الخميس 18-04-2024 21:47:33 م : 9 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

ثورة فبراير..الحلم المغدور (الحلقة الثانية) فشل محاولات اصلاح النظام من داخله

السبت 20 فبراير-شباط 2021 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت-خاص- توفيق السامعي

  

لم تكن ثورة الحادي عشر من فبراير ترفاً عابراً أو امتداداً لما سمي لاحقاً بالربيع العربي أو تقليداً للثورات في المنطقة، فقد كانت اليمن أشد حاجة من كل البلدان للثورة على نظام أعمى بصره عن كل ما حوله ومن حوله، ولا يرى غير أسرة بسيطة من أشخاص على عدد أصابع اليد على حساب أكثر من 25 مليون نسمة، وكانت البلاد تقاد من هاوية إلى هاوية، ومن سيئ إلى أسوأ، لم يكن هناك من أمل في إصلاح البلاد عن طريق الحوارات التي كانت تدور في حلقة مفرغة وفي كل مرة كان صالح ينقلب على تلك الحوارات ويصل بالوضع السياسي إلى أفق مسدود.

محاولات إصلاح النظام

لم تدخر المعارضة السياسية وسيلة، ولم تألو جهداً في محاولة الوصول مع صالح إلى صيغة ومقاربة لإصلاح النظام بدل الثورة عليه، وهذا ما مثلته كل الخطوات السابقة قبل الثورة من محطات الحوارات والاتفاقات التي كانت تنتهي إلى طريق مسدود، منذ فبراير 2009 وحتى فبراير 2011، استعرضناها في الحلقة السابقة.
فبينما كان الشباب يندفعون في حدثهم الثوري بالنزول إلى الشوارع وساحات المدن كان اللقاء المشترك يتريث كثيراً في الانضمام إليهم ورفد زخمهم الثوري بالفعل السياسي، وذلك لسببين رئيسيين هما:
الأول: ترك اندفاع الشباب وتفاعلهم للضغط على صالح لتقديم التنازلات والمضي في عملية الإصلاح، وتجنيب البلاد الأحداث خاصة وهي – المعارضة – تعلم أن صالح لن يتردد باستخدام القوة المفرطة لمواجهة المتظاهرين كما هدد بعد نتائج انتخابات الرئاسة 2006.
هذا الجانب كان ما تحدث عنه بالضبط رئيس اللقاء المشترك يومها الدكتور ياسين سعيد نعمان، في لقائنا به في منزله يوم 9 فبراير، وأفادنا يومها أنهم لن ينضموا إلى الثورة إلا مع تصاعد الفعل الثوري والضغط الشبابي.
الثاني: حتى لا تكون الثورة مستثمرة ومسيطر عليها من قبل المعارضة وتسيس مما يؤدي إلى ضعفها واستغلال صالح الأمر على أنها أزمة بين المعارضة ونظامه.
لكن المعارضة كانت تبدو أيضاً مضطربة بين قراءة الواقع واستغلاله والتماهي معه، وبين مخاوفها من أن تتحول الثورة إلى أزمة، وفي كل الحالات من التخوفات والمحاذير وصلت المعارضة والثورة إلى كل ما تخوفت منه.
ففي الوقت الذي تأخرت في الاشتراك في الثورة وإبداء تخوفاتها مما قد ينتج عنها، أيضاً أعلنت الانضمام للثورة في 22 فبراير ونصبت خيمها في الساحات.
لكن كان شباب المعارضة قد استبقوا القرار الرسمي ونزلوا إلى الساحات منذ وقت مبكر مع الشباب المستقل.

