الأربعاء 24-04-2024 08:45:56 ص : 15 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

إيران واليمن.. تصدير الثورة الخمينية والإرهاب (الحلقة الثانية)

الأربعاء 22 نوفمبر-تشرين الثاني 2017 الساعة 10 مساءً /    الإصلاح نت – خاص/ فهد سلطان 

    

في الـ 20 اكتوبر/ تشرين الأول 2016م نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين أمريكيين وغربيين وإيرانيين, إن إيران صعدت عمليات نقل السلاح "للمتمردين" الحوثيين الذين يقاتلون الحكومة الشرعية المدعومة من السعودية في اليمن, وذلك في تطور يهدد بإطالة أمد الحرب(1). 

وفي 11/ يناير/ كانون الثاني 1017م قالت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير صحفي, إن إيران تهرب السلاح الثقيل للحوثيين في اليمن, لإبقاء جبهة الحرب في اليمن مشتعلة، رغم الحظر المفروض من المجتمع الدولي.(2)

وفي ذات التاريخ كانت الحكومة الأسترالية قد عرضت لأول مرة صوراً تتعلق بعمليات تهريب أسلحة من إيران إلى اليمن، وهي نفس الصور التي ستعيد نشرها صحيفة نيويورك تايمز, فالسفينة تم ضبطها قرب سواحل اليمن, محملة بأسلحة مضادة للدروع تم تصنيعها في إيران الأمر الذي يؤكد أن طهران لها يد في تجارة السلاح وتهريبه, في أعالي البحار والقرن الأفريقي وشبه جزيرة العرب.

الأهم الذي أورده التقرير الصحفي والمعلومات الاستخباراتية, هي شهادة "ماثيو شرودر" المختص بالأسلحة، حيث أشار إلى أن الأسلحة التي عثر عليها في سفينة تهريب السلاح تتطابق تماماً مع القاذفات الإيرانية الصنع والتي تم توثيقها سابقاً في العراق عام 2008 وعام 2015، وأيضاً مع الأسلحة الإيرانية التي ضُبطت عام 2014 وعام 2015، وكانت في طريقها إلى ساحل العاج(3).

ويؤكد "شرودر" أن هناك خط أنابيب سلاح ظاهر يمتد من إيران إلى الصومال واليمن، حيث يجري نقل السلاح بواسطة مراكب شراعية، وأن كل تلك الأسلحة هي أسلحة إيرانية الصنع تعتمد بالدرجة الأولى على ما توفره إيران من مخزونها العسكري.

وفي فبراير/ شباط 2017م تم كشف أسلحة كانت في طريقها إلى اليمن، وتم تصدير الشحنة وعهد بها إلى وزارة الدفاع الأسترالية لإجراء كشف طبيعة الأسلحة المهربة, أبرزها القاذفة المحمولة على الكتف RBG 7S بالإضافة إلى 81 قاذفة أخرى، و1968 بندقية كلاشينكوف و49 رشاش PK و41 برميل رشاش، و20 سبطان هاون 60 ملم، وهي أسلحة تكفي لتسيح قوة برية كبيرة(4).

لسنا هنا بصدد حصر كل عمليات التهريب الإيرانية للأسلحة الى اليمن, فما يتم الإمساك به لا يمثل إلا رأس قمة جبل الثلج مقارنة بما لم يتم كشفه أو الإمساك به, وهي على كل حال تضع عدد من علامات الاستفهام. الأول: تراخي المجتمع الدولي فيما يخص تهريب السلاح من إيران الى المتمردين الحوثيين, والاكتفاء بالتنديد فقط, دون أن يكون هناك موقف حازم يضع حد فاصل لما يجري. الثاني: أن الأمر يتجاوز التراخي إلى التواطؤ المباشر لعدد من الأهداف منها إبقاء اليمن متوتر وهو ما ينعكس مباشرة على قلق دول الخليج في المقام الأول, وعبر هذا الوضع تستمر بيع السلاح لمواجهة أخطار إيران في اليمن, فالعجز عن وضع حد فاصل لوصول السلاح يضع مثل هذه الاحتمالات قيد المعقول والفعل في نفس الوقت.

