السبت 04-05-2024 20:16:56 م : 25 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

على خطى أسلافهم .. الإماميون الجدد محاولات متكررة لطمس الهوية والتاريخ

السبت 19 فبراير-شباط 2022 الساعة 05 مساءً / الإصلاح نت-خاص-عبد الرحمن أمين

 

لم يكن إغلاق المراكز الثقافية ودور المعرفة والتنوير من قبل المليشيا الحوثية إلا خطوة في إطار عملية ممنهجة للعبث بتاريخ اليمن وثقافته سواء عبر فرض مناهج تعليمية دخيلة على المجتمع اليمني، أو عبر تغييب الأنشطة الثقافية أو محاولة طمس التاريخ والهوية، والتعدي على المعالم الأثرية وسرقة الأثار ونهب الكتب والمخطوطات التاريخية والعلمية وإحراق الكتب، على خطى مثيلاتها من التنظيمات الإرهابية.

ومن الوهلة الأولى يتبدى الفرق جليا للمتأمل في المشهد الثقافي في اليمن إذ يدرك أن تراجعا كبيرا شهدته الساحة اليمنية في مختلف الفعاليات والأنشطة الثقافية، وخاصة في الأشهر القليلة الماضية، فمع اتساع رقعة الانقلاب وإحكام المليشيا الحوثية قبضتها على السلطة وسيطرتها على المقرات والمراكز الثقافية تلاشت مظاهر الثقافة وفعالياتها وانحسرت أدوارها على نحو غير مسبوق.

وقد سعت المليشيا الحوثية إلى تعطيل معظم الأنشطة والفعاليات، وأغلقت المراكز الثقافية والمتاحف الأثرية، وغابت كل الأنشطة من ندوات وفعاليات واحتفالات عدا ما تخصصه لحشد المقاتلين وإدانة ما تسميه "العدوان" إضافة إلى ما تطلق عليه "أسبوع الشهيد" الذي يحتفي فيه الحوثيون بقتلاهم الذين يسقطون في جبهات القتال، ناهيك عن الأنشطة المكثفة التي يسعى الحوثيون من خلالها إلى نشر أفكارهم الإمامية وإحلال أدبيات طائفية وأفكار دخيلة، وتسخّر في سبيل ذلك كل المؤسسات في عموم البلاد.

وقد أقدمت المليشيا أواخر العام الماضي 2021 في خطوة استفزت مشاعر اليمنيين تمثلت بتحويل بيت الثقافة الشهير في صنعاء إلى متجر لبيع الملابس النسائية، إذ مثلت تلك الخطوة حكم إعدام على المركز ودوره الرائد والذي يمثل جزءا من وجدان المثقف اليمني، في خطوة لاقت استياءً واسعاً، إذ رأى كثيرون فيها رسالة تحمل إيحاءً بإهانة لهذا المكان وما يمثله من رمزية.

مكتبة أبو ذر الغفاري الواقعة في العاصمة صنعاء إحدى أشهر مكتبات صنعاء وأقدمها، والتي تأسست في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وظلت قبلة للسياسيين والمثقفين كان لها نصيب أيضا من تعسف وإرهاب المليشيا الانقلابية، فقد طالها قرار الإغلاق والتعسف، إذ أغلقت أبوابها بشكل نهائي وأفرغت من الكتب بموجب حكم قضائي من إحدى المحاكم الخاضعة لسيطرة وتسيير الجماعة الحوثية، طوى مسيرة نحو أربعة عقود مثلت فيها واحدة من أهم روافد الفكر والثقافة في صنعاء واليمن عموماً.

ولا يفتأ الحوثيون في حربهم الشعواء وحملتهم المسعورة ضد اليمن تاريخا وحضارة من خلال انتهاكاتهم المتواصلة، والتي لم تقتصر على الإنسان اليمني فحسب، بل امتدت لتشمل تاريخ البلاد وعراقتها الممتدة لآلاف السنين، عبر نهب وتهريب قطع ومخطوطات أثرية إلى دول عدة، ومواصلة التدمير الممنهج لما تبقّى من الآثار تارة بالنهب والتهريب والبيع، وأخرى بالاستهداف المباشر عن طريق التفجير والقصف وتحويل بعض المعالم الأثرية إلى مخازن أسلحة وثكنات عسكرية.

