الأربعاء 01-05-2024 09:58:32 ص : 22 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الإصلاح رؤى ومواقف.. قراءة في رؤى الحزب للحكم الرشيد وشكل الدولة ونظام الحكم

الثلاثاء 28 مارس - آذار 2023 الساعة 10 مساءً / الإصلاح نت - خاص

 

 

اتسمت رؤى التجمع اليمني للإصلاح المقدمة لمؤتمر الحوار الوطني بالواقعية والشمول ومراعاة البيئة المحلية فيما يتعلق بالحلول المقترحة لمختلف الأزمات التي ظلت تعاني منها البلاد ردحا طويلا من الزمن، وفي مقدمة تلك القضايا: الحكم الرشيد، ونظام الحكم، وشكل الدولة. وتضمنت الرؤى بشأن تلك القضايا تقديم مقترحات لوضع حد للمركزية، وضمان التوزيع العادل للثروة، والمشاركة الواسعة للمجتمع بكل مكوناته في السلطة. كما حرص حزب الإصلاح في رؤاه على وضع القواعد والأسس التي تحول دون نشوء الأزمات والصراعات السياسية التي تُعد عامل إرباك متجدد يعيق الدولة عن القيام بواجباتها، ويحد من مشاركة المجتمع والقطاع الخاص في البناء والتنمية الشاملة.

وتمثل أزمة الحكم وشكل الدولة وغياب الحكم الرشيد في اليمن أبرز العوائق التي حالت دون التطور الطبيعي للدولة اليمنية خلال العقود الأخيرة، وتفجرت الكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بسبب الاختلالات في الحكم وطريقة إدارة البلاد القائمة على الفوضوية والعشوائية والمزاجية والمحاباة، وظلت تلك الأزمات وتفاعلاتها تلقي بظلالها الكئيبة على مختلف مكونات وفئات المجتمع اليمني، وبسببها ازدادت الفجوات بين النظام الحاكم والشعب، حتى اندلعت ثورة 11 فبراير 2011، والتي كان من ثمارها مؤتمر الحوار الوطني الذي شاركت فيه مختلف الأحزاب والمكونات اليمنية، وكانت مخرجات الحوار بمنزلة عقد اجتماعي لحل مختلف قضايا البلاد وأزماتها، والانتقال إلى بناء دولة مدنية حديثة.

 

- رؤية حزب الإصلاح للحكم الرشيد

كانت المطالبة بالحكم الرشيد أحد عناوين النضال الشعبي السلمي للإصلاح السياسي والاقتصادي الشامل قبل اندلاع ثورة 11 فبراير 2011، واكتسبت تلك القضية أهميتها من كونها تلامس خللا جوهريا ظلت اليمن تعاني منه لعقود عدة. وخلال أعمال مؤتمر الحوار الوطني، أثريت تلك القضية بالآراء والمقترحات لتكون من بين أهم متطلبات الإصلاح السياسي.

وفي رؤيته المقدمة لمؤتمر الحوار الوطني حول قضية الحكم الرشيد، ركز حزب الإصلاح على حل الاختلالات التي كانت سائدة في النظام السياسي، مثل احتكار السلطة، وتداخل عمل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، واختلال العلاقة بين الدولة والمجتمع، ومركزية الحكم، وعدم استقلالية القضاء، والاستعانة بالمؤسسة العسكرية في العمل السياسي والحزبي رغم تجريم الدستور لذلك، وغياب العدالة والمساواة، وإساءة استخدام المال العام.

وعطفا على ذلك، فإن متطلبات الحكم الرشيد، وفق رؤية حزب الإصلاح المقدمة لمؤتمر الحوار الوطني، أكدت على إعادة بناء النظام السياسي ليقوم على المؤسسات ذات الاختصاصات والصلاحيات الواضحة، والفصل بين السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، والتحديد الواضح للعلاقة فيما بينها، بما يمنع تغول سلطة على حساب أخرى، ويحول دون احتكار أو إساءة استخدام السلطة من قبل أي شخص أو فئة أو هيئة من الهيئات، وإعادة التوازن في العلاقة بين الدولة والمجتمع.

كما اقترح الإصلاح في رؤيته تبني نظام اللامركزية الذي يتناسب مع ظروف المجتمع اليمني، ويجسد أسس وقواعد الحكم الرشيد، ويحقق غاياته، وكذلك وضع القواعد والأسس التي تحول دون نشوء الأزمات والصراعات السياسية التي تعتبر عامل إرباك متجدد يعيق الدولة عن القيام بواجباتها، ويحد من مشاركة المجتمع والقطاع الخاص في البناء والتنمية الشاملة.

وفيما يتعلق بمرجعية الحكم الرشيد، فقد أشارت رؤية الإصلاح إلى تأسيس مبادئ وآليات الحكم الرشيد على المرجعية الإسلامية لضمان المساندة الفردية والتفاعل المجتمعي الكامل.

وبشأن القضاء، فقد نصت رؤية الإصلاح على استقلاله وتمكينه من القيام بدوره في تطبيق القانون والفصل في الخصومات، وحماية الحقوق والحريات بعيدا عن تأثير ذوي النفوذ في السلطة والمجتمع.

