الخميس 28-03-2024 17:33:21 م : 18 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار
الأبعاد الاستراتيجية والحضارية في خطاب رئيس حزب الإصلاح
بقلم/ سليم عبدالعزيز
نشر منذ: سنتين و 6 أشهر و 10 أيام
الجمعة 17 سبتمبر-أيلول 2021 01:42 ص


في خطاب أو كلمة رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني الإصلاح في ذكرى تأسيسه الـ 31 ، نلمس كل ما هو استراتيجي وحضاري، إن على مستوى اللغة ومفردات الخطاب، أو على مستوى الفكر والمواقف والعلاقات ككل. وهذا ما سنحاول قراءته وسبره علميا من خلال العنوان الرئيسي لهذه المقالة العلمية.

- بعد تعريجه وتركيزه على التعريف بحزب الإصلاح وتأسيسه وتبيان مواقفه وسلوكه السياسي والإستراتيجي وتمأسسه ككل بناء على سلسلة من القيم وإبانة بعده الحضاري كشيئ ووجود، ها هو يؤكد ويتوخى الإنطلاق لتأسيس حضاري وفعل سياسي واجتماعي وثقافي ونضال وطني يكشف حقيقة الحزب بما هو عليه، ووضع لبنات اساسية استراتيجية وشاملة لكيفية الخروج يمنيا "=وطنيا"؛ حيث القطع مع مبدأ الهوية لليمن الدولة والحزب ككيان سياسي، وتجديد الذات من خلال الفعل التاريخاني وصولا لتجديدها والتوكيد عليها.

 

فاستراتيجية ادراك (المدركات وأهميتها)-حسب ابراهيم العلاوي الوزاني- أو ضرورة الإحساس بها وخلق الشعور الموحد ازاء تلكم المدركات يشكل الأولوية والبعد الأهم؛ حيث الجماعية هي العنوان المعنوي لكل ما هو مشترك في التراث اليمني/العربي/ الإسلامي/ والإنساني والدولي، كدوائر تكاملية أعني، لأن استمرارية الكيان السياسي مع ما يعني ذلك ويتضمنه وينطوي عليه ك"الدولة"، فمفهوم الدولة يفرض مفهوم السياسي من ذات نفسه -كما يقول فتحي المسكيني- وبالتالي فالقوى الحزبية والسياسية والوطنية والمدنية مرتبطة بحسن الإنصات لصوت المجتمع اليمني المتعدد وواحدية الشعب والدولة والنظام، ومن ثم يتعين على الكيانات السياسية استيعاب تلكم الأفكار والتحول نحو توطينها، وبحيث تمثل المدخل لدحر الإرهاب والتطرف الميلاشوي وصبغة الإحتلال الإيراني التي تبتغيها من خلال الحوثية، وهذا يقوم ويتأسس على نضال وثقافة واخلاق وقانون على نسق المدركات الجماعية تلك، والتي تجعل من قيمة الفرد اليمني مستمدة من الجماعة، وهذا يتطلب ويفرض عملا كفاحيا من أجل هوية جامعة لتخصيب العمل والفعل الوطني والسياسي في هذه المرحلة الخطيرة؛ فتنمية روح الإحساس الجماعي والمشتركات الحضارية وبعمقه الوطني وتكامله بدوائره العربية والدولية والإنسانية شرط للمجابهة والمفاصلة والنهوض الحضاري من ثم.

فالمشاركة هنا تأسيس جمالي يجعل من الإختلاف والتعدد والتنوع كثروة؛حيث "الوطن ذاكرة حضارية وخط أحمر وفصيلة دم ينهض برساميله الرمزية" -حسب الوزاني- والتي لا ترد إلى السلالية والعنصرية والطائفية والمذهبية والجهوية، أو إلى جبناء النوع السياسي المنبت "=المنفصل" عنها(والعبارة ايضا للوزاني"، بل إلى صيغته الحضارية وواحدية هويته الجامعة، وإرثه في التأثير والتأثر الوطني والعربي والإنساني ككل.

