الجمعة 29-03-2024 10:53:34 ص : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار
خرافة الاصطفاء السلالي في الخرافة السلالية ..الهاشمية (4 -12)
بقلم/ أحمد الكاتب اليمني
نشر منذ: 6 سنوات و 11 شهراً و 14 يوماً
الخميس 13 إبريل-نيسان 2017 05:12 م
 

 

في هذه السلسلة يكشف فيها الكاتب حقيقة ما يسمى بالخرافة السلالية الهاشمية، من خلال (12) حلقة متتالية، توضح كيف تم صناعة هذه الخرافة، و كيف جرى الترويج لها، وإقناع الناس بها تاريخياً.

 السلسلة تشكل مجموعة أبحاث تاريخية عميقة، استغرقت وقتاً طويلاً في سبيل الوصول إلى الحقيقة.

 

استدلالات الشيعة

 

يكمن التعريف الأقرب للتشيع والشيعة في المدلول السياسي؛ إذ يمكن القول إن الشيعة مجموعة إسلامية تعتنق منظومة فكرية تقوم على أساس تفضيل وأحقية الإمام علي بن أبي طالب بوراثة الولاية الروحية والسياسية عن النبي واستمرار هذه الوراثة في ذريته، مع موقف سلبي بدرجات متفاوتة – حسب الفرق داخل الشيعة – من الخلفاء السابقين عليه وتقييم أتباع النبي قديماً وحديثاً على أساس موقفهم من هذه الولاية.

 

ولإثبات صحة الموقف السياسي والديني الشيعي عمد علماؤهم إلى حشد استدلالات عقلية، ونقليه قرآنية وحديثية، وتاريخية تؤيد توجههم.

 وبالإمكان تقسيم الاستدلالات إلى عامة وخاصة، وقبل الولوج في مناقشة أهمها نورد بعضاً من أثر منسوب للإمام جعفر الصادق فيه من الخرافة ما فيه من الفكاهة، لكنه مع ذلك يضع اليد على أسس الخرافة السلالية والمحرك المتواري والصامت غالباً للعقائد والشعائر الشيعية.

 

يقول الحديث الوارد في كتاب الكافي للكليني، الذي يُعد المرجعية الحديثية الأولى لدى الشيعة الإثني عشرية الجعفرية، في باب خلق أبدان الأئمة وأرواحهم وقلوبهم: "إن الله خلقنا – أي الأئمة – من نور عظمته، ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش، فأسكن ذلك النور فيه، فكنا نحن خلقاً وبشراً نورانيين، لم يجعل لأحد في مثل خلقنا منه نصيبا".

 

على ما في الحديث المفترى على الإمام جعفر الصادق من تخريف لا يستسيغه المجنون ناهيك عن أن يتقبله عاقل، لكن هذه هي طبيعة الأساطير الدينية والمقدسات، تفضل البقاء خارج نطاق العقل. رغماً من ذلك دعونا نخضعه للعقل الذي يعلي الشيعة من شأنه ونطرح السؤال التالي: لو سلمنا بالطبيعة المتميزة لمادة خلق الأئمة فكيف تم انتقال هذه المادة إلى الأئمة؟

 

بالتأكيد لا يقول الشيعة أو يعتقدون أن أئمتهم ليسوا من نسل آدم الذي خلقه الله من طين ونفخ فيه من روحه، ومن ثم فوصول هذه المادة، ولنسمها النطفة النورانية، لن يكون إلا عبر آدم وحواء، وطالما الأمر كذلك فلا يخلو من واحد من الاحتمالات، فإما أن تكون هذه النطفة قابلة للانتشار، وبذلك سينال كل فرد في ذرية آدم منها نصيباً، فلا ميزة لأحد على أحد،

وإما تنتقل من فرد لفرد فقط، سواء كان ذكراً أو أنثى، فإذا جاز انتقالها للأنثى لضاعت هذه النطفة واستحال على أي أحد ادعاء أنه تكون منها، باعتبار أن أعمدة النسب تقوم على الذكورة على الأقل منذ تحولت المجتمعات البدائية إلى مجتمعات أبوية.

 

وإما أن تنتقل عبر الذكر الأكبر، وهنا يمكن أيضاً ضياعها لاحتمال الانقطاع، مثلاً إذا افترضنا وصولها للنبي – الذي يؤكد القرآن على بشريته – فإن النطفة ستتوقف عند القاسم، وسيخرج البقية من فضيلتها بمن فيهم فاطمة الزهراء وأولادها، كما سيخرج قبلهم الإمام علي.

 

أما الاحتمال الأخير فهو أن هذه النطفة النورانية ستنتقل للذكر أو الأنثى حسب الاختيار الإلهي دون اشتراط أن يكون أحدهما الأكبر، وعلى هذا سنفترض أنها انتقلت من عبدالمطلب لعبداللاه ومنه إلى نبينا، وهذا سيخرج علي بن أبي طالب من فضيلتها، ثم انتقلت من النبي إلى فاطمة، وهنا إما ستنتقل للحسن أو الحسين، وإذا انتقلت لأحدهما خرج الآخر وذريته من فضيلتها ومن ميزة الإمامة تبعاً لذلك، مع الإشارة أن الشيعة بفرقهم الرئيسية الثلاث، الإثني عشرية، والإسماعيلية، والزيدية تتفق بينها على إمامة علي والحسن والحسين.

