الأحد 05-05-2024 15:13:32 م : 26 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

إيران والربيع العربي.. من تصدير الإرهاب إلى اختطاف مطالب الشعوب

الجمعة 26 أغسطس-آب 2022 الساعة 04 مساءً / الإصلاح نت-خاص -صادق عبد المعين

 

 

من الاستبداد والتفرد بالحكم والعبث بالدساتير وقوانين البلدان واحتكار السلطة وتوريث الحكم والكبت والقهر والإرهاب وتكميم الأفواه ومصادرة الحقوق والحريات، إلى اندلاع سلسلة من الثورات التحررية على أيدي طليعة من الشباب المستنير، ونخبة من الأكاديميين والمثقفين وحملة الشهادات العليا، والذين أشعلوا شرارة تلك الثورات، وقادوا مسيراتها، متجردين من الانتماءات الضيقة والمصالح الحزبية، ثائرين على أنظمة القمع والإستبداد، متطلعين إلى مستقبل مشرق، ودول عصرية وحكومات ديمقراطية منتخبة، تكفل الحقوق والحريات، وتضمن المساواة، وتواكب النهضة والتطور والتنمية لتلك البلدان التي ظلت مكبلة بقيود القمع في زنازين الاستبداد عقودا من الزمان.

 

إعادة إنتاج الفساد

وقد أطلق على تلك الانتفاضات الشعبية السلمية "ثورات الربيع العربي" تطلعا إلى مستقبل أكثر أمانا وسلاما وازدهارا ومدنية، بعد حقبة مليئة بالقمع والظلم والاستبداد، وممارسة الإرهاب بطريقة رسمية، لتشمل تلك الثورات "تونس" و"مصر" و"اليمن" و"ليبيا" و"سوريا"، وهي البلدان التي خرج مواطنوها يتوقون إلى الحرية والمواطنة والمساواة والعيش الكريم، والمطالبة بإسقاط الأنظمة الفاسدة ورموز الفساد والإجرام، لتتساقط معظم الرموز والأنظمة تباعا بفعل ازدياد عنفوان تلك الثورات الشعبية السلمية.

غير أن شمس الحرية تلك لم تلبث أن احتجبت، وبوادر البشرى أن توارت، ولم تلبث أحلام تلك الجماهير وتطلعاتهم أن تلاشت، فقد أطل شبح الظلم والإجرام من جديد، معلنا عن جولة جديدة لاستئناف الفساد والقهر بشتى صوره، ومعلنا عن تحالف جديد لرموز أخرى من رموز الفساد والإرهاب التي لم تطلها تلك الثورات، وهنا برز دور ماسمي بالثورات المضادة لإنقاذ تلك الرموز القديمة الجديدة، وإعادة إنتاج وتدوير الفساد والإرهاب بوجوه أخرى.

وقد ظهرت إيران في هذا الملف كواحدة من أبرز القوى التي كانت لها اليد الطولى في العبث بمجرياته وتفاصيله الحساسة، إذ شرعت وبكل ما أوتيت من قوة وخبرة ومال وعتاد في دعم رموز الفساد وتثبيت أركانها، وإعادة تدوير رموزها، وتغذية الصراعات في بعض البلدان بطرق مباشرة وغير مباشرة، وقد شمل هذا العديد من الدول التي احتضنت الثورة الشعبية السلمية، لتترك بصمات واضحة، ومعالم أكثر وضوحا كدليل على تدخل إيران السافر في شؤون هذه الدول، وعبثها المنقطع النظير بملفاتها الحساسة.

