من الواقع المرير
فكرية شحرة
فكرية شحرة
   

أثناء مرورها في طارود المدرسة تناهي إلى سمعها صوت نهنهة بكاء مكتومة من حنجرة شخص بالغ؛ استوقفها الصوت لتسمع زميلها معلم الرياضيات يقول مترجيا وكيل المدرسة :
_ساعدوني بما تقدرون حتى تحرير ورقة لصاحب البيت أن يخلي سبيلي من مطالبته بسداد مبلغ الإيجار المتأخر؛ وأن يعفو عني ما تراكم عليّ .

رد عليه الوكيل قائلا :
_ومن أين نتدبر لك بمبلغ كهذا كل ما نقدر عليه هو وساطة أن يؤخرها عليك أما أن يعفو فهذا أمر صعب .

فقال المعلم متوسلا :
_ يمكن للوساطة أن تقنعه بأمر السماح في المبلغ وأطلاق أثاث المنزل؛ أنت قلت لي أنك تعرف شخصية في مكتب المشرف يمكنها ذلك .

فقال الوكيل بتبرم :
_أنت تسنّ لي سنة مزعجة؛ غدا كل معلم يأتي إلي كي أجد له حلاً في مشاكل سكنه؛ أكتم الخبر وسوف أفعل ما بوسعي لما بيننا من عشرة عمر في هذه المدرسة وزمالة وصداقة .

فقال المعلم مستبشرا :
_سأفعل؛ لن أخبر أحد بخدمة العمر هذه .
تحرك وكيل المدرسة من وقفته وقال بضيق :
_ وماذا ستفعل بعدها ؟
قلب المعلم يديه بحيرة قائلا :
_ سأعود بزوجتي وأولادي إلى القرية؛ لم يعد ممكنا العيش هنا مطلقا .

فرد الوكيل بغضب :
_ ومهنتك ؟ عملك هنا كمدرس رياضيات من سيقوم به ؟
قال المعلم بقلق :
_ هاتوا بديلا عني ليقوم بالتدريس أسوة بالكثير من المعلمين الذين تركوا عملهم .

فصرخ الوكيل وهو يدس كفيه في جيبه :
_ ومن يدفع راتبه ؟ هااا من يدفع ؟ عليك تدبر مبلغ لا يقل عن نصف راتبك لتدفعه أنت للبديل.

ضحك المعلم بغبن قائلا :
_ وأين راتبي هذا ؟ ومن يدفع لي أصلا كي أدفع أنا للبديل ؟ وهل تركت عملي وبيتي وحياتي إلا لأني لا أجد هذا الراتب .

رد عليه الوكيل :
_ هذه ليست مسؤولية إدارة المدرسة؛ كل معلم ينبغي أن يحضر بديلا ويدفع له؛ وكأنك لا تعرف هذا ؟!!

_ نعم أعرف هذا.. وأعرف أن الكثير يأتي ببديل من خريجي الثانوية لا يفقه كيف يكتب اسمه فكيف سيدرس التلاميذ .

أعرف أنه لم يعد هناك تعليم أساسا وأن المعلمين يلجؤون للمدارس الخاصة لأنها تدفع مبالغ زهيدة بخلاف المدارس الحكومية التي لا تدفع حتى من مبالغ السحت التي تنهب من التلاميذ .

وأعرف أن هذه المبالغ تذهب إلى جيوب معينة وأن المعلم لا يحصل إلا على الفتات .
أنا أطالبك كوكيل للمدرسة أن تدفع حصتي للبديل عني .

صرخ الوكيل في وجهه قائلا :
_ طلباتك لا تنتهي يا أستاذ وأنا مثلك عبد للمأمور لا أملك لك شيء وقانون المدرسة واضح؛
عليك أن تلتزم بعملك أو تدفع للمعلم البديل وانتهينا .
خرج الوكيل من أمامها وصفق الباب بعنف .
لم تستطع إلا أن تدخل لمواساة زميلها المنهار على الكرسي وعيناه مغرقة بالدموع .

رفع رأسه وهو يقول بأسى :
_لم نكن نتخيل أن يصل الحال بالمعلم إلى هذه الدرجة من الهوان والعجز يا أستاذة .

لم نعد نتلقى مرتبات من الدولة بل صرنا مطالبين بدفع مرتبات لها .
لم نعد مطالبين بتعليم التلاميذ بل بتجهيلهم ..
لم نعد قادرين أن نعيش بل أن نموت أسوأ ميتة .


في الأحد 24 نوفمبر-تشرين الثاني 2019 10:12:06 م

تجد هذا المقال في موقع التجمع اليمني للإصلاح
https://alislah-ye.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://alislah-ye.net/articles.php?id=599