خرافة الاصطفاء السلالي في الخرافة السلالية ..الهاشمية (3 -12)
أحمد الكاتب اليمني
أحمد الكاتب اليمني

 

في هذه السلسلة يكشف فيها الكاتب حقيقة ما يسمى بالخرافة السلالية الهاشمية، من خلال (12) حلقة متتالية، توضح كيف تم صناعة هذه الخرافة، و كيف جرى الترويج لها، وإقناع الناس بها تاريخياً.

 

السلسلة تشكل مجموعة أبحاث تاريخية عميقة، استغرقت وقتاً طويلاً في سبيل الوصول إلى الحقيقة.

  

ثانيا: تفضيل بني إسرائيل:

 

بداية تجدر الإشارة إلى أن اقتران، أو وصول فرد أو مجموعة إلى منطقة الاصطفاء، كما يترتب عليه اشتراطات والتزامات إضافية – مقارنة بمن هم خارج منطقة الاصطفاء – فإنهم، وبمقتضى العدالة الإلهية، تضاف لهم – مقابل الالتزامات الإضافية- المزيد من الفضيلة والتفضيل بما يمكن تسميته مجازاً: متوالية التفضيل.

وبهذا المعنى يقول الله تعالى: {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}، ويقول في قصة أهل الكهف، وهم جماعة: {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى}.

 
  • خصوصية بني إسرائيل: إن مجرد كثرة ورود قصص بني إسرائيل، واحتلالهم مساحة كبيرة من القرآن الكريم يؤشر على وضعيتهم الخاصة كمادة بشرية فيها الكثير مما يمكن أن يمثل عبرة وعظة لغيرهم، لاسيما للمسلمين. غير أن هذه الخصوصية ليست ناجمة فحسب عن مقدار مساحة الاهتمام في القرآن؛ لأن هناك دواعٍ أخرى لهذه الخصوصية مكنتهم من الوصول كجماعة إلى دائرة التفضيل.
 

تبدأ الملحمة اليهودية بإبراهيم -عليه السلام-، مروراً بقصة الذبح لأحد أولاده، وقصة يوسف وإخوته، وصولاً إلى موسى، ثم داوود وسليمان، وانتهاءً بعيسى. وباستقراء التاريخ اليهودي -من مصادر مختلفة- يجد المرء صعوبة في إيجاد ذات الدراما في سجلات التاريخ البشري لأقوام آخرين.

 بالتأكيد هناك شعوب تعرضت للغزو وتدمير مدنها وقتل رجالها وأسرهم، وسبي نسائهم وأطفالهم، بل كان هذا الوضع القلق سمة معظم العصور التاريخية المدونة، إلا أنها لم تكن رغم ذلك بنفس المدى المتنوع للمسيرة التاريخية اليهودية، ولو اقتصرنا فقط على ما ورد في القرآن بشأنهم لناحية أبرز معالم حياتهم، لرأينا كيف تناقض تاريخهم ما بين اضطهاد استثنائي في عهد موسى وفرعون، وملك ومجد استثنائي تجلى في ملك سليمان. ومن فرار شعب بكامله ومطاردته من فرعون، إلى أسره بالكامل على يد نبوخذ نصر البابلي، كما جاء في كتب التاريخ.

 

ومن الملاحظ أن صيغة التسمية في القرآن "بني إسرائيل" بدأ ترديدها كما يتبين من السياق القرآني في قصة موسى وفرعون بكثرة وما تلاها. وبالعودة إلى بعض التواريخ بين وصول يعقوب وأبنائه لمصر وطرد أحفاده في عهد موسى، نجد أن هذا الشعب المنحدر عرقياً من يعقوب (إسرائيل) بن إسحاق بن إبراهيم تمكن عبر قرون من تكوين ثقافة خاصة قوامها الدين والعرق، حتى أصبح الدين الإسرائيلي علماً على الشعب الإسرائيلي، رغم اعتناق غير إسرائيليين للدين اليهودي.

