال مدرجًا من قبل وكالة الأمم المتحدة كأحد المستفيدين المستهدفين. ومع ذلك ، لم ينجح في تأمين أي مساعدات إضافية من مشروع التغذية المدرسية أو المنظمات الأخرى التي تعاقدت مع برنامج الأغذية العالمي.

في أواخر عام 2016، توقفت حكومة الحوثي عن دفع رواتب ما يقرب من 166 ألف معلم. منذ ذلك الحين ، حصل بعض المعلمين بشكل متقطع على نصف رواتبهم الشهرية البالغة حوالي 50 دولارًا، مما أجبر العديد منهم على البحث عن عمل آخر مقابل أجر يومي.

قال برنامج التغذية المدرسية إنه في عام 2018 كان يوزع مساعدات برنامج الأغذية العالمي على حوالي 63000 أسرة (400000 مستفيد)في أمانة العاصمة، معظمهم يقعون في الفئات الأكثر ضعفاً، بما في ذلك الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والأمراض المزمنة والنازحين.

في الوقت الحالي، يدعي المشروع توزيع المساعدات بشكل دوري على حوالي 82000 أسرة في العاصمة وفقًا لمعايير الغذاء الدولية وتحت إشراف لجنتين: واحدة من المشروع نفسه وأخرى مجتمعية مكونة من مدير مدرسة، و عضو المجلس المحلي وممثل لهيئة التدريس. لكن المتحدث باسم نقابة المعلمين اليمنيين يحيى اليناعني قال إن وزارة التربية والتعليم في صنعاء صرفت مساعدات غذائية مرة واحدة فقط قبل عامين وكانت مخصصة للمعلمات فقط.

وأضاف أن "وكالات الأمم المتحدة في اليمن تلقت قرابة 23 مليار دولار لتمويل العمليات الإنسانية منذ اندلاع الصراع، لكن الجياع لم يتلقوا سوى جزء ضئيل من المساعدات، بينما ذهب معظمها إلى قادة الحوثيين ومقاتليهم".

وأوضح أنه "بدلاً من توزيع المساعدات الغذائية على الطلاب والمدرسين في المدارس، ذهبت المواد الغذائية التي تم التبرع بها دوليًا لمشروع التغذية المدرسية إلى مقاتلي الحوثي وأسرهم".

قال نائب وزير التربية والتعليم الدكتور عبد الله الحامدي، بعد فترة وجيزة من انشقاقه عن حكومة الحوثيين وخروجه من صنعاء نهاية 2018، إن نحو 15 ألف حصة من المساعدات التي وزعها مشروع التغذية المدرسية ذهبت إلى مقاتلي الحوثيين.

وفي مقابلة مع"المصدر أونلاين" قال الحامدي إن تحويل المساعدات من قبل سلطات الحوثيين "واسع الانتشار" وربما زاد أكثر في العامين الماضيين". مضيفاً "تتحمل الوكالات الأممية وبرنامج الغذاء العالمي كل المسؤولية عن حرمان الجوعى خاصة المعلمين من المعونات الانسانية التي يستحقونها".

قبل نشر هذا التحقيق، قال موظف يعمل في منظمة يديرها موالون للحوثيين إنه عندما كان يحاول تسجيل اسم أستاذ سابق في قوائم المستفيدين تفاجأ عندما عرف أن اسم الأستاذ كان بالفعل مدرج في تلك القوائم على الرغم من أنه لم يتلق أي شيء.

وأضاف: "تفاجأت بأن استاذي مقيد في الكشوفات ويتسلم المعونات بشكل دوري، على الأقل هذا ما ظهر على الوثائق الرسمية وكرت المساعدة الذي عليها بصمة شخص أخرى".

 

تحويل كبير للمساعدات في الريف

ترتفع معدلات تحويل المساعدات في المناطق النائية، والتي يقول برنامج الأغذية العالمي إن مراقبيه غالبًا ما يُمنعون من الوصول إليها.

في محافظة صعدة، تخصص وكالة الأمم المتحدة بشكل دوري سلال غذائية لأكثر من 100000 أسرة، بينما في محافظة حجة المجاورة، يتم توزيع ما يقرب من 33000 سلة غذائية في المديريات التي يسيطر عليها الحوثيون، بما في ذلك كعيدنة وبني قيس وخيران المحرق وأفلح الشام.

