|
(بطل الجمهورية الثانية )
لقد مثل نبأ رحيل البطل المناضل الشهيد المجاهد عبدالرب الشدادي، حدثاً صادما وخسارة كبرى لأهله ومحبيه وأفراد الجيش الوطني وكل أنصار وقيادة الشرعية، و بهجةً كبرى للقوى الانقلابية نتيجة قيمة الرجل ودوره النضالي.
لم أكد أصدق ذلك الخبر لولا أنني كنت أعرف ظروف المعركة ومعطياتها والنقص في متطلباتها من خلال لقاءاتي و تواصلي مع الشهيد الذي كان يحاول من خلال حضوره الدايم تعويض ذلك النقص وإصراره على تحقيق النصر أو الشهادة، هكذا هم الإستثنائيون الخالدون يموتون فيمتطون المجد والعٌلى.
المكان ذكرني بالشهيد علي عبد المغني بطل الجمهورية الأولى وجعلني أكثر إدراكاً أن معركة سبتمبر و أكتوبر، هي معركة الشعب اليمني من أجل الدولة والمواطنة المتساوية لا زالت مستمرة وتحتاج منا المزيد من التضحيات.
أحدث رحيل الشهيد فراغاً هائلاً في ميادين المعركة والنضال، وشكل فقدانه خسارة فادحة لجيشنا الوطني، وانعكس سلباً على مسار المعركة وسير العمليات، لكن أملنا و رهاننا كبير على زملائه ومحبيه من الجيش الوطني.
إن دم الشهيد وروحه التي قدمها من أجل قضيةٍ آمن بها هي: هزيمة الانقلاب واستعادة الدولة وبناء وطن يتّسع لكل أبنائه، سوف يكون حافزاً ووقوداً يدفع بهم إلى الاستمرار في العطاء والتضحية من أجل تحقيق هذه الأهداف والغايات التي بدون تحقيقها نخون دماء الشهداء وفي مقدمتهم الشهيد ابو سيف.
بعد مرور عام على استشهاده، ينتابني شعور متجدد بعظمة ذاك القائد، لكم كان مخلصاً لوطنه و شعبه والشرعية التي آمن بها وخاض معاركه تحت لوائها, كان صادقاً مع نفسه ومؤمناً بعدالة قضيته، متقناً لعمله ومتفانياً فيه، ومحباً للآخرين، كان كبيراً وهو قائد وصار اكبر وهو شهيد، سيدونه التأريخ في ذاكرة الأجيال كأحد القادة المنقذين للجمهورية اليمنية .
أخذ الشهيد أجازته الدائمة في جنات الخلد لأنه ومنذ حدوث الانقلاب على الدولة والشرعية ومخرجات الحوار الوطني لم يأخذ أية إجازة له ولو ليومٍ واحد؛ كان كل وقته مشغولاً بالمعارك والجنود وجبهات التحرير، يصول ويجول من مكان إلى آخر، يتفقد الوحدات والثُكّنات العسكرية.
عُرف باهتمامه ومعالجاته لقضايا الجنود المختلفة في مكتبه وأثناء زياراته الميدانية، وإشرافه بنفسه على تدريب الوحدات الجديدة وتنقله بين الجبهات المختلفة من شبوة حتى صنعاء مروراً بمأرب و البيضاء والجوف، كان يتقدم الصفوف ويستطلع الميدان ويقتحم المتارس ومواقع العدو بنفسه، ويمكث أياماً وليالي بين الجنود المرابطين في الجبهات حاملاً بندقيته وكِّنانته وزاده وكراسته وقلمه، يحل ما استطاع من مشاكلهم و يضمد جراحهم.
