الجمعة 19-04-2024 22:52:57 م : 10 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

قراءة في مصائر حكام اليمن في القرن العشرين

السبت 09 ديسمبر-كانون الأول 2017 الساعة 04 مساءً / الإصلاح – خاص – ثابت الأحمدي

 

التاريخ.. الجغرافيا.. الثقافة.. ثلاثي رئيس ومهم في صياغة المحددات الأولية للتعامل مع أي شعب؛ إذ من واقع هذه العناصر الثلاثة تتشكل قوته وتتموضع استراتيجيته الوطنية، أو قل يتم ضبط بوصلته. هذا على سبيل الإجمال، أما إذا تأملنا في التفاصيل فسنخلص إلى بعض الجزئيات التي قد تناقض ذلك؛ بمعنى أن أي شعب أو أمة قد تتجاوز هذه العناصر وإن جزئيًا مع المتغيرات الجديدة.. متغيرات الثقافة الوافدة بطرائقها المتعددة عبر وسائل الاتصال المعاصرة بتقنياتها المذهلة..

عبر الاقتصاد المتداخل كثيرا حد التماهي مع السياسة.. عبر المصالح المشتركة مع غيرها من الشعوب التي أصبحت كُلًا لا يتجزأ، خلافا لما كان عليه الأمر في السابق.


على أية حال.. اليمن من البلدان غير المستقرة تاريخيا، لأكثر من سبب، منها عامل الجغرافيا الذي تداخل أيضا مع الجغرافيا والثقافة أيضا كما أشرنا سابقا، وتكاد الإمامة منذ العصر الوسيط وإلى اليوم تمثل السبب الأبرز والأول في المشكلة/ الإشكالية اليمنية التي تعيش ردة ثقافية وسياسية اليوم، ولم تعد مشكلة واحدة فقط؛ بقدر ما صارت قضية مركبة ومتداخلة ومتشابكة فيما بينها. فهي سياسية، اجتماعية، اقتصادية وأخيرا ثقافية أو في طريقها لأن تكون كذلك من خلال محاولة فرض ثقافة جديدة لا تمتُّ إلى الهوية التاريخية الحضارية بشيء، وهو ما أفضى إلى أن تكون نهاية كل حاكم في اليمن نهاية مأساوية ومزرية تجلب معها المزيد من العنف ودورات الصراع التي لا تتوقف..


1ـ الإمام يحيى حميد الدين.. قتيلا
فيما بين عامي 1904 ـ 1948م كانت فترة حكم الإمام يحيى حميد الدين بعد خروج الأتراك من اليمن، ويعتبر أطول حاكم حكم اليمن في القرن العشرين، حوالي 44 عاما، كانت فترة حروب وصراعات داخلية وخارجية لم يستقر خلالها اليمن سنة واحدة تقريبا، لأن الإمام يحيى الذي ناوأ الأتراك وقاوم وجودهم ووقع معهم اتفاقية الخروج تبدى بعدهم أسوأ منهم، ولم يوصف بأكثر من طاغية، وهو بحق كذلك، إذ لم يحقق لليمن منجزا واحدا يذكر خلال فترة حكمه الطويلة، وقد أنهى حياته صريعا على يد الشعب في 17 فبراير/ شباط 1948م، قبل أن تبدأ ثورة يوليو 52م المصرية، إلا أنها آلت للفشل رغن عدالة قضيتها..


2ـ الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين.. متأثرا بجراح محاولة الاغتيال
كعادة الأئمة الذين اعتادوا توريث الحكم على الرغم من أن أدبيات الفقه الزيدي/ الهادوي تقول بعكس ذلك، فقد ورث الإمام أحمد عرش أبيه بالقضاء على الثورة الدستورية عام 48م مواصلا سياسة والده الطغيانية والقمعية، ولم تهدأ له حياة، كما هو الشأن مع والده الذي قضى حياته السياسية من انتفاضة إلى أخرى ومن تمرد إلى تمرد آخر، بسبب سياسة الحكم التي مارساها، إلى حد خروج بعض الإخوة على أخيهم كما حدث مع عبدالله والعباس أخوي الإمام أحمد اللذين انقلبا عليه مع المقدم الثلايا في 1955م، وانتهت حياته السياسية في الاغتيال الذي نفذه كل من محمد عبد الله العلفي وعبد الله اللقية ومحسن الهندوانة في مستشفى الحديدة في 6 مارس 1961م، وإن بقي حيا بعدها حتى 19 سبتمبر 62م لكنه حبيس الفراش يعاني آلام الرصاص التي اخترقت جسده.