ومع اندلاع الحرب في محافظة تعز والقصف العشوائي الذي تشنه مليشيا الحوثي وما أحدث ذلك من دمار وفوضى فقد تم نهب وسرقة قرابة 50 في المائة من القطع الأثرية والنادرة في "الهيئة العامة للآثار والمتاحف" في مدينة تعز، حسبما أفادت مصادر رسمية.
غير أن الهيئة العامة للآثار والمتاحف تمكنت في أغسطس من العام الماضي 2021 من استعادة خمس مخطوطات أثرية ونادرة، يزيد عمرها عن 8 قرون، وذلك بمساعدة السلطات الأمنية التي تحرت وراء أشخاص كانوا قد عرضوا بيعها في مزاد علني، على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".

وتقول مصادر أن الآثار المستعادة تضم مصحفاً مكتوباً بماء الزعفران، و4 مخطوطات يهودية، كتبت باللغة العبرية وعمرها أكثر من 800 عام، ترجع ملكيتها للمتحف الوطني الذي حصل عليها من مكتبة الحبر والأديب اليهودي "سالم الشبزي"، وأكدت أنها من ممتلكات المتحف وعليها أرقام كانت قد وضعت عليها سابقاً، عقب الحصول عليها من مكتبة الأديب والحبر اليهودي "سالم الشبزي" والذي ينحدر من أصول يمنية، إضافة إلى نقوش حجرية وسيوف قديمة وتماثيل حجرية بينها تمثالان حجريان يعود تاريخ أحدهما إلى العهد الحميري، بينما يعود الآخر إلى عصر ما قبل الإسلام، كانت معروضة للبيع من قبل عصابة متخصصة بنهب الآثار.

ففي العام 2016 قصفت مليشيا الحوثي بالمدفعية الثقيلة مقر الهيئة العامة للآثار والمتاحف والمخطوطات في مدينة تعز، وأدى القصف إلى احتراق المتحف الوطني والمخطوطات الموجودة بداخله، حيث يعد المتحف المبنى الوحيد الذي كان يحتوي على مقتنيات قديمة ومخطوطات نادرة في محافظة تعز، إلى جانب العديد من المخطوطات التي تعود لحكام ودول تعاقبت على حكم اليمن في القرون الماضية، ليتحول المتحف بما يحتويه من كنوز تاريخية نادرة إلى أثر بعد عين.

وقد تسببت الحرب في اليمن، منذ انقلاب جماعة الحوثي خريف عام 2014 وما أعقبها من تداعيات حتى اليوم بنزيف كبير لبنك الآثار اليمني، حيث جرت عمليات نهب وتدمير للعديد من المتاحف الهامة، وأبرزها المتحف الوطني بحي كريتر قلب مدينة عدن جنوبي البلاد، الذي يعود بناؤه إلى العام 1918 وتحول إلى متحف في العام 1971.
ووفقا للباحث والكاتب عادل الأحمدي فقد "تعرض المتحف لقصف مباشر، ثم تعرّضت محتوياته للنهب، ويربو عددها على 5000 قطعة أثرية تعود إلى مختلف مراحل التاريخ اليمني القديم والحديث والمعاصر، ولايزال مصير هذه الآثار مجهولا حتى اليوم كما لايزال مبنى المتحف مدمراً يحتاج لعملية ترميم شاملة".