 

خيبة أمل

وقد زاد من حنق الإيرانيين خيبة الأمل التي أصيبوا بها من بعض القيادات الجديدة، بعد أن رأت إيران في هذا التحول فرصة تاريخية لنسج علاقات قوية مع هذه الدول بقياداتها الجديدة، وبعد أن استقبلتها بالكثير من الترحيب، رغبة في بناء علاقة قوية مشتركة، ومد جسور من الصداقة والدبلوماسية والتي من شأنها أن تفضي إلى الكثير من التسهيلات للإيرانيين في بناء مراكزهم ومؤسساتهم ونشر أفكارهم وممارسة أنشطتهم، غير أن ردود الأفعال الصادرة عن القيادات الثورية الجماهيرية في مصر وتونس وجهت ما يشبه الصفعة على نار حماس الإيرانيين، عندما أكَّدت أنها لن تكون تكرارًا للنموذج الإيراني.

وقد حاولت إيران إضفاء طابع أيديولوجي خاص على تلك الثورات، وتسريب المزيد من أدبياتها ومبادئها الأساسية وأفكارها الضالة وشعاراتها الاستهلاكية، ومحاولة وصفها بأنها "صرخة احتجاج ضد التبعية والتسلط الغربي"، وبدا ذلك جليا من خلال خطاب لعلي خامنئي حينما وصف التحركات الشعبية الأخيرة في العالم الإسلامي بأنها "مقدمة لتحول أکبر وسيادة الإسلام، وأن موقف أتباع أهل البيت يجب أن يكون دعم هذه التحرکات الإسلامية".

 

انكشاف الزيف

غير أن تلك الخطابات التي أطلقتها المرجعية الشيعية في إيران، والتي باركت تحركات الشعوب وثورتهم ضد الظلم، سرعان ما انكشف زيفها، واتضحت حقيقتها، وسرعان ما تساقطت تلك الأقنعة التي ظهر بها ملالي طهران للتخفي بها بين مكونات الأمة، وتمرير مشروعها الصفوي، فقد تعاطت مع الثورة السورية بمواقف أكثر عدائية، على العكس تماما من تعاطيها مع بقية الثورات، التي بدت حيالها مؤيدة ومباركة لشبابها وثوارها في ثوراتهم ضد الظلم، غير أنها بدت في موقفها تجاه الثورة السورية مؤيدة ومباركة لإرهاب النظام وجرائمه التي مارسها منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة السورية.

وبحسب تعاطي النظام الإيراني مع الثورة السورية فإنه سعى لتقديم الثورة الشعبية السلمية هناك وكأنها لا تملك مشروعية الثورات العربية الأخرى، بذريعة إن الثورة في سوريا مرتبطة بالخارج وهدفها هو المساس بمواقف سوريا المقاومة والممانعة كما يسوق ذلك باستمرار.

 

مواقف متناقضة

ويرى المحلل السياسي السوري "عمر الحبال" في حديثه لـ"الإصلاح نت" أن النظام العبثي الإيراني لا هم له سوى ما سماه بـ"تصدير الثورة الإيرانية" إلى المنطقة العربية وغيرها، وهذا ما أعلنه الخميني منذ اليوم الأول لتوليه السلطة.

ويقول "الحبال" إن إيران رغم خسائرها الفادحة في حربها ضد العراق إلا أنها "وسعت من دائرة تحالفاتها، بما تمتلكه من ثروات ضخمة، مع الحكام الديكتاتوريين في المنطقة وأولهم حافظ الأسد ومن بعده نجله بشار الأسد، والذي اغدقت عليه المليارات إضافة إلى أكثر من 100 ألف مقاتل طائفي ليتمكن من قمع الثورة السورية".

 

تسلل ماكر

ولم تكن اليمن بمنأى عن مخططات إيران ومشروعها الصفوي، والتي فتحت عينيها على المنطقة العربية، وكشرت عن أنياب الغدر، وأسالت لعاب المكر، ومدت أذرعها الخبيثة للعبث بالمنطقة، مستغلة حالة الغليان الشعبي، وحالة من الضعف والنزاع التي ترافقت مع الثورة السلمية التي قادها شباب التغيير، وبطريقة حضارية وأكثر مدنية وسلمية، بغرض خلط الأوراق وإشاعة الفوضى لإفشال المشروع السلمي للثورة.

