الأربعاء 24-04-2024 00:43:19 ص : 15 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

مأرب قلعة الجمهورية.. انتحار المشروع الإمامي على أسوار سبأ

السبت 20 فبراير-شباط 2021 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت-خاص-عبد السلام الغضباني

 

عاودت مليشيات الحوثيين محاولاتها اليائسة لإسقاط محافظة مأرب والسيطرة عليها، بعد فشل عدة محاولات سابقة انتهت بهزائم قاسية تجرعتها المليشيات. ورغم الخسائر البشرية والمادية التي تتكبدها كل مرة، إلا أنها لا تبالي بأرواح مسلحيها الذين تقدمهم قربانا لأجل تثبيت المشروع الإمامي الكهنوتي، ومن المتوقع أن تكرر محاولاتها لإسقاط المحافظة مستقبلا، ما لم تتحرك السلطة الشرعية والتحالف العربي الداعم لها لنقل المعارك من الدفاع إلى الهجوم، وبدلا من هزيمة الحوثيين في أطراف مأرب، فإن هزيمتهم يجب أن تكون بالقرب من العاصمة صنعاء، تمهيدا لاستعادة السيطرة عليها.

وتكتسب محافظة مأرب أهمية كبيرة، كونها غنية بالنفط والغاز، مما يثير شهية الحوثيين للاستيلاء عليها، كما أنها تعد من أهم معاقل السلطة الشرعية، حيث يوجد فيها مقر وزارة الدفاع، ومقر القيادة المركزية لتحالف دعم الشرعية. ونظرا لتوفر الخدمات الرئيسية فيها، وتمتعها بالأمن والاستقرار والتنمية، فإنها تعد الوجهة المفضلة للنازحين من مناطق سيطرة الحوثيين وسلطتهم القمعية، كما نزح إليها عدد كبير من الفارين من مناطق المواجهات العسكرية، وأصبحت المحافظة تمثل نموذجا مصغرا لليمن الجديد الذي يطمح له اليمنيون.

- مأرب والمعركة الفاصلة

كانت محافظة مأرب أول محافظة يمنية استعدت لمواجهة الحوثيين في بداية الانقلاب قبل أن يصلوا إليها، مما جعل الحوثيين يؤجلون معركتهم هناك والتوجه نحو محافظات أخرى للسيطرة عليها بدون معارك، بدعم وتسهيل من الرئيس السابق علي صالح الذي استغل نفوذه العسكري والقبلي لتسليم عدة محافظات للحوثيين بدون قتال، بل فقد وجه قوات الجيش والأمن الموالية له لتنخرط في صفوف المليشيات الحوثية والاشتراك معها في القتال ضد اليمنيين والسلطة الشرعية.

أجّل الحوثيون معركة السيطرة على محافظة مأرب منذ بداية الانقلاب، خشية من استنزاف المعركة هناك لمسلحيهم وعتادهم العسكري، وإفشال مشروع الانقلاب في مهده، لعلمهم بأن السيطرة على المحافظة ليست بالمهمة السهلة، ولم يفكروا بالتقدم نحو مأرب إلا بعد ركود الجبهات الأخرى، وحشدوا كل قدراتهم العسكرية للسيطرة على المحافظة منذ بدء العام 2020، لكن تلك المحاولات باءت بالفشل.

وفي ذروة حشد الحوثيين للسيطرة على مأرب، في أغسطس الماضي، احتشدت قبائل المحافظة في مطارح "نخلا"، وأقامت المقاومة الشعبية هناك عرضا عسكريا وأكدت جاهزيتها لدعم معركة التحرير والقضاء على الانقلاب الحوثي.

وكانت مطارح "نخلا" بمحافظة مأرب هي التي احتضنت النواة الأولى للمقاومة الشعبية عام 2015، وشكلت منطلقا للدفاع عن الدولة والشرعية والجمهورية والمكتسبات الوطنية.

وأكدت فعاليات العرض العسكري للمقاومة الشعبية في مطارح "نخلا"، في أغسطس الماضي، على الجاهزية القتالية ورفض المشروع العنصري السلالي الحوثي القائم على الظلم والاستعلاء والتنكيل بالمواطنين.

كما جددت المقاومة الشعبية في مأرب العهد بالمضي قدما على درب النضال الوطني في مواجهة الطغيان الكهنوتي الإمامي حتى إسقاط الانقلاب ومشروعه السلالي الظالم، والانتصار للمشروع الوطني الجامع.

