الجمعة 22-11-2024 15:58:09 م : 21 - جمادي الأول - 1446 هـ
آخر الاخبار
جزء من واقع أبطالنا في جبهة تعز الشرقية
بقلم/ صلاح الواسعي
نشر منذ: 5 سنوات و 10 أشهر و 21 يوماً
الإثنين 31 ديسمبر-كانون الأول 2018 10:35 م

صباح اليوم، كنت في عمل خاص في إحدى المناطق القريبة من الجبهة الشرقية لتعز، برفقة أحد أصدقائي، وبينما نحن هناك، قررنا زيارة مقدمة الجبهة والاقتراب من خطوط التماس، وصولًا إلى أبعد نقطة ممكنة، حتى نتلمس وضع المقاتلين هناك، ونطلع عن كثب على الأوضاع العامة للجبهة.

حثثنا السير، وبالصدفة، قابلنا أحد الأصدقاء المرابطين هناك، تكفل بالتعريف بنا لدى بقية المقاتلين وسهل أمامنا عملية المرور والاقتراب إلى المتارس الأمامية، إلى خطوط التماس.

الوضع العام مستتب، الجبهات هادئة، هدوء يتخلله، بين الفينة والأخرى، صوت طلقة معدل، يطلقها الحوثي من إحدى ثكناته في القصر الجمهوري، عشوائيًا، ناحية المناطق السكنية، من إحدى الثكنات العسكرية.

الترتيب على مستوى عالٍ جدا، وجاهزية المقاتلين عالية، وأكاد أجزم إنني لم أرَ هناك بشرا بقدر ما رأيت وحوشا بأجسام بشرية، إنّهم فُرسان بحق، لا تكاد أعينهم تغادر تحركات العدو التي تترصد له في كل وقت وحين، وتتابع حركته بمنتهى التركيز.

لكن ما يؤسفني جدا، أنني لاحظت أن جميع المرابطين هناك يعانون من نزلات البرد الشتوية ويشكون كثيرا وطأة البرد، إذ يصف أحدهم الموقف قائلًا: نكسر كل محاولة تسلل حوثية، لكن البرد يكسرنا.

أقتربت من أحد الجنود، سألته: هل يمكن تفسير الهدوء الحاصل في الجبهات بأن الحوثي ليس له رغبة بالهجوم على المدينة؟ فإذا برد الجندي مختلف تماما عن التصور المعتاد والسائد لدى البعض، وكنت منهم، إذْ قال: سبب ذلك يعود لشدة الخناق الذي نفرضه عليهم، وهناك محاولات كثيرة للتقدم والهجوم لولا عدم قدرتهم على التحرك قيد أنملة جعلهم عاجزين عن التزحزح من أماكنهم.

سكت برهة ثم أردف مؤكدًا صحة كلامه: صباح اليوم تمكن أبطال الجيش من إحباط محاولة تسلل للقوات الانقلابية، وقتل أحد القيادات الحوثية العاملة في التوجيه المعنوي، وكانت تأتي إلى جبهاتهم بشكل دوري، بالإضافة إلى ثلاثة من مرافقيه، الأمر الذي أثار حنق الحوثيين، فحاولوا التقدم بإحدى مدرعاتهم، لكن مدفعية الجيش كانت لها بالمرصاد، وتمكنت من إصابتها وتدميرها قبل أن تخرج من فوهتها طلقة واحدة.

شعرت بنشوة النصر تجتاحني، وموجة شموخ واعتزاز جرت في جسمي النحيل المتهالك، ودبت الحياة فيه من جديد وكأنني شخص آخر، حتى إنني لم أعد أريد مغادرة المكان لولا إلحاح صديقي الذي كان لا يزال أمامه مهام أخرى يجب عليه إنجازها.

بالمناسبة، ثمة جهود جبارة تبذل من قبل قيادات الجبهة الشرقية، وتأكدت تماما أنها بمستوى المسؤولية، ومما زاد يقيني بذلك قول أحدهم إن ذلك يعزى إلى أن القيادة هنا لا تكاد تختلف كثيرا عن الأفراد.

هناك نقص كثير في المعدات العسكرية، والذخيرة، ونقص كبير في خدمات الجنود، فالقوت الدائم للجنود هو الفاصوليا، وأقراص الرغيف الجاف فقط، ولا شي آخر، هكذا دواليك وعلى الدوام، والفرد الواحد يتسلم مصروفه اليومي (٢٠٠) ريال يمني، فقط لا غير، بشكل لا يكاد يصدق ولا يقبله دماغ عاقل، لكن ذلك هو الواقع الذي يعيشونه!

هذا أمر، لكن الأمر العاجل هو ضرورة دعم المقاتلين في الجبهة الشرقية بالجاكتات التي تقيهم وطاة ليالي الشتاء القارسة.

الجنود بحاجة عاجلة إلى بطانيات، جاكتات، بجائم، دجلات، شربات، قفازات، أحذية، بيادات. وعليه لا بد من تفعيل المبادرات التي تصب في صالح رفد الجبهات بهذه المستلزمات، ولا أكاد أتصور أن أحدا يبخل عليهم ذلك، بعد ما رأيته من استبسال وتضحية وفداء في سبيل حماية هذه المدينة، وحراسة ثغورها وثكناتها حتى لا يتسرب إليها أعداء الوطن والدين والعرض، أعداء الكرامة والإنسانية والقيم النبيلة التي لا معنى للحياة من دونها.

لنترك الروح الاتكالية، لنتغلب على النفس الأمارة بالسوء، التي تمنعنا عن المساهمة في رفد الجبهات بالمستلزمات التي تحتاجها.

يجب أن يتحرك الجميع، بدءًا بقادة الألوية، مرورًا بالخيرين، وصولًا إلى الحكومة، وذلك لتدفئة المدافعين عن الجمهورية والإنسان.