ما يقرب من ثلث سلال الغذاء الشهرية البالغ عددها 16000 سلة المخصصة للأشخاص المتضررين في منطقة حيران المحرق في حجة تذهب لصالح مقاتلي الحوثيين على جبهات القتال في ميدي وحرض وحيران، وفقًا لمصدر مقرب من عامل في مستودع توزيع أغذية في حجة، مؤكداً أن سيارة نقل صغيرة لا علاقة لها بوكالات الإغاثة يتم تحميلها بشكل شبه يومي بكميات كبيرة من القمح ونقلها إلى جهات مجهولة. واستناداً إلى معرفته الوثيقة بعملية توزيع المساعدات، خلص إلى أنه تم إرسالها لغرض تعزيز جبهات القتال.

قال ثلاثة شهود عيان من منقطة المحابشة المجاورة، أحدهم كان سائق نقل، لـ "المصدر أونلاين" إنه شاهد شاحنات محملة بأكياس قمح، تصل إلى المنطقة في معظم الأوقات صباحاً وتغادر بعد ذلك محملة بكميات كبيرة من الخبر الجاهز.

وفقًا لسكان محليين في المحابشة، فإن العديد من النساء في منطقة "حجر"، ومعظمهن من عائلات متحالفة مع الحوثيين، تصنع الخبز الذي يرسل للمقاتلين على جبهات القتال وعند نقاط التفتيش. في المقابل، تحصل عائلات هؤلاء النساء على إمدادات ثابتة من حصص القمح بالإضافة إلى غاز الطهي المنزلي الذي يُباع في السوق السوداء بحوالي 12 دولارًا لكل أنبوبة.

لم يتمكن المصدر أونلاين من التحقق مما إذا كان القمح المستخدم في صنع خبز المقاتلين هي ذاتها المساعدات التي تتم سرقتها، بحسب شهادة المصدر المقرب من العامل في مستودع التوزيع .

غالبًا ما ينتهي الأمر بعائلات القتلى والجرحى من المقاتلين الحوثيين في حجة بتلقي سلال غذائية شهرية، حتى لو لم يستوفوا معايير برنامج الأغذية العالمي لانعدام الأمن الغذائي.

على سبيل المثال، يقدم شريك محلي لبرنامج الأغذية العالمي للحاج محمد، أحد مزارعي القات المزدهر في منطقة شرفين، ثلاث سلال غذائية شهريًا بأسماء ثلاثة من أبنائه الذين قُتلوا في عامي 2017 و 2018 على جبهات ميدي في غرب حجة. يتلقى شيخ آخر في هذه المنطقة حوالي 50 سلة غذائية مسجلة باسمه وتلك الخاصة بأبنائه الخمسة وأحفاده، ومعظمهم ما زالوا صغارًا وغير متزوجين ، بحسب مصادر متعددة.

رداً على الاستفسارات ، قال متحدث باسم برنامج الأغذية العالمي لـ المصدر أونلاين إن وكالة الغذاء "بدأت في إجراء مراجعة لشركائها بعد ظهور أدلة على تحويل المساعدات في أواخر عام 2018".

وأضاف المتحدث: "في بعض المناطق ، تغير بعض شركاء البرنامج. وفي غضون ذلك، يواصل البرنامج العمل مع الشركاء المحليين كجزء من التزامه بدعم بناء القدرات المحلية من خلال التدريب والمراقبة".

أظهرت مراجعة داخلية لعمليات برنامج الأغذية العالمي بين سبتمبر 2018 وأغسطس 2019 أن الوكالة قللت من اعتمادها على برنامج مشروع التغذية المدرسية في محافظات البيضاء، عمران، وإب، لكنها حافظت على شراكة توزيع الغذاء مع وزارة التعليم التابعة للحوثيين في المحافظات الأخرى.

لم يرد ممثلو مشروع التغذية المدرسية على طلبات متعددة للتعليق. لكن نائب المدير العام لمشروع التغذية المدرسية يحيى الهادي اعترف في تصريح صحفي، بوجود تلاعب في كشوفات المستفيدين معيداً ذلك إلى وجود أكثر من 2000 مركز إغاثي أشرف عليها المشروع، وقال إنه يمكن الحد من هذه الممارسات "بالتعاون المجتمعي".

