الأحد 05-05-2024 01:08:23 ص : 26 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

جمعة الكرامة.. وتأثيرها في مسار الثورة الشعبية السلمية

الإثنين 19 مارس - آذار 2018 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت - خاص / عبدالسلام قائد
 

 

تعد أحداث جمعة الكرامة، التي وقعت يوم 18 مارس 2011، أهم محطة في مسار ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية، وذلك نظرا لما ترتب عليها من آثار وتداعيات ونتائج جاءت جميعها على العكس مما كان يتوقعه النظام الحاكم حينها، الذي كان يأمل أنه بإقدامه على ارتكاب تلك المجزرة البشعة بحق شباب الثورة العزل والمسالمين، سيقضي على الثورة وسيرغم الثوار على مغادرة الساحات، وذلك خشية أن يكون مصيرهم كمصير زملائهم الذين قتلهم بلاطجة النظام بعد أدائهم لصلاة الجمعة في ساحة التغيير أمام جامعة صنعاء.

غير أن تلك المجزرة البشعة، التي راح ضحيتها ما يقارب 60 شهيدا ومئات الجرحى، كان لها الدور الأبرز في تفكك النظام الحاكم وخلخلة تماسكه الهش، وكشفت أمام الرأي العام المحلي والعربي والدولي أن نظاما حاكما يقتل شعبه لأنه خرج مطالبا إياه بالرحيل بعد أن فشلت جميع المطالب الشعبية للنظام الحاكم بالإصلاح وتحسين الأوضاع، فإنه نظام غير جدير بالبقاء في السلطة، وأن مطالب رحيله باتت ضرورية أكثر من ذي قبل مهما كانت التضحيات.

 

- دلالات ما حدث

هناك الكثير من الدلالات التي يمكن استقراءها من أحداث جمعة الكرامة، فيما يلي أبرزها:

- أن الجريمة كانت منظمة ومخططا لها، بدليل أن بلاطجة نظام علي صالح، الذين تكررت اعتداءاتهم على ساحة التغيير عدة مرات من قبل، كانوا قد اتخذوا من بيت مسؤول حكومي، وهو محافظ محافظة المحويت، مكانا لتنفيذ الجريمة، بعد أن بنوا حاجزا أمام البيت يفصلها عن الساحة، وأحرقوا إطارات السيارات حول المكان الذي تم اتخاذه لتنفيذ الجريمة بغرض التمويه حتى لا يُعرف مكانهم.

- اعتمد النظام الحاكم على البلاطجة الذين يرتدون الزي المدني، بدلا من القوات العسكرية، لقتل شباب الثورة، بغرض التنصل من مسؤوليته عن الجريمة. وكان الإعلام الرسمي حينها يتهم سكان الأحياء المجاورة لساحة الاعتصام بالاعتداء على شباب الثورة بذريعة أنهم متضايقون منهم، وهو ما نفاه سكان تلك الأحياء عبر وسائل الإعلام المختلفة، خاصة بعد أحداث جمعة الكرامة. ثم بدأ النظام الحاكم يوجه أصابع الاتهام بعد ذلك نحو بعض القوى القبلية والعسكرية بالاعتداء على ساحات الاعتصام، وكانت هذه الاتهامات تثير السخرية والضحك.

- التفكك المتسارع الذي أعقب مجزرة جمعة الكرامة في بنية النظام الحاكم، والمتمثل في الانشقاقات العسكرية والاستقالات من عضوية حزب المؤتمر الحاكم، عزز من أهمية المطالب الشعبية بضرورة إسقاط هذا النظام، وهو ما أسهم في تقوية الثورة وتوسيع قاعدتها الشعبية واكتسابها دعما معنويا بفعل انضمام عدة وحدات عسكرية للثورة وتوليها مهمة تأمين ساحة التغيير بعد أن تكررت الاعتداءات عليها بالرصاص الحي من قبل بلاطجة علي صالح.

- كان للصمود الأسطوري الذي أبداه شباب الثورة، خاصة إصرارهم على ملاحقة البلاطجة الذين أطلقوا الرصاص الحي في أوساط المعتصمين وتمكنهم من إلقاء القبض على بعضهم، كان لهذا الصمود دوره الكبير في إحداث هزيمة معنوية للنظام الحاكم، الذي أذهله هذا الصمود وأحبط خططه للقضاء على الثورة، ومن علامات ذلك حالة الاهتزاز والتخبط التي ظهر بها علي صالح حينها في كلمة له أعقبت المجزرة، ومحاولته التغطية على جريمته أو التنصل منها بإعلانه حالة الطوارئ ودعوة الأجهزة الأمنية للتحقيق في تلك المجزرة.