وقد تسلل الحوثيون إلى مخيمات الاعتصام ونصبوا خيام العنصرية والسلالية في ساحة التغيير، محملين بالإملاءات والمؤامرات على الوطن، خدمة للمشروع الإيراني ومصالح ضيقة، وولاءت وانتماءات خارجية حلت محل النشيد الوطني والعلم الجمهوري والمصلحة الوطنية، إذ لم تكن ضمن شعارات وأدبيات الجماعة الحوثية، فقد تم استبعادها من مخيماتهم، ووضع شعارات سياسية وعنصرية ضيقة، وصور لشخصيات أجنبية.

ففي الوقت الذي كان شباب الثورة يضعون معالم الدولة الحديثة، وينسجون رؤاهم العصرية لبناء دولة المواطنة والمساواة، التي تكفل الحقوق والحريات، وتضع الجميع على قدم المساواة أمام القانون، ويواصلون الليل بالنهار انتظارا لتلك الثمرة، مقدمين من أجل ذلك النفس والنفيس، وبجلد وصبر منقطع النظير، في الوقت ذاته كان الحوثيون يحدون شفراتهم ويكشرون عن أنيابهم للانقضاض على محافظة الجوف، حيث قامت المليشيا بشن حرب ظالمة في مطلع العام 2011 على المحافظة وعلى شباب الثورة بالذات، بغرض إثارة المشاكل وإشاعة الفوضى وإفشال الثورة، إذ لم يرق للحوثيين سلمية الثورة، وأساليبها الحضارية، فقد شعروا بالقلق وأدركوا أن معالم تلك الثورة تمثل تهديدا واضحا لمشروع الجماعة الدموي الإرهابي.

 

مقاولة في وأد الثورة

ويرى الباحث اليمني الدكتور كمال القطوي في حديث خاص لـ"الإصلاح نت" أن إيران ساهمت مساهمة مباشرة في وأد الربيع العربي واليمني على وجه الخصوص باعتبارها "الضبع الذي تربص بالفريسة، وهجم عليها في لحظة ضعف ونزاع، والمنفذ للإرادة الدولية والإقليمية وذلك من خلال أداتها التنفيذية المسماة بمليشيا الحوثيين، وهي التي دربت ومولت وجهزت المليشا الحوثية، ثم هي بعد ذلك من استطاعت أن تسوق هذه المليشيا للعبث في اليمن ومصادرة حق اليمنيين والانقضاض على مخرجات الحوار الوطني والانقضاض على الجمهورية وعلى الشرعية في اليمن".

ويقول "القطوي" إن هذا الدور يأتي متسقا ومتكاملا مع الدور الذي نفذته إيران في سوريا والعراق كمقاول لقوى خارجية بهدف إفشال التحول الديمقراطي في المنطقة من خلال مليشياتها "خدمة لأهدافها الإمبراطورية بإعادة الإمبراطورية الصفوية من جديد، وكذلك سعيها لامتلاك أوراق تفاوض مع النظام الدولي، ومن هذه الأوراق المليشيا التي تعيث في الأرض فسادا في سوريا والعراق واليمن"، مستخدمة -كما يرى "القطوي"- لسياسة إشعال الفتيل الطائفي، وتأجيج الفتنة الطائفية، وإحياء الثارات القديمة بين السنة والشيعة، من منظور صفوي بحت، وتمويل وتدريب عناصر شيعية في المنطقة.

 

عمل مخابراتي

وعن الدور الذي اضطلع به الحوثيون فيكشف الباحث اليمني القطوي أن الحوثيين "وظفوا من قبل قوى محلية في 2011 وأرسلوا بطريقة متعمدة وانحازوا في وقت مبكر للثورة المضادة، وأرسلوا في التاريخ نفسه إلى محافظة الجوف لقضمها والسيطرة عليها، ومن ثم بقية المحافظات، وفي اليوم الذي كان فيه شباب التغيير ينادون بالسلمية، كان الحوثيون يصطفون إلى جانب مشروع الثورة المضادة".

