مستقبل الجمهورية اليمنية بين الاتحاد والتفكيك (تحليل)
الموضوع: دراسات وتحقيقات
 


لقطة إذاعية
الزمان: الثاني والعشرين من أيار (مايو) سنة 1990
المكان: عدن
المناسبة: الاحتفال بإعادة توحيد الأرض اليمنية وإعلان ميلاد الجمهورية اليمنية..
المذيعة اللندنية مديحة رشيد المدفعي، أجمل وأروع صوت إذاعي على الإطلاق، كان ذلك استهلالا لبرنامج شهري وثائقي من إعدادها وتقديمها برنامج "استوديو 35".. أما عنوان الحلقة فكان: بانوراما اليمن السعيد، بث في 30 يونيو – حزيران – 1990.

 

مولود استثنائي من سلالة عملاقة
من شهد ذلك اليوم من اليمنيين فإنه من أسعد الأيام في حياته.. إنه من الأيام النادرة فيه لليمن، غمرتها السعادة من جميع الجهات.. إنه واحد من أيام الله في اليمن.


وفي الشرق مولود من سلالة عملاقة، كما جاء في صحيفة أمريكية في وصف الدولة الجديدة، وسندريلا الشرق، كما وصفتها منظمات اوروبية، وقبل ذلك كله هي (بلدة طيبة) كما وصفها ربنا.. استعادت وحدتها في الطريق لاستعادة سعادتها، بلاد تمتلك عناصر قوة هائلة كانت في فترة تاريخية قوة كبرى تقارن بملك سليمان، كما جاء في سورة النمل


{إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ(23)} القوة الإقتصادية التي تزخر بها الأرض، وقدرة الإنسان على استغلالها وتوظيفها، في الرفاهية المشروعة. جاء قبل ذلك عن سليمان (علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء)..


(قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ): القوة العسكرية القوة البشرية،


القوة الإقتصادية والقوة العسكرية معياران لوصف دولة ما بأنها قوية، إنهما جناحا قوة الدولة، وبهما تكون سياستها الخارجية فاعلة، وعلى رأسها ملكة طريقة إدارتها تقوم على العلم والمعلومات، كما تفعل الدول المتقدمة في عصرنا {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ(32)}، تقدير الموقف إنه مبهم..


صنع القرار- المبني على المعلومات – الإفتاء: بيان ما أبهم وفقا لمعلومات وليس رأي، لم تقل أشيروا علي، بل أفتوني. إنها الدقة في اختيار الألفاظ؛ الإفتاء صناعة قرار مبني على معلومات، كما يعني التفويض (أجازه ورخص له)، لذلك كان {وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ(33)}.

  

ولادة في بيئة كلها أمراض وأوبئة وأزمات وعواصف
الجمهورية اليمنية ولدت كبيرة، لكنها كأي مولود بطبيعته ضعيف، يحتاج الى عناية. لقد ولدت في بيئة كلها أمراض وأوبئة وعواصف من صنع القوى والقادة الذين أعلنوا عن الميلاد، لقد صنعوا أزمة مصاحبة للميلاد.

  

أخطاء استراتيجية
مؤسسات مشطرة - تقاسم الإدارة
إن اتفاقية إعلان الجمهورية اليمنية تمت بين عقليتين تمتلكان البلاد، لم تكن في الشمال ولا في الجنوب دولة، كانت عبارة عن دولة الشخص دولة صالح، ودولة الحزب، لذلك كانت أخطاء فادحة عبارة عن ألغام.


إبقاء مؤسسات سيادية مشطرة وأهمها الجيش والعملة الوطنية وكأنها مثلت خطوط رجعة عن الدولة الجديدة، الجيش لم يكن جيش (ج .ع .ي) ولا جيش (ج. ي. د .ش) بل جيش صالح وجيش الحزب الإشتراكي، أُبقي مشطرا ليستخدم في أزمة وحرب!


لم تكن الأجهزة والإدارة العامة ملكا للدولة لذلك كان التقاسم بين الشخص والحزب، تقاسما حمل معه أثقالا على المولود الجديد على الجمهورية اليمنية لأنها لم تخضع لمعايير ومواصفات وظيفية، والمواطنة، بل الانتماء لتنظيم صالح المؤتمر الشعبي، والحزب الإشتراكي، فوقع المولود في أزمات ساحقة.


صحيح أن إعلان ميلاد الجمهورية اليمنية كان استغلالا للحظة تاريخية قد لا تتوفر مرة اخرى، لكن الأصح أن البيض وصالح يتمتعان بأمية سياسية ويزيد صالح انتهازية مفرطة انعكست سريعا على المشروع الكبير الجمهوررية اليمنية. لقد تم اختزال المشروع في اتفاقية غير مدروسة، وتم إبقاء مؤسسات سيادية مشطرة، وكان الأصل أن تندمج قبل الإعلان عن قيام الجمهورية اليمنية لتكون الدولة المولودة على أرضية ثابتة وصلبة. لقد أوقفوها على أرضية رخوة هشة، ونجد سببا واحدا فاعلا لم تكن هناك دولتان بل حزب وشخص، ومن ثم ورثوا مقدراتهما أبقيا على الجيش مشطرا..


