الخميس 14-11-2024 03:29:25 ص : 13 - جمادي الأول - 1446 هـ
آخر الاخبار
حوارٌ في الجبهات!
بقلم/ عمر دوكم
نشر منذ: 7 سنوات و 3 أشهر و 15 يوماً
السبت 29 يوليو-تموز 2017 10:49 م

لا أسوأ من حروب الحوثي، ولا أفظع أثراً وأشد تخريباً وتدميراً لليمن إلا النزعة الطائفية والنَفَس المذهبي الكريه الذي تتدثر به تلك الحروب، وهو بذلك يثبت أنه ليس سوى مجرد أداة لتنفيذ أجندة المشروع الصهيوأمريكي – الذي يدعي ليل نهار أنه يعاديه- لتقسيم وتفكيك المنطقة العربية والإسلامية طائفياً.


وتلك صارت إحدى الحقائق المسلم بها لدى شباب الربيع اليمني، ومن ورائهم عموم الشعب، المناهض تماماً وعلى طول الخط للمشروع الحوثي...


ومن خلال زياراتي المتعددة لمقرات الألوية والمحاور في مدينة تعز أو للمرابطين في مناطق المواجهات وخطوط التماس في ضواحي تعز وأريافها، التقيت المئات من شباب المقاومة، وحاورت العشرات منهم حوارات مباشرة؛ يبهرك هؤلاء الشباب بمستوى النضج الفكري والثقافي ودرجة الوعي السياسي بجميع أبعاد ومستويات الصراع مع الحوثي..

تجد حساً مشتركاً لدى الجميع بمغازي ومرامي الحوثي لتطييف الصراع وإلباسه بعداً مذهبياً؛ ولذا فلديهم حذر شديد من أن يستخدموا في أدبيات مقاومتهم له؛ في أناشيدهم وخطابهم؛ وفي توجيههم المعنوي أية مفردات أو وسائل توجيه وتوعيه ذات منزع طائفي أو مذهبي، وبحسب تعبير أحدهم: إننا نعلم أن هذا هو الفخ الذي يريد الحوثي جر المقاومة واليمن عموماً إليه، بحيث نستوي معه في المنطلق الأخلاقي والثقافي؛ طائفيٌ يحارب طائفياً، ومذهبيٌ يقاتل مذهبياً.. وهذا ما لا يستقيم مع مبادئنا كمقاومة للكهنوت الحوثي والاستبداد العفاشي، ولا كشباب خرجوا في 11 فبراير ينشد الدولة المدنية؛ دولة المؤسسات وسيادة القانون.


أدركت من خلال تلك الحوارات والزيارات أن الانتصارات التي تتحقق في هذه المحافظة وعموم المحافظات التي تتواجه مع الحوثفاشيين، ليست انتصارات عسكرية فحسب، بل هي كذلك على مستويات أهم وأعظم؛ على المستوى الأخلاقي والفكري، وكذا على مستوى الوعي السياسي.. وليس في الأمر أية غرابة. فعدد كبير لا يستهان به من هؤلاء الشباب المرابطين في تلك الجبهات هم من حملة شهادة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.


نعم والله.. وجدتهم هناك في جبل هان وجبل جرة والمكلكل وعلى تخوم جبهة حمير، وكثير كثير منهم جامعيون، وفي أيام امتحاناتهم الجامعية كهذه الأيام؛ ليس نادراً أن تجد الشاب منهم ساهراَ في مترسه، يدٌ على الزناد ويدٌ تفتح الملزمة والكتاب الجامعي، ففي الصباح تنتظره قاعة الامتحان..!


- ما هذه العظمة يا شباب اليمن! ما هذا المجد الباذخ يا لواء الطلاب! ما هذه البطولة النبيلة يا لواء الصعاليك ولواء العاصفة!
إذا قٌدر لك زيارتهم قارئي العزيز في جبهات البطولة والشرف، فهناك وفي ظلمة الليل ستلمح بريقاً تلتمع به أعينهم؛ كله عزمٌ وإصرارٌ أخاذ، ومروءة تجتذب كل إليهم كل النبلاء والأحرار.. سترى أعيناً وقلوباً شابةً واعدةً تضيء بالأمل والتفاؤل والغايات الأسمى لتحقيق أحلام وطموحات سعى لها جميع الأحرار اليمنيين في العصر الحديث ومنذ بدايات القرن العشرين.. سترى هناك المطاع والبراق وحورش ومحمد عبدالله المحلوي.. سترى هناك الزبيري والنعمان والإرياني وجازم الحروي وحسن سعيد (إبليس الحجرية) وأحمد ناشر العريقي... سترى شباب اليمن وإرادتهم الجبارة لبناء اليمن الذي يسعُ اليمنيين جميعاً ويحقق كرامتهم ومجدهم وحريتهم..
- جمعت بعض محاوراتي في تلك الجبهات مع مجموعات من شباب المقاومة هناك، واكتفيت منها بالمتعلقة بموضوع الطائفية والدولة المدنية وعلاقتهما بالمعارك الدائرة مع الحوثي.. وصغتها لكم –قرائي الكرام- كمحاورة ثنائية أضعها بين أيديكم بلا تعليق، فهي بذاتها تغني عن كل تعليق!