وأوضح الهادي أن المشروع "يوزع ما يقرب من 350 ألف سلة شهريًا في 12 محافظة، أي ما يقرب من 3 ملايين مستفيد".

 

منظمات الإغاثة التي يديرها الحوثيون

أنشأ الحوثيون العديد من المنظمات الإنسانية الجديدة، تفرخت بعضها من مشروع التغذية المدرسية، أو غيرها من منظمات الإغاثة اليمنية المعروفة التي كانت موجودة مثل جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية (CSSW).

داهمت قوات الحوثي مكاتب CSSW وجمدت حساباتها المصرفية في وقت مبكر من الحرب، وعلى الرغم من أن جمعية الإصلاح نقلت مقرها في النهاية إلى عدن، احتفظ المسؤولون الحوثيون في صنعاء باسم المنظمة وشعارها باللغة الإنجليزية لتشجيع المانحين الدوليين على مواصلة العمل معها. لكنهم غيروا الاسم العربي إلى "الجمعية الخيرية للرعاية الاجتماعية".

ومن المنظمات التي تنشط باسم الحوثيين في تسريب المساعدات منظمة يمن ثبات، ومستقبل يمن، ووطن الأحرار. وتحصل هذه المنظمات على تمويلات من مؤسسات أممية وإقليمية وتخصص جزء من التمويل لدعم عائلات المقاتلين.

وأكد عاملون في المجال الإنساني أن الحوثيين يجبرون في كثير من الأحيان الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية الأخرى على العمل مع المنظمات المحلية الموالية لهم أو المقربة من قادة معينين داخل الجماعة.

مثال على ذلك مؤسسة بنيان التي يديرها الحوثيون. منع قادة الحوثيين وكالات الأمم المتحدة من توزيع المساعدات الغذائية في محافظة الحديدة عبر أي منظمة إغاثة يمنية باستثناء بنيان ، بحسب تقرير لوكالة أسوشيتيد برس.

تدعي المؤسسة أنها مستقلة على موقعها على الإنترنت. لكن هناك

مؤشرات عديدة توحي بوجود أجندة لخدمة الحوثيين، منها مشروع إطعام أسر من تصفهم بـ"الشهداء" القتلى في ساحة المعركة، إضافة إلى دعوتهم إلى "الجهاد في مجال التنمية".

نائب المدير التنفيذي للمؤسسة يؤكد أن مشاريعهم موجهة لأسر المقاتلين

وكان شقيق زعيم الحوثيين، إبراهيم الحوثي، عضوا في مجلس إدارة المؤسسة حتى مقتله الغامض صيف عام 2019م.

 

الاحتيال والابتزاز

استمع فريق"المصدر أونلاين" إلى شهادات حول استغلال المساعدات الإنسانية من قبل قادة حوثيين يُعرفون بـ "المشرفين" للحصول على أموال من الناس مقابل وعود بتسجيلهم في قوائم متلقيي المساعدات التي تقدمها منظمات الأمم المتحدة، أو للحصول على مساعدات من خلال قنوات أخرى.

"المشرفون" هم من كبار الموالين للحوثيين المعينين للإشراف على مؤسسة حكومية معينة أو منطقة إدارية نيابة عن حكومة المتمردين. ويتمتع المشرفون بالحصانة من النظام القانوني.

في عام 2020، قام سماسرة المساعدات المحسوبين في الغالب على الحوثيين بالتواصل مع سكان عبر المكالمات الهاتفية، وقال برنامج الأغذية العالمي في يونيو "إنه على علم بمكالمات الاحتيال التي تطلب من الأشخاص دفع أموال مقابل الحصول على مساعدات غذائية"، وأدان بشدة في بيان على صفحته بالفيسبوك، سعي أشخاص ومجموعات لاستغلال المساعدات الإنسانية لتحقيق مكاسب مالية.

ولم يكشف برنامج الغذاء العالمي عن تفاصيل عملية الاحتيال في ذلك الوقت، لكن مصادر أبلغت المصدر أونلاين أن نساء ينتحلن صفة عمال في منظمات إغاثة دولية يتصلن بمواطنين ويعرضن عليهم الحصول على مساعدات غذائية مقابل تحويلات مالية. من غير الواضح كيف حصل المحتالون على أرقام هواتف هذه العائلات المحتاجة.