وتقول مصادر أن قيادات حوثية بارزة تنتمي إلى صعدة هرّبت منذ مطلع العام 2021 فقط أكثر من 4800 قطعة ومخطوطة أثرية يعود تاريخها لمئات السنين، حيث تم تهريبها إلى دول عربية وأجنبية من بينها إيران ولبنان، بعد أن تمت سرقتها من متاحف ومواقع أثرية واقعة تحت سيطرة الحوثيين.
وتشير بعض المعلومات نقلا عن عاملين في الهيئة العامة للآثار بصنعاء، أن الميليشيا كثّفت جهودها مؤخراً بمجال الآثار والمخطوطات، عبر نهب الكثير منها من متاحف في صنعاء ومدن يمنية أخرى، كما قامت بشراء قطع أثرية أخرى من سماسرة ومهربين ينشطون تحت سمع وبصر المليشيا الحوثية ثم تهريبها بعد تجميعها إلى جهات إيرانية.

وقد ذكرت مصادر متطابقة أن ضباطا إيرانيين من بينهم الجنرال في الحرس الثوري الصريع "حسن إيرلو" الذي لقي مصرعه بغارة لقوات التحالف أواخر العام 2021 قاموا بزيارات متكررة برفقة قيادات حوثية بارزة إلى مواقع أثرية في صنعاء القديمة وغيرها، في إطار النوايا الخبيثة في السعي إلى نهب المزيد من القطع والمخطوطات الأثرية اليمنية.

وبحسب المصادر ذاتها فقد كشفت في وقت سابق أن زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي تمكّن من الحصول على مبالغ طائلة قدرت بعشرات الملايين من الدولارات عن طريق عمليات منظمة لتهريب الآثار اليمنية والتي تتم بإشراف مباشر منه، وتتولاها مافيا آثار تضم شخصيات إيرانية وأخرى لبنانية تابعة لحزب الله، في أكبر عملية تهريب للقطع الأثرية التي لا تقدر بثمن ، إذ وبحسب أمين العاصمة صنعاء في الحكومة الشرعية "عبد الغني جميل" فإن الميليشيا باشرت بتهريب وإخفاء ما يزيد على 14 ألف مخطوطة يمنية نادرة ومئات القطع الأثرية.

التجريف للتاريخ والحضارة اليمنية كان ومازال السمة الأبرز للإماميين، وتغيير الهوية اليمنية واحدة من المهام التي حملها الإماميون على عاتقهم قديما وحديثا، وذلك ما تمثله المواجهات المحتدمة بين الإمامة ورموز الثورة والحرية والنضال، بدءًا بنشوان الحميري وأبو الحسن الهمداني وليس انتهاءً بالفقيه سعيد ورواد الثورة اليمنية الحديثة.
ووفقا لباحثين ومختصين في التاريخ اليمني فإن تلك المواجهة المحتدمة بين الإماميين ورموز النضال وقادة الفكر والتنوير ربما تكون وراء اختفاء ستة أجزاء من مخطوط كتاب "الإكليل" للحسن ابن أحمد الهمداني الذي كانت له جهود جبارة في إبراز التاريخ اليمني من مصادره ومراجعه الصحيحة.
فقد اختفت ستة أجزاء من كتاب الإكليل من أصل عشرة أجزاء هي حصيلة جهد جبار بذله الهمدني ودون فيه معلومات ثمينة عن تاريخ اليمن وحضارتها وتراثها، وسجل فيه حقائق نادرة عن اليمن الأرض والإنسان والحضارة.

يجهد الحوثيون لطمس حضارة اليمن وإخفاء معالمها وكل ماله علاقة بأدوار اليمنيين الحضارية قبل وبعد الإسلام، وإحلال مايسمونه بالهوية الإيمانية مكانها، وهي فكرة مرتبطة بتمجيد دورهم التاريخي والديني في اليمن باعتبارهم السلالة المصطفاة صاحبة الحق الإلهي في الحكم التي اختارها الخالق عز وجل من بين جميع الناس ووهبها حق احتكار السلطة والثروة كامتياز خاص بها لمجرد صلتها كما تدعي بالبيت النبوي، وهي مزاعم لا تثبت من جانب، ولا يترتب عليها من جانب آخر، لا شرعا ولا عرفا أي حقوق خاصة دونا عن سائر الناس.

كلمات دالّة

#اليمن