 

حوارٌ في الجبهات!.

- قال لي: قتالنا مع الحوثي ليس قتالاً دينياً!
- قلت له: هل تعني أن الدين لم يأمرنا بقتالهم؟!
- قال: أعني أننا لا نقاتلهم لأنهم روافض ومجوس و.و.و. إلى آخر ما يروج له ويهرج به بعض من لا أراهم يفقهون! لسنا بسبب خلافنا المذهبي معهم نقاتلهم.
- قلت له: فلمَ نقاتلهم إذن؟! أمن أجل السلطة والسياسة؟!
- قال ضاحكاً من سؤالي: لو كان قتالنا معهم بسبب الاختلاف المذهبي أو حتى العقائدي كما يروج البعض لكنا قاتلناهم منذ عشرات وربما مئات السنين. أي منذ وُجدوا في أرض اليمن..ولكان منهجنا أن نظل نقاتلهم حتى يبيدونا أو نبيدهم! يا أخي نحن تعايشنا حتى مع اليهود.
- قلت: أفهم من كلامك أنك تقاتلهم بدافع سياسي.. خلافات سياسية هي إذنْ والدين بعيدٌ عن كل هذا؟!
- قال: فرقٌ بين قولي لك قتالنا ليس قتالاً دينياً، وبين قولك: الدين بعيدٌ عن كل هذا.. الإسلام كما أفهمه أباح لكل من أُعتُديَ عليه أن يدافع عن نفسه. {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا} . {ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}.
- قلت له: أهذا هو ما جعلك ترابط في هذي الجبهات؟ أهذا هو سبب جلوسك في هذا المترس الآن؟!
- قال: أنا أقاتلهم لأنهم أرادوا فرض إرادتهم على اليمنيين بقوة السلاح, واغتصاب إرادة الناس.. وفوق ذلك بسبب قصفهم الوحشي على مدينة تعز، لم تستثنِ مدافعهم شيئاً؛ لا المستشفيات ولا المدارس ولا البيوت على رؤوس ساكنيها.. ولعلمك فأنا لم أحمل السلاح في 2011. ولا حتى بعد محرقة ساحة الحرية. البعض حمل السلاح وأنا كنت معارضاً لذلك؛ لأنه في ذاك الوقت كان مازال لنا في معارضتنا السلمية وجاهة وفيها مندوحة.. وحتى عندما أطلقوا النيران على المتظاهرين السلميين وقتلوا منهم 12 متظاهراً بسبب اعتصامهم أمام الأمن المركزي احتجاجاً على قدوم ألوية عسكرية متوجهة إلى عدن عبر تعز.. إلى ذلك الوقت لم أكن مع حمل السلاح.. كنتُ متردداً!
- سألته: ومتى خرجت للقتال في الجبهات بالضبط؟
- قال: عندما رأيتُ ما حدثتك عنه.. لقد رأيتهم يقنصون أطفالاً دون سن العاشرة وشباباً في أحيائهم أمام عينيّ..وبعد مجزرة الكاتيوشا على السوق المركزي وسط مدينتي مدينة تعز..لقد قطعوا أمامي أي عذرٍ أو مجال للتردد.
- قلتُ له: أفكارك تعجبني ووعيك هذا يطربني.
- قال: ولكن ما سأقوله لك الآن لن يطربك ولا أظنه سيعجبك !قلت: هات ما عندك.
- قال: بعد انتهاء هذه المعركة سنتفرغ لمواجهة ما كان سبباً في تأخرنا في النصر.
- قلت ماذا تقصد؟!
- قال: إن ثقافة وقيَم على صالح مغروسة في البعض غرساً ولا أستثني من ذلك بعض القيادات المحسوبة على المقاومة..سنعود لنضالنا السلمي من جديد ولكن ضد هؤلاء هذه المَرّة وبالكلمة المُرّة على رأي عبدالحبيب سالم!. أقصد بالديمقراطية ووسائلها السلمية..
- قلت له: أتفق معك تماماً؛ الاستبداد والفساد ليس شخصاً بل ثقافة وقيَم، وهي تُواجَه بثقافة وقيَم بديلة.. أما السلاح فهو استثناءٌ مقيت ألجأتنا إليه هذه الجماعة القادمة من كهوف التاريخ.
عند ذلك جاء من يستدعيه وزملاءه من المترس لمهمة في الجبهات المتقدمة. وغادرت أنا المترس وأنا لا أتمالك نفسي من السرور والانشراح..
- إن هذا الشباب ومجموعتهم ليست الأولى ولا الثانية ولا حتى العاشرة ممن قابلتهم في الجبهات يحملون هذا الوعي، إنهم تيار جارف تعجّ بهم المدينة الحالمة تعز.
- يا إلهي إن تعز تدهشني.. إن تعز تحييني .. إن تعز قلبُ اليمن, وهؤلاء الشباب هم نبضات هذا القلب الجميل؛ فاحمِها يارب واحمهم؛ واحفظ بهم سائر ربوع يمننا الحبيب.