 

السوق السوداء للمساعدات الفاسدة

في السنوات الأولى من الحرب؛ انتشرت السلع في السوق السوداء بمحافظات صنعاء وحجة وعدن وتعز ومحافظات أخرى. في الأسواق، يمكن للمرء أن يجد قمح تابع للغذاء العالمي ولوازم مدرسية لليونيسف وحتى خيام المنظمة الدولية للهجرة، والتي كان من المفترض أن يتم توفيرها لليمنيين الفقراء مجانًا.

وكانت وزارة الصناعة التابعة للحوثيين أقرت عام 2017 توثيقها بيع أكياس قمح تابعة لبرنامج الغذاء العالمي تجارياً بعد إعادة تغليفها من قبل التجار وفق ما صرح بذلك البرلماني عبده بشر الذي أقاله الحوثيون لاحقا من منصبه كوزير للتجارة والصناعة في حكومة صنعاء.

 

مؤخراً أصبح من النادر مشاهدة مساعدات بشكل علني تباع في الأسوق، لكن هذه الممارسات ما زالت مستمرة، واتخذت أبعاداً أخرى حيث تمتلئ الأسواق بالمنتجات الفاسدة التي كان من المفترض تدميرها، والتي تتسرب بشكل غامض رغم محاضر إتلافها التي سجلت تصاعداً في العامين الماضيين.

قبل نحو عامين ، كاد القمح الفاسد أن يقتل فتاة صغيرة اسمها فاتن في أحد مخيمات النازحين بريف حجة. تم نقلها إلى عيادة محلية بعد ظهور أعراض شبيهة بالكوليرا عليها. لكن الاختبارات أظهرت لاحقًا أن فاتن مصابة بتسمم غذائينتيجة تناول كميات كبيرة من كعك العيد المصنوع من القمح الفاسد الذي اشتراه والدها من بائع تجزئة محلي.

وفاتن واحدة من أطفال كثر أصيبوا بحالات تسمم غذائي، وسجلت في المرافق الصحية ؛ المدعوم بعضها من منظمات دولية، كحالات كوليرا لتشابه الأعراض، وفق ما أكد عامل بمركز طبي بريف حجة.

 

انتشرت عمليات إعادة تنقية وتعبئة وبيع المساعدات الفاسدة.

وثق الصحفي اليمني عيسى الراجحي جزءاً من تلك العملية في منشأة بمنطقة عبس بحجة، وقال إن "تجار وسماسمرة يقومون بشراء وتخزين مساعدات انسانية منتهية الصلاحية وفاسدة ثم بيعها لمصانع الدقيق التي تقوم بدورها بمحاولة تصفيتها من السوس والدود بطرق بدائية وإعادة تعبئتها في أكياس خاصة بهذه المصانع وبأسماء تجارية وإعادة بيعها للمستهلك".

في بعض الحالات، حصلت سلطات الحوثيين على مساعدات غذائية فاسدة من منظمات دولية بغرض إطعام حيوانات المزرعة. وقال متحدث باسم برنامج الأغذية العالمي لـ المصدر أونلاين إن وكالة الأمم المتحدة سلمت بعض السلع إلى مكتب الزراعة والري الذي يديره الحوثيون في حجة لاستخدامها كعلف للحيوانات.

وقال المتحدث: "تم توقيع خطاب بين برنامج الغذاء العالمي ومكتب الزراعة والري يؤكد أن السلع لا تستخدم للاستهلاك البشري أو يتم تقديمها / بيعها لأي شخص للاستخدام البشري".

وحصل "المصدر أونلاين" على الوثيقة التي تظهر أن مكتب الزراعة والري بحجة استلم نحو 39442 كيس قمح فاسد من برنامج الأغذية العالمي، بالإضافة إلى مواد غذائية ومكملات غذائية لأكثر من 1000 أم مرضعة.

وتم توزيع المساعدات الفاسدة على ست مزارع، بحسب الوثيقة، لكن المصدر أونلاين لم يجد أي دليل على وصول المساعدات إلى المستفيدين الزراعيين المستهدفين. لم يقل أي من المزارعين المحددين في الوثيقة أنهم تلقوا أيًا من المساعدات.