ولتجنب توظيف المؤسسة العسكرية في الصراع السياسي وحرفها عن مهمتها الوطنية وبعثرة عقيدتها العسكرية، فقد شدد حزب الإصلاح في رؤيته لمتطلبات الحكم الرشيد، على تحييد المؤسسة العسكرية والأمنية عن العمل السياسي، وعدم السماح بأي هيمنة خاصة عليها، وتوجيه طاقتها لحماية الوطن وسيادته واستقلاله، وتوفير الأمن والاستقرار للمواطنين، مؤكدا على أهمية تسخير وسائل القوة ومصادر الثروة لمصلحة الشعب، والحد من انتشار السلاح، وعدم السماح بامتلاك الأسلحة الثقيلة إلا للدولة، والتعامل مع جميع المواطنين دون تميز أو محاباة.

وكون عملية الانتقال السلمي للسلطة تكتنفها الكثير من العوائق، فقد اقترح حزب الإصلاح إصدار قانون ينظم الانتقال السلمي للسلطة، ويحدد المناصب التي تخضع للتداول، وتلك التي تخضع للكفاءة والمنافسة، والحيلولة دون تأبيد وتوريث المواقع القيادية، ومنع تعدد الوظائف والمسؤوليات للفرد الواحد. كما شدد الإصلاح على أهمية تطبيق العدالة في اعتماد وتنفيذ مشاريع التنمية، داعيا إلى تجريم استخدام المال العام في العمل السياسي، وعدم السماح بالتعامل الانتقائي مع المناطق والجبهات.

 

- شكل الدولة

المقصود بشكل الدولة هو هل تكون دولة مركزية أو لامركزية، بسيطة أو اتحادية مركبة، وتوزيع الصلاحيات بين السلطات المركزية واللامركزية والتوفيق بينها. ونظرا لأن الدولة في اليمن كانت مركزية طوال العقود الماضية، وكيف أن المركزية أصابت الدولة بالشلل وأخلت بوظائفها الاجتماعية، فإن الانتقال من المركزية إلى اللامركزية، وسط موروثات معقدة من عهد الدولة المركزية، سيجعل عملية الانتقال للامركزية صعبة للغاية، ولذلك فقد كانت قضية شكل الدولة من القضايا التي نالت اهتمام مختلف الأحزاب والمكونات المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، وأثريت بالنقاش، حتى تم التوافق على نظام الحكم الفيدرالي من ستة أقاليم.

ويرى حزب الإصلاح في رؤيته لشكل الدولة أن تحديد أي من الصيغ التطبيقية لنظام اللامركزية الملائمة لليمن أرضا وإنسانا، هي التي تنطلق من حقائق واقع البلاد بكل تعقيداته وإشكالاته وسلبياته وإيجابياته، على الصعيد الثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، وعلى المستوى الجغرافي والديمغرافي، إذ لا توجد صيغة واحدة أو قوالب جامدة لنظم اللامركزية. وعطفا على ذلك، فإن رؤية حزب الإصلاح لشكل الدولة تنطلق من الأسس والمحددات التالية:

1- أنها دولة يزول منها تمركز السلطة في قمة الهرم الإداري وتحقق فيها اللامركزية بالشكل الذي يناسب اليمن أرضا وإنسانا.

2- أنها دولة مدنية ذات نظام جمهوري تتحقق فيها أهداف الثورات اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر وثورة 11 فبراير الشبابية الشعبية السلمية.

3- تحفظ لليمن وحدته وسيادته وأمنه واستقراره.

4- اعتماد مبدأ الانتخاب كأساس لتشكيل وتكوين قيادات الحكم اللامركزي.

5- التحديد الواضح للسلطات والصلاحيات المركزية واللامركزية، بما يمكن هيئات وقيادات الحكم اللامركزي من إدارة شؤونهم.

6- تحقق الديمقراطية الشوروية للشعب لأنه مالك السلطة ومصدرها.

7- تحقق مبادئ المواطنة المتساوية والشراكة الوطنية في السلطة والثروة.

8- تحافظ على كرامة الإنسان اليمني باعتبار أن الدولة غاية ووسيلة لتحقيق طموحات مواطنيها.

9- تحقق لشعبها نهضة شاملة وتضمن له تكافؤ فرص العمل وسبل العيش الكريم.

10- تكون الثروات الطبيعية والموارد العامة فيها ملكا للشعب اليمني مع ضمان حصول الوحدات اللامركزية على نسبة عادلة من عائد الثروات المستخرجة منها كما تتشارك جميع الوحدات المحلية في تنمية متساوية تمول من الثروات والموارد العامة للدولة، كما أنه لا بد من التحديد الدقيق للموارد والثروات السيادية والموارد والثروات اللامركزية.

11- يكون القضاء هو الفيصل لحسم أي خلاف ينشأ بين السلطات المركزية واللامركزية وفقا لما يحدده القانون.

