الخميس 02-05-2024 23:05:02 م : 23 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

الولاية وغدير خم بوابة الإمامة إلى التسلط الدموي عبر التاريخ (الحلقة الأولى)

الثلاثاء 19 يوليو-تموز 2022 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت - خاص | توفيق السامعي
 

الولاية عند الشيعة وحديث خم
في الثامن عشر من ذي الحجة من كل عام تحتفل الشيعة الإمامية بما يسمى يوم الغدير، الذي تعتقد فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالولاية فيه لعلي بن أبي طالب، وهو أمر لم يعرفه المسلمون قط طيلة تاريخهم، بل إن الزيدية والهادوية والجارودية وغيرها من الفرق الشيعية لم تحتفل به أبداً، فضلاً عن أن المعني بالأمر وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يلتفت إلى هذا الأمر ولا إلى ما يسمونه حديث الولاية، فقد كان يحاجج معاوية بأن من بايعه هم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، ولم يسق أياً خرافاتهم ولا خزعبلاتهم، وأما خرافاتهم فقد استنبتوها وأظهروها بعد وفاة علي بمائة عام على أقل تقدير مع ظهور بعض فرق الشيعة.


فما تسوقه الشيعة الإمامية على اختلاف مكوناتها من جعفرية اثني عشرية، أو زيدية وجارودية وإسماعيلية وهادوية، من الأحقية في ولاية علي هي تعتمد في الأساس على حديث غدير خم التالي، الذي لم يحتج به علي نفسه، ولم يسقه للناس لبيعته، وكان أول من جمعه واهتم به وتفرد به هو الطبري، كما قال ابن كثير.


وقد انتقده ابن كثير في هذا الباب، فقال ابن كثير: "جمع أحاديث خم في مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه، وساق الغث والسمين، وساق الصحيح والسقيم، على ما جرت فيه عادة كثير من المحدثين، يوردون ما وقع لهم في ذلك الباب من غير تمييز بين صحيحه وضعيفه"( )، رغم أنه حديث واحد له بعض الطرق في الرواية، ومن هنا جاء في البخاري ومسلم، مع مناقضة الحديث لنفس الحديث الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع يوم عرفة في حجة الوداع. كما انتقد ابن كثير أبا القاسم بن عساكر الذي سار على نهج الطبري. وقال ابن كثير عن الشيعة وهم يوردون كثيراً من أحاديث خم على غير صحة: "نحن نورد عيون ما روي في ذلك مع إعلامنا أنه لا حظ للشيعة فيه ولا متمسك لهم، ولا دليل لما سنبينه وننبه عليه"( ). فهذا الحديث يقول: "عن يزيد بن حيان قال سمعت زيد بن أرقم - رضى الله تعالى- عنه يقول: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ذات يوم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه، وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فتمسكوا بكتاب الله وخذوا به، فحث عليه ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي؛ أذكركم الله في أهل بيتي..وكررها ثلاثاً"، فلا وجود لأية إشارة بالولاية لعلي ولا غيره، ولم يميزه بشيء.


ونجد أن حديث خم واحد وله أكثر من خمسين صيغة تقريباً يزاد فيها وينقص، ويقدم منها ويؤخر، وجُلها فيها نظر عند المحدثين، كما خرجها ابن كثير، حتى صار بعضها روايات متداولة كما يتداول الروايات الإخبارية التاريخية، وفيها بعض رجال الشيعة، وتسرد كما تسرد القصص التاريخية.
ولو كان هذا الحديث مشهوراً كما قيل إنه شهده آلاف المؤمنين الذين حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ووقف فيهم خطيباً في غدير خم لوجدناه عند كل المحدثين وليس مقتصراً عند مسلم، ورواية زيد بن أرقم فقط!