 

وبقدر ما مكنت هذه الثقافة المركبة من حفظ هوية خاصة باليهود بقدر ما جعلت منهم فئة معزولة عن محيطهم، ما أعطى تاريخهم سمة خاصة ذات طابع نضالي، وجعلتهم أشد تمسكاً والتزاماً بالدين – مقارنة بغيرهم- ما أهلهم لاستحقاق وسام التفضيل الإلهي، فقال تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين}، وقال: {ولقد اخترناهم على علم على العالمين}.

 

إذاً، ومرة أخرى، يتأكد أن الاختيار والتفضيل قائم على أساس من علم الله، وأنهما وقعا على بني إسرائيل استحقاقاً لاحقاً. لكن الإشكالية باقية في الجيل الإسرائيلي الأول؛ أي توارث الاصطفاء على أساس القرابة العضوية في حالات إسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وإخوته عند من قال إن إخوة يوسف أنبياء، ثم ظهورها في نسلهم، ويمكن معالجة ذلك في معنيي الوراثة، والذرية الواردين في القرآن.

 
  • الوراثة: يقول تعالى: {وورث سليمان داوود}، في الآية ومن واقع السياق القرآني والتاريخي أن الوراثة المقصودة هي الملك، ووراثة الابن لملك أبيه هو السائد في أغلب فترات التاريخ. أما النبوة فيوحي السياق القرآني أن سليمان نال اصطفاء النبوة قبل موت أبيه داوود، يقول تعالى: {ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكماً وعلماً..}.
 
  • الذرية: يقول تعالى: {وجعلناها كلمة باقية في عقبه}، ويقول: {ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون..}. ويقول: {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل..}، ويقول: {ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم}.

 ويقول: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب..}.

 

الآيات السابقة تشير إلى الوراثة، أو الانتقال العضوي للاصطفاء والفضل كما يظهر من عباراتها. لكن يمكن مناقشة المسألة من عدة جوانب:

الوراثة ليست متصلة، فإذا أخذنا سلسلة وارثي النبوة ممن ذكرهم القرآن نجد أنها متصلة في خمسة أنبياء فقط من بين خمسة وعشرين نبياً ذكرهم القرآن الكريم، فيبدو أن الوراثة كانت في إسماعيل، إسحاق ويعقوب (إسرائيل) ويوسف كسلسلة قرابية متتابعة، وسليمان. بالنسبة للأخير تم الإيضاح آنفاً أن نبوة سليمان كانت في عهد أبيه وما ورثه بعد مماته هو الملك، وكذلك الأمر بالنسبة ليوسف فقد صار نبياً في عهد أبيه وبعيداً عنه، وإسحاق أيضاً، يقول تعالى: {وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين}، فكانت نبوته مرافقة بشارة مولده. ومن السياق القرآني كذلك يبدو أن نبوة إسماعيل كانت في حياة إبراهيم، يقول تعالى: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين}، ويقول: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا}. إضافة لذلك من الثابت انقطاع النبوة في أغلب أعمدة ذرية إبراهيم -عليه السلام-، ليس كما يبين القرآن فحسب بل وفي الكتاب المقدس لليهود أنفسهم، وبالتالي فليست القرابة هي الأصل في امتداد الاصطفاء.

 

من أهم خصائص الأنبياء من بني إسرائيل بل وقبلهم أبو الأنبياء إبراهيم، أنهم بعد وصولهم منطقة الاصطفاء، ووقوعهم تحت متوالية الاصطفاء نالوا فيما نالوا من نتائج الرضى الإلهي استجابة الدعوة التي تضمنت امتداد الاصطفاء لذوي قرابات عضوية وبخاصة بالنسبة لإبراهيم -عليه السلام- الجد الأول لبني إسرائيل، فكان كثير الدعاء لذريته، يقول تعالى على لسانه: {ربي أجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء}، ويقول: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}. ويقول: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ}، ويقول تعالى: {إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي}. ويقول على لسان امرأة عمران: {وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}.

ويقول: {هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة..}، ويقول: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا}، ويقول في شأن هارون: {واجعل لي وزيراً من أهلي، هارون أخي، اشدد به أزري، وأشركه في أمري}.