 

- نظام الحكم

تتعدد أشكال النظام السياسي في مختلف دول العالم، وفقا للعديد من القواعد والأسس المنبثقة من بيئة الدولة الداخلية والخارجية، فقد تكون برلمانية أو رئاسية أو مختلطة، وتكون الثقافة السياسية لكل بلد هي الإطار الحاكم لاختيار نوع أو نظامه السياسي، على أن يقترن بالمؤسسية وتوزيع السلطة والنزاهة والشفافية الفصل بين السلطات وتحقيق تطلعات الشعب.

ولحزب الإصلاح منظور خاص لأنماط وأشكال الحكم، انطلاقا من البيئة المحلية ومدى ملاءمتها لأي شكل منها، ففيما يتعلق بنظام الحكم الرئاسي، ومع أن الإصلاح ذكر في رؤيته لنظام الحكم أن نظام الحكم الرئاسي يعزز من دور السلطة التنفيذية ويجعل من رئيس الدولة رئيسا لتلك السلطة ويخلق توازنا مباشرا بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، لكنه يرى في مقابل ذلك، أي حزب الإصلاح، أن سلطة الرئيس تكون كاملة على السلطة التنفيذية، تجعل أعضاء الحكومة مستشارين لديه يمثلون السياسة التي يعتمدها ولا تستطيع السلطة التشريعية سحب الثقة منه لأنه منتخب من الشعب.

وفيما يتصل بنظام الحكم المختلط، وبالرغم من أنه يرتكز على أسس الفصل بين سلطات الدولة، إلا أن حزب الإصلاح يرى أن ذلك النظام يوجد ازدواجية في ممارسة السلطة التنفيذية، حيث إن السلطة التنفيذية فيه موزعة بين الرئيس والحكومة، وهذا بدوره يؤدي إلى التنازع والتهرب من تحمل المسؤولية.

ولذا، فحزب الإصلاح يرى في رؤيته لنظام الحكم أن النظام البرلماني هو الأنسب لليمن، لأنه، وفق رؤية الحزب، يجسد مبدأ الفصل بين السلطات، ويعبر عن الإرادة الشعبية من خلال خلق التوازن بين سلطات الدولة الثلاث، ويعزز روح الإدارة الجماعية، حيث يجعل النظام البرلماني السلطة التنفيذية بيد الحكومة التي تدير شؤونها من خلال الإدارة الجماعية، ويجعل عمل سلطات الدولة عملا تكامليا بينها، ويلغي ازدواجية وتداخل وظيفة مؤسسة الرئاسة مع عمل الحكومة.

أيضا تشير رؤية الإصلاح إلى أن النظام البرلماني يجعل الحكومة ملتزمة بتحمل مسؤوليتها الكاملة بإدارة شؤون الدولة تحت رقابة برلمانية مباشرة من السلطة التشريعية التي في الغالب قد تتكون من مجلسين أحدهما يمثل سكان الدولة، والمجلس الآخر يمثل المحافظات أو الأقاليم أو الولايات بحسب شكل الدولة، سواء كانت دولة بسيطة اندماجية أو دولة اتحادية مركبة، وتتشكل الحكومة في نظام الحكم البرلماني من الحزب الذي يحصل على غالبية الأصوات كنتيجة لانتخابات مباشرة حرة ونزيهة، أو أن تكون الحكومة فيه ائتلافية من مجموعة من الأحزاب الفائزة في البرلمان، ويكون الرئيس في نظام الحكم البرلماني رمزا لسيادة الدولة ومنتخباً في الغالب من قبل السلطة التشريعية، وتنظم صلاحياته بقواعد دستورية واضحة.

كما أن حزب الإصلاح، في رؤيته لنظام الحكم، يرى أن نظام الحكم البرلماني يجب أن يحقق أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر وثورة فبراير الشبابية الشعبية السلمية، ويجسد الأسس الدستورية والديمقراطية على أرض الواقع التي تعكس رغبة الشعب اليمني في التخلص من الاستبداد الذي عانى منه الكثير، باعتبار أن نظام الحكم البرلماني يفصل بشكل واضح بين سلطات الدولة ويوجد نمطا للتكامل بينها، فالنظام البرلماني يجعل من صلاحيات البرلمان منح الحكومة الثقة واستجوابها وسحب الثقة منها، ويجعل من حق البرلمان أيضا أن يقدم مشاريع قوانين ويصدرها وتلتزم الحكومة بتنفيذها، وبالمقابل يرى الحزب أن للسلطة التنفيذية حق تقديم مشاريع قوانين إلى البرلمان، كما أن من حقها حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة في حال وصل الخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى درجة يصعب فيها تسيير شؤون الدولة.

ولفت حزب الإصلاح في رؤيته إلى أن مما يعزز اختياره لنظام الحكم البرلماني أنه سيكون ملبيا لرغبات الشعب اليمني في التحرر من الاستبداد وازدواجية السلطة والانتقال إلى مرحلة جديدة هي مرحلة الإدارة الجماعية التي تعبر تعبيرا حقيقيا عن الإرادة الديمقراطية للشعب اليمني مالك السلطة ومصدرها، كما يغيب فيه التسلط والانفراد باتخاذ القرارات السياسية والإستراتيجية.