فلو أن الرسول صلى الله عليه وسلم عهد إلى علي بن أبي طالب بالولاية، كما تقول الشيعة، لطالب بها علي بن أبي طالب قسراً بالسيف بعد موت الرسول -صلى الله عليه وسلم- لكنه لم يطالب بالولاية كوصية، لا في السقيفة ولا في غيرها، وهو ما كان يعلمه جيداً، وما بين الحديث المذكور المفتعل من الشيعة والسقيفة 70 يوماً، فهل نسي مائة ألفٍ من الصحابة الذين حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع تلك التي قال فيها هذه الخطبة وهذا الأمر وهذا الحديث ولم يذكره أحد لتثبيت الولاية لعلي بمن فيهم علي نفسه - كرم الله وجهه؟!


فلو كان هناك نص لولاية علي لقاتل عليها علي بالسيف أبا بكر وعمر وعثمان ولم يرض بالتسليم لهم مطلقاً، ولكان جمع الناس له من حوله، خاصة وقد جاءه أبو سفيان يعرض عليه ذلك بعد بيعة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة. كما لو كان هناك نص في هذا الأمر لاستشهد به علي في كل موطن وهو القائل: "لو عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم عهداً ما تركت ابن أبي قحافة يصعد درجة واحدة من منبره"!


ثم لماذا أخر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الخطبة إلى خم بعد الانتهاء من الحج وتفرق الناس عنه مع أن علياً وبريدة لفيا الرسول صلى الله عليه وسلم في الميقات وقبل دخول مكة للحج؛ أي قبل الحج بأيام، ولم يقل هذه الخطبة في عرفة أو يوم النحر أو في أيام التشريق، أو الجمعة بعد ذلك خاصة وقد كان للرسول صلى الله عليه وسلم خطبة ومقام يقوم بها في كل محطة حج من منى إلى عرفة، ومن عرفة إلى المشعر الحرام، ثم إلى منى، ثم بعد ذلك أثناء اجتماع كل المسلمين من الجزيرة العربية ليبلغهم هذا الأمر بدل التناقل خاصة وأنه أمر جلل من بين كل المواضيع التي طرقها الرسول في خطبة عرفة؟!


إن الشيعة الإمامية التي تفتعل مثل هذه الأحاديث إنما تقدح في عدالة الإسلام وتحوله من دين عالمي للناس كافة إلى دين حصري أسري، وهو غير صحيح، فقد وقف معظم بني هاشم ضد هذا الدين منذ البداية وناصره آخرون، وهذا يسلب لهم أي حق فيه؛ إذ ليس الدين ملكاً وراثياً بل هو منهاج حياة للناس أجمعين.


تزعم الشيعة أن سكوت علي بن أبي طالب عن مطالبته الولاية يوم السقيفة لعدم وجود النصير، وأنه سيضام بعد وفاة الرسول، وأن الرسول أمره بالصبر، بينما عرض عليه أبو سفيان النصرة، وهو كبير قريش، ففي بيعة السقيفة وما بعدها، جاءه أبو سفيان يحرضه على أبي بكر ويقول له: "لو شئت لملأت هذا الوادي خيلاً على ابن أبي قحافة (يقصد أبا بكر)"، فزجره ونهره علي - رضي الله عنه- وقال علي في أبي بكر – رضي الله عنه- قولاً عظيماً.


روى الحاكم في "المستدرك" (3 / 78)، قال: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَاضِي، بِمَرْوَ، حدثنا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حدثنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ الْكِنْدِيِّ، عَنْ مُرَّةَ الطَّيِّبِ، قَالَ: " جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا بَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي أَقَلِّ قُرَيْشٍ قِلَّةً، وَأَذَلِّهَا ذِلَّةً - يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ -؟ وَاللَّهِ لَئِنْ شِئْتُ لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْهِ خَيْلًا وَرِجَالًا.


