|
أكثر ما يثير الوجع في ظل هذا الوضع المعيشي السيئ للبلد في حالة غياب الدخل عن آلاف الأسر ووصول البعض لمرحلة الفاقة والجوع هو وجود الكثير من هذه الأسر التي كانت مستورة الحال، وقد وصلت إلى حال مأساوي, حرج ومع ذلك تتعفف عن السؤال, وتخفي ما الله به عليم, وتكابد أصعب الظروف في صمت ومحاولات دؤوب لتحسين الوضع بأعمال قد لا ترقّع ما مزقه الفقر من ستر!
ولعل الصمت والصبر على الحاجة صار أهون الطريقين في نظرها من مشاهد فضح الفقراء التي تحدث باسم تقديم الصدقات والمساعدات والتي تجعل الكثير يفكر بالموت جوعاً حفاظاً على كرامته وكبريائه بعد أن صارت أقرب لحملات التشهير خاصة لتلك النوعية من الأنفس العفيفة الصابرة.
تلك الحملات التي لا نشكك في جدواها أو مصداقيتها وإنما في سوء طريقة التوثيق في حق هؤلاء الفقراء الذين جمعت الحرب عليهم أسوأ الأمرين جوع وحرج وكشف بين الخلائق.
الفقر ليس عيباً، إنما العيب أن تستغل حاجة المحتاجين لجمع التبرعات من المنفقين والداعمين بطريقة العرض المحرج والمخزي للمحتاجين، وكان الأولى في أقل الضرر أن يتم توثيق الحالات بشكل سري إذا اشترط الداعمون هذا التوثيق.
وهناك الأسوأ، وهو ذهاب نصف هذه التبرعات والدعم إلى جيوب من يجمعونها تحت مسمى القائمين عليها، وما هي إلا طريقة مواربة للترزق على حساب الفقراء والمحتاجين بعد أن صارت متاجرة باسم الفقراء والمعوزين يختمونها بالمجاهرة بكشف سترهم على الملأ.
ولعل النبي -في هديه- كان لديه شعور إلى أي مدى ستصل أمته من اللامبالاة بإحساس الفقير وحرجه فحثّ على إخفاء الصدقة في حديث السبعة الذين يظلهم عرش الرحمن فقال: "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه".
فأين نحن من هدي النبي الذي بالغ في تخيل دقة هذا الإخفاء وجعل اليد اليسرى لا تعلم ما تفعل اليد اليمنى وهو تصوير بليغ لفضل إخفاء الصدقات مراعاة لحرج العفيفين من الناس؟!
فبالله أيها المحسنون أحسنوا ولا تجعلوا كل الناس يرون إحسانكم.. يكفي أن يراها الله وهو خير المحسنين.
في الأحد 28 مايو 2017 02:50:47 ص