3ـ الإمام محمد البدر بن الإمام أحمد.. مخلوعا طريدا
كانت الإمامة بشكل عام تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد مئات السنين من الطغيان الذي مارسوه على اليمنيين، ولذا فما كاد يستوي الإمام البدر على عرش الحكم في يومه السادس حتى قامت أعظم ثورة إنسانية في حياة اليمنيين في 26 سبتمبر 62م، قضت على الإمامة نهائيا وخلعت الإمام البدر، ثم طاردته مشردا في الجبال حتى تجاوز الحدود اليمنية باتجاه الشمال، ولم يعد بعدها إلى اليمن حتى توفي في منفاه في لندن في العام 1996م، وتم نقل جثمانه إلى المدينة المنورة؛ حيث دفن هناك..


4ـ الرئيس عبدالله السلال.. مخلوعا طريدا

يعد الزعيم عبدالله السلال الأب الأكبر للثورة اليمنية باعتباره الرئيس الأول الذي لعب دورا نضاليا كبيرا، وساهم بشخصيته الكاريزمية في تثبيت أركان الجمهورية، إلا أن فترته كلها شهدت حروبا أهلية ضارية بسبب الثورة المضادة التي أشعلها الأئمة ولم تهدأ إلا بعد رحيله عن منصبه بثلاث سنوات بمصالحة سياسية شهيرة عام 1970م. وعلى الرغم من ثوريته الصادقة وتفانيه المخلص للثورة وللوطن إلا أنه دخل في صراعات حادة أيضا مع بعض فصائل الثوار أنفسهم الذين لا يقلون عنه إخلاصا ونضالا وعلى رأسهم أبو الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري رحمهما الله، وأيضا بعض مشايخ القبائل، أفضى الأمر إلى تدبير انقلاب أبيض عليه في خمسة نوفمبر 1967م برئاسة القاضي عبدالرحمن الإرياني.


5ـ القاضي عبدالرحمن الإرياني.. مخلوعا طريدا
يعتبر القاضي عبدالرحمن الإرياني من أعلام اليمن المعاصرين وأحد أبرز الوجوه الثورية منذ الثورة الدستورية، وشعل عدة مناصب مدنية في عهد الإمام يحيى وأيضا في عهد الإمام أحمد، كما شعل مناصب سياسية أيضا في العهد الجمهوري الجديد، ونتيجة للصراع الذي استجد بين مختلف الفصائل الثورية نفسها عقب اندلاع ثورة 26 سبتمبر فقد كان هناك توافق أو شبه توافق وإجماع على أن يخلف القاضي الإرياني الرئيس السلال كحل وسط من قبل الجميع وخاصة مشايخ القبائل الذين مالوا إليه كثيرا، وكانوا متوجسين من حكم العسكر، كما أنهم لم يجدوا بغيتهم في تحقيق مصالح الخاصة في عهد الرئيس السلال الذي كان صارما إلى حد كبير في التعامل معهم، على العكس من القاضي الإرياني الذي اتخذ سياسة المهادنة واللين مع الجميع، وهي سمة خاصة عرف بها، فاستغلها المشايخ الكبار الذين لعبوا أدورا سياسية آنذاك، وكانوا بمثابة الحكام الفعليين لليمن في عهده، بينما تبدى هو بمثابة المدير التنفيذي لهم. وهو ما أفرز حالة من الفساد المالي والإداري وضعف الدولة فقاد عليه الضباط الجدد ومعهم بعض المثقفين انقلابا أبيض في العام 1974م برئاسة العقيد إبراهيم الحمدي رحمه الله.


6ـ الرئيس الحمدي.. قتيلا
قاد العقيد إبراهيم الحمدي "المقدم لاحقا" انقلابا أبيض ضد سلفه القاضي عبدالرحمن الإرياني محتفظا له بالود والاحترام وودعه إلى سلم الطائرة التي أقلعت من مطار تعز نحو دمشق، حيث استقر هناك حتى توفي في العام 1998م، وقد كان عهده ـ على قصره ـ أفضل عهد عرفه اليمنيون، كون الرجل يحمل مشروعا في البناء والتغيير، خلافا لمن خلفه، ومع هذا فقد كانت نهايته مفجعة لليمن واليمنيين، قتيلا في منزل نائبه الغشمي، في أسوأ عملية غدر يعتبرها اليمنيون من العيب الأسود.