إرسال لجان الوساطة

في يوم 28 فبراير بدأت لجان الوساطة بين اللقاء المشترك وبين صالح، التقى صالح في هذا اليوم جمعية علماء اليمن وهيئة علماء اليمن برئاسة رئيس الهيئة الشيخ الزنداني ورئيس الجمعية القاضي الحجي، والشيخ حسن الهدار والشيخ ابو الحسن مصطفى الماربي والقاضي محمد الاكوع، في جامع "الصالح"، إستعرضوا معه نقاط المبادرة الثماني التي حملها صالح للجنة علماء المرجعية لنقلها إلى أحزاب اللقاء المشترك والنقاط الثمان هي:
1- سحب قانون الانتخابات والاستفتاء وإعادته لمجلس النواب لإقراره بالتوافق.
2- سحب مشروع التعديلات الدستورية المنظورة أمام مجلس النواب في تلك الفترة وتشكيل حكومة وحدة وطنية لإجراء التعديلات الدستورية بالتوافق.
3- تشكيل حكومة وحدة وطنية بالتوافق.
4- إحالة الفاسدين إلى القضاء وسرعة البت في قضايا الفساد المنظورة أمام القضاء.
5- إطلاق أي سجين ممن لم يثبت إدانته أو لم يكن له قضايا منظورة أمام القضاء.
6- يتم اختيار خمسة قضاة يقوم كل طرف باختيار اثنين منهم والخامس يتم اختياره من لجنة العلماء المرجعية أو بالتوافق بين القضاة الأربعة وذلك للفصل في النزاع القائم بين أطراف العمل السياسي.
7- إيقاف الحملات الإعلامية والمهاترات والتحريض وذلك بما يهيئ الأجواء لإنجاح الحوار الوطني.
8- إيقاف المظاهرات والإعتصامات وبما يكفل إزالة أعمال الفوضى والتخريب والاحتقان في الشارع ومن كل الأطراف.
وهي كانت سبع نقاط في الأصل أضاف إليها صالح النقطة الأخيرة بإصرار، وهي إيقاف المظاهرات والاعتصامات...إلخ، لكن العلماء أوضحوا للرئيس السابق أن المظاهرات والاعتصامات حق دستوري للمواطنين، وأنه لا يمكن الموافقة على منع ذلك الحق, إلا أنه أصر على أن تكتب هذه النقطة باعتبارها مطلباً خاصاً به، وهنا فشلت أول لجان الوساطة.
كانت اللجنة الثانية بعد يوم من الأولى أي في الأول من مارس، التقى وفدٌ من هيئة علماء اليمن برئاسة الشيخ عبد المجيد الزنداني المعارضة في "اللقاء المشترك"، وكذلك الشيخ صادق الأحمر، وتقدموا بمبادرة لانتقال السلطة سلمياً خلال عام، تتكون من عدة نقاط؛ أبرزها: أن يتم انتقال السلطة في اليمن بصورة سلسة خلال عام، وضمان حرية التظاهر والاعتصام لجميع اليمنيين بشكل سلمي، وتشكيل لجنة تحقيق في اعتداءات طالت متظاهرين في عموم المدن اليمنية، ومحاسبة المسؤولين عنها وتقديمهم للمحاكمة، وتعويض أسرهم, ومعالجة الجرحى على حساب الخزينة العامة.
وتتضمن الشروط أيضاً عدم التمديد والتوريث، وعدم ترشيح صالح نفسه في الانتخابات القادمة، ووضع برنامج زمني لتنفيذ الخطوات الضرورية بما لا يتعدى نهاية العام 2011، وكذلك التواصل مع جميع القوى السياسية في الداخل والخارج بدون استثناء لاستكمال نقاش المبادرة، وكانت هذه النقاط - فيما بعد- هي أساس للمبادرة الخليجية في الثورة.
في اليوم التالي وللمرة الثالثة تكونت لجنة أخرى من علماء اليمن ومشائخ اليمن برئاسة الشيخ صادق بعدما أيد الشيخ الزنداني الثورة وأعلن انضمامه لها في ساحة التغيير بعد رفض صالح كل المبادرات، وعرض عليهم صالح مبادرة من بندين هما: إيقاف الاعتصامات والمظاهرات وتكوين حكومة وحدة وطنية، وقام الوفد بنقل ما ورد في البندين أعلاه إلى قيادة اللقاء المشترك.
وبعد أخذ ورد مع اللقاء المشترك قاموا بتقديم رد يحتوي على خمس نقاط, وقد نقلها العلماء والمشايخ لرئيس الجمهورية، وهي بمثابة خارطة طريق تضمن انتقالاً سلمياً وسلساً للسلطة خلال عام، وتوفر خروجاً آمناً ومشرفاً للرئيس.
وعادت لجنة هيئة العلماء ومشايخ اليمن إلى الرئيس السابق في نفس اليوم وطرحوا عليه مطالب المعارضة المتمثلة في الخمس النقاط، وهذه النقاط هي:
1- تنحي الرئيس نهاية عام 2011م
2- تغيير الدستور.
3- وإعادة صياغة قوانين الانتخابات لضمان تمثيل عادل في البرلمان (القائمة النسبية).
4- وإقالة أقارب صالح من المناصب القيادية في الجيش وقوات الأمن.
5- وضمان حق الاحتجاج السلمي، وتقديم مرتكبي المجازر للعدالة.
فرفضها صالح وخرج غاضباً من الاجتماع وترك العلماء والمشايخ لوحدهم. وبعد هذا اللقاء وخروج صالح غاضباً من رد العلماء، اجتمع بقادة الجيش والأمن وصعد من لهجته وتهديده المعتصمين والمعارضة بالقول: "نحن واثقون من أن شعبنا ومؤسسته العظيمة (الجيش) سيحبطان أية مؤامرات".
وبينما كانت هناك لجنة وساطة بين الشيخ صادق الأحمر وصالح يوم 23 مايو في الحصبة بعد تفجر المواجهات بين الطرفين أقدم صالح على ما تسميه القبائل العيب الأسود وهو الغدر بالوسطاء وقام بقصف منزل الأحمر ولجنة الوساطة فيه بصاروخ موجه قتل بعض لجان الوساطة وأصيب اللواء غالب القمش والشيخ صادق بجروح طفيفة، وهنا تأزم الموقف ودخلت الثورة منحدراً خطيراً من التأزيم.