 

فراغ في الأمن الداخلي

من المعلوم أن اليمن تمتلك شريط ساحلي كبير على البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي وخليج عدن، وهذه السواحل العملاقة يصعب مراقبتها بشكل دقيق وخاصة مع غياب خفر السواحل اليمنية، ولذلك تصل الأسلحة بعدة طرق إلى البلاد، أغلبها عن طريق البحر ثم براً إلى أيدي المتمردين الحوثيين وتجار الحروب.

فقد نشر تقريران الأول لنشرة "أنتلجنس أون لاين"، الاستخباراتية الفرنسية، والثاني لـوكالة "رويترز" البريطانية، فكك التقريرين جزءاً من العُقدة حول طُرق ومصدر وصول الأسلحة للحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح(5).

فالنشرة الفرنسية، سلطت الضوء على التهريب عبر البحر العربي والمحيط الهندي للأسلحة القادمة من إيران، فيما تقرير رويترز يشير إلى الأسلحة القادمة عبر المهربين من أمريكا اللاتينية وأفريقيا عبر البحر الأحمر والذي كشفته محاكمة شركة أسلحة برازيلية باعت قرابة 11 ألف من البنادق لمُهرب السلاح فارس مناع (القريب من الحوثي وصالح) الذي كان محافظاً لصعدة بين 2011-2014م.

وهنا: يتضح من خلال ما سبق أن واحد من الأسباب التي تسهل عملية التسلل لتهريب السلاح يعود طبيعة الوضع الداخلي في اليمن, فالفراغ الذي خلفه غياب الأمن والقوات المتخصصة ساهم بصورة كبيرة في تزايد عمليات التهريب, كما أن الحديث أن الأمم المتحدة والدول الكبرى تفرض حصاراً على وصول كميات السلاح إلى اليمن لا يمكن الوثوق بها الى درجة كبيرة, إذا كانت صفقات السلاح مستمرة في الوصول فيما تكتفي الدول برصد تلك الأعمال دون أن يكون هناك خطوات جادة حقيقية تعمل على إيقاف مسلسل التهريب بشكل نهائي أو على الأقل تحد منها بمستويات قياسية.

وبالتالي فواحدة من الأسباب التي يجب الالتفات لها هو إعادة صياغة ودعم قوات تملأ ذلك الفراغ وخاصة في المناطق المحررة والتي تستطيع الى حد كبير أن تغير من المعادلة الحالية, فبعض صفقات السلاح كانت تصل من منافذ ضمن تمركز الشرعية, كما هو الحاصل في بعض الشحنات التي ضبطت وهي قادمة من محافظة المهرة باتجاه العاصمة صنعاء(6).

 

الألغام من التهريب إلى التصنيع

قضية الألغام في اليمن قديمة بقدم الحروب التي جرت في عدد من مناطق البلاد, وخاصة أيام ما يسمى بحروب المناطق الوسطى(7) والتي تسببت في كارثة إنسانية كبيرة, لا تزال تداعياتها قائمة حتى اليوم. إلا أن موضوع الألغام ذاته عاد إلى الواجهة من جديد, وذلك بعد أن كانت اليمن قد قطعت شوطاً لا بأس به في تدمير آلاف من الألغام وإعلان بعض المناطق خالية منها تماماً, فهي تمثل واحدة من أسوء الكوارث التي تلاحق اليمنيين في كثير من المناطق في اليمن, لتعود هذه المرة الى الواجهة ليس عبر التصدير ولكن عبر إنشاء مصانع جديدة ومتطورة بإشراف المتمردين الحوثيين في صعدة وعدد من المحافظات التي تقطع تحت سيطرتهم.

حسب تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" زرع الحوثيون والقوات المتحالفة معهم العديد من الألغام الأرضية، منها ألغام محظورة مضادة للأفراد، في المحافظات اليمنية الجنوبية والشرقية: عدن وأبين ومأرب ولحج وتعز، منذ بداية الحرب قبل ثلاث سنوات, حيث تسببت الألغام الأرضية في مقتل وإصابة عشرات المدنيين، منهم أطفال ونساء وكبار سن ومئات من الأشخاص(8), غير أن التقرير نفسه اغفل كارثة الألغام قبل هذا التاريخ, والذي يعود أجزاء منه إلى فترة الحروب الست, ثم ما بعد 2009م, وظهور الكارثة الحقيقية للألغام في اليمن في 2014م في مناطق شمال الشمال والغرب والشرق من العاصمة صنعاء, كصعدة وحجة والجوف.