فَقَالَ عَلِيٌّ: لَطَالَمَا عَادَيْتَ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ يَا أَبَا سُفْيَانَ، فَلَمْ يَضُرَّهُ شَيْئًا ؛ إِنَّا وَجَدْنَا أَبَا بَكْرٍ لَهَا أَهْلًا ". وقال الذهبي: "سنده صحيح"( ).
ومن ذلك "قال جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي لأستحي مِنْ رَبِّي أَنْ أُخَالِفَ أَبَا بَكْرٍ".
وعَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ: وَافَقْنَا مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ذَاتَ يَوْمٍ طِيبَ نَفْسٍ، فَقُلْنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَخْبِرْنَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ؟ قَالَ ذَاكَ امْرُؤٌ سَمَّاهُ اللَّهُ الصِّدِّيقَ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ وَلِسَانِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الصَّلاةِ؛ رَضِيَهُ لِدِينِنَا فَرَضِينَاهُ لِدُنْيَانَا.


ولو أراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- الوصية بالخلافة لعلي أو لغيره لقالها صراحة دون تأويل، لكنه جعل الأمر مفتوحاً لاتفاق المسلمين فيما بينهم، ولم تكن النبوة بالوراثة حتى يرثها علي أو غيرها، فالنبوة والرسالة انتهت بموت الرسول صلى الله عليه وسلم.
تناهى إلى سمع عائشة - رضي الله عنها- أن أناساً يتحدثون أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالولاية لعلي، فنفت ذلك قطعاً، وقد جاء عند البخاري: حدثنا عبدالله بن محمد، أخبرني أزهر، أخبرنا ابن عون، عن إبراهيم، عن الأسود قال: "ذكر عند عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي، فقالت: من قاله؟ لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وإني لمسندته إلى صدري فدعا بالطست فانخنث فمات فما شعر، فكيف أوصى إلى علي؟!"( ).


وقد لغط الشيعة والإماميون عموماً في أمر طلب الرسول صلى الله عليه وسلم كتاباً قبل وفاته وهو في مرضه الذي توفي فيه؛ حيث طلب من الصحابة الذين كانوا عنده في البيت ورقة وقلماً ليكتب إليهم كتاباً بما يكونوا عليه من بعده، فاختلف الناس عنده وفيهم عمر الذي قال: حسبنا كتاب الله وما جاء فيه، فأعرض الرسول عن الأمر برمته، فاتخذ الشيعة ذلك الأمر مدخلاً ومأخذاً على عمر - رضي الله عنه- أنه أوقف وصية الرسول لعلي بالولاية!
بينما النص، كما ورد عند البخاري ومسلم، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا حُضِرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: "هلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ"، قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ فَحَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "قُومُوا عَنِّي".

قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ( ).


لكن الحديث هذا يقدم عمر - رضي الله عنه- كما لو كان مكرِهاً النبي - صلى الله عليه وسلم- ومتهماً إياه في قواه العقلية مغلباً رأيه عليه، وقد عرفنا تأدب عمر مع الرسول من خلال كل المواطن التي كان معه فيها، وفيه يظهر الرسول عاجزاً متردداً في اتخاذ القرار، وما عرفنا الرسول متردداً في شيء، خاصة في أمور التشريع والدين، وهو يهم كذلك بكتابة كتاب تشريع مهم للأمة حتى لا تضل بعده، فكيف يتراجع ويترك الأمة تموج في غيها بعد ما رأى كثرة لغطهم بحضوره فكيف بعد وفاته؟!!