7ـ الرئيس الغشمي.. قتيلا
كان من الطبيعي أن يخلف الرئيس الحمدي سلفه، باعتباره نائب رئيس الجمهورية، على الرغم من محدودية كفاءته، سواء العسكرية أم السياسية، مستغلا فراغ المنصب، ومتوقعا لنفسه حياة طويلة في المنصب الجديد، على الرغم من لعنات الشعب التي ظلت تلاحقه من أول لحظة تم فيها إعلان اغتيال الرئيس الحمدي وإلى اليوم، مع أنه واحد من القتلة المباشرين إلا أن كون القتل في منزله عقب دعوة غداء لرئيسه أظهرته القاتل الرئيسي والأول ـ وهو بحق كذلك ـ ولم تدم فترة رئاسته إلا أشهرا محدودة من ١١ أكتوبر ١٩٧٧ إلى ٢٤ يونيو ١٩٧٨م. وهي أقصر فترة رئاسية لرئيس يمني جمهوري، انتهت به مقتولا بحقيبة ملغومة من قبل مبعوث من قيادة الشطر الجنوبي آنذاك، تطايرت أشلاؤه مزقا في مكتبه بصنعاء..


8ـ علي عبدالله صالح.. قتيلا
في 17 يوليو 1978م تسلم رئاسة اليمن علي عبدالله صالح، وهو أحد الضباط العسكريين الذي لم يخض غمار السياسة بعد، لكن حنكته ودهاءه السياسي أوصله إلى هذا المنصب وهو بسن السادسة والثلاثين عاما، لا يجيد القراءة ولا الكتابة، ولا يحمل حتى الثانوية العامة، مستمرا في منصبه هذا ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين عاما، كأطول رئيس جمهوري حكم اليمن، وثاني حاكم بعد الإمام يحي في القرن العشرين، كان له ما له وعليه ما عليه، وضرب به المثل في الدهاء والمكر السياسي المصحوب بتكتيك نادر تفوق به على كل خصومه وأصدقائه، مكنه هذا الدهاء والمكر من حكم طويل أشبه بالملك لا بالرئيس، ومع هذا فقد خانه دهاؤه وتلاشت حنكته السياسية حين أساء التعامل مع ثورة 11 فبراير عام 2011م وتسبب في قتل ما يزيد عن خمسين شابا من شباب الثورة فيما عرف بيوم جمعة الكرامة، تسبب هذا الفعل في خلعه عن الحكم بمصالحه سياسية رعتها المملكة العربية السعودية، وحفظت له ماء وجهه، غير أنه رأى نفسه مغبونا في ذلك، مقررا الانتقام من خصومه السياسيين، فتحالف مع أسوأ عصابة حكم عرفها التاريخ، هي الجماعة الحوثية التي خرج عليها لاحقا، لكنها داهمت منزله وقتلته قتلة غادرة، فجعت الشارع اليمني والعربي على حد سواء، وصارت حديث الخاصة والعامة، في أبرز حدث في العام 2017م إن لم يكن حدث القرن كاملا، لا تزال تداعيات أحداثه ماثلة إلى اليوم، وستظل لفترة طويلة.


في الجنوب
1ـ قحطان الشعبي.. مسجونا
يعتبر الرئيس قحطان من أفضل رؤساء اليمن شمالا وجنوبا من حيث التأهيل العلمي؛ حيث كان يحمل شهادة البكالوريوس في الهندسة الزراعية، كما صدر له كتاب بعنوان: "الاستعمار البريطاني ومعركتنا العربية في جنوب اليمن"؛ لذا كان اشتراكيا معتدلا في أفكاره وسط قيادات متطرفة كثر، وقد شارك في ثورة 14 أكتوبر في الجنوب عام 63م بالمال والسلاح والرجال. وترأس بعد الاستقلال جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية عقب توقيعه وثيقة الاستقلال في جنيف مع اللورد شاكلتون، واستقبله شعب الجنوب يوم 30 نوفمبر استقبالا مهيبا، وعلى الفور وفي نفس اليوم تم انتخابه من قبل الجبهة القومية رئيسا للجمهورية. في يوم 22 يونيو 69م تم إجباره على تقديم استقالته مع رئيس الوزراء آنذاك فيصل عبداللطيف الشعبي من قبل الجناح اليساري المتطرف، وظل في منزله رهن الإقامة الجبرية حتى العام 1970م، ثم تم نقله إلى السجن الذي ظل قابعا فيه حتى أعلنت السلطة وفاته في السجن في 7 يوليو 1981م. شاهدا على حكم ثلاثة رؤساء من بعده وهو في السجن، وهم: سالم ربيع علي، وعبدالفتاح إسماعيل، وعلي ناصر محمد.


