السبت 20-04-2024 12:18:44 م : 11 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار
الأرقام الصحيحة ثمار بلا ضجيج
بقلم/ أحمد عبدالملك المقرمي
نشر منذ: 3 سنوات و 5 أشهر و 17 يوماً
الأحد 01 نوفمبر-تشرين الثاني 2020 09:16 م
 

كما ينساب الماء في الحقول، بهدوء ألطف من رقة النسيم، فيشعل ثورة في الأرض تتوهج بالنبات من كل نوع بهيج، فيستوي على سوقه، فيعجب الزراع، ويؤنس النظار، وكما ينتشر الضوء، ليطوي الظلمة، وينير الدروب، فتنتعش الحياة ثمارا ونورا.

هكذا تنساب الأرقام الصحيحة في عملها، تضع خطوتها الأولى بثبات، وتتابع الخطو بثقة، فتواصل السير دون تردد، وتمضي فيه بلا تخاذل، تبدأ خطواتها الأولى، غير عابئة بمشقة الطريق، ولا آبهة بمتاعبها، لأنها تستلذ بذلك النور الذي يتراءى لها وميضه على جنبات الطريق، وفي كل حين، فتجتهد معه أن يكون -يوما- فجرا ساطعا، ونورا مبينا.

بهذه الروح، وهذا العزم سلك الأستاذ مهيوب سعيد مدهش طريقه في العمل والحياة.

نزل أرض الجنتين، فاستدعى تاريخها الوضاء، وحاضرها الفتي، فقلّب صفحات تاريخها، واستنهض همم فتيانها، وبدلا من "فأعرَضوا" في زمن غبر، إذا هو وفتيانها يؤمون صفحات تاريخ قد أشرق "أتاكم أهل اليمن"، فمضى ينساب كجريان الماء، يمسح القلوب بسحر النسيم، ويدغدغ النفوس كهواء عليل، ويسقي الزرع بماء طهور، فإذا الخمْط وقد غدا نخلا باسقات لها طلع نضيد، وإذا الأثل وقد أصبحت جنتاه تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ثم تكشف مأرب عن معدنها، فإذا هي ذات قوة ورأي سديد، وإذا هي حصن الجمهورية الحصين، بحبل من الله، وحبل من رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وبفتية آمنوا بربهم، استنبتوا -بفضل الله- الصحراء، واستعادوا الجنتين.

للسيل في قمم الجبال ومنحنياتها هدير وقصف، لكنه إذا ما خالط السهول والوهاد، سار منسابا رقراقا، يذوب رقة، ويثور نباتا، وشجرا، وبراعم، وزهورا، وثمارا.. فحياة.

رحم الله الأستاذ المدهش مهيوب سعيد مدهش، كان هذا نهجه ومنهجه، وسيره وفلسفته في ميدان البناء والعمل التربوي المبدع.

هذا الرقم الصحيح الذي أثمر بلا ضجيج، يذكرني بأرقام حبيبة كريمة كان لها نفس طريقة وفلسفة أستاذنا المدهش، أتذكر بعضا من هؤلاء الأساتذة الكرام ممن قد قضوا نحبهم، أتذكر عبد الله عبد الله قشوة، أتذكر أحمد عبد الواسع الذبحاني، أتذكر فيصل عبد العزيز الضلعي، وآخرون غيرهم في كل محافظة، وليس هنا مجال حصرهم. وفي الأحياء -مدّ الله بأعمارهم- أرقام ما تزال تعطي وتثابر، تعمل بلا كلل، وتواصل السير بلا أنين، نحسبهم جميعا في الأتقياء الأخفياء، والله الكبير المتعال سبحانه هو من يتولى جزاء الجميع.

إن نكران الذات مركب صعب، ولا يقوَى عليه إلا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فحظ النفس رفيق نزق، وصاحب ضار، والسعيد من طوى هذا "الحظ" ورمى به وراء ظهره.

فنكران الذات روحه توفيق الله عز وجل، وخيريّته الاستمرار عليه بلا ملل، والديمومة بلا ضجر . 

وضَعَ الأخفياء الأتقياء معالم، لم يعالنوا بها، وإنما دلت عليها أعمالهم، ودفعت بهم إلى الواجهة أفعالهم، دون سعي منهم في حب الظهور، ولكن:

وكن رجلا إن أتوا بعده  
يقولون مَرّ وهذا الأثر

فيا أيها الجادّون، ويا أيها الأوفياء، تعالوا نَعَضُّ على تلك التجارب بالنواجذ، ونأخذ بتلك الأخلاق بقوة، ونمضي على خُطى تلك الهامات وبنكرانِ ذات.

رحم الله الأستاذ مهيوب سعيد مدهش رحمة الأبرار، ورحم كل من مضى من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلا.

 

- رئيس الدائرة السياسية للإصلاح بتعز وعضو برلماني سابق.