الجمعة 29-03-2024 15:35:04 م : 19 - رمضان - 1445 هـ
آخر الاخبار

الأمم المتحدة ودعم الشرعية في اليمن..فرص النجاح وأساليب الفشل (الحلقة الأخيرة)

الأربعاء 15 نوفمبر-تشرين الثاني 2017 الساعة 08 مساءً / الإصلاح نت – خاص/ فهد سلطان  

    

من الصعوبة القول أن منظمة الأمم المتحدة تعمل بحياد تجاه قضايا الشعوب حول العالم, فعدد من الحروب والكوارث التي حصلت خلال فترة عملها أظهرها بصورة سوداوية وقاتمة، ولولا حماية الدول الكبرى لها لرفضت الدول والشعوب التعامل معها.

واحدة من المشكلات التي باتت تلاحق المنظمة أنها تعمل وفق أجندات الدول الكبرى وتنفذ مصالحها حول العالم وخاصة في الدول الفقيرة ومنها الدول العربية. ومنذ بزوغ الربيع العربي وحتى اليوم يمكن القول أن دور الأمم المتحدة كان سلبياً في الكثير من محطاته وكانت هذه المنظمة جزءاً من المشكلة رغم المحاولات في تجميل صورتها القبيحة.

في أحد التقارير لهذا العام يقدِّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن حوالي ثلاثة ملايين شخص أجبروا على الفرار من منازلهم منذ بدء النزاع(1)، في حين يواجه أكثر من سبعة ملايين شخص خطر الجوع ويحتاج نحو 19 مليون شخص من أصل 27.4 مليون شخص يشكلون سكان البلاد إلى المساعدات الإنسانية. ومنذ نيسان/أبريل 2017، أصيب أكثر من نصف مليون شخص بمرض الكوليرا الذي ارتبط تفشيه بغياب الحصول على المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي المناسبة. انتهى مقطع من التقرير, ونلاحظ هنا أن الكلام عام دون أن تحمل أي طرف مسؤولية ما يجري فهي هنا تمارس الحياد السلبي الذي يغيب الحقيقة ويقيدها ضد مجهول.

ففي الوقت الذي تمارس فيه مليشيات الحوثي همجيتها بارتكاب اعتداءات وانتهاكات مستمرة ومروعة على منظمات محلية وبعضها تابعة للأمم المتحدة, إلى جانب جرائم ترتكبها يوميا بحق الشعب اليمني، على مرأى ومسمع من العالم بأسره، نرى الأمم المتحدة تحت تمارس دور المتفرج بل والمتخاذل, ليس ذلك فحسب بل وتعتمد على التقارير المغلوطة التي لا تقوم على أي أسس مهنية أو قانونية وترفعها منظمات مشبوهة وليست على درجة عالية من النزاهة والحيادية.

لقد تعمدت الأمم المتحدة خلال السنوات الماضية الاعتماد على مصادر غير موثوقة وغير مستقلة، حتى أن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المتعلق بالأطفال والنزاع المسلح الأخير لم يتطرق إلى قضية الألغام وتجنيد الأطفال وإعاقة مرور المساعدات الإنسانية وسرقتها والاحتماء بالمدنيين العزل وتفجير منازل المعارضين واعتقال الصحفيين وانتهاكات التي تجري في سجون صنعاء خصوصا السجن المركزي وعدد من السجون الأخرى.

وهنا يمكن القول إن الأمم المتحدة ساهمت بتعقيد الأوضاع في البلاد منذ تحركات جماعة الحوثي الانقلابية المبكرة عبر مبعوثها السابق سيء الصيت جمال بنعمر, وما تلاه من تغييب متعمد للحقائق وإخفائها والتستر على جرائم المليشيات والتي لا تزال حتى اللحظة, وكأن المنظمة تبارك هذه الأعمال كي يستمر تواجدها في البلاد لمدة أطول.

يتواجد اليوم كافة الأدلة الفاضحة والدامغة وبعضها موثق بالصوت والصورة لاستخدام الحوثيين المدنيين كدروع بشرية, والزج بآلاف بالأطفال والقاصرين في المعارك العسكرية دون تدريب أو تأهيل كل ذلك دون أن تحمل المليشيات المتطرفة كل المسؤولية حيال تجاوزاتها بهذه الجرائم والانتهاكات وإذا ذكرت هذه القضايا في بعض تقاريرها تناولتها بشكل لا يوحي بأي اتهام مباشر فالمنظمة تستخدم جمل "جميع الأطراف" والتي تغيب الحقيقة داخل هذه المصطلحات المشبوهة.

ومن الحقائق التي باتت شاهدة للعيان هو تتجاهل تقارير الأمم المتحدة المعاناة الإنسانية التي تعاني منها المناطق الخاضعة للشرعية وتوجيه التركيز الدولي على المناطق الخاضعة للانقلاب فقط, وهو ما يبرر ممارسات الانقلابين وعدوانهم كوضعهم في صورة أصحاب الحق، فهي تتهرب من التواجد في مناطق الشرعية فيما تعمل مكاتبها في العاصمة صنعاء مكان الانقلاب, وسبق أن كشفنا في الحلقة الماضية كيف أن المنظمة كانت تتعامل مع احد قيادات الحوثيين باعتباره قائماً بأعمال وزير الخارجية في حكومة الانقلاب في تجاهل بارز وواضح للشرعية.