انه جيش الحزب وجيش صالح خطوط رجعة، وتقاسموا الإدارة من الرئاسة الى الحارس، لم تكن إدارة دولة بل ملك الحزب وملك الشخص وتلك كانت الطامة؛ إذ لم يتم بناء دولة جديدة بقدر ما كان تقاسما، ثم كانت الأزمات المتلاحقة والتي وصلت الى الإنفجار عام 94.

  

إمتلاك شخصي
لم تكن وحدات الجيش التابعة للحزب مقتنعة بالحرب، وكان ذلك عاملا حاسما في التسريع بإنهاء الحرب وتوفرت فرصة تاريخية جديدة لإعادة بناء الدولة، غير أن صالح ونظامه قد وجدها فرصة لتملك البلاد، وبدلا من لملمة جراح الحرب ورعاية الشعب في المحافظات الجنوبية تعامل معها كطرف منهزم، وعاث فيها فسادا مضاعفا، وأسس - بكل السبل- بيئة خصبة لإحياء التشطير والتجزئة بعد أن كادت تنقرض.

  

تحميل الوحدة
من الأخطاء الإستراتيجية اللاحقة نزوع سياسيين ومجموعات ووسائل إعلامية إلى تحميل الوحدة، أوزار السلطة وخطيئاتها، والتي تطورت الى الحديث عن قضية جنوبية، وذلك يعود الى عاملين اثنين؛ الأمية السياسية الضاربة في أوساط السياسيين، ووجود انتهازية مفرطة لدى أشخاص وقوى.
الوحدة بطبيعتها من أهم عناصر القوة، لا يوجد في فلسفة أو فكر بشري ما يمكن أن يصف الوحدة بالسلبية أو يجعل منها أخطاء، أما الإسلام فإنه يجعلها فريضة وينهى قطعا عن التفرق على مستوى الأمة وذلك يعني أنها على مستوى بلد وشعب أوجب.


لقد كان الأصل هو المطالبة بإعادة بناء الدولة، لتكون دولة مقنعة لكل مواطنيها وليس شيطنة الوحدة، ولم يكن الحديث عن قضية جنوبية الا تمهيدا للتنظير للتشطير في بلد حديث عهد بالوحدة والتشطير، وهكذا اتبع نظام صالح سياسات أدت الى يمن متنافرة بل قنبلة موقوتة، كما قال: اليمن قنبلة موقوتة، في المقابلة الشهيرة مع العربية التي أجرتها منتهى الرمحي في 28 مارس/ أذار 2011، وفي إعلان على الملأ وهو رئيس الجمهورية قال علي عبد الله صالح عن بلاده التي هو رئيسها ووظيفته الأولى حمايتها قال: اليمن قنبلة موقوتة، وهو اعتراف صريح بالخيانة من مولود ذا سلالة عملاقة إلى قنبلة موقوتة إنه صانعها، وفي الوقت نفسه هو من مكوناتها.

  

ثورة فبراير 2011
اندلعت ثورة فبراير 2011 ومشروع التوريث على وشك الاكتمال فكانت الثورة لأسباب كثيرة لإنقاذ البلاد من الإنهيار وإسقاط التوريث الذي بسببه صنعت كيانات وجماعات مهددة للدولة اليمنية وسلامتها. نجحت الثورة في إسقاط التوريث، لم تكن سببا في ما حدث؛ فالدولة كانت توصف قبل الثورة بأنها هشة، وفي الطريق للتكون فاشلة، لكنها أخفقت في إنقاذ البلد، ذلك أن عملية نقل السلطة لم تراع وجود ثورة مضادة مركبة من الإمامة وتسعى لمحو ثورة 26 سبتمبر 1962 ومناهضة لثورة 14 اكتوبر 1963 يقودها الحوثيون، وثورة مضادة لثورة فبراير 2011 بقيادة المخلوع صالح، وشكلت سلطة انتقالية متنافرة وجامعة بين الضدين؛ ثورة فبراير والثورة المضادة لها سرعان ما تحولت السلطة الى مكمن للتمرد الحوثي مع المخلوع والوقوع في أفخاخ ثم وقوع البلد في الهاوية.



المستقبل بين الإتحاد والتفكيك
مستقبل الجمهورية اليمنية، بين فرضيتين الأُولى التفكك وقيام دويلات .. والأُخرى التحول إلى النظام الإتحادي (الفيدرالية) الأقاليم.

 

فرضيات
يمكن قراءة المستقبل ووفقا للمعطيات القائمة في فرضيتين: إما غلبة التحديات على الدولة وتفككها وحروب بلا نهايات، أو التغلب على التحديات والمحافظة على وحدة الدولة ووجودها، والعامل الفاعل في الحالتين هي السلطة الإنتقالية أما قوى التمرد فأهدافها معروفة ولا تحتاج الى بيان.
الفرضية الأولى التغلب على التحديات، وقيام الإتحاد.