 

السيطرة على المنظمات والعملية الإنسانية

ازدادت العقبات التي تواجه المنظمات الإنسانية في توزيع المساعدات وتنفيذ الأعمال الإغاثية بشكل كبير أواخر عام 2019 مع تشكيل الحوثيين هيئة جديدة باسم "المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي" (SCMCHA)، وفقًا لمسؤول إنساني دولي تحدث لـ"المصدر أونلاين" بشرط عدم الكشف عن هويته.

تم تشكيلها خلفاً للهيئة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعافي من الكوارث (NAMCHA) التي كانت تدار أيضاً من قبل الحوثيين، وتم منح SCMCHA إشرافًا ماليًا موسعًا من خلال التنسيق المباشر مع المانحين الإنسانيين الدوليين، وهي سلطة كانت تابعة سابقًا لوزارة التخطيط والتعاون الدولي. كما تشرف على جميع النازحين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وهي مسؤولية كانت في السابق مملوكة للوحدة التنفيذية للنازحين داخلياً.

وقال المسؤول إن مهمتنا الإنسانية واجهت عقبات بيروقراطية ملفقة بشكل مستمر، بعضها من قبل [سكمشا]، مما تسبب في تأخير تسليم المساعدات وتنفيذ المشاريع، مشيراً إلى "خسارة الكثير من الموارد والوقت الذي فقدت خلاله أرواح الكثير من اليمنيين".

الكيانات التي شكلها الحوثيون للسيطرة على منظمات الإغاثة وإدارة عملية الإغاثة ، مثل NAMCHA ، خاضت عدة جولات من الصراع مع المجتمع الإنساني.

علق برنامج الأغذية العالمي عملياته في صنعاء في يونيو 2019 في مواجهة استمرار عرقلة المساعدات هناك. تم استئناف توزيع المساعدات بعد حوالي شهرين عندما توصلت وكالة الأمم المتحدة والحوثيين إلى اتفاق مبدئي لتقديم المساعدة النقديةبعد تصحيح بيانات المستفيدين عبر نظام البصمة والصورة. وهذا القرار لم يدخل حيز التنفيذ بشكل كامل وما زالت مرحلته التجريبية محدودة وغير مكتملة.

يترأس المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي أحمد حامد (أبو محفوظ)، وهو أيضًا مدير مكتب رئيس المجلس السياسي الحوثي الأعلى، ويعتقد أنه أقوى زعيم مدني حوثي لا يحمل اسم عائلة المؤسس.

وثق تقرير صادر عن فريق خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن،صدر في يناير / كانون الثاني 2021، التهديدات والتخويف ضد الجهات الإنسانية الفاعلة من قبل حامد والأمين العام للمجلس الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية، عبد المحسن الطاووس، المشرف السابق للحوثيين في محافظة ذمار.

وبحلول عام 2020 تصاعدت المعركة بين الطرفين وقام فرع المجلس الأعلى في محافظة حجة، باقتحام مخازن الغذاء العالمي ونهب نحو 120 طنًا من الدقيق، من مخازن شعبين بمديرية "أسلم"، والأخيرة مديرية نائبة بمحافظة حجة يعاني معظم اطفالها من سوء تغذية حاد وصل حد لجوئهم لأكل أوراق الأشجار في فترة ما.

في فبراير 2020، التقى قادة منظمات العمل الإنساني في بروكسل لمناقشة تجميد محتمل للمساعدات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون بسبب استمرار عرقلة وسرقة وتحويل المساعدات الإنسانية عن طريق المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية.

كانت جماعة الحوثي قدمت قائمة بمطالب لمنظمات الإغاثة، بما في ذلك فرض نسبة 2 في المائة من نفقات جميع المشاريع الإنسانية في البلاد، وتحديد أولويات المساعدات لهذه المشاريع، ووضع شخصيات أمنية وطنية تابعة للحوثيين في مجلس إدارة كل وكالة، وهو ما قوبل برفض واسع من المنظمات التي دخلت مكرهة في "معركة مع مغامرين بحياة الناس"، وفق تعبير مسؤول بإحدى المنظمات الدولية.

ولتجنب تجميد المساعدات قررت الحكومة الحوثية إعادة 120 طناً مترياً من القمح؛ التي كانت الجماعة قد سرقتها من برنامج الأغذية العالمي، والإفراج عن معدات القياسات الحيوية التابعة لبرنامج الأغذية العالمي المحتجزة في مطار صنعاء وإلغاء 2٪ضريبة على العمليات الإنسانية الدولية.