في منتصف فبراير/ شباط 2017م أشارت الأمم المتحدة إلى احتمال أن يكون الحوثيون قد استخدموا المدنيين دروعا بشرية خلال المعارك التي دارت ضد القوات الحكومية المدعومة بتحالف تقوده السعودية في ميناء المخا، على البحر الأحمر, وتحدثت المفوضية السامية لحقوق الإنسان عن تقارير بأن "قناصة أطلقوا النار على عائلات همت بالهروب من المعارك في المخاء", ويلاحظ هنا أن الأمم المتحدة تناولت الحادثة بما يوحي أنها لم تتثبت بعد هذا جانب, والآخر أنها تتجاهل عن سبق إصرار وترصد الجرائم المروعة للحوثيين في مدينة تعز إذا ما علمنا أن عشرات من الأطفال والنساء سقطوا جراء استهداف عدد من القناصين للمارة والمدنيين في الشوارع والمساكن المأهولة بالسكون, ومثل هذه الأساليب يتكرر عبث الامم المتحدة وتغطيتها على جرائم المليشيات, فالمنظمة تركز على الجانب الإنساني الذي سيكون لها حضور بارز في موضوع المعونات الإنسانية إذا ما عرفنا ومن مصادر مؤكدة أن الأمم المتحدة تصرف مبالغ كبيرة في إيصال المساعدات الإنسانية بما يصل إلى خمسة أضعاف قيمة المادة المقدمة كلها أجور الإيصال وهذا القدر يكفي لدور الأمم المتحدة وكيف تتاجر بمعاناة الشعوب والدول.

وفي تقرير حديث للمنظمة تحت عنوان "كارثة من صنع الإنسان بالكامل" صادر عن مقر المنظمة في جنيف بتاريخ 5 أيلول/سبتمبر 2017 – أشار التقرير إلى أن الانتهاكات والإساءات لحقوق الإنسان لا تزال مستمرة في اليمن وبلا هوادة، إلى جانب انتهاكات شديدة للقانون الدولي الإنساني، ويقبع المدنيون في ظل معاناة شديدة بسبب "كارثة صنعها الإنسان بالكامل".

ويوثق التقرير منذ أيلول/سبتمبر 2014 ، والذي جاء بتكليف من مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الانتهاكات والإساءات لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والتي جرى ارتكابها على مدى ثلاث سنوات، وفي الفترة المحصورة من آذار/مارس 2015، الى 30 آب/أغسطس 2017 ، أي الفترة التي بدأ فيها مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بإعداد التقارير حول عدد الإصابات بين المدنيين، جرى توثيق مقتل ما لا يقل عن 5,144 شخصاً وجرح أكثر من 8,749 شخصاً*. وشكَّل الأطفال 1,184 شخصاً من أصل الذين قُتلوا و1,592 من أصل أولئك المصابين بجروح. وظلت الغارات الجوية التي نفذها التحالف السبب الرئيسي لإصابات الأطفال وكذلك إجمالي الإصابات التي تعرَّض لها المدنيون. وأفادت التقارير أن حوالي 3,233 شخصاً من المدنيين قُتلوا على يد قوات التحالف.

سيلاحظ المتابع بوضوح أن المنظمة تعاملت مع الانتهاكات منذ انطلاق عاصفة الحزم أواخر مارس/ اذار 2015م دون أي حديث عن الانتهاكات المروعة التي جرت منذ الانقلاب على العاصمة صنعاء وحتى ذلك التاريخ, وهي الجرائم والانتهاكات المروعة التي لم يجري لها مثيل من قبل, كل ذلك أخفته الأمم المتحدة في تقاريرها واكتفت أن تتحدث بعد ذلك التاريخ وتتحدث عن "كل الأطراف" في تعويم وتغييب متعمد للحقيقة.

وفي ذات التقرير، وللمرة الأولى، يتحدث التقرير أنه ومن أصل 1,702 حالة تجنيد للأطفال استخدموا في الأعمال القتالية، كانت اللجان الشعبية التابعة للحوثيين ووحدات الجيش الموالية للرئيس السابق عبد الله صالح (الحوثيون/قوات صالح) مسؤولة عما نسبته 67 بالمئة. ورصد مراقبو الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في كثير من الأحيان أطفالاً لا تزيد أعمارهم عن عشر سنوات بملابس عسكرية و مسلحين، وهم يحرسون نقاط تفتيش. كما تبيَّن أيضاً أن الحوثيين/قوات صالح مسؤولون عن ازدياد الاعتقالات العشوائية أو غير القانونية.

ويواصل التقرير حديث القول إن "المحافظات الأكثر تضرراً من النزاع كانت عدن والحديدة وصنعاء وتعز. وأشار التقرير إلى أن الأزمة الإنسانية – التي يحتاج بفعلها حوالي 18.8 مليون شخص إلى المساعدات الإنسانية ويقف بسببها 7.3 ملايين شخص عند حافة الجوع – هي نتيجة مباشرة لسلوك أطراف النزاع، بما في ذلك الهجمات العشوائية والهجمات ضد المدنيين والممتلكات المحمية وعمليات التضييق والحصار والقيود على التنقل.

بلا كثير عناء يظهر العوار في تقارير الأمم المتحدة وتحيزها وعبثها الواضح بالتقارير التي ترفع وتقدم الى الأمم المتحدة ومجلس الأمن, وما حاولنا في هذه الحلقات ليس سوى تسليط الضوء وهذا غيض من فيض, وإلا فالموضوع يحتاج الى دراسة اشمل لكشف هذه التعامل المزدوج, وكيف أن هذه المنظمة كانت السبب في تنامي مشروع الحوثيين وحفظه وإفشال أية محاولات لإسقاطه.

........................

هوامش:

1-   رابط التقرير من موقع منظمة الامم المتحدة http://www.ohchr.org/AR/NewsEvents/Pages/YemenReport2017.aspx

2-   رابط التقرير من صفحة المنظمة http://www.ohchr.org/AR/NewsEvents/Pages/DisplayNews.aspx?NewsID=22025&LangID=A