الثلاثاء 03-12-2024 21:11:14 م : 2 - جمادي الثاني - 1446 هـ
آخر الاخبار
الحوثيون ومنطق الأشياء الطبيعية!
بقلم/ فهد سلطان
نشر منذ: 6 سنوات و 8 أشهر و 22 يوماً
الإثنين 12 مارس - آذار 2018 10:50 م



نحاكم الحوثيين الى منطق الأشياء الطبيعية, وهذا من وجهة نظري تصرف خاطئ, نخسر بسببه الكثير, ويستفيد منه الحوثي بطريقة مباشرة وغير مباشرة, منطق الأشياء أن الدول تعمل على حفظ الإنسان والاستثمار فيه, وتوفير كل سبل الرفاهية وخدمته, ولا معنى للدولة إذا لم تقم بذلك وتحرص عليه, وهذا المعنى لا يعني الحوثيين في شيء, بل لا يفهمون في هذه اللغة التي تتباهى فيها كل دول العالم المتحضرة وحتى المختلفة التي تعترف بمشكلتها وتنشد الوصول إلى الوضع الطبيعي, غير أن الحوثيين لهم رؤية تفهم من سلوكم على الواقع لا تنتمي لأي معنى من معاني الدولة لا في القديم ولا في الحديث!
وللدلالة أكثر على ذلك نضرب هذه الأمثلة؛ الأول: محافظة صعدة, فمنذ سقوطها كاملة بيد الحوثيين في 23 مارس/ اذار 2011م وحتى السيطرة على العاصمة صنعاء سبتمبر/ ايلول 2014م, من قبلهم أيضاً, لم يقوموا بأي تصرف أو موقف من سلوك الدولة ورجالها, باستثناء شطب كل الموظفين من خارج المحافظة ومن المناوئين لهم واستبدالهم بموالين لهم فقط, ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم لم تبن مدرسة ولم تشق طريق, ولم يفتتح أي مشروع تنموي أو خدمي مطلقاً, وبقيت كما هي, ومعاناة الناس هناك في معقلهم لم تكن حافزاً للعمل بقدر ما حاولوا الاستثمار بالمعاناة أمام المنظمات الدولية.
وبالتالي نقد الحوثيين باعتبارهم رجال دولة أو أشخاص أسوياء أو أنهم قدموا بعد فوز في الانتخابات هو الخطأ الذي نقع فيه باستمرار, فلا ما نكتبه حول ممارساتهم الغريبة والعجيبة والخارجة على منطق الأشياء ضغطت عليهم لتعديل سلوكهم العدواني, ولا نحن فهمنا منطق التعامل مع هذه الجماعة بشكل صحيح, بحيث نستطيع فهم التعاطي معها من أجلهم ومن أجل البلاد في نفس الوقت!
مثال ثالث: منطق الأشياء يقول أن هدم المساكن عمل مشين مهما بلغت درجة الخصومة والجرم, وبقدر ما يحدث هذا التصرف المجنون من صورة سلبية للحوثيين أمام الداخل والخارج, وولد صورة سلبية عنهم وعن تصرفاتهم, إلا أن هذا المنطق لا يعنيهم ولا يبالون فيه, ولا يمكن لأي قوانين أخلاقية دينية أو قانونية أن تقنعهم بأن هذه الأفعال إجرامية, وهي سلوك عصابات ولا تنتمي إلى منطق الدولة بشيء!
مثال رابع وخامس في نفس الوقت: تجنيد الأطفال وتوسيع رقعة المقابر, الأول سلوك معترف به دولياً على أنه محظور وتمارسه العصابات فقط, ومع الإدانات المحلية والدولية لهذا السلوك إلا أن الحوثيين لا يعنيهم ذلك, ويتصرفون ضد منطق الأشياء مع أن الفطرة السليمة ترى أن هذا العمل منافٍ لمنطق الأشياء الطبيعية؛ فالأطفال تتسابق الدول في استثمار عقولهم من اجل المستقبل, فيما الحوثيون يفخخون المستقبل ويستهدفون هذه الشريحة بشراهة وجرم لا مثيل له, ولا يمثل لهم كل النقد الموجه لهم بسبب هذه الجرائم أي تعديل أو توقف أو خجل. ومثله زيادة أعداد المقابر, حيث ينظر الناس بحزن عميق كلما سقط شخص أو قتيل في حرب, فيما يسير الحوثيون ضد منطق الأشياء فتوسع المقابر وافتتاحها وتشيدها يعد مفخرة لهم ويتباهون في وسائل الإعلام بصورة غريبة وعجيبة, ولا يبالون بمخاوف الناس ولا بما تخلفه الحروب, ولا ما هي الآثار التي تتركها, ولا بهذه الطريقة في العداء للحياة والاحتفاء بالموت, كل ذلك لا يعنيهم.
أمثلة كثيرة يمكن إثباتها والاستشهاد بها للتأكيد على هذه الحقيقة, وهو ما يجعلنا نصل الى النتيجة التالية أن منطق التعامل مع الحوثيين على أنهم رجال دولة خطأ, وأن المطالبة بتعديل السلوك أو الرجاء منهم السير وفق منهج الدولة والحكومات خطأ أيضاً, وقديماً تقول الحكمة "فاقد الشيء لا يعطيه".
وهنا يطرح السؤال.. إذا كان الحوثيون ليسوا رجال دولة وأن هذه الجرائم لا يمكن أن تفعلها الدول ضمن منطق الأشياء, فما هو التوصيف المناسب لهم, وحتى لو اعتبرنا أن الحوثيين عصابة, وهذا التوصيف صحيح إلى مستوى كبير, فهذا يعني أن مخاطبتهم بمنطق الدولة سوف يزيد الكارثة, وان التعامل معهم كعصابة يمكن أن يساهم في فهم سلوكهم العدواني, وكيف أنهم يتخفون تحت مسميات الدولة ويمارسون أعمالها وهم في نفس الوقت يرفضون أي أخلاق تتسم به الدولة باستثناء احتكار العنف ولكن بلا قانون واضح الملامح.