وهو بهذا يعرج ويثير الإهتمام بعرى التاريخ والثقافة العامة والسياسية -حيث مفهوم الثقافة السياسية فرع أو جزء من الثقافة العامة لأي شعب ومجتمع - والتي تأسست وتآلفت وفق منطق تراكمي يجعل احتمالية تقويض الكيانات السياسية والدولة في حكم الإستحالة، سواء باسم قومنة الأقليات أو باتباع سياسة التطييف، أو بداعي اعلاء الخصوصية وما إلى ذلك.

ففك الإرتباط او الإنفصال "الإنتقالي" ومن إليه مع التاريخ ومحددات الانتماء يهدد الوحدات القومية "=الوطنية" في وجودها، ويعني الإيمان بمنطق التاريخ وجود علاقة عضوية تكونت عبر الزمن بين الأرض والجماعاتية، وهاته العلاقة في الحالة اليمنية هي ما تمنح المعنى المنطقي والواقعي للوحدة اليمنية، اذ بتطاول الإنتقالي وداعميه على الدولة تكون الهويات القاتلة والعدمية -بحسب معلوف وبشارة بالترتيب- كا الحوثية والقاعدة وكل جماعات العنف والميليشيات ارهابية بهذا المعنى؛ حيث أن محاربة الخطر الحوثفارسي وكل ما ينطوي عليه ذلك الخطر المحدق، لا يكون عبر استجرار الإنتقالي بكونه مقودا لحروب الكبار، لأنه سينتهي به المخاض للتحصن بالميليشات، كما يظهر عدم ايمانه بالعيش المشترك في دولة كاملة الأركان، وهو بهذا يتوخى اخراج الإنتقالي من مفهوم الجماعة القروية او الجهوية والجغرافوية،اذ الجماعة هنا ومحاولة الإستقواء بالجغرافيا (من زاوية اقليمية) لا تتقاطع مع مفهوم الدولة والكيانات السياسية، بل ومع كل المجموعات الأخرى، اذ أن الأجزاء زائد التفاعلات التي تنشأ بين تلكم الأجزاء هي ما ستعطي الإنتقالي مكانته لا العكس.

والأمر عينه ينسحب على كل الكيانات السياسية بما فيها الإصلاح نفسه، إذ الدولة الواحدة هي الأساس لكل ذلك، وأي كيان لا يقر بذلك إنما هو في المحصلة والحقيقة يمثل ارتدادا لمرحلة ما قبل الحضارة وبالضد من الدولة كفكرة ووجود، وضدا على مدركات الأمة اليمنية ككل؛ فالدولة والجمهورية والوحدة والتعددية والحريات العامة والخاصة والنظام العام والجيش والأمن كمؤسسات وطنية وأمنية كلها في صلب تلكم الثقافة العامة والسياسية التي تأسست وتمأسست وتراكمت وأضحت بمثابة محددات للإصلاح وكل القوى الحزبية والسياسية على حد سواء، فهي ليست ترفا يقال هنا أو تؤول على نحو مرذول ومدمر.

كما أن الخطاب العقلاني والمسئول والحر هي من لغة العقل والإطار الحضاري والإنساني؛ فالخطاب الذي يعج بالشتائم والتحريض والإسفاف والإستهداف الممنهج ليس دليلا على الحرية، بل على الإبتذال، ابتذال اللفظ والفكر معا. فضلا عن كون التمسك بالمجد "مجدك أيها الإصلاحي" والعمل بمقتضاه وبم يفضي إليه يجعل المصلحة العامة والوطنية هي الأساس، لا المصلحة الخاصة التي تتقاطع والمجد والمصلحة العامة كلية، اذ الإصلاح لم ولن يكون حزبا فئويا أو جهويا او طائفيا وما إلى ذلك، بل حزبا متأسسا ومتأسيا الأبعاد الحضارية كما هو في تأسيسه ومرجعيته الأيدلوجية الضاربة اطنابها في عقل ووجدان ومحددات وهوية الشعب اليمني وثوابته الجليلة.