 

بعد هذا المدخل الطريف نناقش الأدلة الشيعية بعيداً عن الخرافات البالغة في انفصالها عن العقل، والمثيرة للدهشة والسخرية، وأيضاً الشفقة:

 

أولاً – الأدلة العامة:

 
  1. استحالة ترك الشارع لأمر في غاية الأهمية يتمثل في خلافة النبي دون معالجة: تندرج هذه الحجة في إطار الحجج العقلية، وهي صحيحة، لكن ليس بالتوجيه الذي يوجهه الشيعة بأنه عالجها بتخصيص علي بالخلافة، بل إن الشارع الحكيم عالجها بصورة أكثر كمالاً، وتسبق التصور الضيق للشيعة بمراحل طويلة، فقد وضع القرآن الكريم أسساً سياسية للحكم ومتوازنة قادرة على استيعاب أرقى ما توصلت إليه البشرية من نظريات وتنظيمات سياسية، كونها عالجت شأن السياسة والحكم بكل أطرافها، تتوزع هذه الأسس في ثلاثة أركان:

- حق المحكوم – وهي في ذات الوقت واجب الحاكم: العدل، كما تبين آيات قرآنية كثيرة.

 

- حق الحاكم، وهي في ذات الوقت واجب المحكوم: الطاعة.

 

- طبيعة العلاقة بينهما: الشورى، مطلقاً بما في ذلك اختيار الحاكم {وأمرهم شورى بينهم}، وفي إدارة شؤون الحكم {وشاورهم في الأمر}.

 

وفي إطار هذه المبادئ الثلاثة، وباعتبار السياسة شأناً دنيوياً في معظمه يخضع للمتغيرات، ترك الشارع التفصيلات للاجتهاد البشري فكون أمرهم شورى يعني استطاعتهم استيعاب العمليات الانتخابية المباشرة وغير المباشرة في الأزمنة الحديثة، بل وصيغ المعارضة المختلفة بتنظيماتها المتعددة، فالشورى بطبيعتها تستوعب تعدد الآراء وتنوعها.

 

{وشاورهم في الأمر}، بإمكان هذا المبدأ التعاطي مع صيغ الاستفتاء، أو المجالس النيابية والاستشارية المعمول بها حديثاً.

 
  1. خطأ السقيفة: إذ تصر المقولة الشيعية – بدرجات مختلفة الحدة – على أن ما حصل يوم سقيفة بني ساعدة بعد وفاة النبي ليس أكثر من مؤامرة لمصادرة حق الإمام علي في الخلافة، لاسيما من أبي بكر وعمر، وإلى حد ما أبي عبيدة بن الجراح، وأن ذلك سبب ما عانته الأمة لاحقاً.
 

 وبالرجوع إلى حيثيات الروايات التاريخية – الظاهرة الفجوات – الخاصة بالحادثة يجد المرء الاتفاق الضمني بأن الاجتماع كان للأنصار لاختيار خليفة منهم – ولعلهم كانوا أحق – دون المهاجرين، فما كان من أبي بكر وعمر إلا تدارك الأمر وتمثيل المهاجرين في الاجتماع وحسم قضية الخلافة باختيار أبي بكر.

 

ولولا هذا التدخل العاجل لحرم المهاجرون منها بمن فيهم أبو بكر وعلي، ولكان الأغلب الانشقاق والاحتراب المبكر بين المسلمين ولربما كان المسلمون اليوم قلة قليلة لاحتمالات استنزاف الاقتتال الداخلي قوة المسلمين وقتها ونجاح عمليات الارتداد الشاملة معظم الجزيرة العربية التي لم يخرج الإسلام حينها عن نطاقها الجغرافي. ثم إذا كانت الخلافة حقاً دينياً لعلي بن أبي طالب، فهل يعقل أن يتوانى شخص بتقواه وشجاعته عن التهاون في أمر ديني محوري في حياة المجتمع المسلم.

 

ولو سايرنا المنطق القائل بخطأ نتائج السقيفة باستخلاف أبي بكر ومصادرة حق علي، لرأينا أن الحق عاد لنصابه بعد استشهاد عثمان بن عفان واختار المسلمون علياً، فما الذي قدمه علي للمجتمع الإسلامي أكثر مما قدمه سابقوه، بل على العكس لم تتسع رقعة الإسلام في عهده شبراً واحداً، وغرقت الجماعة الإسلامية في حروب أهلية، ولم تظهر منه قدرات قيادية كقدرات أبي بكر في مواجهة الردة، أو قدرات عمر في تنظيم وتوسيع رقعة الإسلام وحفظ وحدة واستقرار الدولة والمجتمع الإسلاميين، غير ارتكابه أخطاء سياسية في نقل عاصمة الخلافة إلى الكوفة، وإفلات مصر من يديه بتغيير قيس بن سعد بمحمد بن أبي بكر، وانشقاق جماعته عنه. وبهذا تضيع الحكمة الإلهية – تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا- في النص على شخص وذريته، وهي الحكمة التي تحرص العقائد الشيعية على استخراجها من كل فعل إلهي. لا يعني ذلك الانتقاص من شخص الإمام علي، حاشا وكلا، فهو من أكابر الصحابة وقد زكاهم الله في قرآنه، وخص النبي الإمام علي بالكثير من الفضائل التي تجعله من نخبة الصحابة.

 وإنما كل المقصود أنهم اجتهدوا في أمور دنيوية وأخطأوا، وهذا لا يؤثر في فضيلتهم الدينية.     

المصدر: الموقع بوست