وفي كل مرة يحاول الحوثيون التقدم نحو المحافظة لإسقاطها، تحتشد قبائل مأرب ومقاومتها الشعبية لمساندة الجيش الوطني، والانخراط بقوة في المعارك ضد الحوثيين، وباتت معارك الحوثيين في مأرب بمثابة انتحار عسكري للمشروع الإمامي في أطراف المحافظة.

وإذا استمر الحوثيون في مواصلة التصعيد بمأرب وتكرار محاولات إسقاطها وتكررت خسائرهم بنفس الوتيرة، فإنه سيأتي يوم وسيدخل فيه الجيش الوطني العاصمة صنعاء بدون مقاومة تذكر، لأن مليشيات الحوثيين ستكون قد أُبيدت في صحاري وشعاب محافظة مأرب، ومن سيبقى في صنعاء هم قادة المليشيات الذين يستأثرون بالأموال المنهوبة، ويتفرغون لشراء الأراضي وبناء الفلل والتجارة والتمتع برفاهية الحياة ورغد العيش من الأموال المنهوبة.

- مأرب كقلعة جمهورية عتيدة

تمثل محافظة مأرب قلعة جمهورية عتيدة، كما أنها كانت عصية على نظام الحكم الإمامي السلالي الكهنوتي حتى عندما كان في أوج قوته وسيطرته على مساحات واسعة من اليمن، ويشكل التكاتف القبلي فيها والعداء للمشروع الإمامي أحد أهم عوامل قوتها، ولذا فقد أصبحت اليوم تمثل أيقونة للتضحية والفداء دفاعا عن اليمن الجمهوري ومواجهة المشروع الحوثي السلالي ومعه المشروع الإيراني الطائفي التخريبي في البلاد العربية.

وعندما رأى اليمنيون الأحرار أن مأرب تتقدم الصفوف للدفاع عن اليمن الجمهوري، فقد كانت المكان الذي تأسس فيه الجيش الوطني الذي يضم جنودا من مختلف محافظات الجمهورية، وكلما كثف الحوثيون من هجماتهم عليها، فإن اليمنيين في المحافظات المجاورة لها، بما فيها محافظات جنوبية، يهبون لمشاركة أبنائها في التصدي للمشروع الإمامي الحوثي، وفيها يتعايش اليمنيون من مختلف المحافظات، وتختلط دماؤهم في جبهات القتال، وينظر الجميع لمأرب بأنها المنطلق لمعركة تحرير اليمن من النفوذ الفارسي ومن مليشيات الحوثيين ومشروعها السلالي العنصري الذي يهدد اليمن ودول الجوار.

كما أن الاستعداد المبكر لأبناء مأرب لمواجهة المليشيات الحوثية كان بمثابة عامل إلهام لبقية المحافظات لتتشكل فيها مقاومة شعبية مثلت فيما بعد العمود الفقري للجيش الوطني، ثم إن فشل المحاولات المتكررة للمليشيات لاقتحام محافظة مأرب، والتي تنكسر في تخوم المحافظة، جعلت الأحقاد على مأرب تتفاقم لدى المليشيات، خصوصا بعد تمكن الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في مأرب من تحقيق اختراق وتقدم باتجاه العاصمة صنعاء (جبهة نهم شرقي صنعاء).

ومنذ بداية الانقلاب، ومحافظة مأرب تشكل كابوسا يؤرق الحوثيين، وباتت مأرب بمثابة شوكة الميزان في الحرب على الانقلاب الحوثي والمشروع الإيراني التخريبي في اليمن، لأن مأرب هي بوابة النصر على المشروع الإيراني في حال استعصت على الحوثيين، وهي بوابة الهزيمة في حال أحكمت المليشيات الحوثية السيطرة عليها، أي أن معركة مأرب هي المعركة الفاصلة، وأطلق عليها اليمنيون مؤخرا بأنها "قادسية العرب". ولذا، فإن استعدادات الحوثيين لمعركة مأرب بدأت منذ انقلابهم على السلطة الشرعية، وازدادت وتيرة الاستعدادات منذ مطلع العام 2019 وحتى اليوم، لكن حصاد هذه الاستعدادات يبدو اليوم مجرد محرقة كبيرة وانتحار عسكري حوثي على أسوار المحافظة الأبية والعصية على الانكسار.

- الانتقام من المدنيين

وبما أن مأرب بدت عصية على الانقلاب الحوثي منذ البداية، فقد عمدت المليشيات إلى استهداف المدنيين بالصواريخ البالستية، بهدف إفراغها من المدنيين، وزعزعة الأمن الذي تتمتع به المحافظة، أي أنها تفرغ أحقادها على المدنيين.

