فبراير ومشروع الدولة الوطنية
الموضوع: كلمة حرة

  

ثورة فبراير الشعبية لم تكن ترفا بالنسبة لليمنيين بقدر ما كانت ضرورة مُلحة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعدما تأكد أن النظام السابق للمخلوع صالح لم يكتف بتعطيل أهداف ثورة 26 سبتمبر وتدمير أسس الجمهورية، بل كان قد حسم أمره صوب إعادة تشكيل نظام سياسي مفصل على مقاسه وعائلته، يرث جمهورية الشعب ويستبدلها بجمهورية العائلة، ولذا شرع بتصفير ما سمي بالعداد في تحدٍ صارخ للإرادة الوطنية والشعبية.

كان علي صالح يسابق الزمن في بناء حلم جمهورية العائلة، في الوقت الذي كان التيار الإمامي الكهنوتي المتجذر في نظامه يُعد العدة هو الآخر لمشروعه السياسي الخاص مستخدما صالح ونظامه لحرق المسافات والدفع بمشروعه السلالي.

أفرغ المخلوع صالح أهداف ثورة 26 سبتمبر من مضمونها وركنها في زاوية صغيرة على صدر صحيفة الثورة اليومية، فيما ذهب يهدمها بمعول الفساد والإفساد والدسائس والفتن والأزمات التي كانت تلد بعضها وصولا إلى مشروع التوريث الذي مثَل الضربة القاصمة ليس لأهداف سبتمبر وحسب بل ولآمال اليمنيين وطموحهم في رؤية دولتهم المدنية الحديثة.

مثلت ثورة الحادي عشر من فبراير 2011 استجابة طبيعية لحاجة الشعب للخروج من النفق المظلم الذي حذر منه الراحل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر -رحمه الله- ومثلت كذلك حاجة أساسية لإعادة الاعتبار لأهداف وجمهورية 26 سبتمبر التي عانت -في ظل حكم صالح- من اختراق عميق للقوى الرجعية الكهنوتية التي لا تزال تحاول جاهدة العودة باليمنيين إلى العصور الظلامية لحكم الإمامة الكهنوتي بمزاعم الولاية وأكاذيب الاصطفاء والحق الإلهي.

ثورة فبراير السلمية كانت عنوانا للتحرر من ربقة الاستبداد والمستبدين بشتى صورهم وأفكارهم ومشاريعهم القديمة والجديدة، وتأكيدا لحق الشعب في الاختيار، وتجسيدا للقيم التشاركية التي مزجت خليطا متنوعا من كل فئات الشعب وتوجهاته الفكرية والسياسية في بوتقة الثورة وواحدية الهدف والمصير، فلم تكن الثورة حكرا على جماعة أو طائفة أو حزب، بل كانت ساحة لكل اليمنيين، ترفض الإقصاء والانتقاء وتفتح ذراعيها للجميع.

مثلت ثورة فبراير بحق إيذانا بتدشين مشروع الدولة الوطنية التي جرى الالتفاف عليها من قبل نظام الرئيس السابق وحلفاؤه الذين حاولوا إقامة مشاريعهم الصغيرة على أنقاض جمهورية سبتمبر، فتآمروا على ثورته وكادوا له وعقدوا الصفقات المدنسة لإعادة إنتاج عهودهم البائدة، واستباحوا دمه وكل المحرمات في سبيل الوصول إلى مبتغاهم رغم النهج السلمي للثورة الشعبية.

وعلى الرغم من غزارة الدماء التي نزفتها الثورة جراء دموية الإرهاب العفاشي إلا ان الثوار أظهروا قدرا هائلا من التسامح ورغبوا في مشاركة كل اليمنيين في بناء مشروع الدولة الحاضنة لكل أبنائها، كي تنطلق عجلة الحياة ويسهم الجميع في إعمار وطنهم وفق مبادئ التعايش والتسامح وقيم المواطنة المتساوية واحترام الحقوق والحريات.

منذ الوهلة الأولى، كانت ثورة فبراير واضحة الأهداف والمعالم، ذات منطلقات محلية وأبعاد يمنية، تروم تأسيس دولة وطنية يتساوى فيها كل اليمنيين في الحقوق والواجبات، وينعموا فيها بالأمن والاستقرار في ظل نظام ديمقراطي تشاركي يؤمن بالتداول السلمي للسلطة، وبالتالي لم تمثل ثورة فبراير -من الناحية الواقعية والموضوعية- تهديدا لأحد، وظلت محافظة على نهجها وأهدافها الوطنية الصرفة، ولأنها كذلك فهي لم تلن أمام سيل المؤامرات التي أحاطت بها ولم تخبوا جذوتها منذ انطلاقتها قبل سبع سنوات مضت، وما زالت تقاوم وتناضل ضد أسوأ تركة خلفها النظام السابق متمثلة في جماعة الحوثيين الكهنوتية الانقلابية.

انقلب صالح وحلفاؤه الحوثيون على ثورة الشعب وأعلنوها حربا شاملة عليه، لكنهم فشلوا فشلا ذريعا في إخماد الثورة ووأدها، وها هو الشعب بكل أطيافه يتصدى للانقلاب في كل الجبهات ويسطر أروع البطولات في سبيل استعادة حريته وكرامته بمؤازرة أشقائه في التحالف العربي الذين انتصروا لثورته ودعموا صموده ووقفوا إلى جانبه كي يستعيد حريته وحقه المشروع في وطنه ودولته.

 
الإصلاح نت-خاص
الأحد 11 فبراير-شباط 2018
أتى هذا الخبر من موقع التجمع اليمني للإصلاح:
https://alislah-ye.net
عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
https://alislah-ye.net/news_details.php?sid=1131