منعطفات الثورة ومفاصلها

بعد كل هذا السرد من محاولة إصلاح النظام من الداخل دون تعقيد الموقف المعقد في البلاد، ويأس المعارضة من إصلاحه صممت المعارضة على الفعل الثوري ومساندة الاعتصامات بكل قوة من الفعل السياسي، غير أن الثورة تحولت إلى أزمة سياسية بعد الكثير من محطاتها، أبرزها على النحو التالي:

- جمعة الكرامة:
والتي كانت أهم محطة ثورية في 18 مارس 2011، تم فيها الاعتداء على ساحة التغيير بصنعاء وقتل شباب عزل غدراً وهم يصلون وصل الشهداء إلى 52 شهيداً ومئات الجرحى، تهاوى بعدها أركان نظام صالح بسيل من استقالات رجال الدولة في كل مكان، وإعلان اللواء علي محسن تأييد الثورة.

- إحراق ساحة الحرية بتعز:

صمم صالح على اتخاذ القوة المفرطة بحق المعتصمين فعمد إلى إحراق ساحة الحرية بتعز بعد ارتكاب مجزرة بحق شبابها، وبعدها أعلن صالح الحرب على تعز بكل الوسائل وبمختلف الأسلحة الثقيلة وصل حد قصف مصلى النساء بالدبابات يوم الجمعة 11/11/2011 راح ضحية القصف 14 شهيداً وشهيدة؛ ثلاث من النساء المتجمعات للصلاة، أبرزهن الشهيدة تفاحة العنتري، واثنتان في شارع المرور وحي الحصب، وثلاثة أطفال وسبعة من شباب الساحة دون مراعاة لحرمة الصلاة ولا عزلتهم من السلاح، مما أثار غضب اليمنيين عموماً. كما أصيب أكثر من 63 مواطناً من المصلين بجروح مختلفة.