وتشير وثائق داخلية للأمم المتحدة اطلعت عليها وكالة أسوشيتيد برس، إلى أن الحوثيين رفضوا جهود المنظمة الدولية لتشديد الرقابة على نحو 370 مليون دولار كمساعدات سنوية من أجهزتها إلى المؤسسات اليمنية التي يسيطر عليها المتمردون في الغالب. كان من المفترض أن تدفع الأموال رواتب وتكاليف إدارية أخرى، لكن أكثر من ثلث الأموال التي أنفقت في عام 2019 لم يتم تدقيقها.

وأشارت الوثائق إلى أن المجلس الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية والشؤون الاجتماعية يتلقى حوالي مليون دولار كل ثلاثة أشهر من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مقابل إيجار مكتب وتكاليف إدارية أخرى، بينما دفعت المنظمة الدولية للهجرة 200 ألف دولار أخرى مقابل الأثاث والخدمات الأخرى.

حصل بعض مسؤولي هيئة إدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية الحوثية على رواتب متعددة من الأمم المتحدة. كانت ثلاث وكالات تابعة للأمم المتحدة تدفع رواتب يبلغ مجموعها حوالي 10 آلاف دولار شهريًا لرئيس المجلس ونائب الرئيس ومديريه، وفقًا لأسوشيتد برس.

وقال مصدر بوزارة التربية والتعليم في صنعاء لـ المصدر أونلاين إن وزير التربية والتعليم يحيى الحوثي الذي يشرف على مشروع التغذية المدرسية المربح يحصل على مبلغ أكبر من برنامج الغذاء.

في فبراير 2020، أصدر الحوثي بيانًا على موقع وزارة التربية والتعليم التابعة لحكومة الحوثيين في صنعاء على فيسبوك، دافع فيه عن برنامج الأغذية العالمي واتهم مجلس تنسيق الشؤون الإنسانية بأنه غير شرعي ويتسبب في فساد المساعدات وينهب الكثير منها.

ونفى المتحدث الرسمي باسم برنامج الغذاء العالمي ذلك، وقال ردا على استفسار المصدر أونلاين "برنامج الأغذية العالمي لا يدفع حوافز لوزير التربية والتعليم. ولا يمكن لبرنامج الأغذية العالمي التكهن بدوافع أو أفعال شخص آخر، أو التعليق على الإشاعات والشائعات".

وأكد المتحدث إدانة "برنامج الأغذية العالمي أي تحويل للمساعدات الغذائية". وقال إنه "يتم التحقيق في أي مخالفات يتم اكتشافها أو الإبلاغ عنها ومعالجتها".

وبحسب المتحدث باسم برنامج الغذاء العالمي فإن البرنامج "قام الآن بزيارات مراقبة أكثر بمعدل 12 مرة مقارنة ببداية عام 2019 في جميع المحافظات، وفي عام 2020 ، تم إجراء 3000 زيارة رصد شخصية لنقاط توزيع الأغذية شهريًا في المتوسط. كما يتم الرصد عبر الهاتف لتتبع عملية إرسال الطعام وللمتابعة مع العائلات المسجلة التي تتلقى المساعدة. و تم إجراء أكثر من 300000 مكالمة مراقبة - بمعدل 836 مكالمة في اليوم".

وأوضح المتحدث أن "البرنامج دعا مرارًا وتكرارًا جميع الأطراف إلى احترام التفويض الإنساني للوكالة بتقديم مساعدات غذائية طارئة لمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي. تحدثت الوكالة مرارًا وتكرارًا علنًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومن خلال منصات أخرى عندما تهدد أفعال أي طرف بتدهور الوضع الإنساني لليمنيين الضعفاء أو إعاقة الاستجابة الإنسانية".

 

اقتصاديات الحرب

وصف تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة الخلاف بين وزير التعليم يحيى الحوثي، ورئيس مجلس إدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية، أحمد حامد ، بأنه مثال على الصراع القائم داخل الجماعة على اقتصاديات الحرب والنفوذ والتنافس على قيادتها.

في سبتمبر / أيلول، عيّن رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط ستة وزراء، بمن فيهم وزير التربية والتعليم، في مجلس إدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية في محاولة على ما يبدو لتخفيف التوترات.