ويبين "القطوي" أن "الحوثي تم حمله على أكتاف قوى محلية وإقليمية ودولية إلى صنعاء، فهو لم يدخل إلى صنعاء بقوته الذاتية، وإنما حمل على أكتاف تلك القوى التي أوصلته إلى صنعاء، لاستخدامه كمخلب قط، للعبث باليمن والتحول الديمقراطي والسلمي فيها".

ويقول مراقبون إن الإيرانيين عملوا على تكثيف جهودهم خلف المشهد إبان الثورة، وأفسحوا المجال لقوى محلية وخارجية لإيصال مليشيا الحوثي إلى صنعاء، وبعد أن وصل قلبت الطاولة على الجميع، وأدركت القوى المحلية والخارجية أن حساباتها كانت خاطئة، وأن إيران هي المتحكم الرئيسي بالمليشيا الحوثية، وفي الوقت الذي حاولت فيه بعض القوى المحلية أن تصفي حساباتها مع الحوثي، وتتراجع عن تحالفاتها معه، كانت المخابرات الإيرانية بالمرصاد، واستطاعت أن تقطع أيدي كل محاولات إزاحة الحوثيين من المشهد".

 

استنساخ مدمر

ويحذر الدكتور "كمال القطوي" من تغلغل المشروع الإيراني في اليمن، ويبين أن الثورة الايرانية قدمت مشروعا واضح المعالم، تجلى ذلك في العراق وسوريا، فما حدث في البلدين "يراد له أن يتكرر في اليمن، من خلال إعادة هندسة الهوية للمجتمع، لتنسلخ من هويتها الإسلامية العربية، وتتماهى مع مشروع الصفويين وعقيدتهم، ومن ثم ربط البلد عضويا وسياسيا وإستراتيجيا بمشروع إيران".

ويردف بالقول: "وهنا تكون إيران قد أنجزت الخطوة الأكبر في قضم الجزيرة العربية وهي السيطرة على جبال اليمن، وعلى أكبر مخزون سكاني موجود داخل الجزيرة العربية".

وينهي الباحث اليمني الدكتور "كمال القطوي" حديثه محذرا من تكرار حالة التشظي الوطني إزاء المشروع الحوثي، إذ "يصب في مصلحة المشروع الإيراني في اليمن، ويجعل من اليمن كرتاً في طاولة اللاعب الإيراني، ويُدخل اليمن في حقبة من اللااستقرار، تجعله مضخة لتصدير القلاقل والأزمات للمنطقة برمتها".

ويرى مراقبون أنه إذا ما قصر اليمنيون أو فرطوا في التصدي للمشروع الإيراني وذراعه الحوثي، فإن الأيام المقبلة ستكون أكثر سوءا، فالعراقيون لم يهنؤوا العيش بعد أن تسللت المليشيا الشيعية إليهم، وتغلغلت في أوساط الدولة وأوساط المجتمع، بعد أن تحول المجتمع العراقي إلى مسرح للمآتم والعزاءات، وانهارت التنمية والتعليم، وتم تدمير العراق وإعادته إلى ما قبل مئتي سنة على الأقل.

فالمشروع الإيراني -وفقا لمراقبين- هو مشروع تحريف للهوية وتجريف للأرض، وتدمير للتنمية وللنهضة، فهم مسكونون بالعنصرية الشعوبية الفارسية، والنفس الطائفي المقيت، ويهدفون إلى تدمير الأرض والإنسان، ولن تتوانى إيران من خلاله في تحويل بلد بحجم اليمن إلى مسرح للاقتتال والتناحر والفوضى، وكرت في طاولة المفاوضات الإيرانية مع القوى الدولية.