- تفجير جامع الرئاسة:
تفجير جامع دار الرئاسة يوم الجمعة 3 يونيو 2011 من أكثر الأحداث غموضاً، وأشد غموضاً نوعية السلاح المستخدم فيه كونه أحدث تفجيراً لكنه لم يحرق مكان التفجير، كانت قناة الحدث قد أوردت كثيراً من تفاصيله أنه صاروخ غازي يقتل ولا يحرق.
على الرغم من أنه أكثر بقعة في اليمن من حيث الاحترازات الأمنية في كل تفاصيل الأمن صغيرها قبل كبيرها، ومازال محيراً حتى اليوم من الفاعل.
بحسب سياق الزمن والحدث فإنه في تلك اللحظة كان هناك طرفان متصارعان؛ نظام صالح وطرف الثورة، وفي هذا السياق اتهم صالح وأجهزته مؤيدي الثورة وخاصة بيت الأحمر إلا أنه لم يستطع إثبات ذلك على الرغم من دفع شباب من الثورة زهرة أعمارهم في اتهامهم بالحدث مع أن الثورة كانت سلمية منذ بدايتها الأولى لم تقطع حتى غصن شجرة وتعرض شبابها بصدورهم العارية إلى المجازر والرصاص وقذائف المدافع ولم يردوا إلا بمسيرات الورود، فكيف لهم أن يحاولوا هذا التفجير في أكثر المواقع أمانا وحراسة وتشديداً وبذلك النوع من السلاح النادر؟!
يبدو أن طرفاً ثالثاً إما محلياً وهم الحوثيون أو طرفا خارجيا بحسب كثير من التحليلات والغموض ونوعية السلاح المستخدم، استغل الموقف وقام بارتكاب تلك الجريمة ليدخل اليمن في معمعة الفوضى والدولة الفاشلة.

- المبادرة الخليجية:
بعد دخول الثورة في منعطفات خطيرة، وتحولت بفعل المواجهات التي أدخلها بها صالح في مواجهتها بالحرب والسلاح وتحويلها من فعل ثوري إلى أزمة سياسية، وخاصة بعد جمعة الكرامة، التي طلب بعدها صالح الأشقاء الخليجيين بالتدخل كوسطاء لحل الأزمة بين المعارضة ونظامه، تدخلت دول الخليج برعاية دولية أيضاً بالمبادرة الخليجية التي عدلت أكثر من أربع مرات، ولم يوافق عليها صالح إلا بعد تعنتات كثيرة، وبفعل الضغط الإقليمي والدولي لحل الأزمة اليمنية تم التوقيع عليها في 23 نوفمبر 2011 في الرياض، وصارت بعد ذلك مرجعية في كل العمل السياسي اليمني وحتى اليوم.
مثلت المبادرة الخليجية الحل الأمثل للأزمة لبت في بعضها مطالب الشارع الثائر، ولبت في المقابل مطالب صالح، وتكون على إثرها التوافق في كل الخطوات السياسية بدءاً بتنحي صالح بالانتخابات الرئاسية التي تم التوافق على هادي رئيساً للبلاد عبر صناديق الاقتراع، ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية من كافة الأطراف الموقعة عليه، وفترة انتقالية مدة عامين، يجري خلالها مؤتمر حوار وطني شامل لكافة أطراف اليمن، ينتج عنه دستور يمني ليمن اتحادي فيدرالي.
كانت الثورة اليمنية الوحيدة بين كل ثورات المنطقة التي لم تعمل على إلغاء الآخر أو اجتثاثه كما حصل مع بقية الثورات، بل الشراكة بالتوافق لصالح البلاد بدل خوض المعارك وإدخال البلاد في أزمات لا تنتهي، ومع كل ذلك وبالرغم من أن صالح ظل ممسكاً بزمام النظام بيده من جيش وأمن ومؤسسات مختلفة إلا أنه لم يستسلم، ومضى بهدم المعبد على من فيه، كما كان يبشر به من بعد الانتخابات الرئاسية 2006، وفعلاً هدمه على من فيه فكان أول المتضررين ودفع حياته ثمناً لذلك قبل الجميع من قبل حلفاء غدارين وهم الحوثيون الذين تحالف معهم في هدم معبد اليمن وعرش بلقيس.

كلمات دالّة

#اليمن