ويعتقد مسؤول في منظمة دولية أن اتصالات مسؤولي وموظفي وكالات الإغاثة تخضع للتنصت من جهاز المخابرات الحوثي.

ووصف المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته تصرفات الجماعة مع المنظمات قائلا :" لا حدود لجنون الحوثيين" .. "العديد من الموظفين الأجانب في المنظمات تم رفض دخولهم وإعادتهم من مطار صنعاء".

وأوضح المسؤول الدولي، أن مبررات الحوثيين واهية وغبية منها أنهم اكتشفوا أن بعض الموظفين عملوا سابقا في الولايات المتحدة أو حتى أنهم زاروا دولة الامارات أو السعودية.

قال يوسف سعيد، أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن ، إن غالبية تمويل المساعدات الدولية يذهب إلى صنعاء والمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وليس من خلال فرع عدن من البنك المركزي في عدن.

وأضاف "هذا يساعد جماعة الحوثي على إطالة أمد الحرب وفي نفس الوقت يقيد الحكومة المعترف بها دوليا من إدارة السياسة النقدية والحفاظ على استقرار الريال اليمني".

 

النقص الشديد والسرقة

في الأشهر الأخيرة، حذرت وكالات الأمم المتحدة من أن اليمن يمر بنقطة تحول، حيث يهدد تفاقم الصراع والمشاكل الاقتصادية بتقويض المكاسب التي تحققت من خلال العمل الإنساني على مدى السنوات القليلة الماضية.

في مارس 2020، عقب قمة المساعدات الإنسانية في بروكسل، أعلنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أنها خفضت مساعداتها لشمال اليمن بسبب التدخل غير المقبول للحوثيين.

أعلن برنامج الأغذية العالمي لاحقًا عن خفض المساعدات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وتحول إلى صرفها كل شهرين بدلاً من شهريًا، مشيرًا إلى انخفاض تمويل المانحين بسبب التباطؤ الاقتصادي المرتبط بفيروس كورونا وعرقلة المساعدات المستمرة.

بعد قمة بروكسل في فبراير 2020، طلب المانحون من سلطات الحوثيين تلبية سبعة شروط تتعلق بتحويل المساعدات وعرقلتها والتحقق من المستفيدين منها.

وقال المتحدث الرسمي باسم برنامج الأغذية العالمي لـ "المصدر أونلاين": إن الوكالة بدأت مشروعاً تجريبياً للتسجيل البيومتري في صنعاء في نوفمبر / تشرين الثاني 2020. وتعتقد الوكالة الأممية أنه في ظل نقص السيولة وانهيار الريال اليمني، فإن نظام التحقق الحيوي سيوفر النقد. ويساعد في تقوية الاقتصاد ومساعدة اليمنيين على شراء الطعام. لكن التقدم البطيء في تنفيذه ، إلى جانب التحويل المستمر لمسار المساعدات، لا يزال يعقد الوضع.

في ظل هذه الخلفية ، تكاد أموال برنامج الأغذية العالمي تستنفد. في أواخر فبراير ، أشارت الوكالة إلى أنها بحاجة ماسة إلى 482 مليون دولار لتمويل العمليات من مارس إلى أغسطس و 1.9 مليار دولار لضمان استمرار المساعدة حتى نهاية عام 2021.

وتواجه استجابة المساعدات اليمنية الأوسع نقصًا في التمويل. في مؤتمر لجمع الأموال في أوائل مارس، تعهدت الدول المانحة بأقل من نصف ميزانية المساعدة المطلوبة البالغة 3.85 مليار دولار للعام المقبل.

أدت التخفيضات الكبيرة للمساعدات في عام 2020 إلى تقليص أو إغلاق أكثر من ثلث عمليات مساعدات الأمم المتحدة في اليمن، والتي ستظهر آثارها بشكل متزايد في عام 2021. وبدون ضمانات بأن المساعدات ستصل إلى المستفيدين المقصودين، حل المشكلة لا يزال إلى حد كبير في أيدي الحوثيين.

تفترض تحويلات العملات في هذه المقالة سعر صرف 800 ريال يمني لكل دولار واحد ، على الرغم من أن السعر قد تذبذب بشكل كبير خلال الحرب.

 

*المصدر أونلاين