منهج نقد سند الروايات

مدخل:
الإفك السلالي الشيعي انطلق مبكرا، سالكا طريقتين في تزوير الثقافة الإسلامية وتشويهها، وذلك من خلال وسيلتين: الوسيلة الأولى، تزوير أحاديث تكرس السّخَف العرقي السلالي - خرافة التمييز العنصري الهمجي بهدف تقسيم أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى سادة وعبيد، مدعيا أن افتراءاته تلك صادرة عن رسول الإسلام، وحاشاه صلوات الله وسلامه عليه.

والوسيلة الثانية، تزوير التاريخ الإسلامي بهدف تشويه الوجه الحضاري للإسلام عقيدة وقيما وشريعة وثقافة.

انطلق الموقف السلالي من خلفية فارسية كسروية حاقدة على رسول الإسلام، ودين الإسلام، دين القيم، دين الكرامة الإنسانية، والحرية، والمساواة، والإحسان، ومحبة الإنسان للإنسان.

اتجهت منظومة الرفض الكسروي السلالي العنصري بحكم ما لديها من رصيد التجارب التاريخية، فقد سارعت من وقت مبكر إلى اختلاق الروايات المكرسة للسلالية وتزوير التاريخ الإسلامي، كما سنوضح لاحقا.

دور علماء الإسلام:

انطلقت عملية تدوين السنة النبوية والتاريخ الإسلامي، فوجد العلماء أنهم إزاء جبال من الإفك - ركام هائل من الكذب والتزوير والافتراء وقلب الحقائق وطمسها أو تشويهها.

المنهج العلمي:
وضع علماء الإسلام منهجا علميا رصينا لمواجهة الإفك السلالي وافتراءاته وتشويهه للسنة النبوية.

مكونات المنهج:
أولا، جانب الرواية:
والمقصود هنا هو:
1- التمحيص الدقيق في أحوال رواة الحديث - السيرة الذاتية لكل راوٍ حتى نهاية سلسلة الرواة.

2- رفع علماء الحديث شعار "الإسناد من الدين".

3- حدد العلماء مكونات المنهج النقدي لأحوال الرواة في المجالات التالية: مكان وتاريخ ميلاد الراوي، نشأته، شيوخه، رحلاته، زملاؤه في طلب الحديث، عدد الأحاديث التي أخذها عن كل شيخ، عدالته - أمانة، سلوك خلقي، عدم ارتكاب الكبائر أو خوارم المروءة، حفظه وضبطه، سلامة عقله حتى نهاية عمره، عدم مخالفة حفظه لما كتبه.

4- هذه الصفات يجب أن يتصف بها كل راوٍ على حده.

هناك تفريعات كثيرة تنضوي تحت المكونات السابقة.

هذا المجال الأول - مجال الرواية متصل بجانب السند، وهو علم واسع ودقيق جدا تميز به علماء الحديث.

ثانيا، جانب الدراية:

1- المقصود هنا جانب فقه متن الحديث - لغةً، وألفاظاً، وهذا المجال تخصص فيه فقهاء الأصول، وهو علم كامل تام واسع له شروطه، وهذا هو المنهج الأصولي.

2- اتفق علماء الحديث وفقهاء الأصول على قاعدة نصت أنه لا تلازم بين صحة سند الحديث وصحة معناه.

3- سنقدم أمثلة حول هذا الجانب في الحلقة الثانية بعونه سبحانه.

الخلاصة، تمحيص فريد.

قرر فقهاء الأصول أن السنة النبوية قد نالت من التمحيص والتدقيق في مجال سند الحديث ما لم ينله أي علم آخر من علوم الشريعة الإسلامية، بخلاف مجال فقه المتن فقد تعاطى فقهاء الأصول مع منهج فقه متون الروايات بما يتسق وظروف عصرهم.

ونظرا لأن ميدان الحياة متجدد - تربية وبناء المجتمع، وثقافة، ومعاملات، وسياسة، وهموم، وتطلعات، الأمر الذي يعني تجديد التعاطي الفقهي المواكب للأعراف المتجددة في ميدان الحياة، هنا اتفق جمهور فقهاء الأصول على بلورة منهج فقه المتن.

- يتكون هذا المنهج من 15 قاعدة.

الفقيه أبو حنيفة رحمه الله كونه متقدما على كل الفقهاء فقد وضع 13 قاعدة في مجال فقه متون الحديث، التقى مع جمهور الفقهاء في أغلبها.