2ـ سالم ربيع علي.. قتيلا
قاد انقلابا على سلفه المعتدل، في 22 يونيو 1969م، وظل في الحكم رئيسا لجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية حتى 22 يونيو 1978م، حيث تم القبض عليه، ثم إعدامه رميا بالرصاص من قبل الجناح الأكثر تطرفا يوم 26 يونيو من نفس الشهر، برئاسة عبدالفتاح إسماعيل.


3ـ عبدالفتاح إسماعيل.. مخفيا حتى اللحظة
يعتبر فتاح المؤسس الحقيقي للحزب الاشتراكي اليمني بصيغته الراديكالية، كما كان أحد مؤسسي الجبهة القومية للتحرير قبل ذلك منذ الستينيات، وله اهتمامات أدبية وثقافية واسعة، وقد دخل في صراع مع رفاقه وعلى رأسهم علي ناصر محمد، وانتهى به الأمر مخفيا، لا يعرف مصيره إلى اليوم، فيما يقول التقرير الخاص من اللجنة المكلفة بالتحقيق حول مصيره أنه احترق داخل مصفحة تعرضت لكمين قرب القيادة البحرية، مع أن التقرير لم يرفق دليلا على ذلك.


4ـ علي ناصر محمد.. مخلوعا طريدا
في العام 1980م استقال عبدالفتاح إسماعيل من منصبه كرئيس للجمهورية، مغادرا إلى موسكو، ليخلفه في ذات المنصب الاشتراكي الأكثر براجماتية علي ناصر محمد الحسني حتى العام 1986م حيث عاد عبدالفتاح إسماعيل من موسكو بعد رحلة طبية طويلة مطالبا باستعادة حكمه، فرفض ناصر ذلك، ودخل الطرفان في مصادمات عسكرية تكللت بمجازر مروعة في 13 يناير 1986م في عدن، واستمرت حتى 24 من نفس الشهر، وفي ذلك اليوم استطاع ناصر الفرار مع فريقه إلى شمال الوطن، مخلوعا مطارا، ليخلفه بعد اختفاء فتاح علي سالم البيض.


5ـ علي سالم البيض.. مخلوعا مطاردا
بعد مجزرة 13 يناير 86م وفرار علي ناصر محمد إلى شمال الوطن استطاع علي سالم البيض النجاة من تلك المذبحة المروعة، ووصل إلى سدة الحكم، مستغلا فرار ناصر ومقتل فتاح، واستمر حتى قيام الوحدة اليمنية بين شطري الوطن عام 90م، وحينها تم انتخابه نائبا لرئيس الجمهورية، وفي العام 1994م أعلن انفصال جنوب الوطن عن شماله، ولم ينجح في ذلك، وعلى إثر ذلك كانت حرب صيف 94م، التي أدت إلى فراره خارج الوطن، ولا يزال حتى اللحظة.


الرئيس عبد ربه منصور هادي، تمت مطاردته
الرئيس الثاني للجمهورية اليمنية، باستفتاء شعبي في 21 فبراير 2012م، وقد كان نائبا للرئيس قبل ذلك منذ العام 94م. غادر صنعاء فارا بجلده نحو عدن من اعتداءات ميليشيا الحوثي المسلحة التي اعتدت عليه ولحقته إلى هناك، ومن ثم غادر اليمن، نحو المملكة العربية السعودية، ليقود الشرعية في وضع استثنائي خالص لا تزال فصوله تعتمل على الساحة..


هذه لمحة سريحة وموجزة عن مصائر رؤساء اليمن في القرن العشرين، ولا ندري ما ذا يخبئ المستقبل للحكام القادمين..