 

ووضع اليمن سياسيا واجتماعيا وثقافيا وعربيا اقليميا ودوليا وانسانيا أمام موجبات الوصل الحضاري والإستراتيجي الذاتي، يحتم القطع مع حالة الإستلاب الحضاري الذي يقتفيه مبعوثي الأمم المتحدة، اذ التحرر في اليمن دولة ومجتمعا يمر عبر موجبات الوصل الحضاري والإستراتيجي ذاك وما جسدته القرارات الأممية ذات الصلة واضحت مرجعية للجميع،وهو بهذا يربط ابيمستولوجيا بين الذات العارفة ووحدة الموضوع المعرف"القضية اليمنية الواحدة" وفضاء الإنتماء الحضاري لتلكم الذوات وعلاقاتها بالإقليم أو الجوار العربي"السعودية" والعالم ككل.

أي أنه يشير هنا إلى لا جواز - بالمعنى السياسي- النظر لليمن القضية والمبدأ والتوجه والهوية وعمق الإنتماء من زاوية أمنية منفصلة عن تلكم الذات الحضارية والإستراتيجية، بل كحلقة وصل حضاري وديمومة مستمرة لا منقطعة، متشابكة ومتداخلة امنيا وسياسيا ومصالحا واستقرارا ومستقبلا معا؛ حيث الأمن والسياسة والإستقرار الإجتماعي، مرهونا بالتحرر من ارهاب الحوثية التي هي في العمق والأصل والصيرورة أداة ومرتكزا لتجريف الهوية واضعاف الإنتماء وتفكيك الروابط الحضارية تلك، وضرب الإستقرار وتسميم المستقبل وعلاقات اليمنيين ببعضهم وعلاقاتهم الأخوية والإنسانية برمتها، ويكون الأساس لكل ذلك بوصفه استقلالا واستقرارا وتراكما ممأسسا ومتأسسا على لبنة البناء الحضاري تلك وارث الإنسانية الذي نتشاركه ونتقاسمه سويا.

وما التشديد على السنن الإجتماعية والسياسية في وحدة الخطاب والذي تخترقه من بدايته إلى نهايته الا بكونها تعطي معنى للوطنية ووحدة الكيان الدولتي لليمن؛ حيث أن تلكم السنن الإجتماعية والسياسية هي ما تحيل المجابهة الوطنية مع إيران ومشروعها اللامشروع معنى ومعطى ثوريا، عبر تجاوز الذات إلى الموضوع، وبحيث تمكن هذه القوى الوطنية والحزبية والسياسية من صنع تاريخها والتأثير بمجريات ما يحدث لا الوقوف على تخوم العجز ورفع العقيرة اعلاميا، والتملص من الفعل والفاعلية واجتراح النسق، بل وأن تصبح تلك السنن والأفعال وتحول الخطابات إلى ممارسات واجراءات وفق نسق خاص بها وخيارا ممكنا في درب استعادة الدولة التي لا يكاد يختلف عليها ووظيفتها وضرورتها ومكانتها أحد.

