السبت 04-05-2024 22:54:23 م : 25 - شوال - 1445 هـ
آخر الاخبار

فبراير والتغيير السياسي.. الفرق بين النضال السلمي للأحزاب وإرهاب المليشيا الحوثية

الخميس 17 فبراير-شباط 2022 الساعة 06 مساءً / الإصلاح نت-خاص-عبد السلام الحاتمي

 


ارتبطت التعددية السياسية والحزبية في اليمن بالنضال السلمي كوسيلة حضارية لنيل الحقوق والحريات، وبما أن الأحزاب السياسية اليمنية، بمختلف توجهاتها الأيديولوجية، حملت على عاتقها مهمة توعية الشعب بأهمية النضال السلمي، فإن ثورة 11 فبراير 2011 كانت حصيلة تلك التوعية، أي أن الأحزاب السياسية تمكنت من ضبط وتوجيه الغضب الشعبي للمطالبة بالحقوق المشروعة وجعله في نطاق النضال السلمي بعيدا عن إشعال الحروب ورفع السلاح في وجه الدولة مهما كانت الدوافع والمبررات.

على النقيض من ذلك فإن مليشيا الحوثي الإرهابية الموالية لإيران انتهجت أسلوبا دمويا للسيطرة على السلطة، وأدخلت البلاد في حرب أهلية مدمرة، ورفضت كل دعوات الحل السياسي السلمي، وجرفت معها العملية السياسية برمتها وأحلت مكانها لغة السلاح والعنف، وشرعت تنشر الخراب والدمار والرعب في كل مكان تصل إليه، ثم عملت- وعن قصد وسبق إصرار- على نشر الطائفية متضمنة خرافة الولاية والاصطفاء السلالي ومزاعم الحق الإلهي، وكرستها عبر ثقافة العنف والإرهاب في أوساط المجتمع، وهدمت الدولة ونظامها السياسي وعادت بالبلد الى ماقبل الدولة، وهو ما دفع شباب التغيير السلمي إلى الالتحاق بالجيش الوطني والمقاومة الشعبية لاستعادة الدولة والشرعية السياسية والحرب ضد المليشيا الحوثية الإرهابية.

- كيف رسخت الأحزاب ثقافة النضال السلمي؟

في تاريخ اليمن المعاصر، كان انتقال السلطة يتم بالعنف، وحصل اغتيال رؤساء والانقلاب على آخرين ومغادرتهم أو نفيهم إلى خارج البلاد، كما اندلعت حروب أهلية بسبب الخلافات على السلطة وصراعات وإقصاءات من السلطة ضمن صراع أجنحة الأنظمة الحاكمة، فضلا عن الأبعاد الأيديولوجية للصراع وامتداداتها الأجنبية خلال النصف الثاني من القرن الماضي.

وحتى لا يستمر ذلك النهج، تم التوافق على أن ترتبط الوحدة اليمنية بالتعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، حتى لا تتكرر دورات العنف والتي بدورها تؤدي إلى انقسامات اجتماعية وتؤخر التنمية وتزيد من الأعباء المعيشية على المواطنين وتخلق انقسامات وثارات حادة تنفجر في وجه الجميع كلما تهيأت لها الأسباب، ولم يقتصر ضررها على الداخل وإنما تؤثر تداعياتها على أمن دول الجوار أيضا.

ونظرا لأن ثقافة النضال السلمي كانت جديدة على المواطنين، فإن الأحزاب السياسية المعارضة في اليمن، وفي مقدمتها الإصلاح، أخذت على عاتقها مهمة التوعية بتلك الثقافة، لإعادة ضبط إيقاع الشارع، وتوجيهه الوجهة السليمة لرفع مطالبه ومظالمه والتعبير عن همومه، والتشديد دائما على أن يظل الخلاف السياسي والتعبير عن مختلف المطالب في نطاق النضال السلمي، وجسدت الأحزاب تلك الثقافة عمليا، وبدأت تدريجيا خلال التسعينيات من القرن الماضي، ثم برزت كظاهرة لافتة تكتسب زخما شعبيا واسعا منذ تأسيس تكتل أحزاب اللقاء المشترك في عام 2003، حيث بدأت أحزاب المعارضة منذ ذلك الحين تدعو المواطنين إلى الخروج في مظاهرات شعبية سلمية من حين لآخر للضغط على النظام الحاكم للمطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين ومكافحة الفقر والبطالة.

ورغم عدم مبالاة النظام الحاكم بتلك المظاهرات والاحتجاجات السلمية، إلا أن الأحزاب السياسية المعارضة ظلت تقنع أنصارها أنه مهما كانت استجابة النظام الحاكم لمطالب المتظاهرين منعدمة أو بطيئة، لكنها تظل أفضل من استخدام العنف أو رفع السلاح في وجه الدولة نظرا لما سيترتب على ذلك من حرب أهلية مدمرة، وأن الاستمرار في النضال السلمي كفيل بتراكم الضغط على النظام الحاكم للاستجابة للمطالب الشعبية ومطالب أحزاب المعارضة بتحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي ونزاهة الانتخابات وتحقيق مبدأ المواطنة المتساوية ومحاربة الفساد المالي والإداري في أجهزة الدولة المختلفة، وجعل معيار التوظيف وشغل المناصب العليا يخضع لمبدأي الكفاءة والنزاهة.