يبدو أن الحديث مفتعل لتمرير أجندة أخرى خاصة وقد جاء الشيعة من بعد يتخذون من هذا الحديث مدخلاً للطعن في الصحابة وثغرة لشق الصف والاختلاف والتأويل أنه كان سيعهد بالأمر إلى علي بن أبي طالب ومن هنا بدأ الحقد منهم على عمر!
صيغة حديث خم بطرق أخرى: "عن يزيد بن حيان قال سمعت زيد بن أرقم - رضى الله تعالى- عنه يقول: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ذات يوم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه، وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فتمسكوا بكتاب الله وخذوا به، فحث عليه ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي؛ أذكركم الله في أهل بيتي..وكررها ثلاثاً"( ).. فقد كانت الوصية بالإحسان إلى أهل بيته والمقصود بالأمر نساؤه صلى الله عليه وسلم كونه سيتركهن بعده، ومن الطبيعي أن يوصي أي رجل بأهل بيته خاصة إن كن نساءً أو أطفالاً، ومن هنا نقول: أين أمر وصاية الولاية لعلي هنا من الرسول؟! لا يوجد أي ذكر له أو إشارة يمكن أن تفهم من السياق إليه.


الحديث هذا المشهور كما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة بحجة الوداع قال بعد طول الحديث المشهور عن المناسك ووضع الربا ودماء الجاهلية وغيرها: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً؛ كتاب الله"، فكتاب الله هو مصدر التشريع للأمة، فكيف يعطف موضوع الأهل على الكتاب وهو القرآن؟ هل يعني أن أهل بيته مصدر للتشريع؟! فالأهل بشر يخطئون ويصيبون وينحرفون ويستقيمون، فلا يصلح أن يكونوا مصدراً للتشريع سوى الوصية خيراً بهم من الصلة والحب، وبالطبع هم الذين كانوا في عهده صلى الله عليه وسلم. وبين الحديثين تسعة أيام فقط، وهذا يظهر تناقض الروايات، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يقول كلاماً متناقضاً وقد أوتي جوامع الكلم ومعجزة البلاغة والفصاحة.


ففي حديث جابر بن عبد الله الذي رواه مسلم برقم (1218) من طريق حَاتِم بْن إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- حديث حجة الوداع، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم بعرفة من حديث طويل في المناسك، وقال: "... وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ، كِتَابُ اللهِ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟"، قَالُوا: "نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، فَقَالَ: بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ "اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ"( ). وفي هذا الحديث لم يذكر لا سنة النبي ولا عترته.


ونجد اضطرابات في رواية الحديث وألفاظه زيادة ونقصاً، ورواة مشكوك في صحة روايتهم، وهذا يرجح أنه لا عقلاً ولا منطقاً أن تكون العترة معطوفة على القرآن كمصدر للتشريع، فهو لم يعطف السنة كأصل من أصول التشريع، فما بالنا بما يسمى العترة، وقد كانت ألفاظ الحديث بالوصاية بهم خيراً فقط، وهم جيله الأول من بناته ونسائه فقط، وهذا ما فهمه الخلفاء الراشدون وطبقوه، وسلم به علي ذاته.
أما الوصية بالسنة: فروى الإمام مالك (3338) بلاغا أن رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ". ولم يذكر هنا لا عترة ولا مولى، بل كتاب الله وسنة نبيه.


قال ابن عبد البر - رحمه الله: "وَهَذَا مَحْفُوظٌ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، شُهْرَةً يَكَادُ يُسْتَغْنَى بِهَا عَنِ الْإِسْنَادِ، وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ أَحَادِيثُ مِنْ أَحَادِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ"، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2937)( ).
ولم يفهم من صيغ الحديث أية إشارة لولاية علي بالخلافة أو بالولاية؛ فالولاية هنا بمعنى الحب والنصرة والأخوة الإيمانية، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ ( ).
ثم إنه كان بين يوم عرفة الذي خطب فيه النبي صلى الله عليه وسلم خطبته العصماء "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي؛ كتاب الله....." وبين غدير خم تسعة أيام فقط، فكيف نسي الناس الحديث الأول وتمسكوا بالحديث الثاني؟!


