الأربعاء 01-05-2024 16:08:55 م : 22 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

عداء مليشيات الحوثي للصحفيين.. ممارسات داعشية حيّرت العالم

السبت 09 يناير-كانون الثاني 2021 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت – خاص / عبدالرحمن أمين

 

وحدها الحقيقة والبحث عنها هي التي تشكل الخطر الأبرز أمام كل جماعة قائمة على الإجرام والفساد والفوضى، إذ إن كل ما تقوم به من تصرفات رعناء وإرهاب وإجرام وفساد تحرص على أن يبقى بعيدا كل البعد عن سمع العالم وبصره.

وتظل الصحافة الحرة ذات المصداقية والشفافية هي الرقيب الأهم، وسلطتها هي الأجدر وسيفها هو الأمضى في وجوه كل القوى الظالمة والفاسدة والمستبدة، والتي تسعى جاهدة للانفراد بالساحة الإعلامية للتغطية على الأحداث والتعتيم على الحقائق وتمرير المعلومات وفق رؤيتها وهواها.

وقد شهدت الساحة الإعلامية اليمنية انتعاشها الذهبي الثاني بفضل ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية، بعد سقوط نظام المخلوع علي عبد الله صالح، حيث ارتفع عدد الصحف إلى 260 منها 38 حكومية و160 مستقلة و45 حزبية.

ويقدر المسؤول بموقع "صحافة نت" يسري الأثوري نمو عدد المواقع الإخبارية الإلكترونية إلى أكثر من 300 بسبب تنامي الإعلانات التجارية، قبل أن يقوم الحوثيون بحجب العشرات منها.

غير أن ما حدث في اليمن بعد انقلاب المليشيا الحوثية على الحكومة الشرعية قوض كل ذلك، لتتحول الساحة الإعلامية الصاعدة إلى بيئة خصبة من الفبركات والمغالطات وتزوير الحقائق والمعلومات.

ويتعرض الإعلام والصحافة في اليمن لأكبر موجة قمع وتنكيل لم يسبق لها مثيل، إذ مارس الحوثيون إرهابهم ضد الصحافة اليمنية من خلال مصادرة ونهب جميع مؤسسات الإعلام، من قنوات تلفزيونية وصحف، وحجب المواقع الإلكترونية وإخفاء الصحافيين قسرياً وتصفية بعضهم.

الحملة المسعورة على الصحافة دفعت مليشيا الحوثي لاقتحام وإغلاق مقرات عشرات وسائل الإعلام منها قناتي "يمن شباب" و"سهيل"، وصحف يومية وأسبوعية كصحيفة "الأيام" و"14 اكتوبر" و"الجمهورية" و"حديث المدينة" و"المصدر" و"أخبار اليوم" و"الأولى" و"الشارع" و "الصحوة" و"الناس" و"الأهالي" و"الوسط" وغيرها من وسائل الإعلام التي قاموا بنهب مقارها واعتقال عامليها وفرار كوادرها خارج اليمن وداخلها، وأغلقت مكاتب كل الفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية وصادرت معداتها، في حين وضعت يدها على كل مؤسسات الدولة الإعلامية، واستخدمتها في خدمة أفكارها ومشاريعها التي تفرضها بقوة السلاح.

تداعيات العبث بالواقع الصحفي لم تقتصر على تلك الوسائل فحسب، بل اتسعت دائرة الاستهداف لتطال المواقع الإلكترونية الإخبارية أيضا، فلم تعد حاضرة في متصفحات القراء أو متاحة للتصفح بسبب حجب جماعي أحال تلك المواقع إلى قوائم الرد الإلكتروني للمواقع: لا يمكن العثور على الصفحة.

ومنذ اجتياحها العاصمة صنعاء، شنت المليشيا الحوثية حملة تنكيل غير مسبوقة ضد منتسبي الصحافة على نطاق واسع، حيث اعتقلت أكثر من 20 صحفيا وداهمت مقرات وسائل إعلامية مختلفة، كما اغتالت 18 من منتسبي الإعلام والصحافة بنيران قناصتها في محافظات يمنية مختلفة، لتوصل رسالة إلى الصحافيين بأن كل من سيعارض هذه الجماعة سيكون مصيره الاعتقال والإخفاء ومن ثم أحكام الإعدام.

وقد دأبت مليشيا الحوثي على شن حملات تشويه ضد الصحافيين المعارضين لسياساتها أو من يرفضون التعاون معها، وأصدرت قوائم سوداء بحق الصحافيين الذين تمكنوا من مغادرة المحافظات التي تسيطر عليها.