وهو ما ينبغي الوصول إليه وفقا لانصباب تلك القوى مجتمعة منه كتميز حضاري وضرورة استراتيجية "سبأ وحمير" ، وما اجترحته من قيم ونظم وفضائل كالتعددية والتنوع والإختلاف، وصولا لصيرورتها جميعا الجمهورية والديمقراطية والوحدة، أي نظرته تلك ومقتضى ما تحتويه من معان ودلالات وتختزله كسياقات وانساق حضارية اشتملت عليه كتجارب سياسية فذة "المشترك نموذجا" كقيم وليس فقط مجرد مفاهيم، الأمر الذي يعني الإنتقال بها من مفاهيم إلى قيم تحكم طريقة العمل والأداء وتقويم الإعوجاج وفتح مسارات جديدة لتوحيد الجهود؛ حيث انها تمثل مدخلا للعمل والفعل كذوات واشياء حرة عبر ادراك ارتباطاتها الحضارية والإستراتيجية برمتها. أي خلق المستقبل يكون عبر تجاوز الحاضر المميت بعد فهمه واستيعاب دروسه القائمة والتي مضت، وإدراك اهمية التحرك صوبه عبر الحفاظ على الكيانات السياسية التي لن تكون ولا كانت الا من خلال الدولة والنظام السياسي، والفعل الوطني لا يكون الا عبر وعي تاريخي؛ حيث لا بد من تحقيق غاية العدل كصفة إلهية وقيمة كونية عظيمة، اذ العدل هنا بكونه " بنية تحتية للوجود والطبيعة والمجتمع والعلاقات البشرية" كما يقول شريعتي، وبوصفه سنة كونية تعنى بالكفاح والنهوض والإبحار من اجله وحمل الأمانة المستمرة على طول التاريخ، وتعاهدا على فك الإنسان اليمني من رداء الظلم والحيف الذي يلحقه أو يمارس باسمه من قبل الحوثية ومن إليها.

ختاما: يشير إلى الإقليمية والدولية من زاوية عدم اخضاع القضية اليمنية لمقاربات وفق مصالح وأجندات جيبوليتيكية متقلبة، بل وفق تلكم الأنساق الحضارية والقيم الجيواستراتيجية التي تحكمنا جميعا، خصوصا وعلاقات الاخوة والمصالح الإنسانية المشتركة والجوار ووحدة التاريخ والمصير الحضاري والإنساني المشترك هي التي عليها أن تحكمنا جميعا، سيما وأن التكامل الإقليمي العربي والدولي كمطلب استراتيجي، هو لحماية الدولة اليمنية في العمق، خصوصا والمشتركات الإنسانية وادراكها تؤسس لأفعال حضارية مع الجوار والعالم.

كما أن قضية المرأة أو المرأة القضية لا تنفصل عن تلكم المفاهيم والمحددات الثقافية وعمق الإنتماء الحضاري والإستراتيجي لمكانتها ودورها، فهي بمثابة جناح للنهوض الوطني لا يمكن التحليق بدونها وجناح الرجل ايضا.

وما التذكير بانهيار العملة وتفشي الفقر وتردي الخدمات، وأوضاع الطلبة المبتعثين والمغتربين وانهيار الأمن وبلوغ الفساد مستويات محبطة وتنامي ثقافة الإفساد الا نتائج لذلك الإنفصال الحضاري وعدم التكامل الإستراتيجي للمشروع الوطني؛ حيث الحكومة هنا ليست جهاز حكم ولا سلطة فوق الدولة بل جهاز خدمة وعليها أن تقوم بواجباتها وأن تشكل حجرا في بناء استعادة الدولة والنهوض الحضاري لا العكس، فالشهداء والجرحى وذوي الإحتياجات الخاصة جزء ولبنة اساسية في احياء نموذجنا الحضاري واساس استراتيجي للتوجه والإرادة الجمعية التي لا بد وأن تحكمنا جميعا، فالقادة المواطنين"=الطلبة" والمغترب والشهيد والجريح والفساد كلها ملفات وطنية يجب معالجتها، وأن على الحكومة أن تعمل بمقتضى ذلك وليس كجزر معزولة، اذ ان تراكم تلكم الملفات وعدم النظر إليها من زاوية وطنية ونزال استراتيجي ومجابهة حضارية فإنها ستطيل من عمر الأزمة اليمنية، وتشكل عامل اعاقة امام مشروعنا الإستراتيجي والحضاري الذي نروم.