أو لنقل: هل يعقل أن الرسول صلى الله عليه وسلم ناقض في الحديث الثاني حديثه الأول وهو الذي أوتي جوامع الكلم، والفصاحة والبلاغة؟! حاشاه أن يكون متناقضاً في أحاديثه.
ثم هل يمكن أن لا يصرح صراحة بالولاية والإمامة لعلي أو لغيره فيترك الأمور مواربة بغير توضيح لو أراد الاستخلاف؟!!
من الملفت تماماً أن راوي حديث عرفة (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا..كتاب الله)، وحديث خم بكل صيغه وألفاظه والنقص فيه أو الزيادة عليه أو التقديم والتأخير هو نفسه زيد بن أرقم، وعليه فكيف تكون الروايات مضطربة إلى هذا الحد إلا أن يكون قد أدخل في الحديث ما ليس فيه في أزمنة متعددة، وأن النقل عنه لم يكن دقيقاً. وقد كان زيد بن أرقم من أصحاب علي وشهد معه صفين، صحيح أننا لا نقدح في عدالة وأمانة الصحابي الجليل، ولكن قد يعتري حديثه معه هذه الزيادة أو النقصان أو استدراك بعض الألفاظ فيه؛ لأنه ذكر للناس حديث خم وهم في آخر أيامه وقد شاخ، وهذا ندركه من خلال سياق الحادثة والحديث.


ويقول يزيد بن حيان: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه، قال له حصين: لقد لقيتَ يا زيد خيرًا كثيرًا، رأيت رسول الله، وسمعت حديثه، وغزوت معه وصليت خلفه، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله.
قال: يا ابن أخي، والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي عن رسول الله، فما حدثتكم فاقبلوا، وما لا فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول الله يومًا فينا خطيبًا بماء يُدعى خمًا بين مكة والمدينة، فحمد الله، وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: "أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به"، فحثَّ على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: "وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي".
وفي هذه الرواية لم يذكر أبداً: "من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم والِي من والاه وعادي من عاداه"!


وانظروا إلى قوله - رضي الله عنه-: "لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي عن رسول الله، فما حدثتكم فاقبلوا، وما لا فلا تكلفونيه"، فهذه قرينة لا تغفل في البحث عند الباحثين عن اضطراب هذا الحديث أو الزيادة والنقص فيه. وكذلك قوله: " فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحثَّ على كتاب الله ورغب فيه"، فهذا يعني أنه لم ينقل كل ما سمعه عن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذات الحديث وإنما اختصره وعطف عليه أهل بيته، ولا توجد أدنى إشارة لولاية علي فيه أو تفضيله على غيره.
فقد سئل علي - رضي الله عنه- في معركة صفين عن مثل هذا، هل عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- له بشيء؟! فقال: لا.
"فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من التابعين منهم الحارث بن سويد، وقيس بن عباد، وأبو جحيفة وهب بن عبدالله السوائي، ويزيد بن شريك، وأبو حسان الأجرد، وغيرهم أن كلاً منهم قال: قلت لعلي: هل عندكم شيء عهده إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهده إلى الناس؟ فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في القرآن، وما في هذه الصحيفة. قلت: وما في هذه الصحيفة؟ فإذا فيها العقل وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر، وأن المدينة حرم ما بين ثبيرة إلى ثور"( ).


وفي رواية عند مسلم: سئل علي - رضي الله عنه- أخصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ فقال: ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعم به الناس كافة، إلا ما كان في قراب سيفي هذا، قال: فأخرج صحيفة مكتوباً فيها: لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثاً"( ).
وقد سيق نفس الرواية عن عمار بن ياسر؛ إذ قال قيس بن عباد: "قلت لعمار بن ياسر: أرأيت قتالكم مع علي رأياً رأيتموه؟ فإن الرأي يخطئ ويصيب، أو عهد عهده إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يعهده إلى الناس كافة. وقد رواه مسلم من حديث شعبة عن عمار عن حذيفة في المنافقين"( ).


