الأستاذ الشيخ عبد المجيد الزنداني.. العلَم الشامخ
أ.د. غالب القرشي
أ.د. غالب القرشي

جلَّ الأسى برحيله الزنداني وعزاؤُنا بتراثه الرباني
لا أستسيغ المدح لكن ذمتي تأبى السكوت عن العظيم الباني
فلكم تفنّن في البناء مشاركاً في ثورةٍ كانت على الطغيان

الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه , موت الأستاذ عبد المجيد الزنداني مصيبة وخسارة كبيرة ليست على اليمنين فحسب وإنما على الأمة كلها , وقد ظهر ذلك جلياً فيما قيل عنه بعد رحيله من كل البلدان الإسلامية عربية وغير عربية .
ولا يسعنا أن نقول إلا ما أمرنا الله به ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) .
هذه الأبيات الثلاثة كنت قد بدأت بصوغ قصيدة فيه لكني لم أستطع الاستمرار
لمرض ألمّ بي وأرهقني , فتوقفت وسألجا إلى كتابة سطور عن الراحل العظيم
رحمه الله رحمة واسعة , فأقول :
كان الشيخ عبد المجيد رجلاً فريداً متميزاً بأمور كثيرة أهلته قبول عند الناس لا نظير له , وأعمال حققها ستظل ثمارها يانعة تقطفها الأجيال القادمة إن شاء الله إلى ما شاء الله.

عرفت الشيخ عبد المجيد لأول مرة في لقاءٍ قصير عام 1969م في مكة وأنا طالب وهو في السابعة والعشرين من عمره جاء ومرافقه الفاضل مشرّف عبد الكريم أكبر منه سناً وعنده من العلم الكثير فهو من علماء جبلة – رحمه الله – لكنه كان يقدم الأستاذ عبد المجيد في كل موقف وما ذلك إلا تقديراً لمن يستحق التقدير والتقديم جاء بعمرة لما أتيحت فرصة مجيء السياسيين إلى المملكة بعد الصلح بين الملك فيصل ملك السعودية والرئيس المصري جمال عبد الناصر – رحمهما الله - حيث كان كل منهما يدعم طرفاَ من الأطراف المتحاربة في اليمن شمالاً لأسباب كان كل داعم يراها ضرورية لا حاجة لذكرها وتفصيلها , فالمهم هنا هو مجيء الشيخ عبد المجيد الزنداني الشاب الذي قطع دراسته من أجل الجمهورية المنشودة ورافق الزبيري والنعمان , وإن كان
إعجابه وتأثره بالزبيري أكثر ، الزبيري الذي ليس له جذور سياسية كالنعمان الذي انحدر من أسرة ضالعة في الحكم والسياسة في محافظة تعز معتمدة ومساندة للأتراك بصفتهم سُنة ولا قابلية في تعز للإمامة الشيعية التي لا تعتبر المواطنين سواسية لهم حقوق متساوية، وما كان الزبيري الفذ بشخصيته الأدبية والسياسية مهتماً ولا معترفاً بأتراك ولا إمامة، أهلته شخصيته لأن يبرز في ميدان التغيير المطلوب، مثل أبي الطيب المتنبي القائل :

ما بقومي شرفت بل شرفوا بي وبنفسي علوت لا بجدودي

شخصية الزبيري لبَّت طموح الأستاذ عبد المجيد وبعض الطلاب في القاهرة , فلازمه حتى آخر حياته .
طالت هذه الاستطرادة حيث كان لا بد منها , ولم أدخل في المحاور التي طُلب إلىَّ الحديث عنها مثل:تحركاته وتأثيره في القبائل,دوره السياسي وتأسيس الإصلاح، ومشاركته في الحكم، ودوره في مجلس الرئاسة ...
تركتها لأن كثيرين قد تحدثوا عن ذلك بإفاضة , ولا بد من الوقوف مع نقاط أرى أن أكثرها لم يُطرق من ذلك :
هناك أمور كررها أكثر من تحدثوا عنها تحتاج إلى تصحيح وإن لم تكن ثقيلة الوزن كقولهم ناهز عمره الثانية والثمانين والحقيقة هي كما سمعتها منه أنه ولد عام 1361هـ فيكون عمره حين وفاته 85 عاماً هجرياً
وقولهم إن القاضي عبد الرحمن الأرياني – رحمه الله - عينه رئيساً لمكتب التوجيه والإرشاد والصحيح أن مكتب التوجيه والإرشاد ما أسس إلا أيام إبراهيم الحمدي – رحمه الله - وعُين الأستاذ عبد المجيد رئيساً له. تأسيس المكتب كان بطلب من الأستاذ فلبى الحمدي ذلك على أن يعود إلى صنعاء حيث كان في وادي جبارة بصعدة.

خلافه وتوافقه مع الحُكام لم يُبن على طيش أو حسابات شخصية , وإنما كان بناءً على ملاحظات جوهرية مستنكرة كما حصل مع القاضي الأرياني حتى غاضب وترك صنعاء إلى صعدة.
ما وفق إليه الشيخ عبد المجيد من إنشاء مؤسسات كجامعة الإيمان وهيئة العلماء مرهون بقاؤه بإحياء العمل المؤسسي فيهما مجلس الأمناء ومجلس الجامعة والأمانة العامة – إعادة النظر في نظام ولوائح كلٍ – المسارعة في ترتيب انتخابات رئيس ونواب لكل منهما بشروط ضرورية تضمن نجاح العمل
بروز أي شخص مهما كان تشترك فيه عدة أسباب منها كاريزما الشخص , ومنها الحزب الذي ينتمي إليه وغير ذلك , فالأستاذ عبد المجيد صار عضو مجلس الرئاسة بترشيح حزبه الذي جاء الثاني في أول انتخابات بعد الوحدة عام 93 شهر إبريل , وكان الشخصية المناسبة , وكذلك المواقع الأخرى فما وصل إليها إلا محسوباً على حزبه والإصلاح يختلف عن غيره كثيراً فلا مجاملة لفلان ولا لابن فلان.
قيمٌ راقية توفرت في الأستاذ عبد المجيد تناسبت مع شخصيته الفريدة ومكانته , وهي موجودة في كثيرين لكنها ناقصة
الحلم وهي من أهم صفات الشخصية الرائدة .
كان الأستاذ عبد المجيد غاية في التواضع مع كل الناس .
الرجوع إلى الحق حين المناقشة والحوار فسرعان ما كان يرجع إذا ظهرت له الحجة ولو كانت ضعيفة في نظره وأحياناً بمجرد تذكيره بالله أو تقول له إتق الله يرجع مباشرة .
حرصه على الاستفادة واحترام التخصصات العلمية .
قدرته على التوفيق بين أداء حقوق الحاكم كاملة ومواجهته إن حصلت منه مخالفة للشرع أو الدستور والقوانين , الأمثلة لهذه القيم كثيرة كثيرة
رحمه الله رحمة واسعة وبعثه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقاً .


في الأربعاء 24 إبريل-نيسان 2024 04:06:51 م

تجد هذا المقال في موقع التجمع اليمني للإصلاح
https://alislah-ye.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://alislah-ye.net/articles.php?id=956