- تحول عكسي

لقد أدت مجزرة جمعة الكرامة إلى تحول عكسي في مسار الحالة الثورية وتعامل نظام علي صالح معها، فهو بارتكابه لتلك الجريمة كان يعتقد أنها ستقتل الثورة في مهدها، وستجعل شباب الثورة يعودون إلى منازلهم، وسيخلو الجو لعلي صالح وعائلته لمواصلة فشلهم في إدارة الدولة وترسيخ مشروع التوريث. لكن ما حصل كان عكس ذلك تماما، حيث بدأ النظام الحاكم بالتفكك المتمثل في الاستقالات المتتالية من صفوفه، والتي شملت مدنيين وعسكريين ووحدات وألوية عسكرية بكاملها، وبدأ النظام الحاكم بالاهتزاز وفقدان الثقة بنفسه.

وفي مقابل ذلك، توحدت جبهة الثورة أكثر، وتعززت الأواصر بين مختلف المكونات والفصائل الثورية، وازدادت القناعة بضرورة إسقاط النظام بعد تلك المجزرة. وزاد من تعزيز الجبهة الثورية، انضمام فئات جديدة إليها، سواء ممن قدموا استقالاتهم من النظام والحزب الحاكم أو أعلنوا الانشقاق عنه من العسكريين أو بعض فئات الشعب التي لم تكن قد التحقت بالثورة قبل جريمة جمعة الكرامة.

وكان لإعلان بعض القادة العسكريين الانضمام إلى الثورة مع الوحدات والألوية العسكرية التي يقودونها دور كبير في حماية ساحة التغيير من اعتداءات بلاطجة النظام، وهو ما شجع فئات جديدة على الالتحاق بساحة التغيير بعد أن كانت مترددة في ذلك، خشية التعرض لاعتداءات بلاطجة النظام، سواء بالأسلحة النارية أو الأسلحة البيضاء وغير ذلك من وسائل القمع.

كما ازداد الدعم المادي المقدم للثورة من قبل بعض التجار ورجال الأعمال، خاصة ما يتعلق بالتغذية وشراء خيام جديدة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المعتصمين القادمين من خارج العاصمة صنعاء، وتحديدا من الأرياف. وتشجع رجال أعمال ومؤسسات تجارية على دعم الثورة، بعد أن أدركوا أن المطالب الشعبية بإسقاط النظام لن تتراجع ولا يمكن إيقافها، وأن الضرورة الوطنية تقتضي دعم الثورة حتى تحقق أهدافها.

- نتائج متجددة

رغم مرور سبع سنوات على حادثة جمعة الكرامة، والتحولات التي شهدتها البلاد، المتمثلة في عسكرة الثورة والانقلاب على السلطة الشرعية وتدخل التحالف العربي بدعوة من السلطة الشرعية، إلا أن حادثة جمعة الكرامة لم تغب عن الأذهان، ولم تمحها كل الأحداث والتحولات.

ويعني كل ذلك أن النتائج التي ترتبت على تلك الحادثة ما زالت متجددة حتى اليوم، والتي من أهمها أن تلك الحادثة كشفت مدى بشاعة النظام الحاكم وعدم أهليته للاستمرار في حكم البلاد، وأن الثورة كانت ضرورة وطنية تأخرت كثيرا عن وقتها، وكان يفترض أن تندلع قبل ذلك الوقت بكثير، قبل أن يستفحل خطر نظام صالح وخطر الإمامة المتغلغلة بداخله، خاصة في الأجهزة الأمنية والعسكرية، والتي خرجت إلى العلن بعد سقوط النظام لتدافع عن مصالحها الفئوية المتناقضة مع مبدأ المواطنة المتساوية.

كما أن خطر الإماميين الجدد لم ينحصر على الوطن، ولكن طال بعض دول الجوار التي تتعرض للقصف بالصواريخ الإيرانية من قبل الإماميين الحوثيين، وما زال الخطر قائما يهدد الجميع حتى يتم تحرير اليمن كاملا من خطر الإمامة الحوثية والنفوذ الفارسي.