لم يفهم علي هذا الحديث - كما تقول عنه الشيعة- أنه عهد بالولاية، كما أنه طيلة حياته منذ أن قال الرسول هذا الحديث فيه (إن صح صحة مطلقة كونه مناقضاً لحديث الرسول في عرفة) وحتى لحظة استشهاده، وبينهما جدالاته ورسالاته مع معاوية، لم يفهم على أنه عهد له بالولاية، ولا بالوصاية، وقد أثبتنا أن الوصاية أول من اخترعها هو عبدالله بن سبأ. ولو أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يوصي له بعهد بصريح العبارة لفعل دون مواربة أو تشكيك أو اعتساف للأحاديث أو تأويلاً ولا غيره، ولو كان لعلي عهد بذلك لقاتل عليها بالسيف، ولفهم ذلك كل الصحابة بكل تسليم ودون معارضة، فمعارضتهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عصيان له ونقص في إيمانهم، لكنه لم يقل، ولم يوصِ، ولم يعهد، ولم يعصه الصحابة، ولم يخالفوه.


ونفهم من هذا أن علياً لم يكن معه أي عهد لا بالولاية ولا بشيء آخر، كما تقول الشيعة عنه، وكما يروي الإماميون من الحديث السابق في غدير خم. وهذا يصدقه قول علي عن أبي بكر - رضي الله عنهما-، "حَدَّثَنا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ بِمِصْرَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْقَاضِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّيْرَفِيُّ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَهْدًا لَجَاهَدْتُ عَلَيْهِ وَلَمْ أَتْرُكِ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ يَرْقَى دَرَجَةً وَاحِدَةً مِنْ مِنْبَرِهِ"( ). ومع أن هذا الأثر برأي رجال الحديث ضعيف، لكن حديثَي وأثرَي علي وعمار في شأن عدم عهد الرسول يؤازران هذا الأثر ويقويانه من هذا الطريق.
ظلت الإمامة إلى اليوم تنظر التنظيرات الكثيرة حول هذا الأمر، وتتخذه مدخلاً للحشود والتجييش للحروب، ويكررونها في كل زمان ومكان ومع أية أسرة منها تدعي الإمامة. والحوثيون اليوم يصرون على هذا الأمر، ويعلقون الشعارات التي تكفر المواطنين الذين يعارضون هذا الأمر، ومن أشهر اللافتات التي رفعوها في شوارع صنعاء تقول: "من ينكر ولاية علي فقد كفر بالله ورسوله"، كما ظلت الإمامة قديماً من أيام المتوكل إسماعيل، والحوثيون اليوم يحتفلون بهذه المناسبة ويتخذونها عيداً ومناسبة دينية.


فقد كان أول من احتفل بها من الأئمة هو المتوكل إسماعيل بن القاسم، الذي خُطِب في عهده في سنة 1085هـ بخطبة الرافضة، و"خطب خطيب صنعاء محمد بن إبراهيم السحولي بخطبة الرافضة يوم الغدير، ثامن عشر شهر الحجة يوم الجمعة، وحث الناس على الصيام فيه، وإظهار الشعار الذي للإمامية الإثنى عشرية، ولم يخطب أحد قبله من أهل مذهبه"( ).
"وأما الجارودية أتباع أبي الجارود زياد بن المنذر، فهم قالوا بأن النص في علي جليٍّ موافقة للإمامية من الرافضة، ولكنه قال بإمامة زيد بن علي، والإمامية قالوا: ليس هو من الاثنى عشر المعينين عندهم، ووافقهم في رفض الصحابة"( ).


"ولو كانت نظرية النص والتعيين ثابتة ومعروفة لدى المسلمين لم يكن يجوز للإمام أن يدفع الثوار أو ينتظر كلمة المهاجرين والأنصار، كما لم يكن يجوز له أن يقول: "أنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً"، ولم يكن يجوز له أن يعرض الخلافة على طلحة والزبير، ولم يكن بحاجة لينتظر بيعة المسلمين"( ).

كلمات دالّة

#اليمن