ثالثا، بعض أحاديث السلالية:
1- حديث "استقيموا لقريش ما استقاموا لكم". (رواه أحمد وهو منقطع، لأن سالم بن أبي الجعد تابعي لم يلق ثوبان، ومثله حديث أم هانئ، مسند أحمد، ج 15، ص 161، وهو منكر).

2- حديث الأئمة من قريش. (أحمد عن أنس، وقال: لا ينبغي أن يكون له أصل. نفس المرجع).

3- الأئمة من قريش إذا حكموا عدلوا وإذا عاهدوا وفوا وإذا استرحموا رحموا. (عن أنس قال علي بن المديني إن الرواي سعد بن إبراهيم لم يلق أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.. أنيس الساري تخريج أحاديث فتح الباري، 3، رقم الحديث 4274).

4- حديث الأئمة من قريش أبرارها أمراء أبرارها وفجارها أمراء فجارها (عن علي بن أبي طالب، أعلّه الدارقطني، 3، ص 198).

5- الأئمة من قريش. (قال البخاري في التاريخ الكبير موقوف، ج 16، ص 213).

6- قال أبوبكر لسعد بن عبادة يوم السقيفة: رسول الله قال وأنت قاعد قريش ولاة هذا الأمر. (منقطع لأن حميد بن عبد الرحمن لم يدرك أبا بكر، أحمد، 1، 5، الهيثمي، مجمع الزوائد، 5، 891).

7- حديث الملك في قريش، والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة، تعددت طرقه وهو ضعيف كحديث "من كنت مولاه فعلي مولاه". (الزيلعي، تخريج الهداية، 1، 189).

8- حديث "من كنت مولاه فعلي مولاه" طعن فيه البخاري والحربي وطائفة من أهل العلم. (ابن تيمية، منهاج السنة، 7، 319).

لا يصح من طريق الثقات أصلا، نفس المرجع، 7، 320. وفي ص 331، موضوع باتفاق أهل المعرفة.

قال ابن حجر: إسناده واهٍ تهذيب التهذيب، وفي الإصابة إسناده ضعيف جدا. (1، 567).

قال البوصيري في إتحاف المهرة: ضعيف. (7، 212).

قال أحمد شاكر في تخريج مسند أحمد: ضعيف منكر، واه. (2، 570).

رابعا، قاعدة ذهبية:
قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله: الحديث الصحيح إذا طعن فيه إمام معتبر سقط عن درجة الصحة. (نخبة الفكر، ص 25، طبعة باكستان).

خامسا، نكبة التعالم:
رأينا كلام أئمة الاختصاص أعلاه حول حديث "من كنت مولاه" أنه موضوع، واه... إلخ، ورأينا القاعدة الذهبية التي ذكرها الحافظ بن حجر.

سوءات المتعالمين:

بعض المتعالمين، أو حسب الشوكاني "فِدْمٌ أي ثور مفدّم" يأتي فيضحك بتعالمه الثكالى قائلا:
- حديث من كنت مولاه... إلخ، حديث متواتر، رواه 120 صحابيا.
- حسّنه أحمد.. نقول له: على رسلك أيها المتعالم، اسمع.

1- قولك متواتر... إلخ، لا يستقيم أمام أقوال جهابذة المحدثين.

2- قولك متواتر، وحسّنه أحمد، هذه سوأة وضحالة لم تشم رائحة الفقه بل فضيحة مجلجلة.

لأن المتواتر هو في درجة عالية من الصحة فكيف جعلته حديثا حسن حسّنه أحمد.. شاه عقلك.

3- وأغرب من ذلك قولك حسّنه أحمد.

ولو علمت أيها المتفاصح أن المحدثين إلى عهد أحمد بن حنبل كان الحديث عندهم صحيح وضعيف فقط ولا يوجد حديث حسن، وإنما جاء مصطلح حديث حسن بعد 250 هجرية تقريبا فجاءنا الترمذي باسم "حديث حسن".

اتقوا الله أيها الدخلاء على الفقه والأصول ومصطلح الحديث.. الأسوأ أن هؤلاء يطلقون ألسنتهم بالسوء سبابا وبلا خجل ضد أئمة كبار، ورحم الله القائل: من تكلم في غير فنه يأتي بالعجائب.

تلكم هي رشفات في مجال الرواية، فماذا عن مجال الدراية - فقه متن الحديث؟ هذا سيكون موضوع الحلقة الثانية بعونه سبحانه.