 

ومن ثم فقد كان الاصطفاء للقرابات العضوية ناجم عن دعوات من نالوا فعلاً الاصطفاء سابقاً، فهو تالياً، ناجم عن الدعوة وليس مجرد القرابة، ودعوة إبراهيم تحديداً تفسر سريان الاصطفاء على عديد من الأشخاص ذوي القرابة الجينية منه، مع التأكيد مجدداً أن تلك الدعوات لا تنافي بعض قواعد الاصطفاء المشار إليها سابقاً اعتماداً على نصوص قرآنية، وهو ما سيتم التأكيد عليه أكثر لاحقاً.

 

حيال ذلك لم يسجل القرآن الكريم دعوات مماثلة متصلة بالقرابات العضوية لنبينا محمد -عليه الصلاة والسلام.

 قد يحتج قائل بأن الله بين وراثة ذرية نوح للنبوة رغم أنه لم يطلب سريان الاصطفاء على ذريته كما طلب إبراهيم حيث يقول تعالى: {ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب}. والجواب أن هذا لا يغير في الأمر شيئاً باعتبار أن نوح هو الأب الثاني للبشرية، وإبراهيم من نسله، يقول تعالى: {وجعلنا ذريته هم الباقين}، إلى جانب أن الآية المحتج بها تماثل قوله تعالى: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ}، ومعلوم أن ذرية إسرائيل هي من ذرية إبراهيم وذرية الأخير ذرية آدم، كما أن ذرية إبراهيم من ذرية نوح في الآية المحتج بها.

 

ويمكن الإشارة للاستخلاصات الآتية في مسألة تفضيل بني إسرائيل وانتقال الاصطفاء عبر القرابات العضوية:

 الاصطفاء والتفضيلات الواردة في الآيات القرآنية لبني إسرائيل وانتقالها لمعينين لديهم قرابات عضوية بمصطفين لا يلغي انطباق قواعد الاصطفاء المشار إليها سابقاً، وفي آيات أخرى من كون الاصطفاء والتفضيل عملية توقيفية على الله للمعينين، وإنها في الأغلب لاحقة، وأنها نسبية ومشروطة، والأهم أن أساسها ابتداءً هو الفعل والاكتساب الإنساني بالارتقاء إلى دائرة الاصطفاء الإلهي والمساعدة الإلهية التالية، وما يؤكد ذلك قوله تعالى:

 - {قال مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.

 - {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا}، خصوصية متعلقة بالاستضعاف والاستحقاق عبر الصبر.

 - {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ ۚ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ}.. اصطفاء غير مطلق، ومشروط.

 - {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين}، استحقاق إبراهيم للإمامة نتيجة التزام التعليمات الإلهية، واستجابة إلهية للدعوة كما تشي الآية وتوضح آيات أخرى مع استثناء الخارجين على مسار الالتزام.

 - {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}. الآية تجمع بين الإلتزام الديني وبين القرابة العضوية وتوضح بجلاء قاعدة الاصطفاء الأساسية المتمثلة في استحقاقه على أساس الفعل الإنساني عبر الالتزام الديني للاقتراب من منطقة التفضيل العام ونيل نتيجته ولا شك أن الأنبياء هم رؤوس المؤمنين، ومن ثم فهم يدخلون في مضمون الآية ونيل الاصطفاء والتوبة الإلهية مرهون بفعلهم الملتزم لا لأنهم ذوو قرابة عضوية.

 

 وأخيراً، فإن ما يؤكد أن عملية الاصطفاء والتفضيل تقوم على أساس التزام التعاليم الإلهية بني إسرائيل تحديداً؛ إذ أنهم خرجوا من دائرة التفضيل بانحرافهم عن التعاليم الإلهية، بل وتحولوا إلى دائرة الغضب الإلهي كما يبين السياق القرآني، وتشير إليه بوضوح كثير من أسفار العهد القديم، الكتاب المقدس لليهود.

المصدر: الموقع بوست


في الخميس 13 إبريل-نيسان 2017 05:07:39 م

تجد هذا المقال في موقع التجمع اليمني للإصلاح
https://alislah-ye.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://alislah-ye.net/articles.php?id=87