|
أسوأ ما يعيب مجتمعا ما، أو زمنا ما؛ أن تتحول نظرة الناس إلى الأشياء، فيصبح المعروف منكرا، و المنكر معروفا، و هو ما حذر منه الرسول الكربم صلى الله عليه و سلم. وتبعا لذلك تصبح في نظر البعض نقاط القوة نقاط ضعف، فيما تصبح نقاط الضعف نقاط قوة.
المبدئية والشهامة والنبل والمروءة و الفتوة و الفروسية.. الخ. هذه الصفات وما يلحق بها، هي محل فخر و اعتزاز، و رفعة و علو، سواء تمتع بها مجتمع أو فرد:
إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني عنيت فلم أكسل و لم أتبلد
فهي الصفات الإيجابية، و الخصال الحميدة و الخلال العملية التي لا بد منها للفرد و المجتمع، و هي نقاط قوة، فإن هي غابت في مجتمع أو فرد؛ فلك أن تردد مع شوقي :
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما و عويلا!
ولذلك احتفى عنترة بإقرار القوم له بالنجدة و الفروسية:
ولقد شفى نفسي أبرأ سقمها قيل الفوارس ويك عنترة اقدم.
وكيف لا يُسَرُّ عنترة و يبتهج، و قومه و مجتمعه بأبطاله يعترفون له بدوره، و لا ينكرون مواقفه؛ ذلك أن الاحرار يعرفون للأحرار مواقفهم، و الأبطال يحفظون للأبطال حقهم، و إنما ينكر الأدوار، و يتنكر للأحرار، و يقلل من شأن الأبطال مجتمع العبيد.
وشهادة المجموع للفرد، أو شهادة المجموع للمجموع بإيجابيته، إنما هي مروءة و نبل و شهامة، وما إلى ذلك من ممدوحات الصفات الإيجابية في المجتمع، ذلك المجتمع الذي يحتفي و يفخر برجالاته و أبطاله و قياداته، و هي علامة حياة للفرد و المجتمع، الذي تبرز فيه ذكر المحامد، بينما المجتمع المريض يتنكر و ينكر إيجابيات الآخر، بل و ييعى حثيثا إلى طمسها و تشويهها، و هو مجتمع تبرز و تطفو إلى سطحه المكايد و المناكفات و المنابزات المرذولة، المحذّر منها من فوق سبع سماوات ( و لا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ).
إن انتشار و فُشوْ قيم الرجولة و النبل مما يسهم في بناء الفرد الفتي، و المجتمع القوي، فشيوع المحاسن ترسيخ للإيجابية الفاعلة، و نشر المساوئ إنما هو نشر للسلبيات المدمرة؛ و لذا كان التحذير الرباني الحازم: ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا و الآخرة ).
فرجولة المواقف و نبلها في ثباتها و عدم تحولها، و إن مسلك تمييع المواقف، أو تخاذلها عند المواقف المطلوب وضوحها؛ تحت ضغط عمل خط رجعة، أو بمبرر : سأحتفظ بقوتي و أدع الآخرين يتحملون الأعباء و تكاليف الميدان؛ هذا إذا لم تكن هذه النوعية نأت بنفسها لتتشفي بما يصيب هذا و يحل بذاك، كل ذلك و مثله فقر في النبل و الرجولة، و هروب عن الواجب و المسؤولية .
هذه ثقافة سلبية، و انتهازية دنيئة، و ابتزاز رخيص !
حين فُرضت الحرب على اليمن و اليمنيين، كان يمكن للإصلاح أن يتقسم الأدوار، و أن يضع رجلا هنا و أخرى هناك، و أن يجد له محلا في المنطقة الرمادية، و لو أنه فعل ذلك، لكان كفى أولئك الذين يتولّدون - اليوم - التهم و الافتراءات ضد الإصلاح، و يرمونه بكل ما تصل إليه ألسنتهم من سوء، و يرمونه بكل حجر، بالرغم من أن الاصلاح يتعفف عن رمي أولئك الذين بيوتهم من زجاج!
غير أن الإصلاح أعلن موقفه بوضوح، قولا و عملا، لسانا و ميدانا، وضوحا وصل إلى حد عجز أحزاب و قنوات و موتورين أن يطمسوا أو يقللوا من مواقف الإصلاح أو ينالوا منه شيئا.
فهل أصبح الوضوح في هذا الزمن من نقاط الضعف؟ و هل غدت مواقف الثبات من نقاط الضعف!؟ و هل أصبح الحفاظ على الهوية و رفض التفريط بها من نقاط الضعف !؟
وفي المقابل؛ هل المراوغة و التخفي عن اتخاذ موقف، أو اللا موقف أحيانا، و الوقوع في حبائل حسابات خط الرجعة في مواقف تتطلب الوضوح من نقط القوة !؟ و هل التفريط بالهوية حنكة و دهاء !؟
إنه حين ينادي منادي الواجب لا يكون هناك من موقف إلا القيام بالواجب، و ما سواه خداع و خذلان.
لولا المشقة ساد الناس كلهمُ الجود يفقر و الإقدام قتّال !
في الخميس 08 نوفمبر-تشرين الثاني 2018 05:52:04 م