تواصل المليشيات الحوثية الانتهاكات وجرائم الحرب ضد المدنيين والنازحين في مأرب منذ بداية الانقلاب، حيث تقصف المليشيات الأحياء السكنية في المدينة ومخيمات النازحين بالصواريخ الباليستية من حين لآخر، ومعظم الهجمات تسببت بسقوط عدد كبير من القتلى والمصابين من المدنيين، كما أنها تزرع الألغام بكثافة في أي منطقة أو موقع عسكري تنسحب منه إثر هزائم ميدانية.

- معاناة النازحين والصمت الدولي

كلما كثف الحوثيون من هجماتهم على محافظة مأرب بهدف السيطرة عليها، لا يبدي المجتمع الدولي ردود أفعال قوية إزاء ذلك التصعيد "لأسباب إنسانية" كما هو مبرره في إيقاف معركة تحرير الحديدة، وأيضا الاعتراض على تصنيف إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مليشيات الحوثيين منظمة إرهابية "لأسباب إنسانية"، فالأسباب الإنسانية لا تحضر إلا إذا كان الحوثيون هم المتضررون.

كما أن المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، لم يبذل جهودا تذكر لتسليط الضوء على معاناة المدنيين والنازحين في محافظة مأرب جراء التصعيد العسكري الحوثي، وتعمدهم استهداف قصف الأحياء السكنية ومخيمات النازحين بالصواريخ البالستية من حين لآخر، كما أنه لا يمارس ضغوطا تذكر على المليشيات الحوثية لإيقاف تصعيدها العسكري في مأرب.

واللافت أن الإحاطة الأخيرة لغريفيث عن الوضع في اليمن التي قدمها لمجلس الأمن، الخميس، 18 فبراير، لم تتطرق لتداعيات التصعيد الحوثي في محافظة مأرب، ولم يسمِّ الأمور بمسمياتها الحقيقية، رغم أن تلك الإحاطة جاءت في ذروة التصعيد العسكري للحوثيين في مأرب، وتعمدهم قصف الأحياء السكنية ومخيمات النازحين، وتسببهم بموجة نزوح جديدة، ومغادرة عدة أسر من مخيمات النزوح إلى أماكن نزوح جديدة.

واكتفى غريفيث في إحاطته بالدعوة الى وقف الهجوم على مأرب وحماية النازحين هناك، واعتبر أن هجوم الحوثيين على مأرب يعقد الحل السياسي، مؤكدا أن وقف إطلاق النار في ‎اليمن يجب أن يرتبط بالمسار السياسي، ولم يدِن التصعيد الحوثي في مأرب، ولم يسمهم كطرف معرقل للحل السياسي.

- الحوثيون.. خسائر بلا حدود

يتكبد الحوثيون في معارك مأرب خسائر فادحة، لكنهم لا يفصحون عن الأرقام الحقيقية لعدد قتلاهم هناك، ويعترفون من حين لآخر بمقتل بعض الضباط، كما حصل بعد التصعيد الأخير، حيث ذكرت وسائل إعلام حوثية أن المليشيات شيعت، الأربعاء الماضي، 15 من قتلاها المنتحلين لصفة "ضباط" في جبهات مأرب.

ويمكن القول إن خسائر مليشيات الحوثيين في جبهات مأرب لا تحصى، يؤكد ذلك أن مظاهر تشييع القتلى باتت من المشاهد المألوفة في مناطق سيطرة الحوثيين، وتزداد كلما صعدت المليشيات عسكريا في مأرب، كما أن صور القتلى الحوثيين في معارك مأرب وغيرها باتت تملأ الجدران في مناطق سيطرة المليشيات، وتغطي المركبات العسكرية للحوثيين وسياراتهم والمقرات الحكومية التي يسيطرون عليها.

ورغم كل تلك الخسائر، لكن مليشيات الحوثيين تواصل محاولاتها للتقدم نحو مأرب، وتسلك عدة طرق لتكثيف الحشود إلى هناك ومحاولة إحداث اختراق قبلي يسهل لها السيطرة على المحافظة، مثل التواصل مع الوجاهات الاجتماعية والقبلية هناك، وزرع خلايا تجسس في المحافظة، وتكثيف تحشيد المقاتلين إلى هناك بذريعة محاربة من تصفهم بالخونة وأمريكا وإسرائيل، وغير ذلك من وسائل التغرير على البسطاء والزج بهم في معاركها العبثية.

كلمات دالّة

#اليمن