تفيد بعض المعلومات الصحفية, أن الحوثيين يمتلكون خمسة مواقع متطورة لصناعة الألغام أكبرها يقع في صعدة, فقد سيطر ت قوات الجيش الوطني السبت الأول من يوليو/تموز/2017م، على مواقع إضافية كانت تحت سيطرة المليشيات الحوثية وقوات المخلوع صالح، بمديرية صرواح الواقعة غرب محافظة مأرب, وتمكن الجيش من السيطرة على مدرسة أعدت كمعمل لتصنيع الألغام والعبوات الناسفة. وكانت قوات التحالف العربي بقيادة السعودية قد أغارت على أكبر مصانع الألغام بصعدة بتاريخ 7 مايو/ ايار 2015م, وتم إعادة الكرة لتدمير ما تبقى من أجزاء أخرى للمصنع في اليوم الثاني للغارة الأولى مباشرة, حيث تم إنشاؤه في عام 2009م وأعيد تطويره 2012م بشكل كبير, وتسبب في إغراق عدد من المحافظات بالألغام ومنها محافظة حجة شمال غرب اليمن, وباقي محافظات الجمهورية. 

 

الألغام بلا خرائط

أسوء مشكلة تواجه لجان وفرق نزع الألغام, حديثها المستمر أن نسبة كبيرة من الألغام المزروعة في مناطق متعددة ومأهولة بالسكان يتم زراعتها عشوائياً وبلا خرائط, الأمر الذي يجعلها نزعها بالغ الصعوبة.

وفي أواخر 2015م كانت الحكومة اليمنية قد أعلنت أن هناك قرابة 250 ألف لغم زرعه الحوثيون، وأن القوات الحكومية استطاعت وأن الفرق الهندسية استطاعت نزع 40 ألف لغم فقط, فيما زراعة الألغام مستمرة وبوتيرة عالية, ووفق إحصائيات صادرة عن وزارة حقوق الإنسان، جرى نزع قرابة 27 ألف لغم مضاد للأفراد، مقابل 12 ألف و879 لغما مضادا للدروع.(9) فيما تحدثت معلومات صحفية عن مصرع عدد من الخبراء الإيرانيين المتخصصين في صناعة الألغام أثناء الغارة على المصنع في مايو/ ايار 2015م.

..................

هوامش:

1-    تحدثت الوكالة عن شحنات كبيرة من الأسلحة تصل عبر البحر وتدخل الى اليمن عبر عدد من المنافذ ضمن عمليات معقدة من التهريب, حيث قال مسؤول أمريكي كبير إنها تشمل صواريخ وأسلحة صغيرة ومتوسطة.

2-    في نفس التقرير ذكر أن إيران غيرت خطتها في تهريب السلاح لليمن, وذلك عبر نقله للصومال ومن ثم نقله بسفن صغيرة إلى اليمن لتجنب ملاحقة السفن الدولية والقبض على عمليات التهريب.

3-    المصدر السابق.

4-    وكالة رويترز الدولية

5-    المصدر السابق

6-    خبراً نشرته صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 18 سبتمبر/ ايلول 2017 م في عددها برقم 14174

7-    حرب الجبهة أو حرب المناطق الوسطى هي حرب بالوكالة قامت في الجمهورية العربية اليمنية بدعم من الحزب الاشتراكي في الجنوب ، وكانت في المناطق الوسطى في اليمن ( تعز - إب - البيضاء - ذمار - ريمة وغيرها) ، كان تدهور الظروف المعيشية وتفشي الظلم وحرمان الناس من خدمات الثورة والجمهورية من أهم الأسباب التي دفعت المواطنين للانضمام للجبهة. وبالرغم من أن بعض الكتابات ترجع البدايات الأولى لأحداث المناطق الوسطى إلى فترة الستينيات, إلا أن المرحلة الأهم في نشاط الجبهة كانت في الفترة التي أعقبت مقتل الرئيس إبراهيم الحمدي، ومع تولي علي عبد الله صالح الحكم في 17 يوليو 1978، وقد امتد نشاطها الملتهب لفترة خمس سنوات.

8-    نشر التقرير صحفي موثق على موقع المنظمة على الانترنت بتاريخ 25فبراير/شباط 2016م.

9-    صحيفة العرب 4/ ابريل/ نيسان 2017م.