السلطة وحلفاؤها
الفرص المتاحة أمام السلطة للمحافظة على وحدة الدولة الجمهورية اليمنية تبدو أكثر وقد تنجح في إنهاء التمرد والمحافظة على الدولة ووحدتها، وإن بتكاليف باهظة تدفعها اليمن أرضا وإنسانا، لكن المخاطر أيضا تزداد أيضا تحتاج السلطة الى إعادة النظر في طرق إدارة الأزمة واعتماد طرق علمية ومهنية اكثر، هناك شتات في الإدارة وعجز عن ادارة المناطق المختلفة.

 

المرجعيات تغلب التحديات
إن عجز الأطراف المختلفة عن الحسم وإنهاء الحالة قد يدفع باتجاه التوصل الى تسوية ما، تبقي على الحوثي قوة فاعلة ومن ثم عدم إنهاء الأزمة بل تجميد مؤقت لتستأنف بطرق أكثر شراسة وإغراق في حرب أهلية بين أطراف لن يكون أحدها شرعيا والآخر غير شرعي بل أطراف كلها لا شرعية لها، ومن ثم قيام كيانات في البلاد تعمل على التحول الى دويلات، ولئن أخفقت هذه الطريقة في الصومال فإنه سيكون لها القابلية في اليمن فهناك حضرموت وعدن، وهناك شمال الشمال صنعاء وعمران وصعدة وجزء من حجة اضافة الى ذمار وريمة وجنوب الشمال إب وتعز وشرقه البيضاء ومأرب والجوف معظم الغرب تهامة، وتعز والتي لن تقبل بالرضوخ للحوثي.


أو إطالة أمد الحرب مع قلة كفاءة السلطة في إدارة الأزمة وشتاتها وإخفاقها في ادارة المناطق المختلفة خاصة عدن ومحيطها وحالة اللا نظام واللا فوضى في تعز قد تؤدي مع مرور الزمن وتراكم الإخفاق الى الإنهيار للدولة برمتها في المناطق التي بحوزة السلطة، وفي صنعاء ومحيطها هناك أزمة عميقة، قد تؤدي مع طول الأمد الى الإنهيار. مع غياب قوة تملأ الفراغ. قيام مليشيات وكيانات مسلحة خارجة على القانون كالمجلس الإنتقالي، وما يسمى بقوة طارق صالح كلها تكريس للتفتيت، والتفكيك الخشن، ذلك أن القوى المريدة للتفكيك، لا تثق في إمكانية التفكيك الناعم، من خلال نظام الأقاليم، لذلك لجأت الى محاولات التفكيك الخشن عبر كيانات مسلحة ومليشيات طائفية ومناطقية.

 

الفرضية الثانية: التغلب على التحديات
تبدو فرص نجاح التمرد في صنعاء ضئيلة او منعدمة لكنه يكلف البلد الكثير وعلى الرغم من سقوطه الأخلاقي والسياسي وغلبة طابع الفساد عليه والذي أشقى الناس وأتعسهم الا أنه فاعل في تكريس ثقافة قاتلة ممزقة فضلا عن دفع الأطفال والشباب للمحرقة وطاحونة الحرب، ونستطيع القول أن الحوثي احترق شعبيا. احتراقه شعبيا وهزيمته عسكريا يعد إسقاطا لأهم مصادر المخاطر المهددة للدولة اليمنية ونظامها الجمهوري والإتحادي لاحقا.
تعد المرجعيات الثلاث من أهم العوامل المحافظة على وحدة الدولة اليمنية، ذلك أنها توفر أرضية قانونية صلبة، وتجعل كل سلوك مضر بوحدة الدولة، ومن الكيانات المليشاوية حالات غير قانونية، ومع المزاج العام الذي يفضل الإتحاد كصيغة أفضل لتوزيع السلطة والثروة، وعدم احتكار السلطة، ومفضلة على كيانات مليشاوية ودويلات متناحرة.

  

لقطة
قيام الجماهير في محافظة المهرة بإنزال علم التشطير للمجلس الإنتقالي ورفع علم الجمهورية اليمنية، ومواقف الغالبية في سقطرى والمهرة وحضرموت كلها مؤشرات على أن الكيانات المليشاوية الإنفصالية، لا مستقبل لها، بل إن الدول ووحدتها صارت مضمونة من الأمم المتحدة، وفي الحالة اليمنية كل قرارات مجلس الأمن الدولي، تؤكد التزام المجلس بوحدة وسيادة واستقلال الجمهورية اليمنية.

الإصلاح نت - خاص / محمد عبدالكريم
الخميس 24 مايو 2018
أتى هذا الخبر من موقع التجمع اليمني للإصلاح:
https://alislah-ye.net
عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
https://alislah-ye.net/news_details.php?sid=1463