- 11 فبراير والانضباط السلمي

تمثل ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية حصيلة النضال السلمي الذي ظلت الأحزاب السياسية المختلفة ترسي أسسه وتوجه الجماهير نحوه، وربما أنه لولا نشر الأحزاب لثقافة النضال السلمي لكانت قد اندلعت دورات عنف بشعة كلما وصلت الأزمات السياسية في البلاد إلى طريق مسدود، خصوصا أن البلاد كانت تشهد أزمات عدة، مثل التمرد الحوثي في صعدة، وظهور مطالب الانفصال في جنوب اليمن من قِبَل بعض الفئات، وتمدد تنظيم القاعدة في بعض المناطق، فضلا عن الأزمة المعيشية والاقتصادية وتدهور الخدمات العامة.

وليس مبالغة القول بأن نشر الأحزاب السياسية لثقافة النضال السلمي وتجسيدها عمليا قد حمى النظام الحاكم من الاصطدام مع الشعب مباشرة أو مع بعض الفئات التي كانت ترفع مطالب معينة كتعبير عن سخطها من الأوضاع التي تشهدها البلاد بشكل عام. وعندما اندلعت ثورة 11 فبراير الشعبية السلمية، ووجدت أحزاب المعارضة أن الحوارات مع النظام الحاكم وصلت إلى طريق مسدود، فإنها أعلنت تأييدها لمطالب شباب الثورة بعد نحو أسبوعين من بدء الاعتصامات في ساحات الحرية والتغيير، كما دعت أنصارها إلى الالتحاق بتلك الساحات.

ولكي لا تصل الأوضاع المتوترة إلى حد الانفجار، فقد قدمت أحزاب المعارضة نفسها كحامل سياسي للثورة، ومضت في التفاوض مع النظام الحاكم بصيغة جديدة تحت لافتة "المسار السياسي للثورة"، وأفضت العملية التفاوضية تلك إلى التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. ورغم رفض الشباب المعتصمين في الساحات أن تتحول ثورتهم إلى عملية تفاوضية باعتبار ذلك سيحرف الثورة إلى مجرد أزمة سياسية بين النظام الحاكم وأحزاب المعارضة، لكن أحزاب المعارضة أقنعت المعتصمين في الساحات بأن العملية التفاوضية تأتي حرصا منها على إبقاء الوضع في الفضاء السياسي وخشية منها من أن تصل الأوضاع إلى مرحلة الحرب الأهلية، وحينها سيفقد العمل السياسي السلمي دوره، وسيطغى صوت الرصاص على كل شيء.

- ضرورة استمرار الثورة ضد المليشيا الحوثية

إذن، لقد ارتبط النضال السلمي للأحزاب السياسية بطبيعة تكوينها المدني وفقا لدستور البلاد، وكانت المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات السلمية من الوسائل التي كفلها الدستور للمواطنين للتعبير عن مطالبهم المشروعة، وهو ما تجسد طيلة عقدين من الزمان (منذ إعادة تحقيق الوحدة الوطنية عام 1990 وحتى مطلع عام 2011). وخلال تلك المدة، التي هي عمر تجربة التعددية السياسية في البلاد قبل الانقلاب الحوثي، ظل النضال السلمي للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني الوسيلة الوحيدة للتعبير عن المطالب المشروعة، بصرف النظر عن مدى استجابة النظام الحاكم لها.

غير أن مليشيا الحوثي الإرهابية لم تكتفِ فقط بالانقلاب على السلطة الشرعية، وإنما انقلبت على النظام السياسي برمته، وانقلبت على الدستور والقانون، وانقلبت على تجربة التعددية السياسية والحزبية التي كفلها دستور البلاد، وهدمت الدولة ومؤسساتها تماما، وانقلبت أيضا على القيم الدينية والأعراف القبلية الأصيلة، وهدمت حتى ما يمكن وصفه بالنظام الأخلاقي للمجتمع، كما هدمت كل حقوق المواطنة المتساوية، وحاربت حتى العقيدة الدينية لتحل مكانها عقيدة فاسدة مستوردة من إيران وظيفتها الأساسية استباحة الدماء لدرجة الإيذاء الذاتي في المناسبات الطائفية، ويعكس كل ذلك طبيعتها الدموية العنيفة وتكوينها القتالي ونشأتها العنصرية.

وأمام هذا الانقلاب الشامل على الجميع، فإن الضرورة الوطنية تقتضي استمرار ثورة 11 فبراير ضد كل العراقيل التي تعترض أهدافها بتحقيق دولة مدنية حديثة تضمن الحقوق المكفولة والمواطنة المتساوية وغير ذلك من الأهداف والشعارات التي رفعتها، وتمثل مليشيا الحوثي الإرهابية أبرز الأخطار التي تهدد الثورة وتقف في طريقها وتعيقها عن تحقيق ولو أبسط أهدافها، وتهدد مستقبل البلاد بشكل عام.

لقد ارادت ثورة فبراير بناء دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية في حين جاءت مليشيات الحوثي لهدمها واستبدالها بنظام إمامي كهنوتي لايعترف لأحد بحق ولا يؤمن بحق الشعب في الاختيار أو المشاركة السياسية. وفيما سعت ثورة فبراير إلى التغيير السياسي السلمي عبر الحوار والتفاوض والمشاركة السياسية فقد سارعت مليشيات الحوثي إلى استخدام الإرهاب والعنف والانقلاب على النظام والشرعية الدستورية وإحلال الفوضى والتسلط والاستبداد مكانها واحتكار السلطة والثروة لمحاولة إعادة بناء نظام كهنوتي متخلف ركله الشعب من سابق كما يفعل اليوم مع الإماميين الجدد في ساحات الشرف والبطولة.

كلمات دالّة

#اليمن