لا أنسى تلك اللحظات الحميمة والشعور بالفخر وأنا أعانق ابن مديرتي مديرية العبدية القائد الشهيد عبدالرب في معركة تحرير الصفراء و براقش وهو قادمٌ من مارب وأنا قادمٌ من الجوف تلك المواقع التي قدمت فيها المقاومة قوافل من الشهداء، حيث أعلمني الشهيد عبدالرب بأن أول شهيدٍ اُستشهد من أبناء مارب في معارك الصفراء 2014م هو ابن ابن عمي الشهيد ناصر احمد العواضي وهذه معلومة لم أكُن أعرفها, كان رجلاً ملماً بتفاصيل المعارك والناس.
كان الكثير مِّنّنا يتسابقون الى المملكة العربية السعودية والإمارات والقاهرة وغيرها، بينما الشهيد مُنذ بدء المعركة لم ينتقل إلى أي بلد آخر خارج اليمن إلا في حالات نادرة كان يدخل إلى شرورة لحضور بعض الإجتماعات والعودة، حتى العمرة التي كان يرغب في أدائها لم يؤدها، كان حجه وعمرته ورفاهيته في الجبهات بين رفاقه وجنوده.
قدم من أسرته وأهله من الشهداء والجرحى في الميادين ما لم يقدمه غيره وأخيراً قدم روحه الطاهرة، لقد قدم هذا البطل لوطنه و قضيته جل وقته وحياته، منشغلا عن هموم أسرته وأهله بانهماكه الدائم بالمعركة والوطن؛ وهذا يدفعنا إلى تكريمهم و احترامهم حتى لا يشعروا بالضيم بعد وفاته ولا يستجيش بخاطرهم ندم أو ألم على ما قدموه. وهذا ما يجب ان يتم مع أسر كل الشهداء الميامين.
من كان يحب الشهيد، فليتمثل مواقفه و ليستمر بالذهاب نحو الأهداف السامية التي ناضل واستشهد من أجلها. ذكرا وذاكرة ذات معنى..
ذات مرة ونحن في مكتبه نتجاذب أطراف الكلام، قلت له: إنني ألّحظ فيك أن أفُّقك قد اِتّسع بحجم الوطن، قال لي أخي حُسين: تأتي لحظات وأنت في أُتون المعركة فتلّحظّ أن كل من حولك يحاولون أن يفتدونك بأنفسهم هذا من مارب وهذا من عمران وهذا من تعز وهذا من ريمة وهذا من عدن و من كل اليمن هذه اللحظات تفعل فعّلها في نفسك وفي تفكيرك فتشعر أن رابطة وعصبية الوطن والاجتماع على قضية هي أكبر من كل الروابط والعصبيات.
في آخر لقاء جمعني به قبل سفري من الجوف إلى الرياض وكنت أحدثه عن إحدى قضايا الثأر في مديرية العبدية قال لي يجب أن نستفيد من هذا الالتفاف و الاصطفاف الذي جمع الناس حول قضية واحدة، ونعمل سوياً على إزآلة قضايا الثأر ومعالجتها، حيث كان يرى أن الناس تجتمع في خندق واحد، القاتل وابن المقتول دون أن يلتفتوا إلى ذلك وأنه يرغب أن أعود سريعاً كي نبدأ بذالك من مديرية العبدية وأنه سوف يبدأ بالقضايا التي تخصه هو وأصحابه.
أخيراً يا فخامة الرئيس يا قيادة الشرعية : هل من المعقول والإنصاف ان تأتي الذكرى السنوية ولم تسدد ديون الشهيد التي كانت للجبهات، وأن تأتي ولم يُقلد أولاده الوسام الذي منحته يا فخامة الرئيس لهم.
صبراً أل شداد إن موعدكم الجنة
وعزاؤكم في الشهيد أنكم قد حجزتم لأنفسكم بتضحياتكم مكاناً راقياً وحيزاً واسعاً في قلوب اليمنيين وصفحات التاريخ..
المجد و الخلود للشهيد وكل شهداء الوطن
الشفاء العاجل للجرحى الميامين
الحرية للمعتقلين الأحرار
دامت اليمن حرة أبية اتحادية
في الأحد 08 أكتوبر-تشرين الأول 2017 05:41:28 م