التحريض والعداء للصحافة والصحفيين لم يأت اعتباطا، بل مارسته وتمارسه مليشيا الحوثي بطريقة ممنهجة مدروسة، حيث يتجلى ذلك بشكل واضح من خلال خطابات زعيمها "عبد الملك الحوثي"، فقد وصف الصحفيين بـ"المرتزقة والعملاء" وأنهم "أخطر من المرتزقة المقاتلين في الميدان.."، داعياً مقاتليه لـ"التصدي لهم بحزم"، في تحريض صريح ضد حرية الصحافة والعاملين فيها، واعتبار كل من يناهض الجماعة في حكم "الخائن" الذي يجب معاقبته وحبسه والتنكيل به.

وكثيرا ما تحدث انتهاكات وتجاوزات وجرائم خطيرة في مناطق سيطرة الحوثيين، عادة ما تنتهي تداعياتها، وتتجاوزها الأيام دون اكتمال الصورة واتضاح الحقيقة، نتيجة الغموض الذي يلفها وغياب التفاصيل، بسبب التعتيم الإعلامي، وانعدام التغطية الإعلامية المطلوبة، واستحواذ الحوثيين على الساحة الإعلامية.

الحريات الإعلامية وصلت في اليمن إلى حد القتل والاحتجاز والاختطاف والتغييب والتعذيب والفصل التعسفي من الوظيفة وقطع الرواتب، وغيرها من الانتهاكات التي جعلت تصنيف اليمن ضمن أكثر الدول غير الآمنة بالنسبة لعمل الصحفيين، جراء عداء السلطات القمعية ضدهم.

وتكشف الأرقام مدى معاناة الصحفيين اليمنيين، إذ تعرضت الحريات الصحافية لـ1250 انتهاكاً، منها 35 حالة قتل طالت صحفيين ومصورين منذ بدء الحرب، بحسب تقارير نقابة الصحفيين اليمنيين، وهو ما يوضح أنهم يعملون في بيئة مليئة بالمخاطر وغير آمنة، وتجعلهم هم وأسرهم تحت الخطر، حيث تظل جماعة الحوثي أكثر عداء تجاه الصحفيين، ووصفتها منظمة "مراسلون بلا حدود" قبل 4 أعوام بأنها ثاني جماعة بعد تنظيم "داعش" تستهدف الصحفيين، إثر سياستها القمعية واستهداف الصحفيين في تلك الفترة.

ووفقا لبيان أصدره تحالف "رصد" العام الماضي بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، فقد أشار إلى أن اليمن يقبع في المرتبة 168 على مستوى العالم حسب التصنيف العالمي لحرية الصحافة، منذ انقلاب مليشيا الحوثي على الدولة في سبتمبر 2014، بسبب تدهور حرية الصحافة والعمل الإعلامي في اليمن، والمخاطر التي يواجهها الصحافيون اليمنيون.

وقد مارست الجماعة المسلحة منذ بدايات سيطرتها أشنع الانتهاكات بحق الصحافيين، وصنفت في المرتبة الثانية في قائمة الجماعات المعادية للصحافة عالمياً بعد "داعش"، وفق منظمة "مراسلون بلا حدود" والتي تعنى بحرية الصحافة.

ففي العام 2019 فقط، سجلت نقابة الصحفيين اليمنيين 134 انتهاكًا لحقوق الإعلام والصحفيين، واحتل اليمن المرتبة الأدنى (167 من أصل 180) في مؤشر حرية الصحافة للعام 2020 الصادر عن المنظمة نفسها.

وكانت محكمة خاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي بصنعاء قد أصدرت في 11 أبريل/نيسان الماضي حكمًا بإدانة 10 صحافيين مختطفين لديها منذ أكثر من 5 سنوات، وقضت المحكمة بمعاقبة 4 منهم بالإعدام، و6 آخرين بالحبس.

وتقول المنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين "صدى"، في بيان لها، إنها تلقت بلاغات ومعلومات تؤكد تدهور الحالة الصحية للصحفيين المختطفين منذ 19 يونيو/حزيران 2015.

وتضيف المنظمة أن الأمراض التي يعانون منها تتنوع بين انزلاقات في العمود الفقري، وروماتيزم، وأمراض الكبد والسكر وقرحة المعدة، وسوء التغذية، فضلا عن إصابة أغلبهم بتدهور الرؤية في العينين، والإصابة بحالات نفسية نتيجة طول فترة اعتقالهم.

ويبقى مصطلح "التضامن" أمرا حتميا أمام المنظمات والجمعيات الصحفية والحقوقية وزملاء المهنة والكلمة للوقوف بجانب زملائهم اليمنيين من أجل المساندة في إطارات الممكن والمتاح للوصول إلى مرحلة من الإنصاف لزملائهم اليمنيين الذين أفقدتهم الحرب معظم منابرهم الصحافية وعاثت في واقعهم الذي كان مكللاً بهامش ديمقراطي كان أفضل بكثير مما هو عليه بعد اجتياح صنعاء.